المستشار العطار خلال حواره مع عبدالمحسن الفرماوى السؤال الذي يشغل القوي السياسية في مصر حالياً هو.. من هو صاحب الحق في تشكيل الحكومة القادمة بعد أن تمت الانتخابات البرلمانية؟ هل هو الحزب الحائز علي الأغلبية داخل البرلمان؟ أم أنها ستكون حكومة ائتلافية بين القوي السياسية داخل البرلمان كل بنسبته (النظام البرلماني).. أم أن البرلمان لايشكل الحكومة بل يشكلها رئيس الدولة المنتخب انتخابا حرا مباشرا من الشعب (النظام الرئاسي)؟ ثم ماهي علاقة رئيس الدولة بالبرلمان بغرفتيه الشعب والشوري.. وماهي الطرق الصحيحة لتطوير مجلس الشوري ليشارك في صنع القرار خلال الفترة القادمة؟ وهل تحتاج مصر إلي إعادة صياغة الدستور وتعديله خلال الفترة الراهنة؟ التقت آخر ساعة المستشار محمود العطار نائب رئيس مجلس الدولة للتعرف علي هذه التساؤلات. في البداية يقول: الدستور المصري الموقوف العمل به حاليا سبق وضعه عام 1971 في بداية حكم الرئيس الراحل أنور السادات وهو فخر دساتير الدنيا لأنه دستور تراكمي نص في بدايته علي أنه تراكم خبرات دستور سنة 1923 ثم دستور 1930 ثم الإعلان الدستوري لسنة 1953 ثم دستور 1956 ثم دستور 1964 وبعد ذلك تم استفتاء في 11 سبتمبر 1971 اجتمعت كلمة الشعب المصري علي إصدار هذا الدستور إلا أنه في الفترة الأخيرة من رئاسة الرئيس السابق حسني مبارك حدثت بعض التعديلات وأشهرها المادة 76 سيئة السمعة فبمجرد حذفها يعود الدستور إلي مجده السابق لذلك أعتقد أن الدستوري المصري ليس في حاجة إلي مائة عضو لإعداده ثم يعرض الأمر علي استفتاء شعبي فهذا تبديد للجهد وتضييع للوقت وإنني أعتقد أن معظم الدين يطالبون بالتعديل الدستوري لم يطلعوا عليه جيدا علما بأن هناك مواد دستورية محدودة لاتزيد عن 9 مواد هي التي مطلوب إعادة النظر فيها. ❊❊ هل يصلح لمصر خلال الفترة القادمة النظام البرلماني أم النظام الرئاسي؟ النظام البرلماني يسمح للأغلبية البرلمانية بتشكيل الحكومة وكان هذا محل انتقاد عالمي عبر عنه الفيلسوف الفرنسي مونتسكيو في كتابه الأشهر (روح القوانين) فانتقد أن يقوم البرلمان الذي وظيفته مراقبة الحكومة بتشكيلها فهنا لن يراقب البرلمان الحكومة المراقبة الجادة الفعالة لأنها حكومته وبالتالي لن يراقب بجدية الأخطاء التي تقع فيها الحكومة خاصة بالنسبة لمشروعاتها أو الميزانية العامة للدولة كما أن التشريع والقوانين سوف تفقد حيادها لأن ماتريده الحكومة سيوافق عليه البرلمان ومايريده البرلمان ستوافق عليه الحكومة وبالتالي ضاع دور البرلمان. ويري مونتسكيو أن البرلمان يكون بذلك قد جمع عمليا وفعليا بين السلطتين التشريعية والتنفيذية وتكون النتيجة انعدام الحرية وأن يحل استبداد المجموعة محل استبداد الفرد علما بأن الأصل العام في الديمقراطية هو الفصل بين السلطات الثلاث التشريعية القضائية التنفيذية ولذا فإن رئيس الدولة هو الذي يرأس السلطة التنفيذية وهو الذي يشكل الحكومة وليس البرلمان وفي نفس الوقت فإن كل سلطة تتعاون مع الأخري وتراقبها بل وتوقفها عند حدها أما تركيز السلطة فهو شر مستطير ويعرض العمل الوطني العام لخطر كبير ويتمثل أيضا في عدم اكتشاف الأخطاء في الوقت المناسب. كما أنه من الخطأ الجسيم قياس حالة دولة علي دولة أخري. ويؤكد مونتسيكو في كتابه مانصه حرفيا (السلطة توقف السلطة بحيث لاتستطيع سلطة أن تسيء استعمال سلطتها أو أن تستبد بتلك السلطة). ويضيف المستشار محمود العطار قائلا: ظهر اتجاه آخر قاده كارل ماركس ومن بعده تروتسكي (فيلسوف الماركسية المنشق والأكثر شهرة وتطرفا) ويري أن البرلمانات في الدول النامية هي برلمانات منافقة حيث يشير الواقع العلمي إلي أنها تسعي للمحافظة علي مصالح الطبقة البرجوازية دون مصالح الفقراء.. لذا فالأفضل والأولي التسليم بمبدأ تركيز السلطة علي أن يكون هذا في يد المجالس الشعبية.. وعن كيفية إدارة البلاد استعاض الفكر الماركسي عن مبدأ الفصل بين السلطات بمبدأ أطلق عليه اسم تفويض السلطات علي درجات هرمية.. فالشعب يفوض سلطته إلي جمعية منتخبة وهذه الجمعية تفوض بعض سلطاتها إلي جمعية أخري حتي نصل إلي هيئة تنفيذية هي الحكومة تمارس السلطة باسم الشعب هكذا يحل تقسيم العمل محل فصل السلطات. ويستطرد قائلا: الدروس المستفادة من خبرات الآخرين تحدثنا عن أن البرلمان القوي يحتاج إلي رئيس قوي يواجهة فلا خير في برلمان قوي ورئيس ضعيف ولا في برلمان ضعيف ورئيس قوي بل إن المصالح العليا للشعوب النامية تتطلب التوازن الرشيد بين القوي وأن يكون لكل من القوتين مراكز للتأثير المتعادل علي القوة الأخري وإن تم هذا فسيكون بنسب تتفاوت من دولة لأخري بحسب ظروف كل دولة. ❊❊ ماهي أبرز أدوات التوازن بين البرلمان والسلطة التنفيذية؟ أن يكون للبرلمان حق توجيه الأسئلة إلي الوزراء والحق في استجوابهم وطرح موضوعات للمناقشة وتشكيل لجان لتقصي الحقائق لإجراء التحقيق في موضوع معين والموافقة علي برنامج الوزارة الجديدة وأخيرا وهو الأخطر الحق في طرح الثقة أو سحبها من الوزير أو الحكومة كلها. ويقابل هذا حق السلطة التنفيذية (الحكومة التي يشكلها رئيس الدولة): أولا : دعوة البرلمان لاجتماع عادي أو غير عادي . ثانيا: حق تأجيل انعقاد البرلمان وأخيرا وهو الأهم حق حل البرلمان وهناك تفصيلات كثيرة في هذا الشأن ليس الآن مجالها. معني هذا أنه في إطار توازن القوي فإنه إذا كان من حق البرلمان أن يسحب الثقة من الحكومة فإن هذا الحق يقابله حق السلطة التنفيذية في حل البرلمان بشروط. وحكمة التاريخ والتجارب السابقة تؤكد أن العبرة لم تكن أبدا وفقا للنصوص القانونية وحدها بل للواقع العملي والتطبيق السليم لأحكام القانون وبمدي ثقافة الشعوب ورشدها ووعيها. ونحن طرحنا التجارب العالمية في تشكيل الحكومات وقد تجنبنا إبداء رأينا الشخصي فيها أو ترجيح هذا الاتجاه أو ذاك إذ إن لكل شعب ظروفه واعتباراته وخصوصيته فيستطيع أن يأخذ بما يراه مناسبا له وأن يعدل ويطور بشرط أن يتم هذا وفقا لاستراتيجية شاملة ومنهج متكامل. ❊❊ هل نحتاج في مصر إلي تقليص سلطات رئيس الجمهورية القادم؟ نحن لانحتاج إلي تقليص سلطات رئيس الجمهورية القادم خاصة ونحن لدينا برلمان قوي ومثقف وهناك من يدعي أنه إذا لم يتم تقليص سلطات الرئيس فسوف ينقلب إلي فرعون وهذا وهم كبير لأن الشعب يراقب كل شيء. ❊❊ ماهي الطرق الصحيحة لتطوير مجلس الشوري ليشارك في صنع القرار خلال الفترة القادمة؟ لديّ مشروع كامل لتطوير مجلس الشوري ليصبح أقوي مجلس في مصر يقود العمل السياسي والمتابع للنظم البرلمانية في العالم يجد أن بعض الدول تفضل أن يكون البرلمان الخاص بها مكونا من مجلس واحد توفيرا للنفقات ومنعا من التضارب بينما تفضل دولة أخري اتباع نظام المجلسين حتي تأتي القوانين مدروسة بعناية وأيضا حتي إذا سيطرت فئة ذات اتجاه معين علي أحد المجلسين فإن المجلس الآخر يحدث التوازن المطلوب ويحد من اندفاعات المجلس الآخر. ونحن نقترح بالنسبة للأعضاء الذين سيتم تعيينهم والبالغ عددهم 130 عضوا يتم تعيينهم كالآتي: عدد من الأعضاء من شباب الثورة. رؤساء الأحزاب التي تضم في عضويتها مالايقل عن 20 ألف عضو. رؤساء أكبر النقابات عددا وهم ممن تم انتخابهم انتخابا حرا مباشرا مثل نقباء الأطباء والمحامين والصحفيين والمعلمين والتجاريين الزراعيين. رؤساء الجامعات المصرية ورؤساء مراكز البحوث الرسمية. رؤساء مجالس إدارة ورؤساء تحرير الصحف التي مر علي إصدارها أكثر من 15 سنة ممن يمارسون العمل الصحفي مدة لاتقل عن 20 عاما. رئيس المجلس القومي لحقوق الإنسان ونائبه. رئيس الاتحاد العام للجمعيات الأهلية ونائبه. عدد من رؤساء الهيئات القضائية السابقين ونوابهم (يتم انتخابهم بمعرفة النوادي الخاصة بهم). عدد من السفراء بوازرة الخارجية (حاليين وسابقين). عدد من أساتذة القانون بكليات الحقوق بالجامعات الرسمية المصرية (يتم انتخابهم من هيئات التدريس). عدد من ضباط الشرطة والقوات المسلحة السابقين المتقاعدين. عدد 5 من رؤساء أكبر النوادي الرياضية في مصر. بعض الشخصيات العامة من ذوي الكفاءات المتميزة. وأيضا المرأة والطوائف والفئات الأخري والمصريون في الخارج إذا سمحت ظروفهم للمشاركة. أما عن الأمانة العامة لمجلس الشوري فلابد أن تضم 25 من الحاصلين علي الدكتوراه في القانون وعليهم التفرغ ولهم حق حضور الجلسات دون أن يكون لهم صوت معدود كما يجب الاهتمام بالآراء التي ينتهي إليها مجلس الشوري والأخذ بها طالما في مصلحة هذا الوطن الحبيب. ❊❊ مارأيك فيما يتردد أن نظر القضايا يستغرق وقتا طويلا لايتناسب مع الحالة الثورية التي تمر بها مصر خاصة محاكمة الرئيس السابق حسني مبارك؟ القضاء المصري لايتأخر إطلاقا فالقاضي مطلوب منه أن يقرأ عشرات الألوف من الأوراق والمستندات والأدلة ويفحص الأحراز ويسمع شهادة الشهود ويكفي أنه بالنسبة لقضية الرئيس السابق حسني مبارك طلب دفاع أهالي الشهداء سماع ستة آلاف شاهد بالإضافة إلي شهود النفي وهذا يستغرق وقتا رهيبا وأيضا هناك ضمير القاضي وكذلك هناك المعايير الدولية للأحكام كما أن القاضي له ضمير يراعيه. وكان النظام السابق ينتقد القضاء في عدم سرعة إصدار الأحكام علي خصومه وقد كتبت مقالا في الأخبار أحذر النظام السابق أثناء وجوده من أن الأيام قد تنقلب عليه ويجد نفسه في موقع الاتهام فيلجأ إلي العدالة فسوف تحميه إذا كان له الحق رغم أنه كان ينتقد ويعترض علي ماسماه بتباطؤ القضاء لذلك فالقضاء المصري قضاء عادل ولن يحكم القضاء للرأي العام بل بحكم الله الواحد القهار.