بشجاعة تُحسب له، يخوض الفنان أشرف عبدالباقي تجربة إحياء المسرح بعد أن أصبح في مهب الريح أو في النفق المظلم، أو علي الأقل يمكن أن نقول إنه لا يزال ولسنوات طويلة في غرفة الإنعاش، وكلها تشبيهات توحي بأن المسرح في أزمة. فبرغم وجود النجوم الكبار والمخرجين وكتاب المسرح وبعضهم يتسم بصفة العالمية.. فإن النتيجة هي خواء المسرح، وتراجعه بصورة حادة حتي إن الكثير من المشاهدين تناسوا أن هناك مسرحاً مصرياً.. كان يوم من الأيام أحد أهم فنوننا، بل كان هو الفن الأول الذي يجمع بين التاريخ والشعر والفكر والأدب العربي والعالمي المترجم.. مسرحنا المصري لم يكن مصادفة أو وليد استنساخ من مسارح أخري مثيلة، ولكنه دائماً كان أساس الفن المصري.. فحتي السينما المصرية في قمة نضوجها كانت تنظر إلي المسرح وكأنه الأب الروحي لها أو علي الأقل.. المعلم الأول.. ولهذا فكثير من نجاحات الرواد أمثال يوسف وهبي ونجيب الريحاني وأمينة رزق وعبدالوارث عسر وغيرهم، نجاحاتهم السينمائية كانت من نتاج تألقهم فوق خشبة المسرح.. وتراجع المسرح الحالي ليس له معناه ضعف هذه النماذج المقدمة ولكن لأن التحديات كانت أقوي من أن يستمر، وأقوي هذه التحديات الاتجار في عالم الإنتاج الذي وصل بشاعته أن تحول المسرح علي أيديهم إلي مجرد سلعة، ثم كانت الطامة الكبري يوم انتصر المسرح التجاري بنجوم ونجمات منتصف الطريق في الإطاحة بالمسرح الجاد، مسرح الدولة باتجاهاته المختلفة ومسرح القطاع الخاص الملتزم.. كان تراجع المسرح إيذاناً خفياً بتدمير فنون المصريين شيئاً فشيئاً.. فالمسرح الذي يضم بين طياته، الشعر والفن التشكيلي والفن المعماري والديكور الداخلي والسينما.. هو أيضاً الذي يرتفع بكل هذه الفنون أو يهبط.. ولهذا فإن مقولة: «اعطني مسرحاً أعطك شعباً مثقفاً».. لا تزال سارية المفعول لعل الفنان أشرف عبدالباقي يستعيد اليوم هذا المعني. وقد قدم هذا الكم من المسرح الجاد الذي سيصل خلال أيام إلي عشرين مسرحية مهمة تم اختيارها بدقة وحرفية. لقد استخرج «عبدالباقي» طاقته وخبراته القوية في دعم هذا المشروع الكبير «تياترو مصر»، ليكون مبادرة إصلاح للمسرح، مبادرة حسم أو إنقاذ، تصل إلي حد المغامرة، وبانتهاء الموسم الأول يكون أشرف عبدالباقي قد توج نفسه باحثاً عن خط جديد لن ننساه، في طريق بعث روح المسرح.. لقد انتقي فريقه بعناية ودقة، وعرف كيف يستشرف بداية إحياء، تذكرني بما قدمه محمد صبحي منذ عشرين عاماً تقريباً في مشروعه «المسرح للجميع» ومن قبله مسرح التليفزيون.. وكلاهما خرج لنا أسماء مهمة في مجالات التأليف والتمثيل والإخراج المسرحي.. وإن كانت تجربة أشرف عبدالباقي أراها أكثر حيوية وحياة فهي تتسم بتنقية أجواء المسرح من رواسب الفشل الذي عاناه السابقون.. فنري نماذج من بين ما قدمه أشرف عبدالباقي مثل مسرحية «واإسلاماه» أو «سلامة» المأخوذة عن نص الشاعر الأديب اليمني المصري علي أحمد باكثير.. قدمها «عبدالباقي» بأسلوب جذاب شهي يشي بأن وراء مسرحه متعة بصرية، إلي جانب الفكر.. قدم أيضاً علي نفس النهج «شيء من الخوخ» عن نص ثروت أباظة «شيء من الخوف»، ومسرحيات مثل «الجاسوس» و«الطائرة المفكوكة» و«المعلم زعبلاوي» و«واحد وواحدة في الفضاء» و«سي حسن»، ويشرف عليها المخرج محمد الصغير وآخر ثلاث مسرحيات كتبها نادر صلاح الدين، هذه الأجواء توحي بمسرح نشيط يبشر بمزيد من العطاء.. ويوحي بالمنافسة مع مبدعين تخيلوا أن المسرح قد انتهي زمنه.. نحن في انتظار عودة المسرح الحقيقي في كل أشكاله التاريخية والأدبية والاستعراضية الغنائية والكوميدية وغيرها.