المنطقة الشمالية العسكرية تستكمل حملة " بلدك معاك " لدعم الأسر الأولى بالرعاية (فيديو)    وفد جامعة نوتنجهام يشيد بالمستوى الأكاديمي بجامعة المنصورة الجديدة    رفع 565 طن مخلفات وتجمعات قمامة في حملة نظافة بالمنصورة (صور)    حملة مكبرة لرفع الإشغالات بحي غرب شبرا الخيمة    سعر صرف الدولار في البنوك المصرية (آخر تحديث)    طرح 16 قطعة أرض صناعية في المنيا.. كيفية التقديم والمواعيد    الجيش اللبناني يغلق معابر غير شرعية على الحدود مع سوريا    خوسيه ريبيرو يعقد جلسة مع صفقة الأهلي الجديدة بالتتش    غدا، استكمال محاكمة المتهمين في حادث انفجار خط غاز الواحات    ضبط تشكيل عصابي تخصص في تزوير المستندات الرسمية بالقليوبية    عطل مفاجئ.. انقطاع المياه عن 3 أحياء بمدينة الخارجة    عمرو دياب يعود للتلحين في ألبومه الجديد    المنطقة الشمالية العسكرية تستكمل تنفيذ حملة "بلدك معاك"    منة فضالي بإطلالة جريئة أمام البحر من لبنان.. والجمهور يعلق (صور)    ياسر جلال ل حسن حسني في ذكرى وفاته: "فارقت وسبت فراغ كبير" (فيديو)    فرنسا تحظر التدخين جزئيًا في الأماكن العامة لحماية الأطفال    مواجهات حاسمة في جولة الختام بدوري المحترفين    شعبة مواد البناء: أسعار الأسمنت ارتفعت 100% رغم ضعف الطلب    الرئيس السيسي يؤكد التزام مصر الكامل بالحفاظ على المكانة الدينية الفريدة والمقدسة لدير سانت كاترين    الصحة: تقديم الخدمات الصحية الوقائية ل 50 ألفًا و598 حاجا من المسافرين عبر المطارات والموانئ المصرية    الأحد المقبل.. احتفالية كبرى لإحياء مسار رحلة العائلة المقدسة بكنائس زويلة الأثرية    «أوقاف الدقهلية» تفتتح مسجدين وتنظم مقارئ ولقاءات دعوية للنشء    الأحد.. مجلس الشيوخ يناقش الأثر التشريعي لقانون التأمين الصحي والضريبة على العقارات المبنية    وصمة عار في جبين الحضارة.. أستاذ قانون دولي يطالب بمقاطعة شاملة لإسرائيل فورًا    القاهرة الإخبارية: فشل آلية توزيع المساعدات و10 شهداء برصاص الاحتلال    فى ليلة ساحرة.. مروة ناجى تبدع وتستحضر روح أم كلثوم على خشبة مسرح أخر حفلاتها قبل 50 عام    مفتى السعودية: أداء الحج دون تصريح مخالفة شرعية جسيمة    فرنسا: الاعتراف بدولة فلسطينية واجب أخلاقي ومطلب سياسي    قافلة طبية مجانية بقرية البرشا بملوي تقدم خدمات لأكثر من 1147 حالة    أسامة نبيه: أثق في قدرتنا على تحقيق أداء يليق باسم مصر في كأس العالم    خطيب المسجد الحرام: الحج بلا تصريح أذية للمسلمين والعشر الأوائل خير أيام العام    الإفتاء تحذر: الأضحية المريضة والمَعِيْبَة لا تجزئ عن المضحي    4 وفيات و21 مصابا بحادث انقلاب أتوبيس بمركز السادات    حكم من شرب أو أكل ناسيا فى نهار عرفة؟.. دار الإفتاء تجيب    108 ساحة صلاة عيد الأضحى.. أوقاف الإسماعيلية تعلن عن الأماكن المخصصة للصلاة    دعاء العشر الأوائل من ذي الحجة لتيسير الأمور وقضاء الحوائج.. ردده الآن    تحرير 146 مخالفة للمحلات التي لم تلتزم بقرار الغلق    بث مباشر.. شعائر صلاة الجمعة من مسجد الشهيد بالقليوبية    ليلة في حب وردة وبليغ حمدي.. «الأوبرا» تحتفي بروائع زمن الفن الجميل    كأس العالم للأندية.. ريال مدريد يعلن رسميا ضم أرنولد قادما من ليفربول    الرئيس اللبنانى يزور العراق الأحد المقبل    ضبط 9 عناصر إجرامية بحوزتهم 33 كيلو مخدرات ب«أسوان ودمياط»    تعرف على إيرادات فيلم ريستارت في أول أيام عرضه    طهران: تقرير الاستخبارات النمساوية المشكك في سلمية برنامجنا النووي كاذب    نائب وزير الصحة يتفقد عددا من المنشآت الصحية فى البحر الأحمر    ريا أبي راشد: أجريت مقابلة تلفزيونية مع مات ديمون بعد ولادة ابنتي بيومين فقط    حملة للتبرع بالدم بمديرية أمن البحر الأحمر    وزير الإسكان: بدء إرسال رسائل نصية SMS للمتقدمين ضمن "سكن لكل المصريين 5 " بنتيجة ترتيب الأولويات    بنيامين نتنياهو يدخل غرفة العمليات.. ومسؤول آخر يتولى إدارة إسرائيل    رئيسة القومي للمرأة تلتقي الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر الشريف    رئيس وزراء اليابان يحذر من التوتر بشأن الرسوم الجمركية الأمريكية    3 ساعات حذِرة .. تحذير بشأن حالة الطقس اليوم : «شغلوا الكشافات»    موعد مباراة الاتحاد والقادسية في نهائي كأس خادم الحرمين والقنوات الناقلة    «اعتذرتله».. ياسر إبراهيم يكشف كواليس خناقته الشهيرة مع نجم الزمالك    "فوز إنتر ميامي وتعادل الإسماعيلي".. نتائج مباريات أمس الخميس 29 مايو    «مالوش طلبات مالية».. إبراهيم عبد الجواد يكشف اقتراب الزمالك من ضم صفقة سوبر    نجاحات متعددة.. قفزات مصرية في المؤشرات العالمية للاقتصاد والتنمية    تقارير: أرسنال يقترب من تجديد عقد ساليبا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



القضاء العرفي.. دستورالقبائل في مصر
نشر في الوفد يوم 15 - 04 - 2016

قضى يقضى من القضاء، وكل من يفصل بين الناس فى المنازعات فهو قاضٍ، وأصبح المصريون بين سندان «المنصة» ومطرقة «القاضى»، ففى الوقت الذى يصل فيه عدد القضاة فى مصر إلى 32 ألف قاض ومستشار منهم 17 ألفا بالقضاء العالى و4 آلاف بمجلس الدولة، و5 آلاف عضو بالنيابة الإدارية، و6 آلاف بالنيابة العامة و7 آلاف محكمة تفصل فى منازعات ما يقرب من 25 مليون مواطن يترددون على ساحات المحاكم؛ ورغم ذلك يؤجل الفصل فى قضايا وصل عددها إلى 1٫5 مليون كل عام، بسبب النقص الكبير فى عدد القضاة وانخفاض عدد المحاكم وزيادة نسبة الجريمة التى تخطت ال60% عن الأعوام السابقة حسب تقارير صادرة عن مركز الإحصاء القضائى بوزارة العدل.
ويبرز على التوازى القضاء العرفى المسمى ب«العدالة الناجزة» وهو قضاء من نوع خاص، له محاكمه وقضاته، ومتقاضوه الذين ينتهجون سياسات قبلية فى مجتمع بدوى مترامى الأطراف فى محافظات عدة، ويبلغ عدد المتقاضين 3 ملايين مواطن سنويا من جملة 17 مليون موزعين على 105 قبائل يحتكمون الى المجالس العرفية ولا يلجأون إلى محاكم الدولة، ولا إلى قضاتها فى أى منازعات داخلية تنشأ بينهم، فلكل قبيلة قاضٍ عرفى مختص بقضايا معينة يعاونه 2 آخران فيما يشبه محاكم الدولة، وإذا حدث ولجأ واحد منهم إلى محاكم الدولة يسقط حقه فى الاحتكام إلى الجلسات العرفية إذا لم يتم إنصافه، فلكل جريمة قاض يختص بنظرها، ومحددة اختصاصاته مثلما يحدث فى القضاء العادى، فالقضاء العرفى هو دستور القبائل العربية الذى يحتكمون إليه وتنفذ هذه الأحكام على الفور بعد استنفاد درجات التقاضى التى لم تطل فى حال من الأحوال عن 60 يوما فى الوقت الذى تؤجل فيه القضايا فى المحاكم العادية لسنوات عدة يشعر معها صاحب الحق بالظلم البين، الأمر الذى حدا بالبعض إلى رفع شعار «ظُلم مصطبة ولا عدل محكمة» فى إشارة واضحة لبطء التقاضى وإشارة أوضح لجلسات القضاء العرفى التى تجرى وقائعها على الأرض وتنتهى فى أسرع وقت.
نتناول فى هذا التحقيق الاستقصائى ماهية القضاء العرفى وعدد المحكمين وأنواع القضايا واختصاصات كل قاضٍ وكيفية الفصل فى قضايا القتل والسرقة والشرف والاعتداء على النفس والممتلكات والمنازل، والاعتداء على الإبل وأجور القضاة وكيفية عقد المحكمة والوظائف المعاونة للقضاة؛ حتى صدور الحكم بلا أى شائبة تشوبه، والإجابة عن أسئلة عدة منها، متى وأين تعقد المحكمة جلساتها والشروط التى يجب توافرها فى القاضى الذى يتم اختياره للفصل بين المتنازعين، وأشهر القضاة فى بر مصر ومكان انعقاد المحكمة، ودرجات التقاضى المختلفة وكيفية تنفيذ تلك الأحكام التى تتمتع بقوة القانون العرفى وقدسية صدورها، وذلك من خلال حضور جلسات عرفية فى قضايا مختلفة ولقاء مجموعة من القضاة العرفيين، وأغرب القضايا التى تم تداولها، والسؤال الأبرز الذى يجيب عنها عدد من القضاة، لماذا تلجأ الدولة أحيانا بكل أجهزتها إلى القضاء والجلسات العرفية لحل النزاعات المستعصية بين بعض المواطنين؟
مصطلحات عرفية
«الُملم» وهو أول من يلجأ إليه الأطراف المتنازعة، وبه تبدأ أولى خطوات انعقاد المحكمة ثم «الرُزقة» وهى اتعاب القضاة نظير التصدى لنظر القضية وتحتسب الرزقة بنسبة 1% من أصل الدية المحكوم بها والتى تكون تقديرية حسب فراسة وذكاء القاضى وأيضا نوع الجريمة أو الإصابة الواقعة ويتم أخذها من المدَّعى، «الكِبار» وهم رجال القبيلة المشهود لهم بالحكمة والحزم والقوة أمام الناس، ولهم دور مهم فى إنهاء النزاع قبل إصرار الطرفين على وجود جلسات عرفية، أما «الضريبى» فهو يقوم بعمل «الكبار» أو «المُلم» فى حال عدم وجود واحد منهم، ويطلق مصطلح «تفتيش الكلام» على المشكلة التى بسببها تم اللجوء للقضاء ويكون ذلك أمام القاضى ومعاونيه، بينما «مدفون الحصى» فهو الكلام الذى سبَّب النزاع ولم يطلع عليه أحد، وقول الملم للمتقاضين «خُط لك ثلاثة» يقصد به حدد لك ثلاثة من القضاة المراد الاحتكام إليهم، ومن المتخصصين لنظر تلك الدعوى، بينما « ربط الكلام عند راعى البيت» فهو صاحب البيت الذى شهد على بدء المفاوضات بين المتنازعين وتتم الاستعانة كشاهد فى القضية فيما بعد على ما قيل وقتها من الخصوم، أما «آجال الرجال 14 يوما» مصطلح يطلقه المُلم ويقصد به تحديد موعد انعقاد الجلسة الأولى بعد اسبوعين لنظر القضية، ويطلق اسم «غِيبانية» على الإصابات التى يحددها المجنى عليه سواء كانت إصابات ظاهرة أو غير ظاهرة وفى حالة إنكار الجانى رواية المجنى يحلفه القاضى اليمين، وإن لم يستقر فى وجدانه صدق كلامه يأخذ بالمثل القائل «لا عرضا عليه شهود ولا دما عليه ورود»، والمقصود به لا إثبات على انتهاك الأعراض طالما صدر كلامه من المجنى عليه، ولا حكايات كثيرة فى الدم طالما أن صاحب الدم هو الذى يروى الواقعة، ومن المصطلحات الخاصة بالإبل ويتم استخدامها فى المجلس «غير أخلى ناقتى تزيد» وهو تعبير يطلقه صاحب الإبل فى وجه السارق ويقصد به زيادة التعويض من الإبل إذا توجه للقاضى، وأيضا «الناقة غِرمت عليل» أى أصبحت الناقة فى زيادة بعد سرقتها وردها إلى أصحابها.
الراية البيضاء
من خلال حضورى 6 جلسات متنوعة للقضاء العرفى فى محافظات شمال سيناء، السويس، الإسماعيلية، الجيزة، المنيا، بنى سويف وتسجيل وقائعها، رأيت نظاما متواترا يتم اتباعه فى كل الجلسات وكأنه قانون واجب اتباعه لا يتم تكسيره على الإطلاق، فخلال ال14 يوما التى أعلن عنها المُلم لانعقاد أولى الجلسات يتم اختيار البيت الذى تنظر فيه الجلسات ويخضع هذا البيت لشروط منها أن يتمتع صاحب هذا البيت بالسيرة الحسنة والسُمعة الطيبة بين أفراد القبيلة، وأن يكون محل اختيار طرفى الخصومة - المدعى والمدعى عليه- وألا يكون بينه وبين أحد الخصوم صلة نسب مباشرة تحول دون انعقاد المجلس فى بيته، ويتم وضع راية بيضاء أعلى سطح البيت المنعقد فيه الجلسات؛ حتى يعلم أفراد وأبناء القبيلة أن جلسة ما ستنعقد فى هذا البيت استعدادا للذهاب إليه وحضورها ودائما ما تكون الجلسات علنية ومشهودة من الجميع، ولا يتكلم منهم أحد إلا من أّذن له من القاضى بالكلام ما لم يكن من شهود الواقعة محل النزاع، فضلا عن وجود دفتر كبير يشبه دفاتر الحكومة؛ يكتب فيها معاون القاضى وقائع الجلسة كاملة وأقوال الشهود ووصف الأحراز إن وجدت، ويكون الدفتر بحوزة رئيس المحكمة- القاضى الكبير- بعد أن تنتهى أول جلسه ولم تنته القضية فى حينها ويحتفظ القاضى به لمراجعة ما جاء فيه وتفنيد الأقوال، حتى يصدر حكمه عن علم وبينة، ثم يوضع الدفتر عند صاحب البيت بعد انقضاء الدعوى والحكم فيها وقيد الأحكام ويكون الدفتر بمثابة سجل كامل عن تلك القضية ووقائعها، حتى يكون مرجعا وثائقيا لكل من يعمل فى القضاء؛ ليستنير بهذه الأحكام إذا تطابقت مع وقائع أخرى مماثلة بعد تطبيق الإجراءات سالفة الذكر..
تشكيل هيئة المحكمة
تتكون هيئة المحكمة من ثلاثة قضاة العضو اليمين والعضو اليسار ورئيس المحكمة ويجب أن يكونوا من أهل الثقة والسمعة الطيبة، وأن يكونوا من الرجال فقط فضلا عن تمتعهم برجاحة العقل، والعدالة التى هى أساس الاختيار، والقدرة على الاجتهاد فى استخراج ما يتطابق مع الشرع من القرآن الكريم والسنة النبوية وأن يكون القاضى سليم الحواس ولديه الفصاحة والبينة والقدرة على السيطرة على المجلس أثناء نظر القضية، ومن الوظائف المعاونة للقضاة « قصَّاص الأثر» وهو يوازى الطب الشرعى الذى يعاون القضاء العادى وقصاص الأثر يكثر الاستعانة به فى قضايا السرقة والاعتداء على البدن وهى وظيفة ذات تراث بدوى صرف وبواسطته يستطيع أن يكوِّن القاضى عقيدته قبل إصدار الحكم حيث إنه يتتبع خطوات الجانى التى على الرمال – محيط عمله- ويفقد قدرته عندما تتصل الخطوات الرملية بالطرق الأسفلتية وكثر الاستعانة بقصاص الأثر من قبل وزارة الداخلية وبعض الجهات السيادية؛ لتتبع خط سير الجناة، ويحدد له القاضى أتعابا من الرُزقة نظير عمله الذى يبدأ مباشرة بعد ارتكاب الوقائع سالفة الذكر وأهمها تتبع خطوات السارق فى حالة الاعتداء على المنازل وسرقتها ومعرفة من البادئ بالعدوان فى حال الاعتداء بالضرب على أحد الأشخاص فهو يقوم ب رفع البصمات من خلال التراب.
قضاة على المنصة
ينقسم القضاة وتتنوع اختصاصاتهم حسب القضايا المنظورة، فقاضى الدم يطلق عليه - مناقع الدم- ويتمتع بشهرة واسعة وكبيرة ويلجأ إليه جميع المتقاضين من المحافظات المختلفة لكونه صاحب خبرة عريضة فى الفصل فى تلك القضايا التى تعد من أخطر القضايا التى تواجه قاضى الدم لأنها من القضايا المعقدة والصعبة وتحتاج إلى خبرة سنوات عديدة مثلما يحدث مع قاضى الجنايات فى القضاء العالى، ودائما ما يُقضى فى أحكام الدماء ب «الدية» وهى عبارة عن «مائة جمل» وعندما تكون الجريمة كبيرة يتم تغليظ الدية حسب رؤية القاضى وحسب شخصية القتيل ومكانته بين قومه أخذا فى الاعتبار الأسباب التى أدت إلى ارتكاب تلك الواقعة ومن أشهر قضاة الدم الذين التقيتهم وتحدثوا معى القاضى «سويلم أبوتسعة» بشمال سيناء ويتمتع بخبرة قضائية وصلت إلى 70 عاما رغم بلوغه ال90 عاما، استطاع خلالها الحكم فى أخطر قضايا الدماء التى كادت تفجر الصراع بين عدة قبائل سيناوية..
القاضى المنشد
بينما قاضى «العِرض» ويطلق عليه «المُنشد» أو «الضريبى» فيختص بنظر كافة الفضايا التى تمثل اعتداءً على البيوت ومس الشرف بالأذى مثل قضايا السب والقذف وينظر قضايا الوثاقة وهى توازى «الرهن» وهى أخذ الإبل من مأمنها «خلسة» خوفا من ضياع حقوقهم عند المدين- أصحاب الإبل- وينظر الضريبى تلك القضايا وفى حال عدم رض الطرفين بأحكامه يحيل ملف الدعوى برمته إلى قاض أكثر اختصاصا يُطلق عليه «الزيادى» أو «الأحمدى» الذى يقضى بقضاء يرضى الطرفين حيث لا فصل ولا رد ولا استئناف فيه ومن أشهر قضاة العرض القاضى «عكاشة» الذى ينظر ما يقرب من 20 قضية خلال شهر واحد ويفصل فيها..
قاضى النساء
لا يخلو مجتمع البدو من «العقبى» الذى ينظر القضايا الخاصة بالنساء من مهور وطلاق وتعدٍ على الأعراض ويستطيع أن يصل فى تلك القضايا ببراعة منقطعة النظير ويكون حكمه نافذا بقوة القانون، ومن القضاة الذين التقيتهم القاضى سالم بركات الذى حكى لى عن بعض القضايا التى ظل ينظرها لمدة 3 أشهر متواصلة حتى يصدر حكمه النهائى والقاطع فى تلك القضية التى وصفها بالمعقدة والمتداخلة، حيث انها كانت خاصة بمهر إحداهن وتداخل معها سب وقذف، الأمر الذى جعل الفصل فيها يستغرق تلك المدة وتعد أطول قضية نظرها الشيخ سالم بركات..
قاضى الديار
ومع تعدد المساحات والحدود كان قاضى « أهل الديار» الذى ينظر قضايا خاصة بحدود الاراضى الزراعية والمراعى والاراضى الموروثة وإثبات ملكيتها عن طريق الاستعانة ب«أهل النسب» وهم الاشخاص الذين لهم معرفة وطيدة بأصحاب الأراضى ومن آلت إليه عن طريق الميراث او البيع او الشراء فهم بمثابة «سجل عينى» وامتداد لمصلحة الشهر العقارى والتوثيق ومن أشهر القضاة فى هذا الشأن الشيخ حسين أبوجمعة بمحافظة السويس الذى حضرت فى منزله جلسة للقضاء العرفى وقضى فيها برد الحقوق إلى أصحابها وكانت عبارة عن نزاع قائم بين قبيليتن حول مساحة من الأرض يدعى كل طرف ملكيتها.
قاضى العريش
وهم القضاة المتخصصون فى نظر كافة القضايا التى تنشأ عن اختلاف الاشخاص فى ملكية أحدهم لمجموعة من النخيل أو إتلاف بعضها او الاعتداء عليها بالقطع حيث يمثل النخيل للمجتمع العربى ثروة كبيرة ولا تقدر بمال واعتبار من يعتدى عليها بمثابة متعدٍ على الحرمات..
قاضى الإبل
تعد الابل ذات طبيعة خاصة فى المجتمعات البدوية وبمثابة ثروة قومية وتعد من الاشياء التى تكثر سرقتها ولكل قبيلة إبلها التى تميزها بعلامات مميزة مختلفة عن القبيلة الاخرى وأشهر هذه العلامات هى الكى بالنار فى الرأس أوالرقبة وتترك فى الصحراء دون مراقبة أصحابها وعندما يتم الاعتداء عليها او سرقتها يتم اللجوء إلى «السورمال» أو «الزيادى» وهو القاضى المتخصص فى نظر السرقة بوجه عام والإبل بوجه خاص، وتكون غرامة سرقة الإبل هى تعويض 40 ناقة لصاحب الناقة المعتدى عليها...
بداية سير الجلسة
تتفق جميع القضايا فى القضاء العرفى فى بداية موحدة من شمال مصر إلى جنوبها، حيث تبدأ الجلسة عند الملم الذى يبدأ بعرض القضية على الجميع ثم يتم استدعاء الطرفين لسماع حجة كل واحد منهما وهو ما يطلق عليه «تفتيش الكلام» ثم الاستعانة بالشهود لتأكيد صحة ووقائع أحد الطرفين، وبعد استماع الملم للأقوال «مدفون الحصى» يبدأ الملم فى توجيه المدعى عليه بتحديد 3 قضاة يسميهم لنظر القضية، ثم يحدد الملم 14 يوما لنظر القضية بعد ان يتم الاتفاق على ذلك فى بيت راعى الجلسة قبل ان تتم إحالتها إلى القضاة ويعتبر الملم فى هذه الحالة هو قاضى الإحالة الذى تقوم بدوره النيابة العامة..
أحكام نافذة
يبدأ عرض القضية على القضاة المتخصصين بعد استيفاء جميع الشروط فى نظر الدعوى وفى القضاة وعندها يبدأ القاضى بممارسة عمله مع الاستعانه باثنين من القضاة المعاونين له وتبدأ الجلسة على الأرض- أو فى خيمة كبيرة- وسط حشد من أبناء القبيلة يشاهدون وقائع الجلسة ولا يستطيع احد التكلم منهم إلا بإذن من القاضى الذى يدير الجلسة تشابها مع ما يحدث فى ساحات المحاكم المختلفة ويبدأ القاضى فى استعراض ملف القضية وسماع الشهود والوقائع ومن ثم إصدار الحكم فى ذات القضية وفى ذات الجلسة، ويخرج المتقاضون فى رضا تام ما لم يكن احدهما يرغب فى نظر قضيته أمام قضاة آخرين، وعند انتهاء النزاع بين المتقاضين يقوم صاحب البيت بنحر الإبل احتفالا وابتهاجا بالصلح بين أفراد القبيلة وغالبا ما تكون هذه الإبل من الأموال التى تدفع لصاحب البيت الذى تقام عنده الجلسة العرفية وعند انتهاء القضية وقبل دعوة ابناء القبيلة لتناول الطعام يتم تنفيذ حكم القاضى..
عدالة ناجزة
يؤكد يحيى الغول أشهر قاض عرفى بالعريش فى لقائى به ان العدالة سريعة وناجزة فى القضاء العرفى ولا تمتد لسنوات أو شهور، خاصة ان المجتمع البدوى لديه تقاليده وعاداته التى يحافظ عليها ولا يكسرها فضلا عن وجود علاقات مصاهرة ونسب بين القبائل وبعضها البعض وهو ما يساعد على تطبيق الاحكام العرفية بسرعة كبيرة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.