القوي السياسية في مصر تبحث الآن عن النظام الأصلح لمصر، وهل هو النظام البرلماني أم النظام السياسي أم النظام المختلط؟ وهل يجوز للأغلبية في البرلمان أن تشكل الحكومة وفقاً للنظام البرلماني أم أن البرلمان لا دخل له في تشكيل الحكومة بل إن الذي يشكلها هو رئيس الدولة المنتخب انتخاباً حراً مباشراً من جموع الشعب المصري، وذلك وفقاً للنظام الرئاسي. نود أن نقرر أولاً: أن الاتجاه العالمي الذي يرفض أن تقوم الأغلبية البرلمانية بتشكيل الحكومة - بمفردها أو بالائتلاف مع بعض الأحزاب - يستند إلي أن الوظيفة الأولي للبرلمان هي مراقبة الحكومة، والحقيقة أنه لا جدوي ولا جدية في رقابة يقوم بها البرلمان علي حكومة هي من تشكيله، آخذاً في الاعتبار أن مرحلة التحول التي تجتازها الشعوب تكون مليئة بالأخطاء ومن المصلحة كشف هذه الأخطاء في الوقت المناسب. أما عن المهمة الثانية للبرلمان وهي التشريع ووضع القوانين، فإن القوانين التي تريدها الحكومة سوف يوافق عليها البرلمان، والعكس صحيح، فيفقد التشريع حياده وتجرده، ويفقد البرلمان وظيفته الثانية والأخيرة. وقد عبر عن هذا الاتجاه الفيلسوف الفرنسي الأشهر مونتسكيو في مؤلفه الرائع «روح القوانين» مقرراً أن البرلمان يكون بذلك قد جمع عملياً بين السلطتين التشريعية والتنفيذية، وتكون النتيجة انعدام الحريات، وحيث يحل استبداد المجموعة محل استبداد الفرد، وهو يري أن تركيز السلطة علي هذا النحو إنما هو شر مستطير، الأمر الذي يعرض العمل الوطني العام لخطر كبير، ويحدث انقسامات كبيرة في المجتمع. ويضيف أنصار هذا الاتجاه أن رئيس الدولة المنتخب انتخاباً حراً من شعبه هو الذي يشكل الحكومة، وأن الحكومة يجب أن تتعاون مع البرلمان، لكن يجب أن تكون قوية وقادرة علي مواجهة البرلمان، ويقول مونتسكيو حرفياً «السلطة توقف السلطة بحيث لا تستطيع سلطة أن تسيء استعمال سلطاتها أو تستبد بتلك السلطة». ويحدثنا التاريخ عن أن الجنرال ديجول رفض تغول البرلمان - أي السلطة التشريعية - علي السلطة التنفيذية، ونجح في القضاء علي الجمهورية الرابعة، وأقام علي أنقاضها جمهوريته الخامسة، التي تحقق التوازن الرشيد بين السلطتين. وفي مقابل كل ما تقدم فإن هناك اتجاهاً آخر يري أن قيام البرلمان بتشكيل الحكومة يؤدي إلي تسهيل التعاون بينهما مما ينعكس إيجابياً علي العمل العام. وقد هاجم كارل ماركس - وتروتسكي فيلسوف الماركسية المنشق والأكثر تطرفاً - مبدأ الفصل بين سلطات الدولة واعتبره أداة ماكرة من الطبقات البرجوازية لهضم حقوق العمال، وبدلاً منه قاما بوضع نظام أطلقا عليه اسم «تفويض السلطات علي درجات هرمية» وبموجبه فإن البرلمان المفوض من جانب الشعب، يقوم بتفويض بعض سلطاته إلي هيئة تنفيذية - هي الحكومة - التي تمارس السلطة باسم الشعب وهكذا يحل تقسيم العمل محل فصل السلطات، وعموماً فإن لكل دولة ظروفها وخصوصيتها فما يصلح لدولة ملكية مثل بريطانيا قد لا يصلح لدولة أخري، لكن لابد من إيجاد التوازن الرشيد بين السلطتين التشريعية والتنفيذية وأن يتم المزج بين النظامين آخذاً في الاعتبار وجود غرفة أخري للبرلمان تتمثل في مجلس الشوري الذي ينبغي تطويره وإدخاله في المعادلة الوطنية للتوازن، بما يحقق المصالح العليا للوطن، وهذا هو موضوعنا القادم إن شاء الله. ---------- نائب رئيس مجلس الدولة