واجهات مميزة.. مافيا «تسقيع».. والغفير غير الأمير لا تعتقد أن الخروج من الدنيا هينًا, إذا تخيلت أن الموت راحة فى ظل جنون وغلاء الأسعار الحالى, عليك أن توفر الأموال بكل جهد مجددًا بعد توفير كل احتياجات الدنيا اللازمة لتدخر كل قرش تشترى به بيتًا للآخرة لتدفن به أنت وأسرتك, إلا إذا اخترت مدافن الصدقة الجارية ولن يعرف لك طريق بعد وفاتك وربما ينهب المتربصون أعضاءك!! «اعمل لدنياك كأنك تعيش أبدا, واعمل لآخرتك كأنك تموت غدا», شعار يرفعه سماسرة الموت, فى محاولة لإقناعك بضرورة توفير كومة تراب مناسبة لك ولأسرتك حتى تدفن فيها بعد الوفاة, ولكنهم فى المقابل سيتقاضون أموالًا طائلة, مقابل الخدمة التى من المفترض أنهم يقومون بها, دون مراعاة الحلال والحرام, خاصة فى الجنيهات التى تأخذ مقابل متر فى متر ليتحول الإنسان من الدنيا إلى الدار الآخرة. ادفع 50% من ثمن المقبرة أو اللحد, وقسط حتى 24 شهرًا, أطول فترة تقسيط وأقل سعر فى مصر, «يبقى ما تفكرش كتير عليك وعلى «فلان الفلانى», علشان إحنا خبرة أكثر من 10 سنوات فى مجال بناء المقابر الإسلامية, ليس هذا فقط, فمقابر فلان الفلانى «تسليم فورى - أفضل خدمة بعد التسليم - شوارع واسعة داخلية ورئيسية - مبانى بالطوب الوردى والحجارى والفرعونى - حراسة 24 ساعة - واجهة مميزة»!! إعلانات ينشرها السماسرة فى كل مكان, وعلى مواقع التواصل الاجتماعى, ومعلقة على الحوائط فى الشوارع, يجذبون بها الزبائن, وكأنها بضاعة يجملونها فى أجمل صورها لعرضها للبيع, والسماسرة لا يقتصر عملهم على البيع فقط, ولكنهم يقومون بالبناء أيضًا, وشراء واستبدال المقابر, فى تجارة واسعة متكاملة الأركان, فالمقابر التى تعلن عنها كل محافظة من حين لآخر بمقدم محدد والتقسيط «مدعم» تحذر زبائنها من السماسرة. ويفرح المشترى ببضعة آلاف أخرى يضحى بها السمسار فى مقابل أن يبيعها بضعف ثمنها أو أكثر. خاضت «الوفد» تجربة شراء مقبرة, لرصد الأسعار الجنونية التى وصلت لها الأحواش أو اللحود والمقابر, وكأنه عذاب فى الدنيا وعذاب آخر فى الآخرة, فتفاوتت أسعارها فى مختلف المناطق المخصصة للغلابة والفقراء, وآخرون من الأغنياء, منها فى أول طريق الفيوم, ومنطقة العبور, وأرقاها فى مقابر الوفاء والأمل فى مدينة نصر, وحى الأسمرات, و15 مايو, ومدينة السادس من أكتوبر والعاشر من رمضان. تفاوضنا مع عدد من السماسرة, لشراء مقبرة مرة كمواطن فقير يريد أقل مساحة بأقل سعر ممكن, لا يريد إلا أن يدفن هو وأسرته فى مكان يحتويه بدون الرفاهية التى لم يشاهدها من الأساس فى الدنيا, وتارة كمواطن غنى, لا تهمه الأموال, ويريد أوسع المقابر, وأرقى المناطق, حتى يدفن مع الأغنياء مثله. واكتشفنا عالم من «البيزنس» له قواعده وقوانينه الخاصة, حيث يختلف نظام كل سمسار عن غيره, فهناك من يعمل بنظام الكاش, أى أن تدفع الأموال مرة واحدة, وآخر يعمل بنظام التقسيط لتدفع 50% من المبلغ ويتم تقسيط الباقى على عدد السنوات التى تريدها وفقًا لأكثر من نظام تقسيط حدده السماسرة, وأغلبهم يكون لديهم خريطة لجميع المقابر الفارغة والتى سيتم بيعها فى جميع المناطق حوله ولا يقتصر على منطقته فقط. توجهنا إلى مقابر 15 مايو, وسألنا أحد السماسرة, عن أصغر المقابر بأقل الأسعار تناسب حال المواطن البسيط, وعرض علينا السمسار عددًا من المقابر أقلها مساحة 21 مترًا, داخل مقابر 15 مايو, ويبلغ سعرها 55 ألف جنيه, تدفع فورًا بدون تقسيط, لأن هذا السمسار لا يتعامل بنظام التقسيط, والأرقى منها قليلًا فى طريق الفيوم, بلغ سعرها 65 ألفًا بمساحة 21 مترًا, فعاودنا السؤال عن إمكانية وجود مقابر بأقل من هذه الأسعار, حتى وإن كانت فى مناطق غير معروفة وبمساحات صغيرة, فكان الرد مخيبًا بأن هذه الأسعار هى الأقل على الإطلاق وأنه لا توجد مساحات أقل من 21 متاحة من الأساس. ذهبنا إلى سمسار, بمقابر مدينة السلام, وسألناه عن الأسعار والمساحات, فتوجه معنا لنشاهد المقابر على الطريق قبل «كارتة» السلام, وجدنا فيها بمساحة 28 مترًا, وتحتوى على «2 عين تحت الأرض», بالإضافة إلى استراحة, يبلغ سعرها 60 ألف جنيه, إذا أردت أن تدفع بشيك فورى, و70 ألفًا على نظام التقسيط على أن تدفع نصف المبلغ مقدمًا والباقى يتم تقسيطه على سنتين. كما يوجد مقبرة أخرى على مساحة 42 مترًا, تضم 2 عين بمظلة خرسانية, إضافة إلى طرقة وعضامة, ويبلغ سعرها 80 ألفًا, و90 تقسيط, والأكبر منها على مساحة 62 مترًا, مكونة من 4 عيون تحت الأرض, إضافة إلى طرقة وعضامة, و2 استراحة كبيرة, ومظلة خرسانية, ويبلغ سعرها 135 ألفًا للدفع الفورى, و145 تقسيط. وخلال جولتنا فى مقابر وسط البلد فى السيدة نفيسة, والسيدة عائشة, والبساتين, ومنشأة ناصر, إضافة إلى مقابر مصر الجديدة, تحدثنا مع عدد من ساكنى المقابر, والذين يعيشون حياة كاملة مع أسرهم داخل المدافن, عن إمكانية شراء مقبرة فى هذا المكان, وأكدوا لنا أن هذه المناطق ممتلئة على آخرها, ومملوكة للأهالى, ولم يعد بها مقابر فارغة للبيع, أو حتى أماكن للبناء الجديد والبيع, وأشاروا إلى أن العمل فى هذه المناطق يقتصر فقط على بيع وشراء المقابر القديمة, إذا استغنى عنها أصحابها وأرادوا بيعها. هانى محمود, مالك لأحد المدافن بمنطقة البساتين, أضاف أنه تعرض إلي حيلة من أحد حراس المقابر عندما حاول إقناعه ببيع العين الفارغة التابعة لمقابر أسرته لأن المياه الجوفية تخرج من تحتها, وبعد المراقبة وسؤال الجيران تأكد أن الحارس يعمل سمسارًا لبيع المقابر التى لا يأتى إليها أصحابها مقابل مبالغ مالية, وأنه يأتى بأفراد أسرته محملين بكميات كبيرة من المياه لإغراق المدفن وإقناع صاحبه بضرورة بيعه. «إحنا لاقيين ناكل عشان نشترى مدفن ب ألفًا» بهذه الكلمات وصف إبراهيم مصطفى, 40 عامًا, يعمل فى البناء باليومية, حال أسرته مؤكدًا أنه يخرج للعمل ليأتى بمائة جنيه تكفى بالكاد لليوم, وأنه مع أسرته يعيشون اليوم بيومه ولا يفكرون بغد, قائلًا: «يحلها الحلال لما نموت أنا دلوقتى بفكر عيالى هياكلوا ويشربوا إيه وعايشين فى غرفة». وجدنا فى مقابر «كبار الدولة» بمصر الجديدة قبورًا أشبه بالقصور, أسوار عالية للغاية لرفع درجة التأمين, أحواش واسعة جدًا مجهزة بأغلى أنواع الرخام ومواد البناء, وتضم عددًا كبيرًا من المشاهير ورجال السياسة فى الدولة منهم: آل فتحى سرور ومدفون بها أفراد من عائلة رئيس مجلس النواب الأسبق فتحى سرور, والكاتب الصحفى الشهير محمد حسنين هيكل والتى امتلأت مقبرته بالورود, وتقع بجوار المخرج محمد سالم والكاتب حسين بكر, وعائلة الكاتب جلال الدين الحمامصى. كما تضم مقابر عائلة اللواء محمد صلاح الدين, ومدافن أسرة اللواء مصطفى عبدالستار, والدكتور محمد أبوطائلة, ومدفن آل جمعة ومدفن عبدالحميد سليم, ومدافن راوية ورقية كريمات السادات, يفصل قبرهن عن قبره عدة أمتار, وأسرة المشير طنطاوى, والسيناريست الراحل ممدوح الليثى, ومحمد عادل أمين المسيك, الذى استشهد فى ميدان الشرف بالسويس عام 1970 ومنحه الرئيس جمال عبدالناصر وسام نجمة الشرف العسكرية. مقابر فى قبضة السماسرة فساد بعض سماسرة المدافن, خاصة التى تطرحها المحافظات, يشبه كثيرًا فساد الشقق المدعمة التابعة للدولة, ويتلاعب فى أسعارها السماسرة بعد استلام صاحبها من قبل الدولة بمبلغ يصل إلى 50 ألف جنيه مثلًا إذا كنت تتحدث عن محافظة القاهرة, يأخذها منه السمسار ب ألفًا ويبيعها لمشتر آخر بسعر 65 و70 ألفًا. وعن نظام السماسرة, قال أحد السماسرة إن البيع والشراء فى المقابر يتشابه كثيرًا مع العقارات, وأن السمسار يوصل المشترى للبائع فقط ويأخذ من كل طرف 2.5%, وتنتهى مهمته على ذلك, ولكن تجارة المقابر لا تخلو من الفاسدين مثل أى مهنة أو تجارة موجودة فى مصر, موضحًا أن بعضهم ينتظر بفارغ الصبر المقابر التى تطرحها المحافظات, ويعتبرون هذا التوقيت موسمًا وسبوبة لهم ويقومون بإجبار عدد من المواطنين للاستفادة من عروض المحافظة ويأخذون منهم إيصال الدفع بمجرد استلامه من المحافظة بمقابل مادى, ثم يبيعونه لمشتر آخر بسعر أغلى ويتحكمون فى سوق المقابر وأسعاره كما يشاءون. السماسرة كسبوا ملايين بعد تعويم الجنيه, هكذا قال لنا أحد السماسرة فى مدافن 6 أكتوبر, موضحًا أن هناك سماسرة كانوا يمتلكون أجزاء كبيرة فى المدافن قاموا بشرائها منذ فترة طويلة قبل تعويم الجنيه, وبعد التعويم ارتفع أسعارها بنسب تصل إلى 100% وحققوا من خلال ذلك أرباحًا خيالية.