حاول المنظرون السياسيون الوصول الي الوضع الانسب لاليات تحفظ للمجتمع التوازن بين السلطات داخل المجتمع, ومن هنا ظهرت فكرة الفصل بين السلطات الاساسية في المجتمع , وقد اصطلح علي ان هذه السلطات ثلاث هي : التشريعية والتنفيذية والقضائية , وقد سميت بنظرية "الفصل بين السلطات الثلاث", وواضع اساس هذه النظرية المفكر الفرنسي شارل مونتسكيو 1689 – 1755م وقد نشر ذلك في كتابه المسمي "روح القوانين" حين حاول ان يفرق ويميز بين الثلاث وظائف الرئيسية التي تحكم المجتمع وهي : '1' الوظيفة التشريعية : وهي وظيفه منوط بها البرلمان وتنحصر وظيفته في صياغة القوانين ، وهي القواعد العامة الملزمة التي تسري علي كل مواطني المجتمع ويتم تنفيذها من خلال السلطتين التنفيذيه والقضائيه . '2' الوظيفة التنفيذية التي يتولاها الجهاز التنفيذي والممثل في مجلس الوزراء وموظفي الجهاز التنفيذي . '3' الوظيفة القضائية يقوم بها جهاز القضاء , تكون مهمته الأساسية في الفصل في المنازعات علي أساس القوانين بين فئات المجتمع مع بعضها البعض ومع الجهاز التنفيذي للدوله . وهذه الاسس يجب ان ينبني عليها النظام العام والذي يحكم عمل الثلاث اجهزه والتي يتكون منها مايسمي بالدوله , وقد بنيت الفكره الاساسيه علي انها حلقه مغلقه تبدأ بالتشريع ثم تنفيذه ثم الحكم به , علي ان تكون هذه السلطات منفصله انفصال تام يضمن من خلالها المجتمع العداله التامه بين فئاته , كما يضمن بها عدم جور اوطغيان القائمين علي الامور بالجهاز التنفيذي , حيث ان الاساس في هذا التقسيم المبدأ الاكثر اهميه في حياة البشريه الا وهو " مبدأ العقد الاجتماعي " والذي اسس له توماس هوبز '1588-1679م' وجون لوك '1632-1704م' وجان جاك روسو '1712-1778م' في كتابه الاكثر تأثيرا "العقد الاجتماعي", وقد قرر لوك في كتابه الهام "المقالتان" ان المبدأ الكفيل بانطلاق المجتمع المدني، هو مبدأ اعتماد الأكثرية ، فإذا كان أساس المجتمع المدني هو “الموافقة التي يعطيها عدد ما من الناس لتشكيل جسم سياسي واحد” ، فلكي يتصرف ذلك الجسم السياسي لا بد أن يتكون وفق مبدأ الأكثرية ، لأن “قدرة الأكثرية علي التقرير للقسم الباقي منه شرط لابد منه لوجوده نفسه”، وإلا انفرطت الوحدة المجتمعية القائمة علي التوافق والرغبة . إن مبدأ إرادة الأكثرية عند لوك ليس شرط قيام “العقد” الاجتماعي فقط، بل هو الشرط الأساسي لكل حكومة شرعية سواء كانت في بدء تاريخ الاجتماع المدني ، أو في لحظة تالية لهذا البدء ، ويري لوك أن الشعب، بتنازله عن السلطة للدوله ، لا يصبح “ ملزما تعاقديا تجاه حكامه ”، بل إن لوك يري اهمية الحيطه التامه من الوقوع في تضاد هذا المعني ، ولذلك نجده لا يستعمل في توصيف العلاقه بين الحكام والمحكومين ب”العقد”، بل يستعمل لفظ “الوديعة” , فالسلطة المعطاة للحكام هي مجرد وديعة أو أمانة يمنحها لهم الشعب ، وهو بذلك ليس ملزما تجاههم بأي عقد أو ميثاق ، بينما هم ملزمون تجاهه بخدمة المجتمع ، ومن ثم يجوز له أن يصادرها منهم في اي وقت إذا ما أخلوا بوظيفتهم التي منحها اياهم , ان فكرة العقد الأجتماعي قد اثارت جدلا كبيرا في الفكر السياسي , كما حدث تشابك بينها وبين السلطة من ناحيه وبينها وبين فكرة السيادة من جهة اخري , وقد اعتقد روسو ان المساواة هي روح العقد الأجتماعي , ولذلك فأن الإنسان يكسب من هذا العقد بقدر ما يفقد , ويأخذ ايضا القوة اللازمة للمحافظة علي حقه , إما اذا لم يتفق العقد الاجتماعي مع حكم العقل و مباديء العدل التبادلي فإنه يكون باطلا , فإذا انشأ هذا العقد سلطة مطلقة من ناحية و خضوعا من غير حد من ناحية اخري فإن يكون عقدا متناقضا لا قيمة له , وعلي ذلك فأن افكار روسو تكاد تكون هي المرجع الاساسي لفكرة االعلاقه بين الدوله والشعب وقد اعتبر كتابه العقد الاجتماعي منشور الثوره الفرنسيه والتي تعتبر ام الثورات الشعبيه ضد الحكام الطغاه . ولذلك يقول مونتسكيو: ' عندما يجمع شخص واحد أو هيئة واحدة وظيفتي التشريع والتنفيذ، تختفي الحرية لأنه يخشي في هذه الحالة أن يقوم من يتولي السلطة بإصدار قوانين ظالمة وينفذها بطريقة ظالمة ' , ' تختفي الحرية إذا كانت سلطة إصدار الأحكام القضائية غير منفصلة عن سلطتي التشريع والتنفيذ , فإذا تم الجمع بين السلطة القضائية وسلطة التشريع فإن السلطة علي حياة الأفراد وحرياتهم تكون تحكمية ، لأن القاضي سيكون مشرعاً , وإذا تم الجمع بين السلطة القضائية والسلطة التنفيذية ، فإن سلطة القاضي ستكون سلطة استبدادية , إن كل شيء يمكن أن يضيع إذا جمع شخص أو هيئة بين السلطات الثلاث: سلطة وضع القوانين، وسلطة تنفيذ القرارات وسلطة الحكم في الجرائم وفي المنازعات بين الأفراد' والسؤال الذي نطرحه في معرض هذا الحديث هل فعلا بعد كل هذه السنوات من اكتمال التنظير لفكرة الفصل بين السلطات تحققت الفكره علي ارض الواقع في دنيا الشعوب سواء في الدول المتقدمه والمتحضره والتي تدعي انها وصلت الي القمة في الحياه السياسيه , او في الدول التي تحاول ان تبدو متحضره ؟ ام انها تعيش الفكره من الناحيه النظريه وتساق الي ماحذر منه روسو خادعة شعوبها ان الفصل بين السلطات قد تحقق ويتم تطبيقه بالصوره الملائمه ؟ ان مبدأ الفصل بين السلطات أثر علي واضعي دستور الولاياتالمتحدة سنة 1787 والدستور الفرنسي الصادر سنة 1791, حيث نجد هذين الدستورين قد أقاما فصلاً تاماً بين السلطات , وخاصة السلطة التنفيذية والسلطة التشريعية. لقد أرسي الدستور الأمريكي مبدأين : مبدأ الاستقلال العضوي لكل سلطة، ومبدأ التخصص الوظيفي , ويقصد بالاستقلال العضوي أن تكون كل سلطة من سلطات الدولة الثلاث، السلطة التشريعية والسلطة التنفيذية والسلطة القضائية، مستقلة عن السلطتين الأخريين، وخاصة في مجال التكوين والحل , فرئيس الولاياتالمتحدة ينتخب بواسطة الشعب ولا يمكن مساءلته أمام البرلمان , والكونجرس يتم اختيار أعضائه من الشعب ولا يملك الرئيس الأمريكي حل البرلمان , أما التخصص الوظيفي فيقصد به أن تختص كل سلطة من السلطات الثلاث بوظيفة معينة بذاتها , فلا يجوز لأي سلطة أن تجاوز وظيفتها إلي غيرها مما يدخل في اختصاص سلطة أخري. لقد ظهرت هذه النظريه في وقت لم تعرف فيه الأحزاب السياسية , فقد كانت المسائل الأساسية التي تتعلق بالسلطة ذات طبيعة مؤسسية , ومتعلقه بهيئات معينة, وباختصاصات هذه الهيئات والمؤسسات وعلاقاتها , وقد جاءت النظرية لا يجاد التوازن بينها . أما الان في ظل نشأة الأحزاب في الحياة السياسية , اضحت نظرية الفصل بين السلطات من قبيل الوهم وليس الحقيقه , ففي ظل هذا المعطيات لم تعد هناك حكومة يقابلها برلمان مخالف وموازن لها . وإنما توجد أكثرية من حزب واحد أو من مجموعة أحزاب متحالفة فائزة في الانتخابات , تتصرف في الوقت نفسه بالحكومة التي تشكلها , وتمتلك الأغلبية , والني غالبا ما تكون مطلقة , في البرلمان , ووجود افراد قليلين من معارضة من حزب واحد أو مجموعة أحزاب متحالفة أو متعارضة صغيره او بعض المستقلين لا يستطيعون - في ظل الاغلبيه المطلقه - إعاقة ما تريده الحكومة , فالهدف الأساسي لهذه المعارضة يكون دائما الاستعداد للانتخابات القادمه , لكي يستلم الحكم الذي لايعرف ان يمارسه بنفس الطريقة المذكورة , وعليه فان الحديث عن تطبيق نظرية الفصل بين السلطات لا يطبق علي ارض الواقع في اكثرية البلدان التي تتباهي بالفصل بين السلطات. حيث يطبق هذا كخطوط العريضة في الأنظمة السياسية التي تأخذ بنظام الحزبين الرئيسيين, أو بنظام تعدد الأحزاب. لم يعد فصل السلطات كما كان يريده واضعي النظرية , كأداه للسيطره علي الافعال المتجاوزه للسلطة التنفيذية بشكل خاص , ففي الأنظمة السياسية التي تكون فيها الحكومات مسؤولة أمام البرلمانات, وتنال ثقتها في كل مرة تطرح فيها مسألة الثقة , يتم تبني القوانين بالأغلبية المؤيدة لهذه الحكومات, كما أن القوانين التي تصوت عليها هذه البرلمانات هي من مصدر حكومي , وعليه فان السلطة التشريعية , رغم وجودها لم تعد تمثل اية ضمانات للشعب في مواجهة السلطه التشريعيه , بل قد يصل الامر في بعض البلدان ان اغلب المسئولين في الجهاز التنفيذي ممثلين كنواب للشعب في السلطه التشريعيه , ويصيح السؤال من يحاسب من ؟ سواء علي مستوي الممثلين في الجهاز التشريعي ,او علي مستوي موظفي السلطه التنفيذيه, وفي اغلب البلدان وحتي في وجود قضاء متمسك بقواعد العداله , الا انه لايسنطيع ان يكون ضمانه للشعب ضد جور السلطه التنفيذيه , حيث تتجاوز السلطه التنفيذيه وبمساعدة السلطه التشريعيه كل الحدود لمصلحتها الخاصه , بغض النظر عن مصلحة الشعب , لتصبح نظرية الفصل بين السلطات من اوهام الماضي وليس لها وجود في الحاضر السياسي لكثير من البلدان اليوم. * خبير بالمنظمه العربيه للتنميه الاداريه [email protected]