"التكنولوجيا والعلوم الحديثة في حروب الجيل الرابع والخامس".. ندوة بجامعة الفيوم    البورصة تغلق آخر جلسات الأسبوع على مكاسب سوقية 58 مليار جنيه    حزب الجيل: كلمة الرئيس السيسي بالقمة العربية جرس إنذار للمجتمع الدولي    الرئيس العراقي في القمة العربية: وحشية إسرائيل شردت 100 ألف فلسطيني    مسرح الطفل يقدم العرض المسرحي «الفنان» بقصر ثقافة أحمد بهاء الدين بأسيوط    جامعة أسيوط تنظم احتفالية السلامة والصحة المهنية الأحد    القوات الروسية تسقط 3 مقاتلات "ميج-29" أوكرانية    نهائي دوري أبطال إفريقيا - الأهلي يخوض مرانه الأول في تونس مساء.. ومحاضرة من كولر    توجيهات من «التعليم» بشأن تصحيح امتحانات الشهادة الإعدادية    نتيجة الصف الرابع الابتدائي الترم الثاني 2024 .. رابط ظهورها بالخطوات    قطع مياه الشرب عن 6 قرى في سمسطا ببني سويف.. تفاصيل    هدى الأتربي تخطف الأنظار بإطلالة جريئة وجذابة في مهرجان كان (صور)    الصحة تنظم احتفالية بمناسبة اليوم العالمي للامتناع عن التدخين بالمدينة الرياضية بالعاصمة الإدارية الجديدة    محافظ أسيوط ومساعد وزير الصحة يتفقدان أعمال تطوير مستشفى حميات ديروط (صور)    تضامن الفيوم تنظم قافلة طبية تستهدف المرضى غير القادرين    «زراعة النواب» تطالب بوقف إهدار المال العام في جهاز تحسين الأراضي وحسم ملف العمالة بوزارة الزراعة    الخارجية الكورية الجنوبية تعرب عن تمنياتها بالشفاء العاجل لرئيس الوزراء السلوفاكي    سفير فلسطين في موسكو: الوضع الكارثي في غزة يعيد إلى الأذهان حصار لينينجراد    عالم الزلازل الهولندي يثير الجدل بحديثه عن أهرامات الجيزة    فنانات إسبانيات يشاركن في الدورة الثانية من ملتقى «تمكين المرأة بالفن» في القاهرة    محافظ المنيا: قوافل بيطرية مجانية بقرى بني مزار    أتلتيك بيلباو يحبط برشلونة بسبب ويليامز    الجمعة .. انطلاق نصف نهائي بطولة العالم للإسكواش بمصر    ببرنامج "نُوَفّي".. مناقشات بين البنك الأوروبي ووزارة التعاون لدعم آفاق الاستثمار الخاص    جامعة المنوفية تتقدم في تصنيف CWUR لعام 2024    نتائج الدوري السعودي الإلكتروني للعبة روكيت ليج    غدا.. إعادة عرض فيلم "زهايمر" احتفالا بميلاد الزعيم    بمشاركة مصر والسعودية.. 5 صور من التدريب البحري المشترك (الموج الأحمر- 7)    العربية: مصر تواصل تكوين مخزون استراتيجي من النفط الخام بعشرات المليارات    موعد عيد الأضحى 2024 ووقفة عرفات فلكيًا.. (أطول إجازة رسمية)    معهد التغذية: نسيان شرب الماء يسبب الشعور بالتعب والإجهاد    بدء التعاقد على الوصلات المنزلية لمشروع صرف صحي «الكولا» بسوهاج    "العربة" عرض مسرحي لفرقة القنطرة شرق بالإسماعيلية    توقيع بروتوكول تجديد التعاون بين جامعة بنها وجامعة ووهان الصينية    لهذا السبب.. ياسمين عبد العزيز تتصدر تريند "جوجل"    قرار قضائي جديد بشأن سائق أوبر المتهم بالاعتداء على سيدة التجمع    «التجمع»: انضمام مصر لدعوى جنوب إفريقيا أمام «العدل الدولية» يدعم فلسطين    أمير عيد يؤجل انتحاره لإنقاذ جاره في «دواعي السفر»    انعقاد برنامج البناء الثقافي لأئمة وواعظات القاهرة بمسجد السيدة زينب    «الصحة» تقدم 5 إرشادات مهمة للوقاية من الإصابة بالعدوى خلال فترة الحج 2024    الأحد.. عمر الشناوي ضيف عمرو الليثي في "واحد من الناس"    أعطيت أمي هدية ثمينة هل تحق لي بعد وفاتها؟.. أمين الفتوى يوضح    «الداخلية»: ضبط 13 ألف قضية سرقة تيار كهربائي خلال 24 ساعة    المشدد 6 سنوات لعامل ضبط بحوزته 72 لفافة هيروين في أسيوط    دون إصابات.. تفاصيل نشوب حريق داخل شقة في العجوزة    وزيرا النقل والري يبحثان تنفيذ المحاور الرئيسية أعلي المجاري المائية والنيل (تفاصيل)    أنشيلوتي يقترب من رقم تاريخي مع ريال مدريد    محكمة العدل الدولية تستمع لطلب جنوب إفريقيا بوقف هجوم إسرائيل على رفح    نتيجة الصف الرابع الابتدائي الترم الثاني 2024 عبر بوابة التعليم الأساسي (الموعد والرابط المباشر)    «الأمن الاقتصادي»: ضبط 13166 قضية سرقة تيار كهربائي ومخالفة لشروط التعاقد    كولر يحاضر لاعبى الأهلي قبل خوض المران الأول فى تونس    ثنائي الترجي يتوعدان الأهلي قبل مواجهة نهائي دوري أبطال إفريقيا    «الإفتاء» تحسم الجدل حول مشروعية المديح والابتهالات.. ماذا قالت؟    عبد العال: إمام عاشور وزيزو ليس لهما تأثير مع منتخب مصر    اليوم.. انطلاق الملتقى التوظيفي لزراعة عين شمس    حلم ليلة صيف.. بكرة هاييجي أحلى مهما كانت وحلة    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الخميس 16-5-2024    نجمة أراب أيدول برواس حسين تُعلن إصابتها بالسرطان    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



حواديت قبطية.. ليلة عيد الميلاد
نشر في الوفد يوم 06 - 01 - 2018

فى البداية لابد أن اعترف أننى حينما فكرت فى كتابة موضوع مختلف عن ليلة عيد ميلاد السيد المسيح، كان يملئنى الشعور بالزهو والاختلاف بأننى صاحبة الرصيد الأكبر من الذكريات الحميمة واللحظات الانسانية الفريدة برفقاء الحياة من المسيحيين فى الدراسة والعمل وقعدات مقاهى وسط البلد، وأننى حتى ولو كنت سأفتش بين قصاقيص الذكريات التى يمتلكها من حولى من مسلمين ومسيحيين وعلاقتهم فيما بينهم فلن تصل إلى جعبة ذكرياتى الممتلئة والقابعة طوال الوقت بجوارى أفتحها كلما مر بالوطن ريح ضبابية تريد ان تقتلع الثابت والمتجذر بينى وبينهم فاسترجع ما فيها وأرتبه بعدد سنوات عمرى الخمسين فيطمئن قلبى ان هذا الوطن مصر لن ينقسم أبدًا.
ولكننى كلما استمعت إلى من وافقوا على فتح قلوبهم لى واستجابتهم السريعة بأن يشاركوا فى هذا التحقيق ببعض من ذكرياتهم، ربما ليأكدوا لأنفسهم قبل أن يؤكدوا لى أنهم مثلى أتوا إلى حاملين حقائب الذكريات ممتلئة عن آخرها، مؤمنيين مثلى بأنها سلاحنا الحقيقى صنعناه بأعمارنا من لحم ودم ضد عدونا الارهابى الحقير الذى يريد ان يفرق بيننا.. أتوارى خجلًا وأشعر أن ماكنت اعتبره مختلف ومغاير فى حياتى، يمارسه الآخرون من حولى فى طقس عادى وهادئ كهدوء النيل ومنذ سنوات بعيدة، بطمأنينة وثقة وتفاؤل بالوطن والشريك سواء كان قبطى مسلم فى عيون القبطى المسيحى أو قبطى مسيحى فى عيون القبطى المسلم.
وأننى مجرد قصوصة ذكريات صغيرة من بين آلاف القصاقيص الجميلة التى كونت مع مئات السنيين شال ضخم بلون الخضرة مفعم برائحة الطين والنيل يتلفح به الوطن ملتمسًا الدفء كلما أشتد صقيع الارهاب ودنائته.
" الفاتحة فى المسجد الاقصى "
يملك المهندس ناجى ألفونس صادق والذى يدير أحدى الشركات الكبرى للأجهزة الطبية رافضًا ان أنشر صورته فى التحقيق وأن أكتفى باسمه وذكرياته فقط، جينات العبقرية المصرية المقطرة من التسامح والتجاوز الحضارى والانسانى لكل ماهو مختلف عن قناعاته وأفكاره معتبرًا أن الوطن مصر بأهله دون غيره من البلاد والعباد مروحة حضارية تحمل ألوان قوس قزح السبعة وهو الذى لف ودار بين أركان الدنيا الأربعة بحكم عمله.
يروى المهندس ناجى ألفونس صادق والذى ينتمى لجيل الستينيات أن طوال حياته المديدة لنصف قرن ويزيد لم يكن لديه من الاساس مشكلة دينية مع أصدقائه المسلمين قائلًا : لم أشعر يومًا أن لدى حاجزا نفسيا او معضلة دينية يجب ان أحلها مع أصدقائى وعشرة عمرى فى سنوات العمل والدراسة المسلمين، بل أذكر ان لى صديقا مسيحيا خارج نطاق الدراسة عرفته فى التسعينيات من القرن الماضى وبعد أربع سنوات من صداقتنا الطيبة طلب منى أن أكون الاشبين الخاص به فى حفل زفافه القريب، وانت تعلمين ان الاشبين فى طقوس الزفاف المسيحى يعنى الاخ أو أقرب الاصدقاء مماجعلنى أتعجب لطلبه على الرغم من صداقتنا الحلوة وسألته لماذا تختارنى بالذات فبالتأكيد لديك أصدقاء عمر صداقتك بهم أطول بكثير من علاقتنا فأجابنى ضاحكًا أنه بحث فى كل أصدقائه المقربين وأكتشف أنهم جميعًا مسلمين ولا يوجد لديه صديق عمر واحد مسيحى! فضحكنا وقمت بدور الأشبين له انقاذًا للموقف.
أما الموقف الذى لاينساه المهندس ناجى ألفونس وقال لى انه يرويه كلما رأى طيور الظلام وغربان الفرقة تحلق فوق رؤسنا من مسيحيين مصر ومسلميه قائلًا : فى التسعينيات أدت طبيعة عملى أن أسافر إلى جامعة بير زيت بمدينة القدس الشريفة، وهناك تذكرت ماقاله لى جارى عاصم الرجل المتدين والشخص الخلوق بكل ماتحمله الكلمة من معنى والصديق العزيز لسنوات من الجيرة والعشرة الطيبة بأنه يتمنى ان يقرأ فاتحة القرآن الكريم فى المسجد الاقصى.
وبالفعل اتجهت إلى المسجد الاقصى تنفيذًا للوعد الذى قطعته بينى وبين نفسى أن أحقق أمنية جارى عاصم و أن أقرأ الفاتحة داخل حرم المسجد، لاتتخيلى حجم الراحة النفسية والشعور بالطمأنينة الذى يتسلل بداخلك بمجرد أن تطأ قدمك العتبات الاولى للمسجد وهى على هيئة أعمدة مصطفة على اليمين واليسار يحوطها كردون من الحبال يفصل بين المصلين والزائرين للمسجد، فبدأت أسير داخل الكردون المحدد حتى وصلت إلى المحراب وبدأت أقرأ بصوت خفيض الفاتحة بهدوء وبطئ فلمحنى شيخ الجامع وسألنى عن جنسيتى فقلت له اننى مصرى وأقرأ الفاتحة فطلب منى الخروج من الكردون والانضمام لصفوف المصلين فقلت له مبتسمًا : اننى شاكر لدعوته كثيرًا ولكننى مسيحى واننى أقرأ الفاتحة وفاءً لجارى وحبيبى فى السكن عاصم المسلم، فصمت شيخ المسجد الاقصى وبدأ يبتعد ولكنه توقف بعد خطوتين ورجع لى وهو يحل حبل الكردون الذى يفصل بينى وبينه ويقول بابتسامة رائعة وحنو بالغ : أهلًا بك فى المسجد الاقصى وبلدك الثانى فلسطين وأخذنى فى رحلة روحية بين جنبات المسجد وعمارته ولا أنسى هذه الزيارة ماحييت فهى عنوان بارز وواضح للمحبة بيننا مسلمين ومسيحيين، نحمل جميعنا خمسة وتسعين بالمئة من جينات جدنا الفرعون الاكبر توت عنخ أمون وموسمين بقبط مصر.
يصمت المهندس ناجى ألفونس وبنبرة حازمة يقول : ولكن دعينى أقول لكى أننى أشعر بقليل من الخوف على الاجيال القادمة ومايبث فى عقولهم من أفكار الاختلاف والنزاع وفقد المشترك اللانهائى بين المصريين فى التاريخ والدين والحياة، وفى تصورى ان البداية الحقيقية هى فى التعليم وزرع لغة التسامح والتجاوز فى نفوس الصغار وأن حب الوطن مصر هو ترياق البقاء للجميع.
"كوثر وسلوى "
هذه ليست قصوصة من الذكريات بل قماشة ناعمة وساخنة تمتد أمتار من سنوات العمر والحب ومواجهة ضربات القدر الموجعة بالفقد والرحيل للأزواج والابناء والأصدقاء، فى تساوى مذهل لفعل الفرح والحزن ومقاومة الاحساس بالهزيمة والانكسار مهما كانت سرعة دوران ترس الحياة رهيبة لاترحم متجاوزة كل ما يقال عن الاختلاف والتوجس من الآخر سواء كان هذا الآخر السيدة السبعينية القبطية المسلمة كوثر عبد القادر بيومى أو القبطية المسيحية سلوى أبراهيم بخيت والتى تجاوزت الستين بسنوات عشر، زميلتان العمل منذ منتصف الخمسينيات فى شركة القاهرة للأدوية والصناعات الدوائية حينما كان لدينا مصانع وشركات يعمل بها
أبناء الطبقات المصرية الفقيرة والمتوسطة ويتقاسمون بين عنابرها المنتجة الخير لمصر والمصريين لقمة العيش والمصيف والحلم بغد أفضل وأسعد للأبناء وقبل أن يتحول الوطن فى منتصف السبعينيات لعواصف الانفتاح وثقافة الاستهلاك والنزاع المصطنع والمزيف بين تجار الدين الممجوجين بأن الجنة حكر على دين دون غيره.
تجلس أمامى السيدة القبطية المسلمة كوثر عبد القادر بيومى بوجة بشوش وقسمات تدل على جمال ذهب ولكن بقيت معالمه واضحة تشى بأن قوة الزمن لم تنال من نضارته الكثير، على الرغم من سنواتها الثمانية بعد السبعين.
أنصت اليها بعد أن روجتها كثيرًا ان تفتح لى صندوق ذكرياتها وان هذا الموضوع الصحفى الذى أقوم بكتابته هو كارت معايدة ورسالة محبة لصديقتها المسيحية سلوى أبراهيم بخيت والتى لم تعد تلتقى بها كثيرًا فى الفترة الأخيرة لاشتداد المرض على كلتاهما وصعوبة الحركة من منطقة وسط البلد حيث تسكن السيدة كوثر إلى منطقة سرايا القبة مسكن السيدة سلوى.
تقول كمن يستعيد مناطق الضوء والراحة داخل نفسها قبل أن تخبر بها الآخرين : سلوى هى أختى التى لم تلدها أمى، انها كل شىء بالنسبة لى فعلاقتنا بدأت منذ منتصف الخمسينيات من القرن الماضى فى شركة القاهرة للأدوية والصناعات الدوائية ولم نفترق من يومها أبدًا، فقد كنا صبايا غير متزوجات فتقاسمنا أسرار الحب والارتباط معًا وأوقات ضيق الرزق وقلة الحال، فقد كانت تعرف أحمد زوجى وانا صديقة عزت زوجها ولى الحق طوال الوقت فى أن أكون الحكم العاطفى بينهما والقادرة على فض المنازعات الصغيرة وهى بالطبع لها نفس الحق، وحينما كان زوجها عزت فى سكرات الموت مسك بيدى واوصانى بأختى سلوى وأن أقف معها فى زواج أبنهما البكر أسامة.
تصمت قليلًا ثم تضحك قائلة : كنت أريد أن أزوج سلوى لأخى الأكبر عبد اللطيف من شدة حبى لها ووجودها فى بيتنا طوال الوقت وكأنها من أهل الدار وليست ضيفة ولكن عمى أبراهيم والذى عوضنى عن حنان الاب الذى افتقدته انا وأخواتى مبكرًا رفض مازحًا أنهم صعايدة ولايجوز ان تتزوج ابنتهم سلوى من غير ابناء عمومتها.
تسرد لى بحماس ونبرات صوتها تعلو كلما ربطت الاحداث وتذكرتها : كانت سلوى تصوم معى شهر رمضان كله وتقضى معنا صباحات العيد وتفرح بدعاء أمى زمزم لها بالصحة وطول العمر، وانا أذهب معها مولد العريان بحلوان فى منطقة المعصرة ومشاهدة فيلم السيد المسيح فى سينما شبرا بالاس ليلة عيد الميلاد، وفى مدخل الصالة المريحة لشقتها هناك صورة كبيرة بمساحة مترين فى متر للسيدة العذراء وهى تحتضن وليدها السيد المسيح مشغولة بدرجات الآزرق والتركواز بخرج النجف والترتر من صنع يدى لأختى وحبيبتى سلوى، وفى الصيام الكبير تقوم سلوى بإرسال أكياس الطعمية النية البيتى والترمس والحمص واللفت لأبنائى محمد وسهام الذين تربوا مع اولادها أسامة وهانى ومريان. ولاتختلف ذكريات الأعداد للمصيف المرحة والتى تبدأ قبل موعده بأسابيع، وماذا سنأخذ معنا وماسنتركه وكيف سندبر الاشتراك للمصيف والذى يقدر بمائة وخمسة وسبعين قرشًا بخلاف خمسة وعشرين قرشًا لأشتراك الابناء.
تسكت طويلًا كأن شريط حى من البشر يمر أمام عينيها تريد ان تلتقط مابداخله بيديها وتحتفظ به داخل صدرها، ولكن فجأة أجد سحابة رقيقة من الدموع بدأت تتجمع فى عينيها المنهكتين من وطأة الزمن ومواجع الفقد للأحباب تقول هامسة : كانت سلوى معى وفى ظهرى يوم الميلاد والرحيل لمحمد ابنى عن الدنيا عريسًا فى سن الثلاثين، فكما قدمت له مصحفا وكفا يحميه من عين الحسود ودلاية وعروسة صغيرة من ذهب وهو وليد، كانت هى من بجوارى استند لذراعها قبل أن أسقط من الحزن والألم والضياع النفسى وأنا أودعه بين يدى الرحمن فى مثواه الأخير، فى لحظتها كنت أنا وسلوى نبكى على الابن الذى راح مننا، لذلك وأنا فى شيخوختى وقلة حيلتى مع الحركة أدعو فى الفجر وأنا أصلى : يارب يومى يجىء قبل يومك ياسلوى وما أتكويش بنار فقدك أبدًا، فهى مازالت صبية وأصغر منى بست سنوات.
شيرين كريم شحاتة هى صديقة أختى أمانى والتى تكبرنى بعامين، هما معًا طوال الوقت فزهرتا عمرهما مريم ومارييز يدرسان معًا فى مدرسة الفرنسيسكان للراهبات، وحينما ينتظران انتهاء يومهما الدراسى يكون قطع الوقت فى المقهى المقابل للمدرسة تتخلله ضحكات صافية عن مشقة الحياة وتربية الأولاد ويوميات الزوج الذى غالبًا ما يكون الحديث عنه بأنه مقصر ويفتقد الكثير من الرومانسية.
رحبت شيرين بفكرة الموضوع حينما عرضته عليها وبدأت بحماس الحديث عن الحى الذى عاشت طوال عمرها فيه حتى بعد ان تزوجت وهو حى شبرا المعروف بتنوع ساكنيه وثقافتهم وديانتهم فهو مجمع أديان بامتياز قائلة : من لم يعش فى شبرا فهو لم يعش فى مصر أم الدنيا، فهو يستعد من الان لليلة عيد الميلاد وبابا نويل يقف مبتسمًا بعشرات الأنوار أمام البيوت والمحلات بطول حى شبرا وعرضه، ففرحة الحى من مسلمين ومسيحين بالاعياد سواء كانت عيد الميلاد عندنا كمسيحيين أو العيد الصغير وليالى رمضان والعيد الكبير للمسلمين لاتوجد فى مكان آخر غير شبرا.
تستكمل شيرين قائلة : والدتى كانت موظفة وحينما ولدتنى واجهت بعد الشهور الثلاثة من ولادتنى مشكلة المكان الذى ستتركنى فيه وانا مازلت وليدة وتنزل إلى العمل مرة أخرى، هنا تظهر ماما ثريا جارتنا المسلمة التى تطلب من والدتى بأمومة وحزم ان تتركنى فى رعايتها ساعات العمل فهى وحيدة مع ابنتها هويدا، وأنها ستكون سعيدة برعايتها لى، وبالفعل وافقت أمى بثقة ومحبة ان تترك طفلتها كل هذه الساعات وهى مطمئنة عند جارتها ثريا، ولقد عشت فى بيت ماما ثريا أجمل سنوات طفولتى وكنت أناديها ماما وأهرول إلى باب شقتها لاشتكى لها زعلى من والدتى ولم اكتشفت أن ماما ثريا مسلمة ونحن مسيحيين الا بعد سنوات طويلة من العشرة وسهر الليالى مع هويدا ابنتها فى ضحك ومرح وتأمل هذا الحنان الذى يكفينى العمر كله ومنحته لى بقلبها الكبير ماما ثريا.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.