وزير التموين: انتظام صرف الخبز المدعم بجميع المحافظات بصورة طبيعية بعد أزمة حريق سنترال رمسيس    5308 جنيها لهذا العيار، أسعار الذهب صباح اليوم الثلاثاء    مسيرة إسرائيلية تقصف فلسطينيين في دير البلح    إجراء قرعة دوري المحترفين بمشاركة 18 ناديًا اليوم    الأدلة الجنائية ترفع البصمات من محيط سنترال رمسيس وتشكيل لجنة هندسية لحصر أضرار الحريق    حجبت الشمس عنها، والدة طالبة بالثانوية تساعد ابنتها على مراجعة الديناميكا قبل الامتحان (صور)    رغم غيابه عن الجنازة، وعد كريستيانو رونالدو لزوجة ديوجو جوتا    طقس اليوم الثلاثاء، ذروة الموجة الحارة ورياح وشبورة كثيفة على هذه المناطق    بيونسيه وذا ويكند يتعاونان في أغنية لكأس العالم 2026    احمي نفسك وأنقذ غيرك، هيئة الدواء تطالب بهذا الإجراء فورا حالة ظهور أي آثار جانبية للأدوية    التأمين الصحي ببني سويف يبدأ تنفيذ خطة محكمة لتنظيم الكشف الطبي للطلاب    رابط تنسيق الدبلومات الفنية 2025.. مؤشرات كليات ومعاهد دبلوم صناعي 3 سنوات    طلب إحاطة عاجل بسبب توقف خدمات الاتصالات والإنترنت والمصارف عقب حريق سنترال رمسيس    «معايا هيبقى حاجة تانية».. عبد الواحد السيد: جوميز طلب بيع زيزو والتعاقد مع نجم سيراميكا    ماذا قدم تشيلسي أمام الأندية البرازيلية قبل مواجهة فلومينينسي؟    هشام يكن: جون إدوارد و عبد الناصر محمد مش هينجحوا مع الزمالك    وسط صراع ثلاثي.. الأهلي يحدد مهلة لحسم موقف وسام أبوعلي    سبب تأخر انضمام صفقتي الزمالك للتدريبات.. الغندور يكشف    شعبة المخابز تحذر من احتمالية تعطل شبكة صرف الخبز بعد حريق سنترال رمسيس    اتحاد بنوك مصر: البنوك ستعمل بشكل طبيعي اليوم الثلاثاء رغم التأثر بحريق سنترال رمسيس    من البيت.. طريقة استخراج جواز سفر مستعجل إلكترونيًا (الرسوم والأوراق المطلوبة)    فريد البياضي: هل يُعقل أن يشلّ حريقٌ في سنترال واحد الدولة؟ أطالب بمحاسبة المقصرين في تأمين منشآت الاتصالات    آخر تطورات حريق سنترال رمسيس فى تغطية خاصة لليوم السابع (فيديو)    بعد حريق سنترال رمسيس.. «إسعاف المنوفية» ينشر أرقام الهواتف الأرضية والمحمولة البديلة ل 123    ترامب: إيران لن تصبح دولة نووية.. وآمل أن تكون الحرب مع إسرائيل قد انتهت    وفاء عامر تتصدر تريند جوجل بعد تعليقها على صور عادل إمام وعبلة كامل: "المحبة الحقيقية لا تُشترى"    أحمد السقا ينشر صورًا من العرض الخاص لفيلم «أحمد وأحمد» من الرياض    «غفران» تكشف التفاصيل.. كيف استعدت سلوى محمد على لدور أم مسعد ب«فات الميعاد»؟    نتنياهو: سكان قطاع غزة يمكنهم البقاء أو المغادرة طواعية.. وترامب يستحق جائزة نوبل للسلام    ترامب يفرض رسومًا جمركية على 14 دولة (تعرف عليها)    ترامب: حماس تريد وقف إطلاق النار فى غزة ولا أعتقد وجود عراقيل    نتنياهو: إيران كانت تدير سوريا والآن هناك فرصة لتحقيق الاستقرار والسلام    5 وظائف جديدة في البنك المركزي .. التفاصيل والشروط وآخر موعد ورابط التقديم    البيت الأبيض: مجموعة بريكس تسعى إلى تقويض المصالح الأمريكية    التعليم العالي يوافق على إنشاء جامعة العريش التكنولوجية.. التفاصيل الكاملة    وزير العمل: صرف نحو 23 مليون جنيه كتعويضات للعمالة غير المنتظمة في 2024    فاعل خير يتبرع ب38 مليون جنيه لأسر ضحايا حادث المنوفية    على خلفية حريق سنترال رمسيس.. غرفة عمليات ب «صحة قنا» لمتابعة تداعيات انقطاع شبكات الاتصالات    استشهاد 16 فلسطينيا في غارات الاحتلال على النصيرات وغزة    سعر الفراخ البيضاء والساسو وكرتونة البيض الأبيض والأحمر بالأسواق اليوم الثلاثاء 8 يوليو 2025    لا تتسرع للاستنتاجات.. حظ برج القوس اليوم 8 يوليو    انطلاق فعاليات معرض مكتبة الإسكندرية الدولي للكتاب في دورته ال 20.. المعرض بمشاركة 79 دار نشر مصرية وعربية.. 215 فعالية ثقافية على هامش المهرجان ل 800 محضر.. خصومات تصل إلى 30%.. فيديو وصور    جمال عبد الحميد: دخلت السينما وسط تهافت المنتجين.. واعتزلت فجأة بعد خطبة جمعة    عماد الدين حسين: العلاقات المصرية الصومالية تاريخية وجرى ترفيعها لآفاق الشراكة الاستراتيجية    في حريق سنترال رمسيس.. وجميع الحالات مستقرة    «درجة تانية».. سيف زاهر يكشف رحيل نجم الزمالك للدوري السعودي    أهم طرق علاج دوالي الساقين في المنزل    الدكتورة لمياء عبد القادر مديرًا لمستشفى 6 أكتوبر المركزي (تفاصيل)    لعلاج الألم وتخفيف الالتهاب.. أهم الأطعمة المفيدة لمرضى التهاب المفاصل    عاجل- المصرية للاتصالات تخرج عن صمتها: حريق سنترال رمسيس فصل الخدمة عن الملايين.. وقطع الكهرباء كان ضروريًا    السعيد غنيم : مشاركتنا في القائمة الوطنية تأكيد على دعم الدولة ومؤسساتها الدستورية    مدارس البترول 2025.. الشروط والأوراق المطلوبة للتقديم    رئيس جامعة المنوفية يكرم أساتذة وأوائل الدفعة السادسة بكلية علوم الرياضة    وفقا للحسابات الفلكية.. تعرف على موعد المولد النبوي الشريف    المستشار حامد شعبان سليم يكتب عن : الفساد صناعة ?!    (( أصل السياسة))… بقلم : د / عمر عبد الجواد عبد العزيز    المستشار حامد شعبان سليم يكتب عن : حالة شكر.""؟!    نشرة التوك شو| الحكومة تعلق على نظام البكالوريا وخبير يكشف أسباب الأمطار المفاجئة صيفًا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



وجدى زين الدين يكتب: عبدالرحمن فهمى قائد النضال فى ثورة 1919
ثورة 1919 نهضة أمة وكفاح شعب (17)
نشر في الوفد يوم 14 - 02 - 2019

ناقشت الحلقة الماضية شخصية الزعيم خالد الذكر سعد زغلول، فلم يكن سعد سياسيا عاديا وإنما وطني من طراز رفيع، ولديه شجاعة نادرة لم يسبق لها مثيل. وأكثر من قرأ مذكرات الزعيم القراءة الصحيحة العالم الدكتور عبدالعظيم رمضان والذى قسم حياة الزعيم إلى أربع مراحل.
تناقش حلقة اليوم دور عبدالرحمن فهمى أحد أبرز قادة النضال ضد المستعمر الإنجليزى وأعوانه فى مصر خلال ثورة 1919، وقضى أربعة أعوام فى السجن ما بين 1920 و1924، كما تتناول هذه الحلقة دوره الصحفى الرائد عندما كان مديراً لتحرير «روزاليوسف» عام 1936 ودوره فى الهيئة السعدية وعضويته فى برلمانات أحزاب الأقلية حتى وفاته، ومن خلال رؤية للكاتب أحمد نجيب ومذكرات عبدالرحمن فهمى التى تحكى جانباً من حياته تدور الحلقة، كما تم الاستعانة بمراجع «مذكراتى فى نصف قرن» لأحمد شفيق و«سعد زغلول ودوره فى السياسة المصرية» لعبدالخالق لاشين و«موسوعة هذا الرجل من مصر» للمعى المطيعى و«تاريخ مصر» لمحمد فريد.
عبدالرحمن فهمى (بك) (1870-1946) أحد أبرز قادة النضال السرى ضد الاحتلال الإنجليزى وأعوانه فى مصر خاصة أثناء ثورة 1919 وقد تذبذب دوره فى الحركة الوطنية المصرية صعوداً وهبوطاً تبعاً لمجريات التطورات السياسية التى مرت بها البلاد.
ولد فى 3 مارس 1870 ونشأ وتربى فى منزل شقيقه الأكبر محمد ماهر باشا صديق الخديو عباس حلمى الثانى ووكيل نظارة الحربية وهى صداقة كان كرومر يعتبرها السبب الرئيسى فى تحريض عباس ضد الاحتلال ولذلك أصر كرومر إبان أزمة الحدود عام 1894 على نقل محمد ماهر من وكالة الحربية ولابد أن عبدالرحمن فهمى الذى كان ضابطاً بالجيش قد تأثر باتجاهات شقيقه المعادية للإنجليز.
ومن الطريف أن نذكر أن المنزل الذى نشأ فيه عبدالرحمن فهمى هو المبنى الذى تشغله حالياً دار الأدباء 104 شارع قصر العينى على يمين القادم من ميدان التحرير، وقد خصص الدور السفلى منه (البدروم) لأعمال الجهاز السرى الذى تولى قيادته وقت أن كان سكرتيراً عاماً للجنة المركزية ل«الوفد» التى تشكلت فى 23 نوفمبر 1918.
وينحدر عبدالرحمن فهمى من أصول شركسية وهى أصول نبت منها العديد من الأسر فى مصر مثل الأسر الأباظية ولا يعنى ذلك أن تلك الأسر غير مصرية أو أنها كانت أقل وطنية من غيرها فقد عرفت مصر خلال تلك الفترة التى برز فيها عبدالرحمن فهمى فى ميدان العمل العام ابتداء من العقد الأخير من القرن التاسع عشر، عرفت عملية مكثفة لتمصير أبناء هذه الطبقة التى انتمى إليها زعماء وطنيون قبل فرض الحماية على مصر مثل محمد فريد نفسه أو كبار رجال دولة بعد ذلك مثل عدلى يكن وعبدالخالق ثروت.
لقد التحق عبدالرحمن فهمى بالمدرسة الحربية وتخرج فيها عام 1888 واشترك فى الحملة المصرية بقيادة كتشنر لاسترداد دنقلة وبعد الحملة انضم للمعية الخديوية وفى عام 1896 عين ياور لناظر الحربية مصطفى فهمي.
وقد أثر التعليم العسكرى على مسيرة حياة الرجل مما يمكن أن نلحظه فى أكثر من جانب فهذا النوع من التعليم هو ما أعطى للرجل طابعه الذى عرفه عنه بالشدة والصرامة وهو ما شهد به مجموع الشهود الذين استدعتهم المحكمة أثناء محاكمته عام 1920 فى قضية المؤامرة الكبري.
وهذا النوع من التعليم هو الذى أهل عبدالرحمن فهمى للنجاح الباهر الذى أحرزه خلال عمله سكرتيراً للجنة المركزية ل«الوفد» ومنظماً للعمل السرى لثورة 1919، فهو بالإضافة إلى ما يتمتع به من عقلية تنظيمية قادرة على إدارة مثل هذا العمل كان فى الوقت نفسه كتوماً وقادراً بالتالى على الإمساك بخيوط العمل بين يديه.
وأخيراً فإن هذا النوع من التعليم كان الباب الذى دخل منه الرجل إلى الوظائف العامة التى شغلها خلال المرحلة الأولى من مراحل العمل العام فقد تقلب بين المناصب البوليسية والمناصب الإدارية، ففى عام 1901 نقل إلى خدمة البوليس وتنقل فى مناصبه فعين مأموراً لمركز سمالوط ثم بنى مزار ثم إمبابة.
وبين عامى 1902، 1903 عين وكيلاً لمديرية القليوبية ثم وكيلاً لمديرية الدقهلية وفى عام 1906 عين مديراً لمديرية بنى سويف، وفى عام 1908 عين مديراً لمديرية الجيزة وكانت من المديريات الكبرى التى لا يتولاها إلا شخصية مرموقة.
وفى الجيزة بدأت المتاعب التى واجهت عبدالرحمن فهمى والتى يرجع سببها فى تقديرنا إلى تمسكه باستقلاله فى اتخاذ القرار وهو ما لم يعد متاحاً فى ضوء التطورات التى جرت منذ الاحتلال البريطانى لمصر عام 1882 وما سارت عليه السياسة الإنجليزية منذ ذلك الوقت من هيمنتها على الإدارة المصرية فى البداية من خلال المستشارين الإنجليز الذين عينوا فى النظارات، ثم بعد ذلك من خلال عشرات من كبار وصغار الموظفين الذين انبثوا فى الإدارة المصرية فى القاهرة أو فى المديريات ومع هؤلاء اصطدم عبدالرحمن فهمى، حيث دب الخلاف بينه وبين المستر أيرلند مفتش رى مديرية الجيزة الذى استطاع أن يؤلب عليه زملاءه فى نظارات الأشغال والمالية والداخلية.
وانتهى الأمر بمواجهة بين الرجل والمستر هيزل مستشار الداخلية بحضور محمد سعيد باشا رئيس النظار وناظر الداخلية وحدد المستشار الإنجليزى طلباته فى أحد أمرين: إما إبعاد عبدالرحمن فهمى عن مديرية الجيزة وإما إحالته إلى المعاش، وانتهت المشكلة بنقله إلى وكالة الأوقاف فى عام 1911 بعد أن فشلت وساطة محمد
سعيد.
وفى الأوقاف اصطدم بالخديو حول صفقة أطيان المطاعنة على نحو دفع الخديو إلى إحالته إلى المعاش عام 1913 ولم يدخل الرجل بعد ذلك قط فى خدمة الحكومة.
لقد كان عبدالرحمن فهمى شأن كثيرين من قيادات العمل السياسى ينتمى إلى طبقة كبار الملاك مما يمكن استنتاجه من أكثر من حقيقة، فهو فى مقابلة ل«اللنبي» هو وأعضاء اللجنة المركزية ل«الوفد» طلب المندوب السامى من كل منهم أن يذهب إلى عزبته فأجاب عبدالرحمن فهمى بأنه ليس عنده عزبة وعندما سأله ممثل بريطانيا فى مصر عن السبب رد بأنه قد باعها منذ وقت قصير، ثم أنه فى محاكمته فى قضية المؤامرة الكبرى اعترف بأنه قبيل المحاكمة سحب مبلغ 7500 جنيه من حسابه فى البنك ليشترى 50 فداناً فى القليوبية.
وقد مكنه انتماؤه الاجتماعى من الاتصال بالطبقة والتأثير فيها مثال على ذلك ما رواه فى «صفحات مطوية من أيام الجهاد» بمجلة «الدنيا المصورة» 7 يناير 1931 عن أن شخصين من كبار رجال الحزب الوطنى فى الإسكندرية كانا فى طريقهما لأوروبا لتشكيل وفد آخر بكل مردودات هذا العمل من إضعاف الوفد المصرى فاستعان ببعض السيدات اللائى كن يعملن فى صفوف الحركة الوطنية لإقناع حرمى الشخصين عضوى الحزب الوطنى بأن قيام نفر من أبناء الأمة ضد ارادة المجموع عمل ينافى الوطنية الصحيحة ويلصق العار بفاعله أبد الدهر.
ومن حُسن الحظ أن هاتين السيدتين اقتنعتا تمام الاقتناع بصدق هذه النظرية فحالتا بين زوجيهما وبين القيام بهذا السفر بعد أن كادت محاولتهما تؤدى إلى الطلاق.
وقد أثر هذا الانتماء الاجتماعى فى جانب آخر وهو أنه كان محل ثقة سائر أعضاء الوفد فى تدبير نفقات العمل السرى الذى تولى تنظيمه وهو عمل يكون من حق المسئول الأول عنه دفع مصروفاته دون الإفصاح عن وجوه الصرف.
لقد شئنا أن نسرد هذه التفصيلات حول نشأة عبدالرحمن فهمى وتكوينه وأعماله قبل قيام ثورة 1919 لأنها تلقى أضواء على شخصية هذا الرجل، ذلك أنه من أوضح جوانب هذه الشخصية اعتدادها بنفسها وبكرامتها وشدتها فى الحق وإحساسها بجسامة المسئولية، فضلاً عن أنه أثناء خدمته بالجيش والإدارة وكثرة التنقل بين مراكز متعددة بين الوجهين القبلى والبحرى اكتسب معرفة واسعة بأحوال مصر وصلة واسعة بالشخصيات والاسر أفادته أيما فائدة فى قيادة الحركة السرية التى رفعت لواء المقاومة ضد الإنجليز.
تلك هى المرحلة الأولى من حياته، مرحلة اشتغاله بالعمل العام، أما المرحلة الثانية فهى مرحلة نضاله السرى التى سوف نتناولها فى تبيان دوره فى الحركة الوطنية.
وتأتى المرحلة الثالثة من مراحل حياته عندما بدأ بتدوين مذكراته جاعلاً نقطة البداية فيها لقاء 13 نوفمبر 1918 الشهير وتنتهى بالخلاف الذى تفجر بينه وبين سعد زغلول عام 1926 والذى اعتزل بعده الحياة السياسية برمتها، وإن كان قد امتد بكتابة مذكراته لعام آخر بعد ذلك وحتى وفاة سعد زغلول فى 23 أغسطس 1927.
وقد أسقط من هذه السنوات نحو أربعة أعوام قضاها عبدالرحمن فهمى داخل السجن بين أول يوليو عام 1920 حتى أوائل عام 1924 بعد أن تمت محاكمته مع سبعة وعشرين معه بتهمة إنشاء جمعية سرية باسم «الانتقام» كان الغرض منها خلع السلطان أحمد فؤاد وقلب حكومته والتحريض على العصيان والقتل.
وهناك إجماع بين المؤرخين على أن هذه القضية ملفقة، كما أن عبدالرحمن فهمى فى مذكراته غير المنشورة يؤكد هذه الحقيقة، ويروى الرافعى أن تلفيق هذه القضية يرتبط بهدف انجلترا فى تصفية المنظمات الثورية الموالية ل«الوفد» حين بدأ الوفد المفاوضات مع ملنر فى أوائل يونيو 1920 وبالذات ارتباط هذه القضية بموضوع استفتاء الامة بشأن مشروع التسوية (مشروع ملنر)، فقد كانت السلطات البريطانية تخشى من الدور الذى يمكن أن يقوم به عبدالرحمن فهمى وأجهزته ضد هذا المشروع الذى كان سعد زغلول يرفضه بينما قبله الكثيرون من أعضاء الوفد.
ويروى عبدالرحمن فهمى كيف أحس بأن شيئاً يدبر له من أن أشخاصاً مجهولين لم يعرفهم من قبل القبض عليه يطلبون منه الاشتراك فى أى عمليات اغتيال للإنجليز وفهم عبدالرحمن فهمى أنهم موعز إليهم بهذا من قبل الداخلية، وانتهت محاكمة عبدالرحمن فهمى فى أكتوبر 1920 بصدور الحكم بإعدامه ثم تخفيضه إلى خمس عشرة سنة.
وتأتى المرحلة الرابعة والأخيرة من حياة عبدالرحمن فهمى عندما اشتغل بالصحافة مديراً لتحرير «روزاليوسف» عام 1936 ثم انضمامه للهيئة السعدية بعد تكوينها عام
1938، وعضويته فى برلمانات أحزاب الأقلية، وحتى وفاته.. المرة الأولى فى برلمان «12/4/1938 إلى 7/2/1942» والثانية فى برلمان «18/1/1945 إلى 7/11/1949».
والملاحظ أن عودته إلى الحياة السياسية
جاءت بنشر مجموعة من المقالات فى مجلة «كل شيء والدنيا» خلال الفترة بين مارس ومايو 1935 تحت عنوان «مذكرات عبدالرحمن فهمى بك عن وظائف حكومية» كشف فيها كثيرا مما لم يكن معروفا عن حياته العامة قبل ثورة 1919. فنراه فى مطلع العام التالى 1936 يتولى إدارة تحرير روز اليوسف اليومية، وقد دأب لنحو عام على كتابة المقال الافتتاحي للجريدة ومن خلال كتاباته الصحفية ثم من خلال انتمائه للهيئة السعدية كأحد أعضائها البارزين وكأحد نوابها، يمكن استنباط مجموعة من الحقائق حول تلك الفترة الغامضة من حياته:
أولا: أنه استمر طوال الوقت داعية «للوفاق الوطنى» خاصة خلال الفترة التى تلت أحداث 1935، وبعد تكوين الجبهة الوطنية والاستعداد للمفاوضات مع الإنجليز، وتراوح نشاطه فى هذا المجال بين الدعوة «لتجنب احتدام المعارك الانتخابية» وبين الدعوة «لترك الحزبية».
ثانيا: أنه أعار القضايا العربية اهتماما ملحوظًا، خاصة أنه قد واكبت إدارته لسياسة روزاليوسف أحداث الثورة الفلسطينية عام 1936، فكتب عن فلسطين التى تجاهد و«استعرض قضيتها على العالم» بينما كان يناشد الرأى العام الإنجليزى حل القضية الفلسطينية.
ثالثا: تأثره الواضح بعائلته «آل ماهر»، وهو التأثر الذى بدا بأجلى شكل فى تأييده المطلق لوزارة على ماهر، التى كانت فى السلطة عند توليه إدارة تحرير روز اليوسف، فكثيرا ما كان يخصص مقاله الافتتاحى للتنويه بإنجازات هذه الوزارة.
رابعا: ارتباطه الشديد بتلميذيه فى الجهاز السرى أحمد ماهر ومحمود فهمى النقراشى، فقد دافع عنهما باستماتة عندما أراد الجانب البريطانى استبعادهما من هيئة المفاوضين المصرية. ثم أنه قد اشترك معهما فى تأسيس الهيئة السعدية أوائل عام 1938. يضاف إلى ذلك أنه دخل برلمان أحزاب الأقلية الذى تأسس فى ذلك العام، ثم فى عام 1944، نائبا عن الحزب السعدى، وأسهم مساهمة فعالة فى تحرير صحفه، مما يؤكد - فى نهاية الأمر - أن ذلك الجزء من حياة الرجل الذى قضاه فى قيادة العمل السرى لثورة 1919 كان عزيزا عليه.
دور عبدالرحمن فهمى فى الحركة الوطنية:
هناك عاملان أديا - فى تقديرنا - إلى انخراط عبدالرحمن فهمى فى الحركة الوطنية: أولهما: تأثره باتجاهات شقيقه الأكبر محمد ماهر باشا المعادية للإنجليز، بعد أن أصر كرومر على إبعاده من وكالة الحربية إبان أزمة الحدود عام 1894. وثانيهما: إبعاده هو ذاته عن منصب مدير الجيزة الذى من المؤكد أنه خلف لديه بالاضافة إلى المرارة الشخصية، اقتناعًا مؤكدًا بمدى ما يتعرض له استقلال الإدارة المصرية من تدخل حتى فى أبسط الأمور، وكيف أن المعتمد البريطانى ومستشاريه وموظيفه المنبثين فى كل مكان فى طول البلاد وعرضها هم الحكام الحقيقيون للبلاد.
لكن متى بدأت الصلة بين عبدالرحمن فهمى وسعد زغلول؟ ليس هذا معروفا على وجه التحديد. ولكن الشيء المؤكد أنه كان على الساحة غداة تشكيل الوفد. إذ يذكر عبدالرحمن نفسه أنه اشتغل مع الوفد «من مبدأ تشكيله»، وأنه «رأى من واجبه كمصرى له مكانة محترمة بين الهيئات المصرية ونفوذ معروف لدى كبار رجالها أن يشترك فى هذه الحركة التى عمت مدن القطر المصرى وقراه، وعمت جميع طبقاته على اختلاف أوساطها». على حين يذكر البعض أن سعد زغلول استدعاه فى 13 نوفمبر 1918 «لابد بعد المقابلة المعروفة مع السير ريجنالد ونجت»، وطلب منه أن يشرف على إعداد الجهاز السرى للوفد وتنظيمه بشرط «ألا يعرف أحد ما يقوم به». فبدأ عمله مباشرة «بالاشراف على عملية جمع التوكيلات من الشعب». وبعد ذلك أسند إليه سعد القيام «بطبع المنشورات الأولى للثورة، ثم كلفه بمراقبة الوزراء والكبراء الذين يقاومون الحركة». بل أن سعدا «فكر فى أن يختاره عضوا فى الوفد ذاته ثم عدل عن ذلك». لأنه رأى من المصلحة «أن يبقى رئيس الجهاز السرى فى الظلام وأن يكون بعيدا عن الأضواء حتى إذا ما اعتقل قادة الثورة، بقيت الثورة تعمل»، وأن سعدا كان «يجتمع بعبدالرحمن يوميا على انفراد قبل نفيه إلى مالطة». ولا نستطيع أن نقطع بصحة هذه الرواية، كما أنه لا يمكن انكارها خاصة أن بعض المعاصرين الذين اشتركوا فى أعمال ذلك الجهاز السرى قد أيدوها فى كتابات علنية.
أما عن صلة سعد بهذا التنظيم السرى وأعماله وأهدافه فيبدو أنها كانت هامشية، فمن غير المشكوك فيه أن التنظيم تشكل - أو على الأقل استكمل تشكيله - فى غيبة سعد فى الخارج، ولم تسمح طبيعة المراسلات - حتى السرية منها - بينه وبين عبدالرحمن فهمى بأن تتضمن شيئا حوله مما يؤكد بأن ذلك الجهاز كان يعمل بوحى من عبدالرحمن ذاته.
وقد دفع ذلك البعض إلى أن يصفه بأنه كان «رئيس الحركة الوطنية، أما سعد فرئيس الوفد».
وقد أدار عبدالرحمن فهمى المعركة بين المصريين والسلطات البريطانية بنجاح تام مستخدما فى ذلك كل أساليب العمل السياسى المشروع منها وغير المشروع، كما ضمن للوفد البقاء فى باريس مدة طويلة، وأكثر من هذا فإن عبدالرحمن أعطى لنفسه حق التغيير والتعديل فى بيانات الوفد ونداءاته الموجهة إلى الأمة عندما كان يرى فيها «فتورا»، وذلك حرصًا على «تغذية الشعور الوطنى» وحفاظًا على قوة الأمة.
وقد قدر لعبدالرحمن فهمى أن يقود العمل الثورى فى المرحلة الثانية من ثورة 1919 والتى بدأت من أبريل، وهى مرحلة طويلة المدى تميزت بخروج الفلاحين من العمل الثورى الايجابى وانحصار الثورة فى القاهرة ومدن القطر المصرى ولعبت فيها عناصر المدن من طلبة وموظفين وعمال الدور الأساسى.
وكان أعضاء الوفد قبل سفرهم فى 11 أبريل 1919 للحاق بسعد وصحبه فى مالطة لاصطحابهم إلى باريس مقر مؤتمر الصلح للدعاية للقضية المصرية، قد ألفوا لجنة مركزية للوفد - طبقا للمادة 26 من قانون الوفد - يكون عملها الرئيسى جمع التبرعات لتغطية احتياجات الوفد فى باريس، ولجمع المعلومات عن الموقف فى مصر وإرسالها إلى الوفد ليستخدمها فى الدعاية للقضية المصرية فى دوائر المؤتمر والأوساط العالمية الصحفية والسياسية.
وفى هذا الشأن لعب سكرتير اللجنة عبدالرحمن فهمى، دورا كبيرًا وناجحًا فى قيادة الرأى العام المصرى، وتوجيهه لصالح حركة الوفد من خلال علاقاته السرية بسعد زغلول، واتصالاته المتمرة معه، والتى بدأت بعد وصول الوفد إلى باريس بفترة قصيرة، ونجح فهمى فى ترتيبها وتدبير الوسائل اللازمة لها. على أن تلك الاتصالات السرية التى تمت بين فهمى وزغلول تشكل علامة استفهام كبيرة فى تاريخ كل منهما، إن لم يكن فى تاريخ الحركة الوطنية ذاتها. ولا تساعد الوثائق المتاحة على إصدار رأى نهائى حول الظروف والدوافع التى أدت إلى قيام تلك المراسلات وتاريخ بدايتها ومن الذى دفع الآخر إليها.
وغدا نستكمل الحديث


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.