«الأوقاف» تعلن افتتاح 12 مسجدا منها 7 إحلالا وتجديدا و5 صيانة وتطويرا    أسعار الدواجن اليوم 17 مايو 2024    سعر اليوان الصيني بالبنك المركزي صباح اليوم الجمعة 17 مايو 2024    فرصة استثمارية واعدة    تركيا تجري محادثات مع بي.واي.دي وشيري لبناء مصنع للسيارات الكهربائية    القسام تعلن استهداف قوات إسرائيلية داخل معبر رفح بقذائف الهاون    أستراليا تفرض عقوبات على كيانات مرتبطة بتزويد روسيا بأسلحة كورية شمالية    أين وصلت جلسات محكمة العدل الدولية للنظر في دعوى جنوب أفريقيا ضد إسرائيل؟    الجيش الأمريكي يعلن دخول أول شحنة مساعدات لغزة عبر الرصيف العائم    السفير سعيد أبوعلى الأمين العام المساعد بجامعة الدول العربية ل«روزاليوسف»: تحركات عربية مكثفة لملاحقة المسئولين الإسرائيليين أمام «الجنائية الدولية»    عبد الملك: نهضة بركان لديه مشاكل في التمركز الدفاعي وعلى الزمالك عدم الاستعجال    موعد مباراة النصر والهلال والقنوات الناقلة في الدوري السعودي    محمد عبد الجليل: مباراة الأهلي والترجي ستكون مثل لعبة الشطرنج    تشكيل النصر والهلال المتوقع في الدوري السعودي.. الموعد والقنوات الناقلة    الأرصاد: ارتفاع درجات الحرارة على أغلب الأنحاء.. والقاهرة تسجل 35 درجة    مهرجان إيزيس الدولي لمسرح المرأة.. إلهام شاهين: تعلمت من المسرح حب الفن واحترامه    مهرجان كان، اتهامات بالتحرش ضد المخرج فرانسيس فورد كوبولا بعد عرض فيلمه    كريم الحسيني يقلد الزعيم عادل إمام احتفالا بعيد ميلاده (فيديو)    الفن المصرى «سلاح مقاومة» لدعم القضية الفلسطينية    احذر.. قلق الامتحانات الشديد يؤدي إلى حالة نفسية تؤثر على التركيز والتحصيل    تقنية غريبة قد تساعدك على العيش للأبد..كيف نجح الصينيون في تجميد المخ؟    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الجمعة 17-5-2024 في المنيا    برشلونة فوق صفيح ساخن.. توتر العلاقة بين لابورتا وتشافي    إصابة 6 أشخاص في حادث انقلاب سيارة بشمال سيناء    الاغتسال والتطيب الأبرز.. ما هي سنن يوم «الجمعة»؟    انطلاق امتحانات الفصل الدراسي الثاني لطلاب الشهادة الإعدادية بالجيزة.. غدا    جيش الاحتلال: اعتراض مسيرة أطلقت من لبنان وانفجار أخرى في الجليل الغربي    شقيق ضحية عصام صاصا:"عايز حق أخويا"    حركة القطارات| 45 دقيقة تأخير بين قليوب والزقازيق والمنصورة.. الجمعة 17 مايو 2024    مفاجأة في سعر الدولار الجمعة 17 مايو 2024    دعاء تسهيل الامتحان.. «اللهم أجعل الصعب سهلا وافتح علينا فتوح العارفين»    استئناف الرحلات والأنشطة البحرية والغطس في الغردقة بعد تحسن الأحوال الجوية    «الأرصاد» تكشف طقس الأيام المقبلة.. موجة حارة وارتفاع درجات الحرارة    «قضايا اغتصاب واعتداء».. بسمة وهبة تفضح «أوبر» بالصوت والصورة (فيديو)    شريف الشوباشي: أرفض الدولة الدينية والخلافة الإسلامية    النمسا تتوعد بمكافحة الفساد ومنع إساءة استخدام تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي    الاستخبارات العسكرية الروسية: الناتو قدم لأوكرانيا 800 دبابة وأكثر من 30 ألف مسيرة    ملف يلا كورة.. موقف شيكابالا من النهائي.. رسائل الأهلي.. وشكاوى ضد الحكام    مواقيت الصلاة اليوم الجمعة 17 مايو 2024    نجم الأهلي السابق يتوقع طريقة لعب كولر أمام الترجي    «واجبنا تجاه المنافع المشتركة والأماكن والمرافق العامة» .. موضوع خطبة اليوم الجمعة    " بكري ": كل ما يتردد حول إبراهيم العرجاني شائعات ليس لها أساس من الصحة    بعد اختفائه 12 يومًا.. العثور على جثة الطفل أدهم في بالوعة صرف بالإسكندرية    برج الجدى.. حظك اليوم الجمعة 17 مايو: "جوائز بانتظارك"    أحمد السقا يكشف عن مفاجأة لأول مرة: "عندي أخت بالتبني اسمها ندى"    كارثة تهدد السودان بسبب سد النهضة.. تفاصيل    طارق مصطفى: استغللنا المساحات للاستفادة من غيابات المصري في الدفاع    ترقب المسلمين لإجازة عيد الأضحى وموسم الحج لعام 2024    تركيب المستوى الأول من وعاء الاحتواء الداخلي بمفاعل محطة الضبعة النووية    شروط الحصول على المعاش المبكر للمتقاعدين 2024    الدراسة بجامعة القاهرة والشهادة من هامبورج.. تفاصيل ماجستير القانون والاقتصاد بالمنطقة العربية    لا عملتها ولا بحبها.. يوسف زيدان يعلق على "مناظرة بحيري ورشدي"    كلمت طليقى من وراء زوجي.. هل علي ذنب؟ أمين الفتوى يجيب    براتب 1140 يورو.. رابط وخطوات التقديم على وظائف اليونان لراغبي العمل بالخارج    عاجل - واشنطن: مقترح القمة العربية قد يضر بجهود هزيمة حماس    طريقة عمل بيكاتا بالشامبينيون: وصفة شهية لوجبة لذيذة    للحفاظ على مينا الأسنان.. تجنب تناول هذه الفواكه والعصائر    تنظم مستويات السكر وتدعم صحة العظام.. أبرز فوائد بذور البطيخ وطريقة تحميصها    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



«المستخلص».. كلمة السر لتهريب الدواء من الموانئ والمطارات
«الوفد» تقتحم العالم السرى لماڤيا تهريب الدواء
نشر في الوفد يوم 04 - 01 - 2017

موانئ الهند وتركيا والصين هى الممول الرئيسى.. والترامادول والمنشطات الجنسية أهم الأنواع
10 مليارات دولار شهريًا حجم عمليات تهريب الدواء.. و500٪ نسبة الأرباح
طبيب بيطرى يمتلك سلسلة مخازن للأدوية المهربة.. وأطباء وصيادلة يدخلون على خط المنافسة
كل صيدلى لديه «موّرد» من مندوبى المبيعات لتوفير احتياجاته من الدواء المهرّب
«ابحث عن المستفيد» عبارة يرددها الكثيرون بعد كل أزمة، لإزالة الستار عن المستفيدين منها، وقد تردد هذه العبارة بقوة بعد تفاقم أزمة الدواء واختفاء أكثر من 1600 صنف فى الفترة الأخيرة (بحسب ما صرح به أسامة رستم، نائب رئيس غرفة صناعة الأدوية).
وعلى ما يبدو فإن الأزمة الأخيرة صبت فى صالح العديد من المهربين والمستوردين للأدوية (غير المسجلة بوزارة الصحة)، حيث نشطت تجارتهم فى الفترة الأخيرة، ونجحوا فى إدخال كميات كبيرة من الأدوية المهربة سواء عن طريق الموانئ أو المطارات أو الطرق البرية.
تتبعنا المسارات التى يلجأ إليها المهربون، للفرار ببضائعهم، كانت البداية من ميناء «بورسعيد»، والذى يصل إليه عشرات الشاحنات المحملة بمختلف البضائع يومياً، التى يسعى موظفو الميناء للكشف عنها والتأكد من مطابقتها للمواصفات.
بمجرد وصول السفن، ترسو الحاويات على الأرصفة ويبدأ العمال بتفتيشها يدوياً، حيث يختار من بين جوانبها الأربع عينات عشوائية للتأكد من أنها غير محظور استيرادها وأنها مطابقة للمواصفات المسجلة فى أوراق الشحنة. بينما بقية الحاويات تخضع لتفتيش عبر الإشعاع من خلال جهاز يمر على كل حاوية ليرصد ما فيها، وهى طريقة وصفها مسئول بالميناء بأنها لا تفحص السيارات بصورة دقيقة مثل التفتيش الذاتى، الذى يتم أيضًا فى حالة الشك فى إحدى الحاويات.
مجدى إبراهيم، مدير مكافحة التهريب بميناء بورسعيد قال لنا: إن جهاز الكشف بالأشعة عند تشغيله يعطى صورة واضحة لمحتويات الحاوية من الداخل ويقدم بيانات لما تشمله من بضائع ولكن ليس بالشكل الدقيق كالتفتيش اليدوى.
وقال إن أشهر الموانئ التى تأتى منها البضائع المهربة للموانئ المصرية، هى ميناء «نافا شيفا بالهند»، أزمير وليماسول بتركيا، شنغهاى وميناء «نينغبو الصين» وشيكو، يتم اتباع مسار الحاويات القادمة من هذه الموانئ بالذات وتفتيشها.
وتابع: المهربون يلجأون إلى تزوير تصاريح بأسماء شركات وهمية للفرار ببضائعهم وعدم خضوعها للتفتيش، حيث يحملون بطاقات استيرادية بأسماء وعناوين وهمية، وفى تلك الحالة يكون للمهرب نحو 9 حاويات على سبيل المثال، واحدة منها باسم وهمى، فى حالة خروجها من الميناء يصل مكسبه منها حوالى 5 ملايين جنيه.
ونوه بأنهم لا يستطيعون كشف جميع عمليات التهريب بالموانئ، ولكن يحاولون قصارى جهدهم للكشف عن الحاويات الموجودة بها هذه البضائع بالأجهزة الحديثة التى وردت للجمارك مؤخراً مثل «الإكس راى».
وأكد «ص. أ» موظف بالجمرك أن الترامادول هو نجم التهريب داخل جمرك بورسعيد لما يحققه من أرباح طائلة، مشيرًا إلى أن عملية التهريب تتم بدقة فائقة وتأتى دائماً من دول شرق آسيا وخاصة الصين، حيث يلعب المستخلص الجمركى دور البطل فى تلك العمليات من خلال التلاعب فى الأوراق والمستندات المقدمة للجمارك، وبالتعاون مع مسئول البوابات يتم تهريب الحاويات، التى تقوم عصابات بنقلها بسيارات مجهزة تخترق الطرق والمدقات بين البحيرات والطرق الصحراوية وفى منتصف الطريق يتم تفريغ الحمولة داخل كراتين مجهزة لذلك، ثم نقلها إلى القاهرة لإعادة توزيعها».
ويشير إلى أن الموانئ المصرية خاصة السبعة منافذ الرئيسية فى الإسكندرية والدخيلة وبورسعيد والسويس والعين سخنة والغردقة وسفاجا هى الملعب الذى يجول فيه المهربون وأحياناً ينجحون فى عملياتهم رغم الجهود المبذولة للحد من البضائع المهربة لداخل البلاد، حيث ينفق الكثير من المستوردين مئات المليارات من الدولارات سنوياً لجلب المنشطات الجنسية والترامادول والمستحضرات التجميلية وغيرها من الأصناف المحظور استيرادها، والتى تغرق الأسواق المصرية فى تحد صارخ لكل اللوائح والقوانين.
وعن حجم عمليات تهريب الأدوية والمنشطات الجنسية وغيرها، قال سعيد ناصر الخبير الاقتصادى رئيس الإدارة المركزية لجمارك بورسعيد السابق، إنها تقدر بحوالى 10 مليارات دولار شهرياً.
وأرجع «كامل. م» موظف بالميناء، سيطرة المهربين على بعض الموانئ لعدة أسباب، منها: وجود ما يسمى «بالمخلصاتية» وهم مجموعة من الموظفين بالجمارك ينفذون تعليمات المستوردين إما خشية من الموت أو بمقابل مادى كبير، والسبب الثانى، فقدان الأمن.
وأشار إلى أن بعض الموظفين بالميناء يخشون التصدى للمستوردين، مستشهدين بما حدث لمدير جمارك العين السخنة، حيث أطلق مجهولون الرصاص عليه بمكتبه.
وأكد أنه يعلم كافة الأساليب التى يتبعها المهربون لإخفاء بضائعهم، ولكنه لا يستطيع البوح بها أو كشف أمرهم، لأنه يخشى على حياته وعلى أفراد أسرته، متسائلاً: «إذا كان بعض الضباط المدربين والحاملين للأسلحة لا يستطيعون الوقوف أمام هذه العصابات، الموظف البسيط هيعمل إيه؟
وقال سامى جاد، مدير عام المكافحة بقطاع التهرب الجمركى بوزارة المالية: إن الطرق البرية أسهل وسيلة لتهريب البضائع كبيرة الحجم وبخاصة طريق لبييا - مصر، فإخفاؤها ليست مهمة صعبة، خاصة أن الشحنات الكبرى لا يتم تفتيشها بطريقة دقيقة، إلا إذا تقدم أحد الأشخاص ببلاغ ضد أحدها، وبالتالى يُسهل على المهرب إخفاء «أى نوع من الأدوية المهربة أو المخدرات وسط البضائع دون أن يكشف أمرها أحد».
وأشار مصدر بمطار القاهرة، رفض ذكر اسمه، إلى عدة طرق يلجأ إليها المهربون لتهريب البضائع عبر المطارات، منها الاستعانة بأحد الاشخاص من طاقم الطائرة مقابل نسبة معنية من الأرباح، أو من خلال حقائب الركاب، أو داخل البضائع، كما تلجأ عصابات التهريب إلى تزوير مستندات التخليص الجمركى على أحد الطرود، بوصفها لإحدى السفارات الأجنبية، عن طريق مزور بارع لتقليد أختام هذه السفارة وتوقيعات المسئولين فيها وأختام وزارات الخارجية فى الدول.
بعد معرفة الطرق التى يسلكها المهربون لدخول الأدوية المستوردة للبلاد، لبيعها بأضعاف ثمنها، ولجنى مكاسب طائلة، كان لا بد من كشف المتورطين مع المهربين والذين يسهلون بيع الأدوية المستوردة «غير مسجلة بوزارة الصحة» فى الأسواق، ومن المسئول عن توزيع هذه الأدوية داخل البلاد؟ وهوية من يعملون فى هذه العمليات؟ وأشهر الأماكن الموجودة بها هذه الأدوية؟
مريض بالقدم السكرى يدعى «محمد حسين»، 55 عامًا، مريض، هو من أوصلنى لطرف الخيط الذى ساعدنى فى الوصول للمهربين، حيث قابلته بالصدفة وعلامات الحزن تظهر بوضوح على وجهه على إحدى سلالم عيادة د. (أ) جراح الأوعية الدموية والقدم السكرى بمنطقة الدقى.
وعندما سألته عن سبب حزنه، أجاب: بحثت فى العديد من الصيدليات طوال العشرة أيام الماضية لإيجاد الدواء المستورد الذى وصفه الطبيب لى لكى يلتئم جرحى بعد إجراء عملية جراحية بتر أصبع من قدمى، ولكن لم أعثر على الدواء المطلوب، فعدت مرةً أخرى للطبيب لأشكو له.
وفور الانتهاء من حديثه، نادت عليه «مساعدة الطبيب» لكى يستعد للدخول إلى حجرة الطبيب للكشف عليه، وبعد لحظات قليلة، خرج «حسين» ومعه ورقة صغيرة عليها رقم تليفون، سألته عن هذا الرقم، فأجابنى: «الحمد لله الطبيب أعطى لى مفتاح الحل، أى رقم تليفون مندوب للأدوية المستوردة».
أسرع «حسين» بالاتصال بالمندوب أثناء تواجده فى العيادة وطلب منه الدواء، وبعد ساعتين وصل المندوب ويدعى «س. ع» حاملًا معه علبة الدواء فى شنطة سوداء صغيرة، وسلمها للمريض، ورغم فرحة حسين بوصول الدواء المفقود، إلا أن سعره والذى وصل لأضعاف ثمنه الحقيقى عكر مزاجه مرة أخرى وجعل الحزن يظهر بوضوح على وجهه.
هذه الواقعة، حلقة من الحلقات المفقودة، فى عالم «مافيا الدواء» الملىء بالسرية والخطورة، التى تكشف التعاون بين بعض الأطباء ومندوبى الأدوية الذين يعملون فى مخازن سرية يملكها مستوردون كبار.
وعالم مافيا تهريب الدواء، عبارة عن مجموعة من المستوردين الكبار فى السوق سواء من الداخل أو الخارج يتحكمون فيه ولا يستطيع أحد معرفة هويتهم أو الوصول اليهم باستثناء مجموعة صغيرة من المستوردين أو صغار المهربين فى السوق من أصحاب الثقة الذين يتعاملون معهم ولا يتجرأ واحد منهم أن يتلفظ باسم أحد من الكبار، لأن مصيره سيكون معروفاً للجميع ألا وهو «الموت».
أما إذا انكشف أمره، فإنه يختار التضحية بنفسه عن فضح أعوانه أو الكبار، لأنه يفضل أن يودع أسرته إلى السجن سنوات معدودة خيراً من أن تودعه أسرته إلى مثواه الأخير.
ففى ظل ضعف الرقابة والتفتيش الصيدلى سواء على الصيدليات أو مخازن الأدوية أو فى المستشفيات الخاصة الكبرى والحكومية، أصبحت تجارة الأدوية المهربة شائعة وتجدها فى كل مكان، حيث بلغ حجم مبيعاتها ما يقارب 5 مليارات جنيه بنسبة 15% من حجم تجارة الدواء فى مصر التى تقدر بنحو 33 مليار جنيه وفقاً لبيانات وزارة الصحة.
ورغم الوصول إلى كلمة السر وهى «مندوبو الأدوية» التى سوف تكشف لنا الكثير من الأسرار عن عالم مافيا الدواء فى مصر، إلا أن الدخول إلى هذا العالم، أشبه بالدخول إلى النفق المظلم الذى لا تستطيع أن ترى فيه شيئاً وعندها ستكون أمام خيارين، إما أن تقف مكانك حتى لا تقع أو تصطدم بشىء، أو أن تجازف وتسير فى هذا النفق لعلك تصل إلى بقعة نور صغيرة تستطيع من خلالها أن ترى ما يدور داخل هذا العالم.
وقررت محررة الجريدة أن تخوض مغامرة صحفية لكشف أسرار هذا العالم المخيف، وتقمصت عدة شخصيات مختلفة، الشخصية الأولى التى جسدتها هى مواطنة عادية تبحث عن أدوية مستوردة مثل «سنترم» وهى مجموعة فيتامينات مستوردة و«باندول إكسترا» مستورد وأدوية ضغط وسكر أخرى، العثور على هذه الأدوية سهل للغاية حيث تجدها فى أغلب الصيدليات وقلما تجد صيدلية تخلو من هذه الأدوية.
أما الشخصية الثانية فكانت سوسن الحاصلة على شهادة الإعدادية وتعمل «تاجرة شنطة» وهى مهنة يطلقها المستوردون أو المهربون على الشخص الذى يقوم بتوصيل الأدوية المهربة للصيدليات ولبعض العملاء، وهذه المهمة تتطلب توثيق العلاقات مع بعض الصيادلة ومخازن الأدوية، ف«تاجر الشنطة» إما أن يكون عاملًا فى أحد المخازن المشبوهة (غير مرخصة من قبل وزارة الصحة) وغالباً ما تكون شقة لا تتجاوز مساحتها 150 متراً فى إحدى العمارات السكنية بمنطقة شعبية حتى لا يشك أحد فى أمرها، أو قد يكون «تاجر حر» أى يعمل لحسابه الخاص حيث يقوم بشراء مجموعة من الأدوية من المخازن بسعر معقول ويبيعها لحسابه الخاص بأسعار مرتفعة، لأن ما يميز الأدوية المهربة -على حد تعبيرهم- أنها غير مسعّرة من قبل الدولة لذا فإنهم يستطيعون التحكم فى ثمنها كيفما يشاءون.
أما الشخصية الثالثة، فهى «ميرفت» التى تعمل مساعدة لأحد الصيادلة فى شركة أدوية وتريد عقد صفقة أدوية مستوردة مع أحد المهربين بسعر معقول، على أن يقتصر دور المهرب على إحضار الأدوية المطلوبة من الخارج عن طريق الاتفاق مع مجموعة من الشركات المصنعة لها، أو تجار كبار يقيمون فى بعض الدول العربية والأوروبية.
كل شخصية من هذه الشخصيات كان لها دور محدد وفترة زمنية محدده لا بد أن تنتهى خلالها المهمة التى استغرقت حوالى شهرين فى عمليات بحث مستمرة لمعرفة معلومات تساعدنا فى الوصول إلى بعض الحقائق.
الصيدليات
الدخول إلى الصيدليات وطلب أدوية مهربة، أمر فى منتهى السهولة فأغلب السلاسل الخمس الكبرى بمختلف فروعها فى أنحاء الجمهورية «وعددها ما يقارب ال1500 صيدلية من بين 62 ألف صيدلية»، تتوافر بها هذه الأدوية، فضلاً عن وجودها فى معظم الصيدليات الأخرى ولكن ليست بالكميات الكبيرة الموجودة فى سلاسل الصيدليات الكبرى أى من الممكن أن تجد عبوة أو اثنتين فقط من كل منتج مهرب، وبالتالى يسهل الحصول عليها بمجرد أن تطلبها.
دخلت كمواطنة عادية إلى عدة صيدليات تابعة لسلاسل كبري، وطلبت «سنترم... وبانادول اكسترا» مهرباً، كما سألت عن أدوية للأورام والسرطان والقلب مستوردة «غير مسجلة بوزارة الصحة» مثل كوزموجين وابريزولين وبريماكور وادينوكور، وبالفعل وجدت هذه الأصناف متوافرة فى السلاسل، وعندما سألت فى أكثر من 40 صيدلية أخرى وجدتها فى 30 منها فقط وبأسعار أقل من أسعار السلاسل.
الفرق بين السلاسل والصيدليات العادية، فى بيع الدواء المستورد يكمن فى أمرين أحدهما السعر، فالصيدليات العادية تبيع بأسعار رخيصة عن السلاسل لكى تجذب المريض إليها ولمنافسة السلاسل الكبرى، أما الفرق الثانى فيكون فى الفاتورة، فالسلاسل الكبرى عادةً ما تعطيك فاتورة بها أسماء الأدوية وثمن ما قمت بشرائه ولكن المستورد منها يكتب ثمنه فقط دون اسمه، وذلك لكى لا تتعرض الصيدلية للمساءلة فى حال وقوع الفاتورة فى يد أحد من جهات التفتيش الصيدلى.
بعد انتهاء المرحلة الأولى من التحقيق وهى شراء الأدوية المهربة من الصيدليات، قررت الذهاب إلى قسم تسجيل الأدوية فى إدارة التفتيش الصيدلى بالمنيل ولكن كأى مؤسسة حكومية لابد أن «يطلع عينك» أولا و«تدوخ السبع دوخات» لكى يجيب أحد الموظفين على استفساراتك، وبالفعل أجابت صيدلانية شابة تدعى د. سارة على أسئلتى بخصوص الأدوية المهربة.
وكان الحوار بيننا كالتالى:
من فضلك عايزة أسأل، هل هذه الأدوية مسجلة بوزارة الصحة أم لا؟
- أجابت وعلى وجهها ابتسامة لم تستطع إخفاءها، سنترم... التروكسين... باندول اكسترا سعودى، سفن سيز كبسول، بريجنا كير، لا مش مسجلين.
وأضافت، كلها أصناف محظور تداولها بحكم القانون لكنها لا تضر من يتناولها، ونتمنى أنه المرضى يتناولون الفيتامينات مثل السنترم وغيره، ولكن الخطر يكمن فى أنواع أخرى من الأدوية مثل كبسولات التخسيس والمنشطات الجنسية وحقن للولادة ومنع الحمل منتشرة وخطيرة على صحة المرضى.
اندهشت من استخفافها بالأمر، وسألتها: إزاى المكملات الغذائية (الفيتامينات) لا تضر المرضى، رغم أنها غير مسجلة والمواد المكون منها الدواء مجهولة؟
- صحيح هذه المكملات لم تخضع للفحص والكشف على المواد المصنع منها الدواء، ولكن بعض الشركات المصنعة هذه الأدوية معروفة مثل الشركة المصنعة للسنترم وهى كندية، كما يوجد على العلبة من الخارج المواد الفعالة ومكونات الدواء. وأشارت إلى أن هناك أدوية منتشرة فى بعض الصيدليات والمخازن مجهولة المصدر مثل «المستحضرات التجميلية والمنشطات الجنسية»، وأحياناً يتم تزوير الجهة المصنعة عمداً لكى يباع المنتج اعتماداً على «اسم إحدى شركات الأدوية الكبرى».
بحسب حديثك، لا توجد مشكلة بالأدوية المستوردة؟
- بالعكس أنا تحدثت على المكملات الغذائية لأنها أقل ضرراً وقد لا يكون هناك ضرر منها، إنما هناك أنواع أخرى من الأدوية خطيرة للغاية، ولكن عموماً الأدوية المستوردة مشكلتها تكمن فى أولاً عدم تسجليها فى مصر مما لا يلزم الشركة المصنعة بأى مسئولية فى حال وقوع ضرر على المريض، ثانياً – عدم وجود تسعيرة محددة للدواء غير المسجل، أى يتم التحكم فى ثمنه من قبل بعض الصيادلة والمستوردين، وده على عكس الدواء المسجل الذى يكون له سعر معين لا يستطيع أحد مخالفته والبيع بأكثر من التسعيرة المحددة.
وتابعت: عندك مثلاً، مريضة اشتكت لنا من بعض أدوية التخسيس «فيا اناناس وليبو سكس»، حيث تسببت فى ظهور أعراض جانبية لها، وبالفعل كشفنا على حالتها وعملنا محضراً بالواقعة، ولكن المشكلة أنها اشترت الأدوية من إحدى الصيدليات دون فاتورة مكتوب عليها اسم هذه الأدوية، مما يصعب أن نثبت بالدلائل أن هذه الأنواع تم شراؤها من صيدلى معين، كما يصعب تحميل الشركة المصنعة المسئولية لأنها غير مسجلة بمصر وبالتالى قد تنكر تصنعيها له.
وما سبب عدم تسجيل هذه الأدوية من قبل إدارة التفتيش؟
- هناك سببان رئيسيان منها رفض الحكومة المصرية تسجيل بعض الأدوية مثل المكملات الغذائية بدعوى أن مثليتها محلية الصنع تكفي، والدولة قادرة على إنتاج مثل هذه الفيتامينات، أما السبب الآخر فيتلخص فى عدم رغبة بعض الشركات المصنعة هذه الأدوية لوحدة التسجيل فى إدارة التفتيش الصيدلى لكى يتم تسجيلها وتحديد السعر المناسب لها، وذلك التحكم فى سعره والتهرب من المسئولية فى حال وقوع ضرر على أحد المرضي.
وتابعت: «وزارة الصحة تتبع وسائل بدائية فى تسجيل الأدوية، والإجراءات قد ستغرق نحو 4 سنوات، لذلك لا تجد بعض الشركات الكبرى إلا اللجوء للتهريب لدخول الدواء مصر».
ما الإجراءات المتبعة للحصول على تقرير رسمى من إدارة التفتيش يفيد بأن هذه الأصناف من الأدوية غير مسجلة؟
- ممكن تكتبى خطاباً رسمياً لرئيس الإدارة المركزية للتفتيش الصيدلى ثم اذكرى فيه أسماء هذه الأدوية والشركة المصنعة لها ومكونات الدواء، ثم سيصلك الرد إذا كانت مسجلة أم لا؟
صمتت قليلاً: ثم تابعت: «لو عايزة نصيحتى الموضوع مش محتاج خطاباً لمعرفة إذا كان دواء معين مسجلاً أم لا؟ ادخلى على «موقع إدارة التفتيش الصيدلى» وهو «Egyptian Drug Authority» وابحثى فى «Egyptian Drug Database Search» عن اسم الدواء المراد الاستفسار عنه إذا كان مسجلاً أم لا، وسيظهر لكِ كافة المعلومات عنه فى حال تسجليه أو لم تظهر معلومات عنه إذا كان غير مسجل بالوزارة.
انتهى الحوار، ولكن الموضوع لم ينته فالبحث عن «مافيا الدواء والأدوية الخطيرة مثل المنشطات الجنسية وأدوية التخيسس المختلفة والسيتوتك وحقن ال 3 شهور لمنع الحمل، والترامادول ما زال مستمراً»، ولكن الحصول عليها صعب عن غيرها من الأدوية المستوردة أو المهربة مثل المكملات الغذائية أو أدوية الضغط والسكر والغدد والباطنة والسرطانات، خاصةً أنه «مش أى صيدلي» يقوم ببيعها وكمان لا تخرج لأى زبون، أى بتعبير بعض الصيادلة «لازم يكون زبون معين ومعروف للصيدلى».
كان لابد من التفكير فى طريقه للوصول إلى هذه الأدوية، وكشف طرق بيعها ومعرفة المزيد عن تجارتها والتى لا يمكن معرفتها وأنا مواطنة عادية، لذلك فكرت فى تجسيد شخصية «سوسن» تاجرة الشنطة، ولكن قبل تجسيد هذه الشخصية كان لابد من العمل فى مخزن رسمى مرخص باسم «نجاة»، لاكتساب خبرة فى مجال بيع وشراء الأدوية وطريقه التعامل واكتساب زبائن من الصيادلة، فاتجهت إلى مخزن «ش» يقع بمنطقة السيدة زينب بمحافظة القاهرة وعملت تقريباً لمدة ثلاثة أيام، حصلت خلالها على خبرة فى التعامل ومجال بيع الأدوية، وذهبت لأكثر من صيدلية بمنطقة المطرية والمنيل والمعادي» و«مصر الجديدة»، والسيدة زينب» «والهرم»، ووزعت عليهم قائمة بأبرز الأدوية الموجودة بالمخزن، وهى أدوية رسمية محلية الصنع وعليها خصومات معقولة، ومن هنا بدأت أوثق علاقاتى بهذه الصيدليات وأصحابها، وأوفر لهم ما يحتاجونه من الأدوية.
بعد اكتسابى خبره معقولة وتكوين علاقات مع أكثر من صيدلية وترددى لأكثر من مرة أصبحت مصدر ثقة بالنسبة لهم، فعرفت أن كل صيدلى يحمل رقم مندوب أو تاجر شنطة للأدوية المستوردة يتصل به فى أى وقت ويطلب الكميات التى يحتاجها وتصله فى الحال، ففكرت فى اختراع قصة وهمية لأحد الصيادلة ويدعى «ح. ع» لكى أحصل على رقم المندوب الذى يتعامل معه، وهى: «أن إحدى صديقاتى كانت على علاقة مع شخص ما أسفرت عن حملها فى الشهر الأول، وتشعر بالخوف من أن ينكشف أمرها، وبخاصة الشخص الذى تورطت معه فى علاقة غير شرعية لا يريد الزواج منها أو الاعتراف بالجنين، لذلك أحتاج لدواء لكى تستطيع التخلص بسهولة من الجنين دون الحاجة إلى العيادة لإجراء عملية إجهاض لأن ظروفها المالية لا تتحمل الإنفاق على العملية، فكانت إجابته: «أنا مش بشتغل فى هذه الأدوية... أينعم بشتغل فى المستورد بس مش الأنواع دى، ولكن: أعرف اللى يقدر يجبها ليكي».. يقصد بهذه الأدوية «هى السيتوتاك»، وهو نوع من أهم العلاجات الخاصة بأمراض المعدة، ومن أعراضه الجانبية تقلصات شديدة بالرحم تؤدى للإجهاض، ممنوع تداوله إلا بروشتة مختومة من الطبيب المختص، ومع ذلك يباع فى بعض الصيدليات والمخازن غير الشرعية.
الطريق إلى المخزن
فى اليوم التالي، اتصلت بالمندوب وعرفته بنفسى: «بعمل فى مخزن معروف بشغله المحلى وهو «ش»، وبوفر أدوية مستوردة لبعض الصيدليات لحسابى الخاص، أى مصدر رزق بجانب عملى فى المخزن.
اقتنع بحديثى، وفى اليوم التالى وفر لى الأدوية المطلوبة وهى «سيتوتاك.. وليبوساكس.. والتروكسين.. سنترم... ومنشطات جنسية مثل فياجرا، هارد اون، أحمر كوبرا، وأزرق كوبرا وغيرها»، وبعد فترة من التعامل والتى حصلت خلالها على كميات معقولة من الأدوية، أصبحت مصدر ثقة و«بنت كار» أى تاجرة مثلهم ولا يوجد أى ضرر أو خطر مني، بدأنا نتحدث كأصدقاء، حيث كشف لى عن اسمه الحقيقى وهو «س. ع» تخرج في كلية دار العلوم ويعمل حالياً مدرساً بإحدى المدارس الحكومية، وفى فترة الظهيرة يعمل بمخزن للأدوية المستوردة يمتلكه طبيب بيطرى مع مجموعة من شركائه (أطباء بيطريين).
وأكد أن هذا الطبيب ويدعى «د. و» يمتلك سلسلة من المخازن بمناطق مختلفة، كما يمتلك مجموعة من الصيدليات لا تحمل اسمه، ولكن هو المالك الحقيقى لها.
المخزن الذى يعمل فيه «ر»، عبارة عن شقه سكنية لا تتعدى مساحتها 150 متراً فى إحدى العمارات بمنطقة «حدائق الزيتون» بالقرب من محطة المترو، وبها كافة أنواع المستورد من منشطات جنسية وادوية سرطان وضغط وغيرها من الأدوية المشبوهة.
العمارة الموجود بها المخزن بها عشرات الشقق السكنية، الدخول إليها يكون عن طريق ممر طويل لعمارة سكنية أخري، وبجوارهما العديد من محلات البقالة والحلاقة، أما أسفل العمارة فيوجد غرفة تسكن بها امرأة عجوز تتعدى سنها الخمسين عاماً، عندما يخطر ببال شخص غريب الدخول للعمارة تصدمه بكثرة أسئلتها ونظراتها الغربية لدرجه تجعله ينسى المكان الذى يبحث عنه، طولها قد يتجاوز ال150 سم بقليل، نحيلة وملابسها لا تتناسب مع رفع جسدها، شعرها الملون بصبغة سمراء لم يستطع إخفاء عمرها الحقيقى ولا التجاعيد التى تظهر بوضوح على وجهها، أما قدماها فتلبس بهما «شبب» مقطع، لم ينقذنى من أسئلتها السخيفة لى أثناء دخولى للمخزن، إلا وصول «ر» الذى بإشارة منه علمت «أنى من طرفه» وجئت لاستلام بعض الأدوية.
العمارة المكتظة بالسكان والموجودة بمكان حيوى الحركة به لا تهدأ أبداً، تجعل أى فرد لا يشك أو يتخيل أن بها مخزناً يحوى كميات كبيرة من البضائع يصل ثمنها لملايين الجنيهات.
أما بالنسبة لمن يتعاملون مع المخزن، فهى ليست جهة محددة، فهناك عدة جهات تتعامل معهم منها: واحدة من السلاسل الكبرى، فضلاً عن مجموعة من الصيدليات الأخرى، حيث يقتصر تعاملهم مع المندوب عن طريق التليفون وفى نفس اليوم يتم توصيل الكميات المطلوبة لهم.
كما توجد مجموعة من التجار يعملون لحسابهم الشخصي، يقومون بشراء أنواع معينة من الأدوية وخاصةً المنشطات الجنسية والسيتوتك ثم يقومون بتوزيعها على الصيدليات، وهناك أطباء بمستشفيات خاصة وحكومية يتعاملون بطريقة مباشرة مع هذا المخزن بحسب ما قاله «ر»، حيث ذكر لى طبيباً يعمل بمستشفى حكومى بالقرب من ميدان رابعة، يتعامل معهم ويشترى كميات كبيرة من الأدوية المستوردة ليبيعها للمرضى سواء فى عيادته أو فى المستشفي، ولكن لا يتم بيعها لأى مريض»، لابد أن يكون دائم الكشف عند هذا الطبيب ومقتدر (أى يستطيع شراء هذه الأدوية بثمن غالٍ).
تاجرة الشنطة
لمعرفة الأدوية المهربة التى تحتاجها الصيدليات بكميات كبيرة، ذهبت إلى عدة صيدليات بمنطقة المطرية والمنيل وحلمية الزيتون، وعرفت نفسى لأكثر من صيدلى: سوسن مندوبة مبيعات للأدوية المستوردة (المهربة) فى أحد المخازن بمنطقة كوبرى القبة، البعض منهم رفض التعامل معى لأنه لا يعمل فى المهرب، وآخرون: اعتذروا لأنهم يتعاملون مع مندوبين ولا يريدون التعامل مع غيرهم، ولكنهم حصلوا على رقم هاتفى ووعدونى بالاتصال بى لتوفير ما يلزمهم من الأدوية فى حال عدم وجودها عند المندوبين، وهناك مجموعة أخرى من الصيادلة وافقوا على الفور على التعامل معى وشراء أدوية، وحصلوا على رقم هاتفي، كما حصلت على أرقام هواتفهم وقالوا لى: «اتصلى بنا بعد يومين أو ثلاثة لكى نبلغك بكميات الأدوية التى نحتاجها».
بعد يومين، اتصلت باثنين من الصيادلة لكى استفسر منهما عن الأدوية المطلوبة وكميتها، فأجابنى د. «م.ي» صاحب صيدلية «ف» بمنطقة المطرية، احتاج 3 شرايط هارد أون، و2 كوبر ازرق، و2 شرايط كوبرا احمر (هذه أنواع من «المنشطات الجنسية»)، فأخبرته أن سعر شريط الهارد وان نحو 10 جنيهات، أما الكوبرا فكل شريط ب 12 جنيهاً، فوافق على الفور ووعدته بإيصال الأدوية المطلوبة بعد يومين والتوصيل مجاناً.
اللقاء مع المهرب
بعد عناء دام لأكثر من شهرين، استطعت الوصول إلى أحد المستوردين الكبار عن طريق أحد التجار ويدعى «ف. د»، والذى أخبرته بأنى «ميرفت» مساعدة لأحد الصيادلة فى شركة أدوية تريد عقد صفقة أدوية بشرية مهربة أحد المهربين بسعر معقول وبخصومات كبيرة، وبعد أربعة أيام، تحدد الموعد المنتظر مع المستورد الساعة 6 مساءً فى كافيه بوسط البلد، وفى الموعد المحدد، انتظرت مع التاجر المهرب حتى يصل.
الساعة ال6 مساءً إلا عشر دقائق، رن هاتف «ف»، وأخبر أحد الأشخاص: «موجودة لوحدها ومنتظرين بالكافيه»، مر خمس دقائق على الاتصال ثم جاء المهرب.
صُدمت عندما تعرفت على شخصيته، حيث تخيلت صورة له بناءً على ما أشاهده فى المسلسلات والأفلام: «بأنه شخص مرعب ويأتى معه 4 أو 5 بودى جاردات ومعهم أسلحة ثقيلة، ولكن الواقع عكس الخيال وهذه الصورة البلهاء التى افترضتها، فهو شخص عادى طويل القامة وسمين، بشرته داكنة وملابسه لا تدل على الثراء الفاحش، قد يبدو للوهلة الأولى أنه موظف حكومى رغم أنه مستورد لكميات كبيرة من الأدوية تصل لملايين الجنيهات، وذلك بحسب ما قاله التاجر لى.
بعد السلام والتحية، عرفه التاجر بشخصيتى وعلى صفقة الأدوية التى أريد الاتفاق عليها وتقدر بنحو 400 ألف جنيه، فاستهتر المهرب بالمبلغ، ولكن خلال حديثه معه أقنعته: بأن الصيدلى لا يريد المجازفة بمبلغ كبير، حيث يريد أن يبدأ تجارته بهذا المبلغ، فشعر بالارتياح لحديثي، وسألنى: «أى أنواع يريد شراءها من الأدوية»، فأجبته: «المنشطات الجنسية بأنواعها، الترامادول، السيتوتك، وأنواع من أدوية التخسيس مثل «فيا اناناس وليبو سكس»، فكان رده : «كله موجودة وبالكميات التى تحتاجيها ولكن أن «انكشف أمرك أو اتقبض عليكى ما اعرفكيش».
وتابع حديثه: «هنتظر الموعد المحدد لتسليم البضاعة ومقابلة الصيدلى للاتفاق معه»، فأجابته: «هبلغه وهرد عليك فى أقرب وقت»، وانتهى حديثنا، دون توجيه أى أسئلة له بخصوص طرق التهريب حتى لا يشك بى، خاصةً أنه لا يعرفنى إلا من مده بسيطة وليس من السهل أن يثق بى بسهولة ويكشف أساليب وطرق عمله.
أرباح تجارة المستورد
تحصل الصيدلية على هامش الربح من الدواء المسعر من الدولة بنسبة 20% للمحلى و10% للمستورد، وهى محكومة بسعر الغلاف والذى يتوقف لسنين بما لا يتناسب مع الزمن وتغيرات الأسعار، وهذه النسبة من الأرباح يراها بعض الصيادلة أنها ضئيلة للغاية لذلك يفضلون الدخول فى تجارة الممنوع لأن مكسبها من 100 إلى 500%.
طبقًا لبيان وزارة الداخلية، تم ضبط كميات من الأدوية مجهولة المصدر، وغير مسجلة بوزارة الصحة، من شهر يناير وحتى أغسطس 2016:
1617809 عبوة أقراص أدوية بشرية.
3903 عدسة، و400 لتر مستلزمات طبية.
233128 عبوة وقرصاً من المنشطات الجنسية.
118٫680 طن خامات طبية، 1500 لتر من مستحضرات التجميل.
عدد القضايا
124 قضية لمهربى أدوية بشرية، و78 قضية للمستلزمات الطبية، و41 قضية للمنشطات الجنسية، و207 قضايا لمستحضرات التجميل.
طبقًا لبيان إدارة الجمارك بوزارة المالية، قضايا التهريب خلال الفترة من شهر يناير وحتى يونيو 2016:
138 محضرًا لأدوية غير مصرح بدخولها البلاد، 139 مليوناً مستحقاً عليها ضرائب.
96 محضرًا لمكملات غذائية غير مسجلة، مستحق عنها ضرائب وجمارك بقيمة 5 ملايين جنيه.
طبقًا لبيان ميناء شرق بورسعيد وإدارة مكافحة التهريب الجمركى، تم ضبط خلال الفترة من شهر يناير حتى أغسطس 2016:
318 كرتونة أقراص دوائية.
440 كرتونة أقراص دوائية، قادمة من الهند للميناء، برسم الترانزايت المباشر (اخباريات رقم 237، 242، 247، 246، 248)، إجمالى الرسوم 77812 جنيهاً.
162 كرتونة أقراص دوائية بها 8059000 قرص ترامادول.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.