الجمعيات الدينية في مصر كثيرة يصل عددها لما يقرب من 16 ألف جمعية، منها ما يعمل في مجال الدعوة، ومنها ما يعمل في المجال الخدمي، إلا أن بعض هذه الجمعيات لاحقتها الشبهات بعد ثورة 25 يناير لتلقيها أموالاً من الخارج أدي لإقامة دعوي وخاصة بعد أن بلغت إحدي الجمعيات لما يقدر ب 181 مليون جنيه منذ قيام الثورة وحتي شهر نوفمبر الماضي، والغريب في الأمر ان بعض الجمعيات الأهلية المسيحية دخلت أيضا حلبة المنافسة للحصول علي جزء من التبرعات الأجنبية، وتناست هذه الجمعيات أن دورها الأساسي تقديم خدمات للمواطنين بدون تحقيق أرباح. وفقا لإحصاءات وزارة الشئون الاجتماعية تقدر عدد الجمعيات الأهلية في مصر بحوالي 36 ألف جمعية 35٪ منها جمعيات دينية، أي أن هناك ما يقرب من 16 ألف جمعية ذات توجهات دينية سواء إسلامية أو مسيحية، بعض هذه الجمعيات ثبت تورطها في تلقي أموال من الخارج خاصة بعد قيام الثورة، وبعد الكشف عن قضية التمويل الأجنبي وعدم التعرض لهذه الجمعيات تعالت الأصوات مطالبة بمعاملة هذه الجمعيات بالمثل، وهو ما حدا بالمحامي عبدالله إبراهيم لإقامة دعوي قضائية في شهر فبراير الماضي مطالبا بحل عدد من هذه الجمعيات الدينية، كما طالب بتصفية أموال الكنائس المصرية وجماعة الإخوان المسلمين والدعوي السلفية وجمعية أنصار السنة المحمدية، والجمعية الطبية الإسلامية وإحالة المسئولين عنها للنيابة. وطالبت الدعوي التي ينظرها مجلس الدولة بإلزام كل من رئيس الوزراء ووزراء العدل والداخلية والتأمينات والشئون الاجتماعية بحل كل جمعية أو مؤسسة أهلية لم تعدل نظامها أو توفق أوضاعها وفقا للقانون، أو تتلقي تمويلا داخليا أو خارجيا بدون موافقة الحكومة، أو انفقت أموالا في غير الأغراض المخصصة لها، وأكدت الدعوي أنه تلاحظ في الآونة الأخيرة أن الكثير من الهيئات والمؤسسات الإسلامية والمسيحية مثل الكنائس والإخوان والدعوي السلفية وجمعية أنصار السنة المحمدية والجمعية الطبية الإسلامية وغيرها من الجمعيات الدينية تمارس أنشطة مخالفة للقانون، وتتلقي تمويلا من الداخل والخارج بغير موافقة وزارة الشئون الاجتماعية والحكومة. وكانت الفترة الماضية شهدت مخالفات جمة من قبل بعض هذه الجمعيات التي اشتركت في العمل السياسي عن طريق دعم بعض مرشحي الرئاسة، والانفاق علي حملاتهم، بل إن المجلس العسكري كشف من قبل عن تلقي جمعية أنصار المحمدية لتبرعات من الخارج قدرت بحوالي 181 مليون جنيه، وهو ما نفته الجمعية في أحد بياناتها، مؤكدة أنها جمعية خدمية وأن التبرعات التي جاءتها من قطر مخصصة للأيتام وللانفاق علي مشروعات الجمعية. وإذا كانت الإحصاءات تتحدث عن 16 ألف جمعية دينية في مصر فإن دراسة هاني شيرة حول الجمعيات الخيرية والإنسانية الإسلامية في مصر، كشفت عن أن معظمها جمعيات غير فاعلة، فعدد الجمعيات العاملة بالفعل لا يتعدي بضع مئات، ومعظمها يعمل في مجال الدعوة، مثل الجمعية الشرعية ومنها جمعيات ذات طابع خدمي في مجالات رعاية الأيتام، والأرامل والخدمات الصحية والتعليمية. وعودة إلي تاريخ هذه الجمعيات الدينية نجدها قد تعرضت لهجمة شرسة إبان ثورة يوليو 1952 حيث تم حل مجالس النقابات المهنية وإلغاء الوقف الأهلي الذي كان يمثل رافدا أساسيا في تمويل هذه الجمعيات والمؤسسات، كذلك ونظرا لسيطرة جماعة الإخوان المسلمين والجماعة الإسلامية علي عدد من هذه الجمعيات في فترة السبعينيات والثمانينيات ضيقت الحكومة عليها الخناق، حتي تم إغلاق عدد كبير منها، وبعد الثورة قامت هذه الجمعيات من جديد، وبدأ بعضها يخرج عن الدور المنوط له، وبدلا من الاكتفاء بدورها الخدمي والدعوي، شاركت في العمل السياسي خاصة في دعم المرشحين الإسلاميين في الانتخابات الرئاسية، وتلقت تبرعات من الخارج لم تعرف أوجه انفاقها علي وجه التحديد. ويري الدكتور نبيل عبدالفتاح الباحث رئيس تحرير التقرير الديني بمركز الأهرام للدراسات السياسية أن هذه الجمعيات الدينية نشأت في الأصل لبعث الروح الدينية ضد الاحتلال البريطاني، ولكن بمرور الوقت تغلبت العوامل السياسية علي عمل هذه الجماعات خاصة بعد ظهور جماعة الإخوان المسلمين علي الساحة عام 1928، وأصبحت بعض هذه الجماعات توظف الدين لخدمة أغراض سياسية، وبناء علي هذا المد الإسلامي للجمعيات الدينية ظهرت جمعيات أهلية مسيحية، تعتمد في أجندتها علي الكنيسة سواء من ناحية أنشطتها أو المستفيدين من خدماتها، ونطاق عملها، ولكن هذه الجمعيات لم يكن لها دور انمائي مشترك إنما اكتفت كل منها بتقديم الدور الذي رأت انه يخدم أغراض جماعتها الدينية، وبذلك اختفي الدور الوطني لهذه الجمعيات واهتمت فقط بتحقيق أهداف سياسية ودينية، دون تحقيق أهداف خدمية خالصة لكل المصريين. ولكن الناشط الحقوقي نجاد البرعي يري أن من حق أي جمعية أهلية أن تعمل كيفما تشاء ما دامت لا تمارس نشاطا مخالفا لأهدافها، فالجمعيات الدينية جزء من منظمات المجتمع المدني التي تخضع لقوانين تنظيم عمل الجمعيات الأهلية ولرقابة واسعة من قبل وزارة الشئون الاجتماعية، وأي انحياز عن الهدف الذي أنشأت الجمعية من أجله يخضعها للقانون مما يؤدي لإغلاقها ويعرض المسئولين عنها للعقاب عن طريق قانون العقوبات. وعن قضية التمويل قال ان القانون يحكم هذه المسألة، ويعاقب أي جمعية سواء كانت دينية أو غير دينية تتلقي تمويلا دون علم الوزارة المسئولة أو تنفق هذه الأموال في غير الأغراض المخصصة لها. من ناحية أخري يري الدكتور محمد إسماعيل أستاذ التشريعات الاجتماعية بكلية الحقوق جامعة بني سويف أن القانون يشترط علي هذه الجمعيات عدم قبول أي هبات أو تبرعات سواء من الداخل أو الخارج إلا بعد موافقة الجهة الإدارية، ومجال عملها وكيفية انفاق هذه الأموال كلها تخضع للنظام الأساسي للجمعية الذي يدون في أوراق إشهارها، وأي مخالفة لهذا النظام الأساسي يضعها تحت طائلة القانون، ويؤكد ان عمل هذه الجمعيات في السياسة محظور، ومن هنا يجب عقاب أي جمعية تشتغل في العمل السياسي، فهذه الجمعيات خدمية وبعضها له أغراض دعوية أما العمل السياسي فله قنوات أخري، ولايجوز اشتغال هذه الجمعيات به.