كنا نائمين، غارقين فى سبات عميق أشبه بالموت إمتد لسنوات طويلة، وها نحن نستيقظ وننفض عن أنفسنا غبار السكون والسكينة الحمقاء، وننظر بعيون مشرقة بالأمل إلى غدنا، متطلعين إلى إسترداد حقنا الطبيعى فى الحياة، ولكن غاب عن وعينا الرضيع أن هناك من يود العودة بنا إلى الفراش مرة أخرى لنذهب فى غيبوبة من الأمن الزائف. والحقيقة أن تغييب الوعى هدف مفضل لدى الحكومات المذعورة، فهم يفضلون أن يحكموا شعبا من المغيبين النائمين، ويا حبذا لو كانوا أمواتا حتى يأمنوا بطشهم إلى الأبد، ولمن لا يعلم فإن الحكومات تملك وسائل نفسية عديدة ومعروفة تستخدمها عندالحاجة فى تغييب وعى شعوبها. حافظ على تشتت العامة وواحدة من هذه الوسائل هى " الإلهاء" وهى احدى استراتيجيات التحكم فى الشعوب وسلب إرادتهم من خلال تحويل انتباههم بعيدا عن المشاكل الهامة والقرارات والتغييرات التى تقررها السلطة والنخب السياسية فى الدولة، بل إن استخدام هذه الإستراتيجية قد يمتد لصرف الناس عن اكتساب المعارف والعلوم الضرورية، يقول نعوم تشومسكى Noam Chomsky : " حافظ على تشتت اهتمامات العامة بعيدا عن المشاكل الإجتماعية الحقيقية، إجعل هذه الإهتمامات موجهة نحو مواضيع ليست ذات أهمية حقيقية تجعل الشعب منشغلا ، منشغلا، منشغلا، دون أن يكون لديه أى وقت للتفكير، إلى أن يعود للضيعة مثل باقى الحيوانات". فعندما يصبح الشعب أو طائفة معينة منه مصدرا للتهديد لذوى السلطة وأولى الأمر فإنهم غالبا ما يلجأون إلى إلهائهم، فبدلا من ضربهم يدفعونهم إلى ضرب بعضهم البعض وتقف الحكومة وهى تولول وتصرخ وتهلل وتردد " أنها المخلص الذى لم ينوبه سوى تقطيع هدومه". إن كنا نتذكر – ويبدو أن ذاكرتنا ضعيفة للغاية – رد فعل الحكومة إثر أحداث 25 يناير عندما فتحت السجون وحرقت المؤسسات بغرض أن يتم إلهاء الناس عن ميدان التحرير فينشغلوا بتأمين بيوتهم وهم يرتجفون ذعرا وخوفا على البلد التى تحرق والبيوت التى تسرق والأعراض التى تنتهك وتغتصب. كان النظام يرسل لهم رسالة محتواها ....." اتلهوا" !!! ويبدو أن هذه الآلية تورث من سلطة إلى سلطة ومن مسئول إلى مسئول، وغالبا ما تؤتى ثمارها. والآن عليكم أن تفهموا الرسالة وتطيعوا الأوامر و "تتلهوا"، انشغلوا بمناقشة أحداث المباراة المشئومة، وإلقوا بالتهم هنا وهناك مع الحرص على أن " يتفرق الدم بين القبائل" حتى لا يكون هناك قصاص، وقبل أن ينتهى الجدل والنعى والسباب سوف يلاحقكم مصدر آخر للإلهاء. فضيحة أو حريق أو سرقة أو مؤامرة. وانشغلوا بالبحث والتفتيش عن "الطرف الثالث"، ولا تنسوا أنه قد يكون هناك أيضا طرف رابع وخامس سوف يظهرون لكم مثل أشباح الظلام . الوعي نعمة فى ظل مؤامرات كهذه يجب أن نكون أكثر وعيا فى تقييم ما يدور حولنا من أحداث وألا نستسلم لمحاولات إلهائنا وتغييب عقولنا، وأن نظل نتصدى بأعين مفتوحة وعقول يقظة لكل من يحاولون تغييبنا والعودة بنا إلى كهف الظلام، يجب ألا نسمح لهم بإلهائنا، خاصة وإن كان ثمن هذا الإلهاء يدفع من دمائنا ودماء شبابنا. يجب أن نعلم جيدا أن الله الذى سيرحم شهدائنا لن يرحمنا إذا تهاونا فى حقوقهم وفى حق أنفسنا علينا. إن الوعى نعمة ، فيجب ألا نسمح لأحد أن يسلبنا وعينا الذى أضاء وسيضىء لنا طريق الحياة، فلنكف عن الهتاف والعويل ولننظر حولنا لنعرف من هو بالفعل عدونا، حتى لا يأتى اليوم الذى نعادى فيه أنفسنا ونسفك دماء بعضنا البعض بدلا من أن كنا نبذل دماءنا دفاعا عن حقنا المشروع فى الحياة.