«مستقبل وطن».. أمانة الشباب تناقش الملفات التنظيمية والحزبية مع قيادات المحافظات    تفاصيل حفل توزيع جوائز "صور القاهرة التي التقطها المصورون الأتراك" في السفارة التركية بالقاهرة    200 يوم.. قرار عاجل من التعليم لصرف مكافأة امتحانات صفوف النقل والشهادة الإعدادية 2025 (مستند)    سعر الذهب اليوم الإثنين 28 أبريل محليا وعالميا.. عيار 21 الآن بعد الانخفاض الأخير    فيتنام: زيارة رئيس الوزراء الياباني تفتح مرحلة جديدة في الشراكة الشاملة بين البلدين    محافظ الدقهلية في جولة ليلية:يتفقد مساكن الجلاء ويؤكد على الانتهاء من تشغيل المصاعد وتوصيل الغاز ومستوى النظافة    شارك صحافة من وإلى المواطن    رسميا بعد التحرك الجديد.. سعر الدولار اليوم مقابل الجنيه المصري اليوم الإثنين 28 أبريل 2025    لن نكشف تفاصيل ما فعلناه أو ما سنفعله، الجيش الأمريكي: ضرب 800 هدف حوثي منذ بدء العملية العسكرية    الإمارت ترحب بتوقيع إعلان المبادئ بين الكونغو الديمقراطية ورواندا    استشهاد 14 فلسطينيًا جراء قصف الاحتلال مقهى ومنزلًا وسط وجنوب قطاع غزة    رئيس الشاباك: إفادة نتنياهو المليئة بالمغالطات هدفها إخراج الأمور عن سياقها وتغيير الواقع    'الفجر' تنعى والد الزميلة يارا أحمد    خدم المدينة أكثر من الحكومة، مطالب بتدشين تمثال لمحمد صلاح في ليفربول    في أقل من 15 يومًا | "المتحدة للرياضة" تنجح في تنظيم افتتاح مبهر لبطولة أمم إفريقيا    وزير الرياضة وأبو ريدة يهنئان المنتخب الوطني تحت 20 عامًا بالفوز على جنوب أفريقيا    مواعيد أهم مباريات اليوم الإثنين 28- 4- 2025 في جميع البطولات والقنوات الناقلة    جوميز يرد على أنباء مفاوضات الأهلي: تركيزي بالكامل مع الفتح السعودي    «بدون إذن كولر».. إعلامي يكشف مفاجأة بشأن مشاركة أفشة أمام صن داونز    مأساة في كفر الشيخ| مريض نفسي يطعن والدته حتى الموت    اليوم| استكمال محاكمة نقيب المعلمين بتهمة تقاضي رشوة    بالصور| السيطرة على حريق مخلفات وحشائش بمحطة السكة الحديد بطنطا    بالصور.. السفير التركي يكرم الفائز بأجمل صورة لمعالم القاهرة بحضور 100 مصور تركي    بعد بلال سرور.. تامر حسين يعلن استقالته من جمعية المؤلفين والملحنين المصرية    حالة من الحساسية الزائدة والقلق.. حظ برج القوس اليوم 28 أبريل    امنح نفسك فرصة.. نصائح وحظ برج الدلو اليوم 28 أبريل    أول ظهور لبطل فيلم «الساحر» بعد اعتزاله منذ 2003.. تغير شكله تماما    حقيقة انتشار الجدري المائي بين تلاميذ المدارس.. مستشار الرئيس للصحة يكشف (فيديو)    نيابة أمن الدولة تخلي سبيل أحمد طنطاوي في قضيتي تحريض على التظاهر والإرهاب    إحالة أوراق متهم بقتل تاجر مسن بالشرقية إلى المفتي    إنقاذ طفلة من الغرق في مجرى مائي بالفيوم    إنفوجراف| أرقام استثنائية تزين مسيرة صلاح بعد لقب البريميرليج الثاني في ليفربول    رياضة ½ الليل| فوز فرعوني.. صلاح بطل.. صفقة للأهلي.. أزمة جديدة.. مرموش بالنهائي    دمار وهلع ونزوح كثيف ..قصف صهيونى عنيف على الضاحية الجنوبية لبيروت    نتنياهو يواصل عدوانه على غزة: إقامة دولة فلسطينية هي فكرة "عبثية"    أهم أخبار العالم والعرب حتى منتصف الليل.. غارات أمريكية تستهدف مديرية بصنعاء وأخرى بعمران.. استشهاد 9 فلسطينيين في قصف للاحتلال على خان يونس ومدينة غزة.. نتنياهو: 7 أكتوبر أعظم فشل استخباراتى فى تاريخ إسرائيل    29 مايو، موعد عرض فيلم ريستارت بجميع دور العرض داخل مصر وخارجها    الملحن مدين يشارك ليلى أحمد زاهر وهشام جمال فرحتهما بحفل زفافهما    خبير لإكسترا نيوز: صندوق النقد الدولى خفّض توقعاته لنمو الاقتصاد الأمريكى    «عبث فكري يهدد العقول».. سعاد صالح ترد على سعد الدين الهلالي بسبب المواريث (فيديو)    اليوم| جنايات الزقازيق تستكمل محاكمة المتهم بقتل شقيقه ونجليه بالشرقية    نائب «القومي للمرأة» تستعرض المحاور الاستراتيجية لتمكين المرأة المصرية 2023    محافظ القليوبية يبحث مع رئيس شركة جنوب الدلتا للكهرباء دعم وتطوير البنية التحتية    خطوات استخراج رقم جلوس الثانوية العامة 2025 من مواقع الوزارة بالتفصيل    البترول: 3 فئات لتكلفة توصيل الغاز الطبيعي للمنازل.. وإحداها تُدفَع كاملة    نجاح فريق طبي في استئصال طحال متضخم يزن 2 كجم من مريضة بمستشفى أسيوط العام    حقوق عين شمس تستضيف مؤتمر "صياغة العقود وآثارها على التحكيم" مايو المقبل    "بيت الزكاة والصدقات": وصول حملة دعم حفظة القرآن الكريم للقرى الأكثر احتياجًا بأسوان    علي جمعة: تعظيم النبي صلى الله عليه وسلم أمرٌ إلهي.. وما عظّمنا محمدًا إلا بأمر من الله    تكريم وقسم وكلمة الخريجين.. «طب بنها» تحتفل بتخريج الدفعة السابعة والثلاثين (صور)    صحة الدقهلية تناقش بروتوكول التحويل للحالات الطارئة بين مستشفيات المحافظة    الإفتاء تحسم الجدل حول مسألة سفر المرأة للحج بدون محرم    ماذا يحدث للجسم عند تناول تفاحة خضراء يوميًا؟    هيئة كبار العلماء السعودية: من حج بدون تصريح «آثم»    كارثة صحية أم توفير.. معايير إعادة استخدام زيت الطهي    سعر الحديد اليوم الأحد 27 -4-2025.. الطن ب40 ألف جنيه    خلال جلسة اليوم .. المحكمة التأديبية تقرر وقف طبيبة كفر الدوار عن العمل 6 أشهر وخصم نصف المرتب    البابا تواضروس يصلي قداس «أحد توما» في كنيسة أبو سيفين ببولندا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



وجدى زين الدين يكتب: الوحدة الوطنية فى ثورة 1919
ثورة 1919 نهضة أمة وكفاح شعب (4)
نشر في الوفد يوم 21 - 01 - 2019


سعد فخر عبدالنور: ثلاثة مفاهيم مهمة للوحدة
مقولة الزعيم سعد زغلول «الحق فوق القوة والأمة فوق الحكومة» أصدق تعبير للوحدة الوطنية
الحركة الوطنية ضمت جميع رجالات الدين الإسلامى والمسيحي
الشعب المصرى نسيج واحد وسبيكة واحدة وأمة واحدة
«يحيا الهلال مع الصليب» كان شعار الوحدة الوطنية فى ثورة 1919، وقد امتزجت كل المشاعر الوطنية بين المسلمين والمسيحيين فى هذه الثورة، وللوحدة الوطنية فى ثورة 1919 منهج حياة سيظل نبراساً لكل الثورات فيما بعد، وهو ما تجلى واضحاً فى ثورة 30 يونيو 2013، ومن خلال دراسات تناولت الوحدة الوطنية فى هذه الثورة الأم، نجد أن هناك مفاهيم كثيرة فجرتها قضية الوحدة الوطنية فى هذه الثورة العظيمة، وقد تم الاعتماد على عدد من المراجع منها مذكرات 1919 للقطب الوفدى الكبير فخرى عبدالنور، وثورة 1919 للكاتب الكبير عبدالرحمن الرافعى والوفد والوحدة الوطنية للدكتور العالم رمزى ميخائيل والمسلمون والأقباط للمستشار طارق البشرى وواحد من عشرة للكاتب الكبير مصطفى أمين وتاريخ الوفد للكاتبين الكبيرين جمال بدوى ولمعى المطيعي.
ملخص الحلقة الماضية
تناولنا فى الحلقة الماضية معركة الزعيم سعد زغلول مع الإنجليز من أجل استقلال البلاد من خلال إلغاء الحماية البريطانية والاحكام العرفية والرقابة على الصحف ومطالبة الزعيم بأن يكون الوفد المصرى هو المسئول الاول عن المفاوضات فى لجنة ملنر وأسرار اعتراض عدلى يكن على شروط الوفد، وشملت الحلقة الماضية دور المصريين فى مقاومة الاحتلال الإنجليزى إثر فشل مفاوضات عدلى يكن وكيروزون، كما شملت الحلقة الماضية نفى «سعد» ورفاقه مما أوقد الثورة المصرية.
كان سعد زغلول على رأس القادة الثلاثة المنفيين إلى مالطة فكانت هذه الواقعة الشرارة التى أشعلت ثورة 1919، لأنه لو لم يعتقل سعد زغلول فى مساء 8 مارس 1919 ما كان هنالك نفى ولو لم يكن هنالك نفى ما كان هناك ثورة ولظللنا تحت الحماية البريطانية وربما كنا إلى الآن ننتظر المخلص الذى يخلصنا من الحماية التى فرضتها علينا بريطانيا فى ديسمبر 1914.
فى يوم 9 مارس 1919 نفى سعد زغلول مع زملائه الثلاثة وهم الأبطال: حمد باشا الباسل الذى كان يمثل العروبة فى مصر، وكان أكبرهم سناً وعضواً فى الجمعية التشريعية ومحمد باشا محمود وهو ابن محمود باشا سليمان الذى كان يعتبر وقتذاك قطب أقطاب الصعيد الذى قيل أنه عرض عليه الملك وأبى وإسماعيل باشا صدقى كان يمثل العقلية الجبارة الفذة وبالرغم من الخلاف الذى وقع بينه وبين سعد زغلول فيما بعد إلا أن سعد باشا كان دائماً يتغنى بأمجاد إسماعيل صدقى العقلية ويقول أنه رجل فذ.
ولكن لماذا النفى إلى مالطة؟ كانت له دلالة فالمعلوم أن الخديو عباس عندما خلع فى ديسمبر عام 1914 كان له حزب فى مصر يتمتع بقوة ويتصل بالصحافة والاوساط المثقفة.. وجميع أنصار هذا الخديو نفوا إلى مالطة وعلى رأسهم أحمد شوقى الشاعر الكبير وكثير من الاشخاص الذين رئى إبعادهم عن البلد فى الوقت الذى كان فيه الخديو عباس فى اسطنبول!
ففكرة أن يرسلوا سعد زغلول وزملاءه الثلاثة إلى مالطة كانت فكرة فيها خبث.. وهى تعنى أنه مادام النفى قد وقع فيا سعد ويا زملاءه: «أنتم لن تعودوا إلى بلدكم»! فالذين نفوا لم يعودوا وهذا ما جعل طلبة المدارس فى اليوم ذاته يخرجون من المدارس ثائرين محتجين متسائلين: سعد زغلول نفي؟ كيف ينفى الرجل الذى تعلق عليه مصر الأمل؟ هذا الرجل ينفى وينفى إلى مالطة بحيث يحكم عليه بالنفى الابدى أى بإبعاده بصفة مطلقة وشاملة أى أنه لن يعود؟!
أضرب طلبة المدارس العليا والثانوية (وقتها لم تكن هناك جامعات) وهي: المدرسة السلطانية للحقوق، مدرسة قصر العينى للطب، وأيضاً مدرسة التجارة ومدرسة الخديوية وغيرها.
خرج الطلبة يهتفون بحياة «سعد»؟ لانهم لا يطيقون أن يبعد «سعد» عنهم، الافكار كلها تعلقت بشخص صار رمزاً للامة وشحنة الثورة العاطفية تجسدت فى «سعد».
يحيا «سعد».. إلى أين يا «سعد» لأن أحمد عرابى لما نفى لم يرجع إلا بعد 19 سنة! الإنجليز سوف ينفون سعداً كما نفوا أحمد عرابى هنا قامت الشحنة العاطفية التى تعتبر الشرارة التى فجرت ثورة 1919 صباح يوم 9 مارس.
المندوب السامى البريطانى وقتذاك (السير وينجت) ظن أنه يستطيع أن يطفئ الثورة وكما قالوا فيما بعد: «إيه يعنى الثورة؟ مفيش تعبير اسمه الثورة»!
تصدى الإنجليز للطلبة الثائرين حصل صدام بين الطلبة العزل من السلاح وبين القوات العسكرية البريطانية وهى تظن انها قوات تنتمى إلى أكبر امبراطورية، الامبراطورية التى لا تغيب عنها الشمس فى المشارق والمغارب يعنى من كندا إلى استراليا ومصر وإفريقيا والهند!
أطلق الإنجليز النار على الطلبة فهاجت المشاعر، سقط القتلى، قتل الإنجليز نحو 12 طالباً مصرية واعتقلوا نحو 300 طالب واستيقظ الشعور فى القاهرة بعاطفة قوية فكانت هى الشرارة التى ولدت النار يوم 9 مارس والأيام التالية.
ثم انضم الفلاحون والعمال والتجار والموظفون إلى الطلاب الثائرين وصارت ثورة وطنية عارمة قطعت فيها خطوط السكك الحديدية وهوجمت دور الحكومة ومراكزها واحتلها المتظاهرون، وأعلنوا «الجمهورية» فى زفتى والمنيا وأسيوط.
لقد أحست مصر بأن كرامتها تداس وبأن حرماتها تنتهتك فعمت الثورة بلاد القطر كافة، وأخذ الثوار يقطعون خطوط السكك الحديدية التى تستخدمها القوات البريطانية وقدمت بلاد كثيرة التضحيات من أبنائها وممتلكاتها ومنها: زفتى، العزيزية، البدرشين، المنيا، أسيوط، وظلت أعمال الثورة قائمة حتى 4 أبريل 1921 حينما عاد سعد زغلول من الخارج وانتهى نفيه وغيابه عن الوطن.
المفهوم الشائع لتعبير «الوحدة الوطنية فى ثورة 1919» هو انها الوحدة بين الاقباط والمسلمين، ولكنى أطمع فى أن أقنعكم بأن مفهوم هذا التعبير أوسع وأشمل من المفهوم الشائع فنحن الشعب المصرى نسيج واحد وسبيكة واحدة وأمة واحدة، فالوحدة الوطنية ليست أقباطاً ومسلمين فحسب بل الوحدة الوطنية هى وحدة الامة بجميع أحزابها وطوائفها وفئاتها وأديانها.
وقد عبر سعد زغلول أصدق تعبير عن مفهوم الوحدة الوطنية الشامل عندما قال: «الحق فوق القوة، والأمة فوق الحكومة» لأنه استخدم لفظ الامة للتعبير عن الشعب المصرى بجميع فئاته السياسية والاجتماعية بعد أن كان المصريون يقولون نحن رعايا السلطان العثمانى وكانوا يسافرون بجوازات سفر عثمانية، نجح سعد زغلول فى صياغة واستخدام هذه الكلمة «الأمة» واتفق عليها أعضاء الوفد، ومفهوم هذه الصياغة اننا ننتمى إلى أمة واحدة، والأمة هى مصر.
والأمر فى تقديرى وفى مفهوم ثورة 1919 أن للوحدة الوطنية المصرية فى إطارها الواسع الشامل مفاهيم ثلاثة تنبثق من تاريخ الشعب والوطن:
المفهوم الأول: هو مفهوم الانتماء إلى الأمة المصرية، ومعناه أننا جميعا من أكبر كبير إلى أصغر صغير، ننتمى إلى هذه الأمة، ونضحى بكل شىء دفاعًا عنها.
والواقع أنه منذ بدء تجنيد الأقباط فى الجيش المصرى سنة 1855 فى عهد الوالى محمد سعيد،
اكتمل الاندماج بين المصريين فى واجب الدفاع عن الوطن. ووقف القبطى إلى جانب أخيه المسلم، حاملا السلاح فى وجه العدو المشترك. وتساوى الاثنان فى حماية الوطن والتضحية من أجله.
وظهر الانتماء الوطنى يعلن عن نفسه فى وضوح خلال الثورة العرابية. فعندما تألف الحزب الوطنى الأهلى- أول تحزب سياسى فى مصر الحديثة- سنة 1879، قبل الثورة العرابية، ذكر فى البند الخامس من برنامجه أنه «حزب سياسى لا دينى، فإنه مؤلف من رجال مختلفى الاعتقاد والمذهب، وجميع النصارى واليهود ومن يحرث أرض مصر ويتكلم لغتها ينضم لهذا الحزب، فإنه لا ينظر لاختلاف المعتقدات، ويعلم أن الجميع إخوان، وحقوقهم فى السياسة والشرائع متساوية».
ودخل مجلس النواب، الذى تألف وفقًا لدستور الثورة العرابية فى سنة 1881، نائبان قبطيان.
ومنذ ذلك الوقت، برز مفهوم «الانتماء الوطنى» و«الجامعة الوطنية» وبقى علامة من علامات الحياة السياسية المصرية.
ولما اندلعت ثورة 1919، اتفق الجميع فى الاتجاه والشعور والعمل: السلطان والأمراء والفلاحون والموظفون والتجار والمثقفون ورجال الدين والفن.
فالسلطان أحمد فؤاد، الذى عين من جانب الانجليز، كان له شعوره الوطنى. وبالرغم من وقوفنا ضد استبداده، فإننا نؤكد أنه كان وطنيًا منتميًا إلى الأمة المصرية، وفى جميع المراحل التى مرت بها ثورة 1919، كان السلطان فؤاد يستقبل من يقصده من الشعب ويستمع إليه.
وهذا الأمر ينطبق على جميع أمراء مصر بلا استثناء: محمد على توفيق، وهو ابن الخديو توفيق وأخو عباس، كان يستقبل فى بيته سعد زغلول والقائمين بالحركة. والأمير عمر طوسون فى الإسكندرية، نشأت فى قصره الوفدية. والأمير كمال الدين حسين ابن السلطان حسين، الذى عرضت عليه السلطنة فأبى أن يفعل، كان يستقبل سعد باشا. والأمير يوسف كمال، تزعم يوم 13 نوفمبر 1920، الحفل الذى أقيم بفندق شبرد بالقاهرة، فى الذكرى الثانية ليوم 13 نوفمبر 1918، وألقى فيه خطبة فياضة أدهشت الحاضرين. والأمير عباس حليم، كان وفديًا، واشترك فى الحركة الوطنية لغاية سنة 1930، وحينما وقع الخلاف بين الملك فؤاد وعباس حليم على الدستور، انضم عباس حليم إلى الوفد، فسحب منه لقب النبيل. فأطلق عليه الوفد لقب الشريف، وظل شريفًا.
وهذه الواقعة أذكرها من مذكرات فخرى بك عبدالنور، وهى جزء لا يتجزأ من تاريخ مصر. أحد الأمراء الذين جاهدوا وضحوا وبذلوا الجهد الكبير فى سبيل الحركة الوطنية خاصة فى أثناء ثورة 1919، كان اسمه الأمير عزيز حسن، حفيد الخديو إسماعيل، كثر نشاطه فى الحركة الوطنية، واشترك فى كثير من الأعمال الوطنية واندمج فى الشعب وتضايق الانجليز منه، فأرسلت إليه السلطة العسكرية الانجليزية، يوم 3 يوليو سنة 1921، تبليغًا مع أحد الضباط الانجليز ومندوب من وزارة الداخلية، بأن يسافر إلى الخارج قبل يوم 10 يوليو، وقد قوبل هذا الاجراء بالاستنكار، وأذاع الأمير بيانًا على الأمة يقول فيه.
«أما وقد حالت القوة بينى وبين البقاء فى صفوف المدافعين عن حقوق الوطن العزيز، فإنى أدعو جميع أعضاء اللجنة برياستى «لجنة الدفاع عن الحريات» لحضور الاجتماع المحدد له يوم 14 الجارى بمنزل سعادة بركات باشا «ابن أخت سعد باشا» لمواصلة عملهم السياسى فى خدمة بلادنا بالطرق المشروعة، وأن يحافظوا على المصلحة العامة المحافظة كلها، فإننا على الحق. وما دمنا كذلك فالله معنا، والنجاح حليفنا».
وقد سافر الأمير يوم 7 يوليو 1921، فى تظاهرة توديع شعبية، تقدمها سعد زغلول، هكذا كان موقف الأمراء، الذين ملأت الوطنية قلوبهم.
نتحدث عن الطرف الآخر وهو الفلاحون. لقد انضموا إلى الحركة الوطنية بالإجماع، ولا أريد الاستفاضة فيما حدث فى القرى من أحداث ومن جرائم ارتكبها الانجليز يندى لها الجبين. إن عدد الذين قتلوا ونالوا الشهادة يتجاوز 8 آلاف مصرى، قتل لم يحدث فى تاريخ مصر، منذ دخول السلطان سليم الأول مصر سنة 1517، والحرمات انتهكت والكتَّاب كتبوا بإفاضة: نجيب محفوظ كتب. فكرى أباظة كتب «الضاحك الباكى» وغيرهما كثيرون.
ومما يذكر أنه فى يوم الثلاثاء 4 أكتوبر سنة 1921، أقام مصطفى بكير بك- عضو الوفد المصرى فيما بعد- حفلة ريفية فى بلدة سندوه، للنواب البريطانيين الأحرار الذين دعاهم سعد زغلول، فى حركة بارعة لزيارة مصر، لكى يشاهدوا بأنفسهم مدى انضمام الشعب لحركة الوفد، فوقف فلاح ريفى حافى القدمين، وألقى أمامهم كلمة وطنية رائعة، أثرت فى نفوس الحاضرين. وهى ان دلت على شىء، فإنما تدل على تضامن أبناء هذه الأمة جميعًا على اختلاف طبقاتهم فى حب بلدهم. قد يقال إن الأمراء انضموا للثورة رعاية لمصالحهم، فماذا نقول عن الفلاحين الحفاة، الذين اندمجوا فى الثورة مثل الأمراء تماما؟
إن تكاتف الأمراء والفلاحين جنبًا إلى جنب فى الثورة، يدل على أن أبناء الأمة جميعًا، باختلاف طبقاتهم وظروفهم الاجتماعية، انضموا للحركة الوطنية. فلاح ريفى حافى القدمين يقف ويقو لنحن نؤيد سعد باشا والاستقلال، مهما نلاقى فى سبيل ذلك من عنت ومضار. رؤساء الوزارات والوزراء تعاونوا مع قادة الثورة، ومنهم حسين رشدى باشا وعبدالخالق ثروت باشا وغيرهما.. وبالفعل أضيرت مؤقتًا جميع طبقات الأمة: الأمراء والوزراء والفلاحين والموظفين الذين انضموا للحركة الوطنية.
الموظفون: قاموا بعمل جرئ، عملوا إضرابًا لمدة 21 يومًا. وصارت الدولة بلا موظفين. وأصبح الانجليز فى حيرة: كيف يحكمون هذا البلد؟
التجار: لما جاءت لجنة تقصى الحقائق البريطانية «لجنة ملنر» إلى مصر، قاطعها التجار وسائر فئات الشعب، وأحالوها إلى الزعيم سعد فى باريس. وأغلق التجار أبواب محلاتهم، غير عابئين بالخسارة المادية، فى سبيل المكسب السياسى الوطنى.
المثقفون: النهضة الثقافية التى نعيش فيها الآن، هى من نتائج ثورة 1919: طه حسين، عباس العقاد، توفيق الحكيم، عبدالقادر حمزة.. كل الكتاب الذين كانوا على رأس المثقفين تعاطفوا مع الثورة، وشحنت نفوسهم بمبادئهما وأهدافها. وأطال الله فى عمر نجيب محفوظ، الذى يتغنى إلى الآن بأمجاد ثورة 1919.
رجال الدين: جميع رجال الدين مسلمين كانوا أم أقباطًا، انضموا للحركة الوطنية: الشيخ
البكرى والشيخ أبوالوفا بنجع حمادى وأسرة الشيخ على يوسف، انضموا للحركة الوطنية.
الأزهر: كان قلعة من قلاع الحركة الوطنية، وظلت هذه القلعة قائمة وصامدة مثلما حدث فى شهر أكتوبر سنة 1789، وامتدت أمجاد الأزهر إلى ثورة 1919، واصطبغت بصبغتها، والقمص مرقص سرجيوس، القس القبطى يخطب على منبر الأزهر، والشيخ أبوالعيون يخطب فى كاتدرائية الأقباط! ما هذه الروعة!
رجال الفن: سيد درويش يغنى بلادى بلادى.
المثالون: محمود مختار نحت تمثال نهضة مصر، بوحى وتعضيد الوفد وسعد زغلول، والمسارح كلها عبرت عن مكنون ما فى صدر هذه الأمة العريقة.
المفهوم الثانى للوحدة الوطنية، هو المفهوم الدينى، أى الوحدة بين الأقباط والمسلمين. وبداية نقول إن الحق ما شهدت به الأعداء، فقد اعترف اللورد كرومر، المعتمد البريطانى فى مصر، بفشل سياسة «فرق تسد» البريطانية فيها. وكتب أن الأقباط كانوا يواجهون الإنجليز بمشاعر خالية من الصداقة. وأنه لم يجد أى فارق بين سلوك الأقباط والمسلمين فى الأمور العامة. وأكد كرومر أن الفارق الوحيد بين القبطى والمسلم، هو أن الأول يصلى فى كنيسة، والثانى يصلى فى مسجد، أى أن الاختلاف الوحيد بين الأقباط والمسلمين هو اختلاف العقيدة الدينية، الذى لم يؤثر على انتمائهم الوطنى.
وكان سعد زغلول يرى فى اعتماد مصر على شعبها وحده، بشقيه: الأقباط والمسلمين، الطريق الصحيح للعمل الوطنى فى سبيل الحصول على الاستقلال، ولهذا كانت الوحدة الوطنية لديه، أساسا راسخًا لمحاربة الاحتلال البريطانى.
وتألف الوفد فى 13 نوفمبر 1918 على أساس مصرى جامع لكل فئات وعناصر الأمة، فبادر الأقباط بالانضمام إليه، وسارع فخرى عبدالنور وويصا واصف وتوفيق أندراوس، لمقابلة سعد زغلول، الذى رحب بانضمام ممثلى الأقباط إلى الوفد. وكان أولهم واصف غالى، ثانى أبناء بطرس غالى، رئيس الوزراء الذى اغتيل سنة 1910 وكان موجودًا فى باريس. فذهب إليه سفير بريطانيًا فى باريس، وقال له: كيف تضع يدك فى يد من قتلوا أباك؟ فرد واصف غالى قائلًا: هذا خير لى من أن أضع يدى فى يد من قتلوا وطنى!
ثم انضم إلى الوفد سينوت حنا عضو الجمعية التشريعية، وجورج خياط من كبار أعيان أسيوط، وحلفًا اليمين يوم 2 من ديسمبر 1918. وسأل جورج خياط، سعد زغلول عن مصير ومركز الأقباط بعد انضمامهم للوفد. فأجاب سعد: «اطمئن إن للأقباط ما لنا من الحقوق وعليهم ما علينا من الواجبات على قدم المساواة».
ومنذ ذلك اليوم، انضمت الأغلبية الساحقة من الأقباط إلى الوفد، واندمجوا فى تشكيلاته كافة.
والذى يتأمل فى أسماء أعضاء التشكيل الأول للوفد، وفى أسماء لجانه القيادية المتوالية (طبقاته)، يتأكد من أنه كان يمثل الشعب المصرى، بكل أديانه وتنظيماته وأحزابه وفئاته وطوائفه. وقد انصهروا جميعًا فى بوتقة ثورة سنة 1919، فكانوا مثالاً للوحدة الوطنية بمفهومها الشامل. كما يتأكد من أن الوفد كمؤسسة سياسية بنى على أساس مصرى واحد جامع، تألفت قيادته وقواعده على مبدأ المواطنة دون الدين. ولم يحدث أى موقف من أعضائه يحمل شبهة التفرقة الطائفية. وكانت الخلافات بين الأعضاء لأسباب لا شأن لها بالدين.
وقد نختلف فى تقدير الدور الذى لعبه الوفد كقائد للحركة الوطنية، وما أنجزته ثورة 1919. ولكن ما لا يوجد خلاف عليه أنه هو دور الوفد فى مزج قوى الأمة المصرية فى كيان واحد على قاعدة المواطنة.
فإذا كان هذا هو كل إنجاز الوفد وثورته فى سنة 1919، فكفى به مغنما، إذ عصم الأمة المصرية من شر الانقسام، وأقام وحدتها على أساس عقلى رشيد، فأفسد مؤامرات قوى الاحتلال البريطانى، وأرسى أسس الدولة وتنظيمات المجتمع، ومكن للتطور الاجتماعى من أن يجرى على أساس سليم.
وفى تظاهرات ثورة 1919، وأعمالها المجيدة كافة، ظهرت الوحدة بين الأقباط والمسلمين، فورًا وبكل وضوح، هتف الجميع: (مصر والأهالى والأفكار)، بعنوان ذى دلالة يقول: «الوطنية ديننا والاستقلال حياتنا». وهذا يعنى أننا اجتمعنا فى وطن واحد، وصارت الوطنية هى ديننا الواحد المشترك. وعبر مكرم باشا عبيد عن هذا المفهوم عندما قال: «أنا مسلم وطنا ومسيحى دينا». وهكذا، فإن الإحساس الوطنى، الملىء بالطهارة والنقاوة والاخلاص والتفانى، جعل المسلمين يحسون أنهم أقباط، وأحس الأقباط أنهم مسلمون.
غير أنه كان من مفتريات السلطات البريطانية على ثورة 1919، أنها حركة قوامها التعصب ضد الأوربيين، وإثارة النعرة الدينية ضدهم، فكان فى التفاف الأقباط حول سعد وتفانيهم فى تأييده، أبلغ تكذيب لهذه الفرية.
وفى اجتماع لسعد زغلول بالصحفيين الإنجليز والأمريكيين، فى باريس وجه إليهم خطابًا قال فيه: «ادعوا أن الحركة دينية، ولكنهم رأوا رأى العيان أن مسيحيى مصر ومسلميها متحدون اتحادًا متين العرى، وأن المسيحيين كانوا فى مقدمة القائمين بالمظاهرات، وكان منهم من راح بين أوائل الشهداء برصاص الجنود البريطانية. وإنكم لتجدون اليوم بين أعضاء الوفد المصرى الذين يتشرفون باستقبالكم اليوم فى ضيافتهم خمسة من المسيحيين. وقد كان قسوس الأقباط يقومون بالدعوة الوطنية فى جميع جوامع القاهرة وعواصم الأقاليم، وكان شيوخ المسلمين يفعلون ذلك فى الكنائس».
ومن المعروف أن ويصا واصف وواصف بطرس غالى، وهما من أعضاء الوفد المصرى، كانا يشرفان على أعمال الدعاية للمطالب الوطنية فى باريس، لإتقانهما اللغة الفرنسية. وكان واصف غالى فى خطبه يحرص على القول: «لم يعد للمصريين قاطبة إلا إيمان واحد وعقيدة واحدة ودين واحد هو دين الوطنية».
ويسجل مصطفى أمين فى ذكرياته أن أعضاء الوفد من الأقباط ظلوا صامدين إلى جوار سعد زغلول، أكثر من كثير من أعضاء الوفد المسلمين.
«فعندما اختلف سعد مع أغلبية الوفد فى باريس، فى شأن قبول مشروع ملنر الذى كان حماية مقنعة.. كانت الأغلبية التى تمثل «المعتدلين» مؤلفة من ثمانية: سبعة منهم من المسلمين هم: محمد محمود وعلى ماهر وحافظ عفيفى وعبداللطيف المكباتى وعبدالعزيز فهمى ومحمد على علوبة ولطفى السيد، وقبطى واحد هو ويصا. وكان الأقلية التى وقفت إلى جانب رأى سعد «المتطرف» مكونة من عضوين اثنين كلاهما من الأقباط وهما واصف غالى وسنوت حنا!
وعندما نفى الإنجليز سعد زغلول فى سنة 1921 إلى سيشل، كان البيان الذى أصدره الوفد احتجاجًا بتوقيع خمسة أعضاء فقط، فيهم مسلم واحد هو مصطفى النحاس وأربعة من الأقباط هم واصف غالى وسينوت حنا وويصا واصف ومكرم عبيد!.
وأعضاء الوفد الذين نفاهم الإنجليز إلى سيشل كانوا ستة، أربعة منهم من المسلمين هم سعد زغلول وفتح اله بركات ومصطفى النحاس وعاطف بركات، واثنان من الأقباط هما سينوت حنا ومكرم عبيد.
وأعضاء الوفد الذين حكم عليهم بالإعدام كانوا سبعة، ثلاثة من المسلمين هم: حمد الباسل ومراد الشريعى وعلوى الجزار، وأربعة من الأقباط هم: مرقص حنا وواصف غالى وجورج خياط وويصا واصف!
وأعضاء الوفد الذين نفاهم الإنجليز إلى الصحراء فى معسكر المحاريق كانوا سبعة، أربعة من المسلمين: المصرى السعدى والسيد حسين القصبى ومحمد نجيب الغرابى والشيخ مصطفى القاياتى، وثلاثة من الأقباط هم: فخرى عبدالنور وسلامة ميخائيل وراغب إسكندر».
ولهذا، كان سعد زغلول محقًا فى إصراره على أن يشترك الأقباط فى قيادة الثورة فقد تحملوا أكثر من نسبتهم العددية فى اخطارها. وهذا يفسر أنه عندما ألف سعد زغلول وزارته سنة 1024، اختار وزيرين من الأقباط، دون أن يلتزم بنسبتهم العددية.
ويروى مصطفى أمين، أنه عند تأليف «وزارة الشعب» سنة 1924، تقدم سعد زغلول إلى الملك فؤاد بقائمة الوزراء. فأحصاهم الملك. وقال لسعد: إن عدد الوزراء عشرة. والتقاليد تقضى بأن يكون منهم تسعة مسلمون وقبطى واحد. وليس ثمانية من المسلمين واثنان من الأقباط: مرقص حنا بك وزير الأشغال، وواصف غالى أفندى وزير الخارجية، فقال سعد: هذه وزارة ثورة لا وزارة تقاليد. عندما نفى الإنجليز زعماء الثورة إلى جزيرة سيشل، كانوا أربعة مسلمين واثنين قبطيين. وعندما حكموا على بعض قادة الثورة بالإعدام، كانوا أربعة أقباط وثلاثة مسلمين، وعندما أطلقوا علينا الرصاص فى المظاهرات، لم يراعوا النسبة بين الأقباط والمسلمين. ولهذا فنحن لا نراعى هذه النسبة فوقع الملك فؤاد المرسوم الملكى بتأليف الوزارة كما طلب سعد.
وظل الوفد بعد ذلك غير ملتزم بالنسبة العددية بين الأقباط والمسلمين. ودأب فى وزارته على تعيين وزيرين اثنين من الأقباط، من مجموع 9 أو 10 وزراء فى كل وزارة. وتقلد بعض الوزراء الأقباط وزارات سيادية مثل الحربية والخارجية والمالية. أما الوزارات غير الوفدية، التى لا تمثل الأمة المصرية بأمانة، فقد غلب على تشكيل كل منها أن يشمل وزيرًا قبطيًا واحدًا، رغم زيادة عدد الوزراء الذى وصل إلى 15 وزيرًا.
وغدًا نستكمل الحديث


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.