حينما صدر قانون إنشاء لجان فض المنازعات عام2000 كان الأمل يراود المتقاضين أن الأمور سوف تسير إلي الأفضل من حيث انجاز القضايا وحصول كل ذي حق علي حقه في اقرب وقت ممكن إلا أن الواقع المرير اثبت العكس. حيث أصبح اللجوء إلي هذه اللجان ما هو إلا تعطيل للقضايا خاصة ان قراراتها غير ملزمة للجهات الحكومية, وهو ما جعل الكثيرين ينادون بإلغائها أو علي الأقل تفعيل دورها وإعطائها صلاحيات لمصلحة القضاء وتخفيف العبء عليه وعلي المتقاضين. في البداية يؤكد المستشار رفعت السيد رئيس محكمة الجنايات السابق أن المنازعات بين الدولة والمواطنين أنشئت من اجلها لجان التوفيق في جميع المحافظات والوزارات المركزية برئاسة أحد السادة المستشارين الذين تقاعدوا ومندوب عن الجهة الإدارية التي يتم النزاع معها, وكذا ممثل عن المواطنين, ودور هذه اللجنة إصدار توصية إذا وافقت عليها الجهة الإدارية أصبحت حكما واجب النفاذ, أما إذا لم تقبلها فيكون لصاحب النزاع أن يلجأ إلي المحاكم المختصة بنظر النزاع أساسا, والغريب أن قرارات هذه اللجان التي تضم خيرة رجال القضاء في مصر وأكثرهم نضجا وخبرة وعلما لاتعتمد ولاتنفذ من جانب الجهة الإدارية بل تعد مجرد توصية, والحل الأمثل أن تشكل كل لجنة من هذه اللجان من ثلاثة مستشارين وتكون قراراتها بمثابة أحكام يجري تنفيذها إذا لم يطعن عليها أمام محكمة اعلي يكون حكمها باتا ونهائيا الاستئناف وبذلك نختصر تماما درجتين من درجات التقاضي, كما أن هذه اللجان ستكون متخصصة في نوعية المنازعة بالنسبة للجهة التي تعمل في نطاقها مما يسهل مهمتها وبذلك نستطيع أن نحسم النزاع بين الأفراد والدولة بأيسر السبل واقل التكاليف وهذا هو المنشود, والغريب أن من يمول هذه اللجان ماديا بالرغم من أهميتها البالغة ودورها في إقرار الحق والعدل هي المعونة الأمريكية التي أفردت بندا من ميزانياتها لإنهاء المنازعات والمشكلات بين الدولة وبين المواطنين من خلال لجان التوفيق, مساهمة منها في تخفيف العبء علي القضاء وسرعة الفصل في القضايا, لكننا من حيث التطبيق العملي أفرغنا هذه اللجان من مضمونها وأهدافها وجعلناها وسيلة لبطء الفصل في القضايا لأنه يحذر اللجوء إلي القاضي الطبيعي و المحاكم قبل أن تقرر لجان التوفيق ما تراه في شان المنازعة المطروحة عليها أو مضي60 يوما دون أن تفصل في النزاع, ومن الأهمية أن يأخد هذا الموضوع أولوية مطلقة من الحكومة القادمة, فالشعب يئن ويتوجع من بطء الفصل في القضايا وتعدد درجات التقاضي وبخاصة في المسائل المدنية والتجارية حتي قيل وبحق أن الجد يرفع الدعوي إمام المحاكم ويباشرها الابن ويجني حصدها الحفيد, وهو أمر لا يمكن قبوله في عصر الكمبيوتر والتواصل الاجتماعي والثقافي مع العالم بأسره ومعرفته بما يدور بالنسبة للعدالة في جميع إنحاء العالم. تدريب عملي وانه من الضروري أيضا حتي يمكن تحقيق العدالة الناجزة التي نسعي إليها جميعا والكلام مازال علي لسان المستشار رفعت السيد إعداد القضاة الذين يحكمون في القضايا إعدادا علميا وفق خطة ممنهجه وتدريب نظري وعملي واجتياز اختبارات توضع بمعرفة القائمين علي شئون التدريب لإعداد القاضي الكفء الذي يكون نسبة الخطأ بالنسبة لإحكامه بسبب التدريب المتميز في حكم العدم لان الحقيقة تقول إن القضاة يمارسون عملهم دون أي إعداد مسبق أو تدريب أو اجتياز اختبارات وإنما يتعلم القاضي عمله من الزملاء في الدائرة أو في العمل ويترك لجهده الشخصي في تنمية معلوماته وقدراته ليصل إلي الحد المطلوب وهذه قد تختلف من شخص إلي آخر والعالم ألان يتجه إلي احتراف أصحاب المهن و صناعة القاضي في مصر تحتاج إلي وقت طويل للغاية. إنهاء النزاع المستشار اشرف احمد المصري المحامي العام بمحكمة بالنقض يشير إلي أن الهدف من لجان فض المنازعات هو إنهاء النزاع بين جهتين إداريتين أو جهة إدارية واحد الأفراد, إلا أنها لم تحقق الغرض المطلوب منها بل كانت سببا في تأخير الفصل في الدعاوي, وكأن قانون هذه اللجان قد وضع لإنشاء درجة ثالثة من درجات التقاضي بخلاف الابتدائي والاستئناف وهو اللجوء إلي لجان فض المنازعات قبل رفع الدعوي أمام القضاء, وقد تبين من الناحية العملية بعد تنفيذ هذا القانون أن90% من توصيات تلك اللجان لم يقبل بها أحد طرفي النزاع ولم تمنع من اللجوء إلي المحكمة المختصة ذلك أن المادة التاسعة من القانون رقم7 لسنة2000 بإنشاء لجان التوفيق في المنازعات تنص علي أن تصدر اللجنة توصياتها في المنازعة مع إشارة موجزة لأسبابها تثبت بمحضرها وذلك في ميعاد لا يتجاوز60 يوما من تاريخ تقديم طلب التوفيق إليها وتعرض التوصية خلال سبعة أيام من تاريخ صدورها علي السلطة المختصة والطرف الآخر في النزاع فإذا اعتمدتها السلطة وقبلها الطرف الآخر كتابة خلال15 يوما التالية لحصول العرض تقرر اللجنة أثبات ما تم الاتفاق عليه في محضر يوقع من الطرفين يلحق بمحضرها وتكون له قوة السند التنفيذي ويبلغ للسلطة المختصة لتنفيذه, كما نصت المادة العاشرة من القانون أنه إذا لم يقبل أحد الطرفين التوصية خلال ال15 يوما أو أنقضت هذه المدة دون أن يبدي الطرفيان أو احدهما رأيه بالقبول أو الرفض أو لم تصدر اللجنة توصياتها خلال60 يوما يكون لكل من طرفي النزاع اللجوء للمحكمة المختصة. طلب التوفيق والحقيقة كما يوضحها المستشار اشرف المصري أن المادة التاسعة وان جعلت توصيات اللجنة تصدر في ميعاد لا يتجاوز60 يوما من تاريخ تقديم طلب التوفيق إليها إلا انه جاء في المادة العاشرة وأعتبر عدم قبول احد طرفي النزاع توصية اللجنة أو انقضاء مدة15 يوما من تاريخ عرض التوصية علي طرفي النزاع دون إبداء طرفي النزاع رأيهما بالقبول أو الرفض بشأن توصية اللجنة أو عدم صدور اللجنة توصياتها خلال60 يوما يكون بعد ذلك لطرفي النزاع اللجوء إلي المحكمة وبالتالي أصبحت قرارات اللجنة غير ملزمة لأطراف النزاع ولم تمنع من عرض موضوع النزاع علي المحكمة, وأنه لعلاج هذا القصور يجب وضع نص في القانون يتيح للقاضي الذي ينظر الدعوي أمامه أن يقوم بالدور الذي تقوم به لجان فض المنازعات وذلك بالتوفيق بين الخصوم والتقريب بين وجهات النظر وصولا لإنهاء النزاع بالتوافق والتصالح فإذا لم يتم التوفيق أثناء نظرها يتم الفصل فيها ونتجنب ما يترتب علي اللجوء إلي لجان فض المنازعات من تأخير للفصل في الدعاوي وتضييع لوقت وجهد القضاء. توصيات ملزمة من جانبه يوضح محمد علي شحاتة المحامي بالنقض أن لجان فض المنازعات هي عبارة عن لجان تعطيل لهذه المنازعات, فقد كان الغرض منها هو فض المنازعات التي تنشأ بين الأفراد والجهات الحكومية بطريقة ودية بحيث تعتبر التوصية التي تصدر من هذه اللجان توصيات ملزمة بالنسبة للجهات الحكومية وبالتالي تخفف حملا ثقيلا علي القضاء والتقاضي طويل الأمد في المحاكم, وبالتالي تقليل حجم المنازعات القضائية التي تنشأ في المحاكم بين الأفراد وأي جهة حكومية إذا ما صدرت تلك التوصية الملزمة للجهة الحكومية من تلك اللجان وقد استبشرنا خيرا في البداية ولكن سرعان ما ظهرت النيات الحقيقية من إنشاء هذه اللجان وهو تكريم المستشارين المحالين للمعاش بوضعهم في هذه الجان, أما من الناحية العملية فهي لجان عقيمة الجدوي حيث الجهات الحكومية لا تلتزم بتنفيذ قراراتها مما يضطر المتقاضي إلي اللجوء للقاضي الطبيعي في المحاكم وتكون هذه اللجان ما هي إلا لتعطيل الوقت والجهد دون جدوي, وأن من عجيب القول أن القانون لزم كل شخص قبل رفع دعواه ضد أي جهة حكومية أن يلجأ إلي هذه اللجان وإذا لم يحدث ورفع الدعوي فأنها ترفض ولا يكون له الحق في رفعها مرة ثانية إلا بعد اللجوء لها, فالمشكلة أن هذه اللجان تكلف الدولة الملايين التي تصرف علي مرتبات المستشارين والموظفين والأوراق وتخصيص أماكن لها بداووين الحكومة وأخيرا نصل إلي لجان عديمة الفائدة, ولابد من تفعيل دورها بحيث تصبح قراراتها ملزمة للجهات الحكومية كما كان مقررا وهنا يكون دورها منجزا ومساعدا قويا لتحقيق العدالة وتخفيف حمل التقاضي عن المحاكم أو يتم إلغاؤها وتوفير ملايين الجنيهات والوقت والجهد. صفوت النحاس ..وجدل حول إلغائها او الإبقاء عليها : عبء علي الميزانية حوار ماجدة عطية: تبقي ام تلغي.. تلك هي القضية التي تفرض نفسها علي لجان فض المنازعات, التي انشئت من أجل حل المشكلات التي تنشأ بين المواطنين والجهات الحكومية من جهة, وتخفيف الضغط علي المحاكم من جهة أخري,لكن تعنت بعض الجهات الادارية ورفضها تنفيذ توصيات تلك اللجان, أفرغها من مضمونها وأفقدها دورها لتتحول الي لجان شكلية تمثل عبئا علي ميزانية الدولة دون عائد من وراء وجودها ليطرح السؤال: ما جدوي استمرار لجان فض المنازعات طالما لا تنفذ توصياتها؟! رغم أنها تكلف ميزانية الدولة نحو400 مليون جنيه سنويا. المشكلة فرضت نفسها عقب قرار وزارتي الدولة للتنمية الادارية والمالية في عام2001 بعدم اعتماد التوصيات الصادرة من لجان فض المنازعات التي يترتب عليها أعباء مالية جديدة علي الدولة. وباتت التوصيات التي لاتلزم ولا تنفذها الجهات الادارية, حبرا علي ورق ولاتمكن من يحصلون عليها من اقامة جنحة مباشرة في حال عدم تنفيذها حيث يبقي التنفيذ مشروطا بموافقة الجهاز المركزي للتنظيم والادارة ووزارة المالية, لذا طرحنا القضية علي الدكتور صفوت النحاس رئيس الجهاز لوضع النقاط فوق الحروف في هذه القضية ومعرفة دور لجان فض المنازعات وجدوي استمرارها. في البداية أكد الدكتور صفوت النحاس ان الهدف من قانون لجان فض المنازعات والغرض من انشائها هو ايجاد وسيلة لتصفية المنازعات واعمال فكرة القضاء الشعبي الذي أخذت به أغلب الدول لتخفيف العبء عن المحاكم وسرعة الفصل في المنازعات بالاضافة الي توفير الوقت والجهد بين أطراف المنازعات المدنية والتجارية والناشئة بين الوزارات المدنية والتجارية وبين الوزارات والأشخاص الاعتبارية وما ينتج عن ذلك من تخفيف للعبء عن القضاء بالحد من المنازعات التي تطرح علي المحاكم وكان تشكيلها. وما هي اختصاصات اللجان والاستثناءات الواردة عليها؟ اختصاصاتها التوفيق في المنازعات المدنية والتجارية والادارية التي تنشأ وبين الأفراد والأشخاص الاعتبارية الخاصة وذلك عدا المنازعات التي تكون وزارة الدفاع والانتاج الحربي او أي من أجهزتها طرفا فيها وذلك لسرية البيانات الخاصة بها والتي تتعلق عادة بالأمن القومي وأيضا عدا المنازعات المتعلقة بالحقوق العينية العقارية والطلبات التي تفردها القوانين بأنظمة خاصة او توجب فضها او تسويتها او نظر التظلمات المتعلقة بها عن طريق لجان قضائية او ادارية او يتفق علي تسويتها عن طريق هيئات التحكيم. وماذا عن المعونات التي واجهت هذه اللجان؟! أهم المعوقات التي واجهت اللجان تعمد الجهاز الاداري عدم تنفيذ توصيات لجان فض المنازعات خاصة اذا ترتبت عليها اعباء مالية وذلك تنفيذا لتعليمات الكتاب الدوري الذي صدر عن وزارة الدولة للتنمية الادارية ووزارة المالية بشأن المباديء الحاكمة لتنفيذ توصيات لجان التوفيق في المنازعات والذي تضمن رفض الطلبات التي يترتب عليها عبء مالي إلا بعد موافقة الجهاز المركزي للتنظيم والادارة ووزارة المالية علي تدبير الاعتمادات المالية اللازمة لتنفيذ التوصية في حالة صدورها بالاضافة الي تعمد الجهات الادارية عدم تنفيذ توصيات اللجان باعتبارها توصيات وليست حكما ملزما ولا يستطيع صاحب التوصية التوجه الي المحكمة لرفع جنحة عند عدم تنفيذها, كما هو متبع في قانون العقوبات في المادة123 والتي تنص علي( يعاقب بالحبس والعزل كل موظف عمومي استعمل سلطة وظيفته في وقف تنفيذ الأوامر الصادرة من الحكومة او أحكام القوانين واللوائح او تأخير تحصيل الأموال او الرسوم او وقف حكم او أمر صادر من المحكمة) وعليه فإن ما يصدر من لجان التوفيق في المنازعات ليس حكما قضائيا او قرارا وانما مجرد توصية لا تدخل في مدلول أن حالة من الحالات الواردة بنص المادة(123) عقوبات. وما هو رأي الجهاز في الغاء القانون الخاص باللجان؟ هناك رأي رافض لهذا القانون لعدة اسباب: أولا زيادة أمد التقاضي وتعمد الجهات الادارية عدم تنفيذ توصيات اللجان باعتبارها توصيات وليس حكما ملزما. ثانيا وضع الجهة الادارية عراقيل امام اللجان ومنها علي سبيل المثال الكتاب الدوري رقم5 لسنة2001 الصادر من وزارة التنمية الادارية ووزارة المالية بعدم اعتماد التوصيات التي تترتب عليها أعباء مالية إلا بعد موافقة الجهاز والمالية قبل اصدارها, ثالثا ما تتحملة الدولة من رواتب واجور اضافية... الخ ما هي مقترحات الجهاز لتطبيق القانون من عدمه؟ هناك مقترحان, الأول: أن يتم تعديل القانون بما يضمن أن تكون توصيات لجنة المنازعات بالجهات المختلفة ملزمة بمجرد اصدارها حيث أن توصيات هذه اللجان غير مفعلة بنسبة كبيرة ولا يتم تنفيذها إلا في حالة موافقة جميع الأطراف, المقترح الثاني: إلغاء القانون للأسباب الآتية تعمد الجهات عدم تنفيذ التوصيات, ووضع عراقيل امام توصيات اللجان أهمها التي يترتب عليها أعباء مالية وزيادة أمد التقاضي. وأغلب هذه التوصيات تتعلق بالتزامات مالية يكون من شأنها عدم تنفيذها ويتم رفضها وان التوصية تصدر بأحقية المدعي في طلبه بدون أي اسانيد قانونية او حيثيات او وقائع للدعوة بالاضافة الي ما تتحمله موازنة الدولة من أعباء مالية للمرتبات والحوافز... الخ