سميحة أيوب.. تقدم بها قطار العمر لكنها تقف على عتبة التفاؤل.. تتأمل الأحداث وتراقب التفاصيل، تمتلك أرشيفاً فنياً غنياً ولديها تجربة إنسانية ثرية.. تزوجت من المفكر الكبير سعد الدين وهبة وعاشت معه أحداثاً صعبة، وعندما رحل الرجل عن الحياة قالت الموت اختار إنساناً يعطى ولا يأخذ، يحب ولا يكره. عندما فكرت فى إجراء حوار مع الفنانة الكبيرة لم يكن هدفى الاطلاع على آخر أخبارها، إنما أردت توثيق حياة فنانة أخلصت لجمهور وتوحدت مع محنة وطنها ولم تمش يوماً عكس الاتجاه. كيف رأيتِ تكريمك بإطلاق اسمك على قاعة المسرح القومى؟ - كل إنسان مؤمن ببلده ويحب ما يقدمه ويحترم جمهوره، يجد مقابل ذلك احتراماً وحباً، والدولة كانت سخية معى ولم أكن أحلم بذلك التقدير. قلتِ خلال كلمتك إن المنظومة كانت تحترم الفن قديماً.. ما رأيك فى المنظومة الحالية؟ - بالفعل قلت إن المنظومة جميعها كانت تحترم بعضها، ولغة الحديث نفسه كانت راقية بين الأشخاص وبعضهم، أما الآن فاللغة أصبحت متردية وسط المجتمع وفى الأعمال الفنية، واللا مبالاة سمة عامة بين الناس، والغرب أنهم يتحدثون عن الحرية وكأن معناها هو قلة الأدب. هل وصلت اللامبالاة للمسرح؟ - الفترة الأخيرة شهدت المسارح تطوراً كبيراً، فأصبح يطلق عليها مسرح بعد أن كانت عبارة عن جراجات لمدة 20 سنة، وهذا الرواج والتطور يعود إلى أن المجتمع المصرى لديه روح القطيع، فعندما ينجح شخص فى تقديم عمل ما ينساق الجميع وراءه ويقلده، وهذا ما حدث فى المسرح. لكن خلال السنوات الماضية شهدت المسارح تطوراً كبيراً؟ - تطوير خشبة المسرح أمر هام لابد الاهتمام به ولكن المواد المسرحية المقدمة أهم، فنحن يمكن تقديم عروض مسرحية تقدم رسالة على خشبة متهالكة، ولكن الجمهور يخرج وهو سعيد، بينما يمكن توافر مسرح متطور وحديث ويقدم عليه عروضاً ليس لها أى قيمة وتخرج منها وأنت لا تعرف ماذا كان يريد أصحابها أن يقولوه منها. مَن الآن يكتب مسرح مثل زوجك الكاتب الراحل سعد الدين وهبة؟ - مصر لم تنجب حتى الآن من هو مثل سعد الدين وهبة، فهو كان فنان بحق لديه الثقافة والوطنية ومهارة الإدارة والإمكانيات التى جعلت الأجيال تتذكره رغم مماته. ما سبب خلافه مع الرئيس محمد أنور السادات؟ - خلافه مع الرئيس محمد أنور السادات كان سوء فهم بسبب المحيطين به، والذين أخبروا «السادات» أن «سعد» شيوعى، مما جعل «السادات» يأخذ موقفاً معادياً له، وفى أحد الاحتفالات كان ل«سعد الدين» كلمة يلقيها وصادف وجود «السادات» فسمعه وأعجب جداً بكلماته، فجلس معه بعد الحفل وقال له «انت بتتكلم كويس عن البلد أهوه أُمال ليه بيقولوا عليك شيوعى»، ومن هنا أصبحت العلاقة بينهم جيدة. هل يجب أن يكون هناك علاقة بين الرئيس والفنان؟ - الرؤساء يحتاجون دائماً إلى الفنانين والفن، ومن يغفل هذا الدور لا يستحق منصبه، ففى أيام «مبارك» كان الاهتمام بالفن أمراً عادياً على عكس السادات الذى اهتم به أكثر، ومن قبله جمال عبدالناصر الذى أجده أكثر الرؤساء اهتماماً وتقديراً للفنانين منذ صغرهم وكان يشجعهم بشكل كبير. ما الفرق بين مهرجان القاهرة السينمائى الذى كان يديره سعد وهبة والمهرجان الحالى؟ - كل دورة من دورات المهرجان تكشف سياسة رئيسها، والزمن الآن اختلف عما قبل، وزارة الثقافة أصبحت تدفع ملايين الجنيهات لإقامة مهرجان القاهرة، وسعد الدين وهبة كان مثل ما قلت فناناً شاملاً وشعلة من النشاط، وإذا نظرنا إلى مهرجان القاهرة السينمائى سنعرف جيداً أهمية ذلك الرجل، الذى أسهم فى وجود مهرجان سينمائى دولى للقاهرة، بدون أن يحصل على مليم واحد من وزارة الثقافة، وكان يقوم بكل شىء بنفسه، والمهرجان كان يقام بالجهود الذاتية بين الفنانين والمهتمين بذلك الفن. هل وجود الأموال فى مثل تلك الاحتفالات يفسدها؟ - لا يوجد أى شىء فى عصرنا يحدث بدون «فلوس» لأن الفنان يعطى جهداً ووقتاً وصحة والمناخ الذى نعيش فيه به صعوبة فى المعيشة، فلا تلوم على الفنان عندما يطلب مقابل عمله أجراً، الفنان له التزامات ومن حقه يعيش مثل أى شخص آخر، وما يقدمه هو مصدر رزقه. لكن الكثير من الفنانين أصبح يتنازل عن موهبته مقابل الأموال؟ - هذا يعود إلى الفنان نفسه، فأصبح من الصعب أن تجد إنساناً يحافظ على شغله ويقول رسالة حقيقية، دون أن يضعف أمام التصفيق والأموال. هل على الدولة أن تكون راعية للفنان لكى لا يضعف أمام إغراء المادة؟ - الدولة مش قادرة تصرف على المواطن لكى تصرف على الفنان. أين دور النقابة فى ذلك؟ - النقابات حول العالم تعتنى بالفنان وتمنحه أموالاً ورعاية، أما هنا الأمر مختلف، لأن نقابتنا تعيش على أموال التشغيل وهذا ليس كافياً لكى يتم الصرف على الفنان، فأموال المعاش زهيدة والعلاج لا يغطى جميع الأمراض. ما رأيك فى عروض المسرح التى يقدمها أشرف عبدالباقى وغيره من الفنانين على شاشة التليفزيون؟ - عندما ينجح شكل معين من أشكال الفن ينساق وراءه الجميع كما قلت، وما يقدمه أشرف عبدالباقى وغيره من الفنانين الآن هو ليس مسرح، بل اسكتشات مرتجلة لقتل الوقت، ولابد إعادة النظر فيها، لأن بعضها أصبح يقدم كمجاملة للنجوم بعضهم لبعض. ماذا تتوقعين للموسم الدرامى المقبل؟ - رمضان هذا قادم على استحياء، لأنه لا يوجد فلوس فى الدولة، بعد أن كانت لها رواج كبير فى السوق العربى. ما سبب تراجع الدراما بهذا الشكل؟ - خروج الدراما من تحت عباءة الدولة جعل من السهل تسطيح الفن المصرى وسط البلدان الأخرى وتراجع دوره الذى كان يقوم به. هل الأوضاع السياسة سبب فى ذلك التراجع؟ - الأوضاع السياسية أصبحت أفضل ولكننا شعب ملول نريد أن يتم الإصلاح فى 24 ساعة، ونريد الإصلاح يظهر فى ثانية واحدة، ويجب النظر إلى الدول المحيطة بنا إلى أين وصلت بعد الثورات. إذا طلبت منك إرسال رسالة إلى شخص لمن ترسلينها؟ - أرسلها إلى سعد الدين وهبة أقول له: كل شىء قدر وأنت تركت فراغاً كبيراً فى الحقل الفنى والسياسى، وشىء ما داخلى يحمد الله أنك رحلت قبل أن ترى ما حدث لمصر وشبابها.