تعرف على سعر الدولار اليوم الخميس 2 مايو مقابل الجنيه    وزير الدفاع الأمريكي يبحث مع نظيره الإسرائيلي مفاوضات صفقة تبادل الأسرى واجتياح رفح    عقوبات أمريكية على روسيا وحلفاء لها بسبب برامج التصنيع العسكري    عاجل.. الزمالك يفاوض ساحر دريمز الغاني    رياح وشبورة.. تعرف على حالة الطقس اليوم الخميس 2 مايو    ضبط عاطل وأخصائى تمريض تخصص في تقليد الأختام وتزوير التقرير الطبى بسوهاج    تشيلسي وتوتنهام اليوم فى مباراة من العيار الثقيل بالدوري الإنجليزي.. الموعد والتشكيل المتوقع    خبير تحكيمي يكشف مدى صحة ركلة جزاء الإسماعيلي أمام الأهلي    فلسطين.. قوات الاحتلال تقتحم مخيم قلنديا شمال شرق القدس المحتلة    الثاني خلال ساعات، زلزال جديد يضرب سعر الذهب بعد تثبيت المركزي الأمريكي للفائدة    بتهمة التحريض على الفسق والفجور.. القبض على الإعلامية "حليمة بولند" في الكويت    التحضيرات الأخيرة لحفل آمال ماهر في جدة (فيديو)    ما الفرق بين البيض الأبيض والأحمر؟    متى تصبح العمليات العسكرية جرائم حرب؟.. خبير قانوني يجيب    أول ظهور ل أحمد السقا وزوجته مها الصغير بعد شائعة انفصالهما    بتهمة التحريض على الفسق والفجور.. القبض على حليمة بولند وترحيلها للسجن    «البنتاجون»: أوستن أكد لنظيره الإسرائيلي ضرورة ضمان تدفق المساعدات إلى غزة    طريقة عمل الآيس كريم بالبسكويت والموز.. «خلي أولادك يفرحوا»    مسلسل البيت بيتي الجزء الثاني يواصل تصدره التريند بعد عرض الحلقة ال 3 و4    أمطار تاريخية وسيول تضرب القصيم والأرصاد السعودية تحذر (فيديو)    حسن مصطفى: كولر يظلم بعض لاعبي الأهلي لحساب آخرين..والإسماعيلي يعاني من نقص الخبرات    سعر الموز والخوخ والفاكهة بالأسواق اليوم الخميس 2 مايو 2024    مُهلة جديدة لسيارات المصريين بالخارج.. ما هي الفئات المستحقة؟    كيف يؤثر الذكاء الاصطناعي في الموارد البشرية؟    احذر الغرامة.. آخر موعد لسداد فاتورة أبريل 2024 للتليفون الأرضي    لاعب الزمالك السابق: إمام عاشور يشبه حازم إمام ويستطيع أن يصبح الأفضل في إفريقيا    وليد صلاح الدين يرشح لاعبًا مفاجأة ل الأهلي    هاجر الشرنوبي تُحيي ذكرى ميلاد والدها وتوجه له رسالة مؤثرة.. ماذا قالت؟    عميد أصول الدين: المؤمن لا يكون عاطلا عن العمل    بشروط ميسرة.. دون اعتماد جهة عملك ودون تحويل راتبك استلم تمويلك فورى    البنتاجون: إنجاز 50% من الرصيف البحري في غزة    هذه وصفات طريقة عمل كيكة البراوني    أهمية ممارسة الرياضة في فصل الصيف وخلال الأجواء الحارة    صندوق مكافحة الإدمان: 14 % من دراما 2024 عرضت أضرار التعاطي وأثره على الفرد والمجتمع    ترابط بين اللغتين البلوشية والعربية.. ندوة حول «جسر الخطاب الحضاري والحوار الفكري»    حكم دفع الزكاة لشراء أدوية للمرضى الفقراء    مواقيت الصلاة اليوم الخميس 2 مايو في محافظات مصر    بسام الشماع: لا توجد لعنة للفراعنة ولا قوى خارقة تحمي المقابر الفرعونية    مظهر شاهين: تقبيل حسام موافي يد "أبوالعنين" لا يتعارض مع الشرع    الأنبا باخوم يترأس صلاة ليلة خميس العهد من البصخة المقدسه بالعبور    يوسف الحسيني : الرئيس السيسي وضع سيناء على خريطة التنمية    اشتري بسرعة .. مفاجأة في أسعار الحديد    النصر يطيح بالخليج من نصف نهائي كأس الملك بالسعودية    حيثيات الحكم بالسجن المشدد 5 سنوات على فرد أمن شرع فى قتل مديره: اعتقد أنه سبب فى فصله من العمل    برج الميزان .. حظك اليوم الخميس 2 مايو 2024 : تجاهل السلبيات    أخبار التوك شو|"القبائل العربية" يختار السيسي رئيسًا فخريًا للاتحاد.. مصطفى بكري للرئيس السيسي: دمت لنا قائدا جسورا مدافعا عن الوطن والأمة    أول تعليق من الصحة على كارثة "أسترازينيكا"    بعد أيام قليلة.. موعد إجازة شم النسيم لعام 2024 وأصل الاحتفال به    لبنان.. الطيران الإسرائيلي يشن غارتين بالصواريخ على أطراف بلدة شبعا    مفاجأة للموظفين.. عدد أيام إجازة شم النسيم في مصر بعد قرار ترحيل موعد عيد العمال    بروسيا دورتموند يقتنص فوزا صعبا أمام باريس سان جيرمان في ذهاب نصف نهائي دوري أبطال أوروبا    القوات الأوكرانية تصد 89 هجومًا روسيًا خلال ال24 ساعة الماضية    حمالات تموينية للرقابة على الأسواق وضبط المخالفين بالإسكندرية    النيابة تستعجل تحريات واقعة إشعال شخص النيران بنفسه بسبب الميراث في الإسكندرية    أكاديمية الأزهر وكلية الدعوة بالقاهرة تخرجان دفعة جديدة من دورة "إعداد الداعية المعاصر"    بقرار جمهوري.. تعيين الدكتورة نجلاء الأشرف عميدا لكلية التربية النوعية    الوطنية للتدريب في ضيافة القومي للطفولة والأمومة    وزير الأوقاف: تحية إعزاز وتقدير لعمال مصر    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



القضاء العرفى «العدالة العاجزة»
نشر في فيتو يوم 16 - 01 - 2016

تحقيق العدالة هو الهدف الذي يتوق إليه الجميع، ولكن هذا الهدف ليس هو الآمل الوحيد الذي يتمنى البعض الوصول إليها، فقد يكون للفرد الحق في أن يثق أن عدل القضاء سيرده إليه إلا أن التباطؤ في الإجراءات قد يجعل هذا الحق غير مجد عند عودته.. فالمظلوم كما يحتاج إلى الإنصاف والعدل فهو يحتاج بصورة أكثر إلحاحًا إلى السرعة في رد الحق إليه، وهذا ما يسمى ب«العدالة الناجزة».
ولا شك أن تحقيق العدالة الناجزة، مفهوم أصبح غائبًا عن جهات القضاء المصرى في السنوات الأخيرة بسبب تراكم مجموعة من العوامل والأسباب، مما حدا بالكثيرين وخاصة من أبناء محافظات الدلتا والصعيد إلى إنهاء خصوماتهم أمام «المجالس العرفية» التي باتت بصورة لا شك فيها، بديلًا لجأ إليه المتقاضون فيما يمكن أن نطلق عليه مصطلح «دولة القضاء الموازية»، وذلك بسبب ضعف البت في الدعاوى القضايا المرفوعة أمام المحاكم.
غياب دور الدولة وعجزها عن تحقيق العدالة الناجزة، وفقدان الثقة لدى المتخاصمين في الاحتكام إلى منصات القضاء الرسمى، جعل العدالة مكبلة الأيدى، بالإضافة إلى قلة عدد القضاة وكثرة أعداد القضايا المنظورة أمامهم، اذ يبلغ عدد القضايا ما يقرب من 18 مليون قضية، بالإضافة إلى 250 ألف دعوى وطعن منظورة أمام محكمة القضاء الإدارى والإدارية العليا بمجلس الدولة، فيما لا يتجاوز عدد القضاة ال18 ألف قاضٍ، مما يعد من أهم أسباب غياب العدالة الناجزة.
وبجانب نقص عدد القضاة، فإن تناقض التشريعات الموجودة حاليًا والتي تعد الإطار الذي يتمكن من خلاله القضاة من إصدار الأحكام، من الأسباب الرئيسية في عدم تحقيق العدالة الناجزة، فمن هذه التشريعات ما مضى على إصدارها ما يقارب المائة عام، مما يجعل فهمها وإصدار الأحكام بناءً عليها أمر شاق للقضاة الحاليين.
كما أنه في كثير من الأحيان تصدر محكمة الجنايات أو المحاكم الجزئية أحكامها في عدة قضايا، إلا أننا نفاجأ بنقض تلك الأحكام بسهولة في درجات التقاضى الأعلي، وهذا إن دل فإنما يدل على نقص خبرة القضاة – وغالبًا ما يكونون من الشباب –.
ومن أهم الأسباب التي تقف عائقًا أمام تحقيق العدالة الناجزة، المبانى المخصصة للمحاكم في محافظات مصر المختلفة، فالقضاة يشكون باستمرار من عدم صلاحية القاعات للاستخدام بسبب قدمها فكثير من الأبنية كانت قصورًا مشيدة من العهد الملكى وحولت إلى محاكم في عهد ثورة 1952، ورغم مرور كل هذه السنوات لم يتم تجديدها حتى الآن بسبب ضخامة المخصصات المالية التي يحتاجها ترميم المبنى الواحد، فعلى سبيل المثال يحتاج ترميم مجمع الجلاء فقط إلى نحو 100 مليون جنيه، بجانب قلة عدد المحاكم وعدم سعى الحكومة لإقامة أبنية جديدة.
وإذا تجاوز صاحب الحق كل هذه المعوقات التي تجعل قضيته المنظورة أمام المحاكم تطول لسنوات، ورأى حلم الحصول على حكم في دعواه يتحقق، يفاجأ بعقبة أخرى أشد عثرة من سابقاتها وهى عدم قدرته على تنفيذ الحكم النهائى الصادر بحقه بسبب الإجراءات الروتينية للتنفيذ والتي تتدخل فيها في كثير من الأحيان الوساطة والمحسوبية بجانب الأساليب الملتوية التي يلجأ إليها محامو الخصوم لعرقلة التنفيذ، وسبق أن اقترح العديد من القضاة - للتغلب على هذه العقبة - إنشاء إدارة تكون مهمتها الوحيدة تنفيذ الأحكام الصادرة من المحاكم لصالح المتقاضين، على أن تكون هذه الإدارة مشكلة من عدد من القضاة والمحضرين.
قيود أخرى
وتبرز هذه القيود في تراخى الخبراء والأطباء الشرعيين عن القيام بدورهم الحيوى في مساعدة القضاة لسرعة إصدار الأحكام، فطرفا النزاع بات راسخًا في أذهانهم أن تحويل القضية إلى أحد الخبراء يعنى دفنها في أدراج الروتين الحكومى الممل، حيث تحتاج القضية إلى شهور حتى تصل إلى مكتب الخبراء، وفور وصولها تأخذ دورًا لنظرها وقد يأتى هذا الدور بعد سنوات عديدة، والسبب في ذلك القلة الشديدة والملفتة للنظر في عدد الخبراء، ونجد الشيء ذاته بالنسبة للأطباء الشرعيين الذين يعانون أيضًا من قلة في عدد الأجهزة الحديثة والموارد البشرية.
كل هذه الأسباب وغيرها كبلت أيادى الدولة وجعلتها عاجزة عن تحقيق العدالة الناجزة، ليبرز كيان المجالس العرفية ككيان مواز للقضاء الرسمى خاصة أنه يلاقى ترحابًا ورضاء شعبيا، ليحل بذلك وبلا منازع بديلًا للدولة في هذا الجانب.
منظومة تشريعية جديدة
وفى هذا الصدد يؤكد الدكتور محمد سيد أحمد، أستاذ علم الاجتماع السياسي، وبكلية الآداب بجامعة عين شمس، أن مفهوم العدالة الناجزة يتمثل في تحقيق العدالة بأسرع وقت ممكن، ودون معوقات أو تلكؤ، وغالبا ما ترتبط العدالة الناجزة بالشرعية الثورية وليست الشرعية الدستورية.. حيث تتشكل محاكم خاصة لمحاكمة رموز الفساد بشكل سريع وفورى.
وحول الآليات المطلوبة لتحقيق العدالة الناجزة والقضاء على أزمة تراكم القضايا داخل أروقة المحاكم، أشار أستاذ علم الاجتماع السياسي، إلى أن آليات تحقيقها تكمن في التعامل الواقعى مع الظروف والأوضاع العادية - أي في ظل الشرعية الدستورية -، وبمعنى أبسط يجب على الدولة وضع منظومة تشريعية جديدة، تحدد مدد زمنية للتقاضى، والا تسمح بأى شكل من الأشكال تجاوز هذه المدد، وتشكيل محاكم متخصصة، وزيادة أعداد القضاة لتتناسب مع أعداد القضايا الضخم، وأن يبدأ العمل بطريقة عاجلة بنظام استخدام التكنولوجيا الحديثة والمميكنة في نظر القضايا بدلا من الأوراق.
وعن الآثار المترتبة على تراكم الآلاف من القضايا داخل أروقة المحاكم وهل هذا يعد دافعًا جعل الكثير يلجئون إلى طرق أبواب القضاء العرفي؟، أوضح الدكتور محمد سيد، أن الآثار المترتبة على التراكم هو فقدان الثقة في القضاء المدنى، وغياب الأمل في تحقيق العدالة، ناهيك عن ضياع وإمكانية التلاعب بحقوق المواطنين وبروز مافيا الفساد، وكل هذه الأسباب وغيرها جعلت المتقاضين يلجئون إلى القضاء العرفى وكلهم ثقة في أنهم سيجدون العدالة الناجزة التي يئسوا من الحصول عليها داخل قاعات المحاكم الرسمية.
وأضاف أستاذ علم الاجتماع، أن عدم وجود أي شبهات أو فساد أو تلاعب في إصدار الأحكام من جانب القضاة العرفيين شجع الكثير من المتقاضين إلى اللجوء اليهم، بل والإنصياع إلى ما يصدرونه من أحكام دون مناقشة أو أي محاولة للرفض، وهذا بلا شك يؤثر على الدور الرسمى للدولة في هذا الجانب، فالقضاء العرفى يعمل بشكل أكثر إتساعًا في المحافظات التي يشعر مواطنوها أنهم مهمشون ولا يحصلون على حقوقهم من الدولة، لذلك فإن سيطرة الدولة على مواطنى هذه المحافظات تكاد تكون رمزية، فالدولة عندما تهمش مواطنيها ولا تشبع احتياجاتهم الأساسية يفقدون الثقة فيها، لذلك لا يعترفون بقوانينها ويلجئون إلى القضاءالعرفى الذي يعتمد على العادات والتقاليد التي تنبع من انتمائه وولائه للقبيلة أكثر من انتمائه للدولة، فالقبيلة هنا تحل محل الدولة فهى التي تحتضن المواطن وتحقق له رغباته.
إنهاء المنازعات
ويؤكد شحتة عرندس، أحد القضاة العرفيين بمحافظة الشرقية، أن القضاء العرفى أسرع في إصدار أحكامه من جهات القضاء المدنى، ويملك قدرة فائقة على إقرار الحقوق لذويها دون محاباة أو مجاملة طرف على آخر، وهذا ما ينهى المنازعات بين المتخاصمين إلى الأبد.
وحول ضمانة تنفيذ أحكام القضاء العرفى والتزام الطرفين بها، أوضح «عرندس»، أنه قبل عقد أي جلسة للقضاء العرفى، لابد من توافر عدة شروط، من أهمها: اطمئنان مجلس القضاة إلى موافقة ورضاء الطرفين المتنازعين على كل الأعضاء الذين سيديرون الجلسة ومن ثم يصدرون الأحكام، بجانب توقيع الطرفين على أنهم ملتزمون بتنفيذ ما يصدره المجلس من أحكام، وتوقيعهما على شرط جزائى بمبلغ مالى كبير الهدف منه منع أحد طرفى النزاع من التعدى على الآخر مرة ثانية، وإعلان الحكم والحيثيات التي استند اليها إصداره على الملأ حتى يطمئن الجميع إلى توافر شروط الشفافية والحيادية، كما أن أحكام القضاء العرفي، لها نفس سطوة وقوة أحكام القضاء المدنى إن لم يكن أكثر، بين العائلات الكبيرة في محافظات الدلتا والصعيد.
وأشار، «عرندس»، إلى أن القضاء العرفى يشبه هيئة المحكمة مكتملة الأركان، ففيه قاض يترأس الجلسة وهو الأكبر سنًا والأكثر علمًا وحكمة، ويعاونه مستشارون يتم اختيارهم بعناية فائقة، ويسمح لكل طرف من المتقاضين بإحضار من يدافع عنه أو أن يقوم هو بالدفاع عن نفسه وسرد حججه وأدلته، ثم بعد ذلك يستمع القاض ومستشاروه إلى الشهود، حتى إذا ما أصدروا حكمهم يكونوا مطمئنين إلى استناده على حجج وأدلة قاطعة الثبوت.
وعن الشروط التي يجب توافرها في القاضى العرفى، أشار «عرندس» أي أن يكون دارسًا لعلوم الشريعة الإسلامية، ومن أهمها علوم القرآن والفقه، بجانب نصوص القانون المدنى، وضليعًا في علمى النفس والمنطق، وأن يكون معروفًا بالصلاح وحسن السيرة ومتسمًا بالحكمة والرزانة، وخطيبًا متفوهًا يجيد التعبير عن هذه العلوم بلسان فصيح، لأن أحكام القضاء العرفى تعتمد بشكل أكبر على إخضاع الإرادات المتنافرة والتوفيق بين المختلفات، ولهذا لا يجوز لغير المتمكن من العلوم السابقة أو غير المتعلم حتى لو كان كبيرًا لعائلته، أن يصبح قاضيًا عرفيًا.
وحول إمكانية رفض أحكام القضاء العرفى عن طريق الطعن عليها أمام المحاكم المدنية، نفى «عرندس»، وجود أي طعون على أحكام القضاء العرفى، مستندًا إلى فتوى محكمة النقض التي أصدرتها عام 2008، والتي تنص على أنه: «لا يجوز الطعن أو النقض أو الاستئناف ضد الأحكام التي تصدرها مجالس القضاء العرفى، لأنها تستند في أحكامها على أن الإنسان حر التصرف فيما يملك.. فالمتنازع يملك إرادته، وإذا ما سلم هذه الإرادة للقاضى العرفى فعليه الالتزام بالقرارات التي تصدر أثناء جلسة المحاكمة العرفية».
الرضوخ للأحكام
وعن التصرف الذي يلجأ إليه مجلس القضاء العرفى في حال رفض أحد طرفى النزاع تنفيذ أحكام المجلس، أكد «عرندس»، أنه من النادر ما تحدث واقعة رفض أحد الطرفين الماثلين أمام مجلس القضاء العرفى تنفيذ الأحكام، لأنهما يلجآن إلى المجلس باختيارهما ودون أي ضغوط من أحد، ولهم الحق في الاعتراض على أي عضو من أعضاء المجلس العرفى وطلب إستبداله بآخر، كما أن عواقب رفض تنفيذ الأحكام وخيمة ومن أخطرها تجدد النزاع بين الطرفين، بجانب الشرط الجزائى الموقع قبل بدء الجلسة والذي يدفع قيمة المبلغ المدون فيه الطرف الذي يرفض تنفيذ الحكم، فور رفضه ودون تباطؤ، ناهيك عن شئ هام وهو سقوط هيبة العائلة التي ترفض الإذعان للأحكام العرفية ومقابلتها بما يشبه القطيعة من قبل العائلات الأخرى، ولعل الجزاء الأخير هو الذي يجعل الجميع يحرصون على الإنصياع إلى الأحكام الصادرة، كما أن نزعة القبلية والترابط الأسرى الشديد الذي يتميز به أبناء المحافظات التي تعقد بينهم الجلسات العرفية يعطى الأحكام شىء من القدسية التي يخشى أي طرف من تدنيسها عن طريق رفض تنفيذها.
وحول هل يوجد تخصصات في القضاء العرفى.. أم أن القاضى يحق له البت في كل أنواع الخصومات؟، أوضح «عرندس»، أن القضاء العرفى مثله مثل القضاء المدنى في أنه يخصص لكل خصومة درجة قضائية، فهناك ما يسمى بقضاء القلطة، وهذا يعتبر أعلى درجات القضاء والمتخصصون فيه معنيون بالنظر في القضايا المستجدة على المجتمع، والتي تهم الرأى العام وتنتشر البلبلة داخل أروقته وهذا النوع يوجد بشكل أوسع بين قبائل البدو، وهناك أيضًا قضاء الرقاب، ويتخصص المعنيون به في نظر قضايا القتل والجروح والإصابات الناجمة من المعارك التي تنشب بين العائلات، بجانب قضاء المنشد وهو المختص بقضايا الاعتداء على الأعراض، ويشمل وقائع الاغتصاب والتحرش والإساءة إلى السمعة من أي جانب.
طابع موروث
ويضيف الشيخ محمد حسين، أحد القضاة العرفيين بمحافظة أسوان، أن تحاكم أبناء الصعيد إلى مجالس القضاء العرفى أمرًا ليس وليد اليوم، فهذا طابع ورثوه من أجدادهم ومرجعه حكم القبيلة والترابط الأسرى الذي تمتاز به قرى ومدن الصعيد، فمن المعروف أن لكل عائلة شخص يسمى الكبير، أو الشيخ، أو الزعيم، وهو المسئول عن الحفاظ على حقوق باقى أفراد العائلة، والتحدث باسمهم في كافة المحافل، وفى الوقت ذاته يقع على عاتقه تحمل أعباء ارتكاب البعض لأية أخطاء منافية لتقاليد المجتمع أو الإقدام على فعل جرائم يعاقب عليها الشرع والقانون، ولذلك ينظر أبناء الصعيد إلى اللجوء لساحات القضاء المدنى أنه من الأشياء المعيبة في حق هيبة المشايخ وكبار العائلات، لأن هذا يعنى عدم قدرتهم على القيام بدورهم في الإحتواء والفصل بين المتنازعين.
ويشير الشيخ محمد حسين، إلى أن اتخاذ القضاة العرفيين نهج البت الفورى في القضايا التي تعرض عليهم بعد استيفاء الأدلة والشواهد جعل الجميع حريصون على استمرارها وبقوة، فهى الحل الأمثل لاسترداد الحقوق وإنهاء المنازعات في وقت قياسى بدلًا من الانتظار لسنوات ممتدة في ساحات المحاكم المدنية دون الوثوق في عودة الحق لصاحبه أو أن التلاعب بالأدلة ينصر الظالم ويظلم المحق، كما أن انعقاد المجلس العرفى بحضور الآلاف وإعلام الجميع بكل نتائج وسبل التحقيق في القضايا أكسب أحكامه قوة ذات سطوة أعلى من قوة القانون المدنى لأنها تكون مشبعة بإجماع شعبى وموافقة عامة.
قضايا الثأر
وأوضح الشيخ محمد حسين، أن من أهم القضايا التي استطاع القضاء العرفى الفصل فيها والحد من انتشارها بقدر الإمكان، هي قضايا الثأر، فبمجرد أن تقع جريمة قتل يتحرك على الفور موفدون من المجلس العرفى إلى عائلة القتيل ليقنعوهم بأن يتحلوا بضبط النفس والانتظار حتى يخرج القاتل من السجن – بعد أن يكون أعضاء آخرون من المجلس العرفى سلموا القاتل إلى الشرطة لمحاكمته من ناحية والحفاظ على حياته من ناحية أخرى – ليثأروا منه وعدم إصابة أي شخص آخر بأذى، ويؤخذ على عائلة القتيل العهود والمواثيق من أجل الالتزام بهذا الاتفاق، ثم يعمل أعضاء المجلس على استثمار بطء إجراءات التقاضى أمام المحاكم المدنية ليبدأوا في الخطوة الثانية وهى إقناع الطرفين بعقد مصالحة يتم على موجبها إلزام القاتل بحمل كفنه «القودة» وتقديمه إلى عائلة القتيل في سرادق عام وأمام مرأى من أكثرية أهل المحافظة.
وأضاف الشيخ محمد حسين، أن من أكثر القضايا التي يصدر فيها قضاة المجالس العرفية، أقسى الأحكام، هي قضايا الشرف والتي تتمثل في التحرش اللفظى أو البدنى بالفتاة، ويكون الحكم فيها بشىء يسمى «التغريب والغرامة» أي أن يصدر المجلس حكمًا بترحيل الشاب الذي أقدم على هذا الفعل من موطنه مدة لا تقل عن ستة أشهر ولا تزيد على عام، وبشرط ألا يقيم في البلد الذي اختار أن يرحل إليه داخل منزل مستقر بل يظل يتنقل بين الفنادق المختلفة حتى يكون عبرة لكل من تسول له نفسه الإتيان بهذا الفعل، بالإضافة إلى تغريمه مبلغًا ماليًا لا يقل عن 10 آلاف جنيه ولا يزيد على 100 ألف جنيه، وفى بعض الحالات يتم الاكتفاء بأحد الحكمين وذلك إذا كان التحرش بمجرد النظر الخادش للحياء.
ويؤكد الشيخ محمد حسين، أما إذا كانت جريمة الاعتداء على الشرف بلغت حد الاغتصاب ففى الغالب لا يتدخل أعضاء المجلس العرفى للصلح بين الطرفين لأن أكثر الحالات تصر فيها عائلة الفتاة على قتل الشاب ولا يستطيع أحد لومهم في هذا وفقًا لعادات وتقاليد المجتمع المتزمتة إلى حد كبير، وفى حال قبول أهالي الفتاة التصالح فحكم القضاء العرفى يكون واحدًا وهو ترحيل جميع أفراد عائلة الشاب الذي تجرأ على فعل هذه الجريمة من المحافظة بعد إجبارهم على التنازل عن جميع ممتلكاتهم لصالح أي عمل خيرى يختاره القضاة العرفيون.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.