تنتظر مصر خلال الأيام القادمة أحداثا فارقة في تاريخها الجديد الذي بدأ تسطيره بعد نجاح ثورة 25 يناير التي نجحت في الإطاحة برموز الفساد ونظام الحكم البائد الذي جثم على نفوس الشعب ثلاثين عاما، حيث من المقرر إجراء عدة انتخابات مصيرية أولها المعركة البرلمانية لاختيار أعضاء مجلسي الشعب والشورى، يليها ماراثون الانتخابات الرئاسية، ثم انتخابات المحليات.. وجميعها من المفترض أن يجري في أجواء جديدة نقية من التزوير والمحسوبية على النحو الذي شهد بنزاهته الجميع خلال الاستفتاء الذي جرى منذ عدة أشهر على تعديل الدستور، وذلك بعد سقوط بارونات تزوير إرادة الأمة. ويفرض هذا المناخ الصحي الديمقراطي على كل أسرة عدة مسئوليات غاية في الأهمية بدرجة لا تقل عن جهود الشباب الذين قادوا نجاح ثورة يناير. حيث ترى بعض الآراء أن ثمار تلك الثورة المجيدة لن تُجنى إلا بتنشئة الأجيال الصاعدة ودفع شباب اليوم إلى المشاركة الإيجابية في اختيار من ينوبون عنهم ويمثلونهم في المحافل التشريعية والإدارية تلك، والتي تعد النواة الأولى نحو مصرنا الجديدة التي نحلم جميعا بأن تعود ملكا لأصحابها الأصليين بعد أن خطفت منهم لعقود ثلاثة. مصلحة الوطن أهم وأولى خطوات تلك التربية الوطنية السليمة تقوم على ترسيخ مبادئ حب الوطن في نفوس الأبناء وإعلاء قيم الفداء من أجله وهذا ليس ببعيد عن واقعنا الذي عشناه خلال الأشهر الماضية، حيث دفع مئات الشباب حياتهم دفاعا عن حريتهم المسلوبة وزودا عن حقوقهم المنهوبة واستردادا لكرامتهم المهدرة. أما ثاني هذه الخطوات فتتمثل في تعويد الأبناء على القناعة في المطالب والابتعاد عن الأنانية والفئوية، وهذا ليس كلاما مرسلا أو من وحي الخيال فقد يقول قائل إن هذا الحلم لا يمكن تحقيقه على أرض الواقع، فالمصالح الشخصية هي المحرك الأول لسلوك بني البشر، وهذا ليس خطأ بل إن الأفكار والأهداف موصولة وليست متقطعة، لذلك على الآباء والأمهات وببساطة شديدة أن يوعوا أبناءهم أن صالح الوطن بلاشك أهم من صالحهم، فإذا نهض نهضوا وإذا ركد ضاعت جميع آمالهم. شجاعة بدون بلطجة الخطوة التالية هي تدريب الجيل الصاعد على الشجاعة التي تنأى عن التهور والبلطجة، تلك الشجاعة التي تنبني على قول الحق بصراحة والبعد عن الرياء والنفاق الذي مارسته حاشية النظام السابق لتصل إلى مآربها الخاصة والحصول على مكاسب حرام فوق جثث الأبرياء أصحاب ذلك الوطن. بعد هذا يأتي وقت السلوك الإيجابي الذي يتمثل في اختيار العناصر الأصلح القادرة على العطاء لوطنها وليس الأخذ منه فقط، وهو ما يستلزم بالضرورة رفع درجة الوعي في أسس الاختيار السليم قدر المستطاع والابتعاد عن الشللية والسطحية فيمن نمنحهم أصواتنا حتى يكونوا جديرين بالمسئولية الملقاة على عاتقهم. فيتوجب على كل أب وأم أن يهيئوا ويدفعوا أولادهم لإكمال تلك المسيرة التي بدأها الشهداء والمصابون لنرى عهدا جديدا يحمل الخير للجميع وعندئذ فقط ستلتقي مصالح الوطن والمواطنين.