عيار 21 الآن.. سعر الذهب اليوم في بداية تعاملات الإثنين 6 مايو 2024    حركة القطارات| 45 دقيقة تأخير بين قليوب والزقازيق والمنصورة.. الاثنين 6 مايو    تراجع سعر الفراخ البيضاء؟.. أسعار الدواجن والبيض في الشرقية الإثنين 6 مايو 2024    الأقصر تحددد شروط التصالح فى مخالفات البناء وبدء تلقي الطلبات الثلاثاء    انطلاق قطار مفاجآت شم النسيم من القاهرة حتى سيدي جابر    طائرات الاحتلال الإسرائيلي تشن غارات عنيفة شمال بيت لاهيا    تزامنا مع بدء الإخلاء.. تحذير من جيش الاحتلال إلى الفلسطينيين في رفح    عاجل.. أوكرانيا تعلن تدمير 12 مسيرة روسية    محمد صلاح يُحمل جوزيه جوميز نتيجة خسارة الزمالك أمام سموحة    مصرع طالب ثانوي وإصابة آخرين في حادث تصادم بدائري الإسماعيلية    موعد وقفة عرفات 1445 ه وعيد الأضحى 2024 وعدد أيام الإجازة في مصر    وسيم السيسي يعلق علي موجة الانتقادات التي تعرض لها "زاهي حواس".. قصة انشقاق البحر لسيدنا موسى "غير صحيحة"    سعر التذكرة 20 جنيها.. إقبال كبير على الحديقة الدولية في شم النسيم    أخبار التكنولوجيا| أفضل موبايل سامسونج للفئة المتوسطة بسعر مناسب وإمكانيات هتبهرك تسريبات حول أحدث هواتف من Oppo وOnePlus Nord CE 4 Lite    بمناسبة ذكرى ميلادها ال 93، محطات في حياة ماجدة الصباحي    البحوث الفلكية تكشف موعد غرة شهر ذي القعدة    طبيب يكشف عن العادات الضارة أثناء الاحتفال بشم النسيم    موعد مباراة نابولي ضد أودينيزي اليوم الإثنين 6-5-2024 والقنوات الناقلة    خبير تحكيمي: حزين على مستوى محمود البنا    تعاون مثمر في مجال المياه الإثنين بين مصر والسودان    حمادة هلال يكشف كواليس أغنية «لقيناك حابس» في المداح: صاحبتها مش موجودة    أحوال جوية غير مستقرة في شمال سيناء وسقوط أمطار خفيفة    "لافروف": لا أحد بالغرب جاد في التفاوض لإنهاء الحرب الأوكرانية    «القاهرة الإخبارية»: 20 شهيدا وإصابات إثر قصف إسرائيلي ل11 منزلا برفح الفلسطينية    أول شهادةٍ تاريخية للنور المقدس تعود للقديس غريغوريوس المنير    إلهام الكردوسي تكشف ل«بين السطور» عن أول قصة حب في حياة الدكتور مجدي يعقوب    بسكويت اليانسون.. القرمشة والطعم الشهي    محمد عبده يعلن إصابته بمرض السرطان    تزامنا مع شم النسيم.. افتتاح ميدان "سينما ريكس" بالمنشية عقب تطويره    من بلد واحدة.. أسماء مصابي حادث سيارة عمال اليومية بالصف    "كانت محملة عمال يومية".. انقلاب سيارة ربع نقل بالصف والحصيلة 13 مصاباً    تخفيضات على التذاكر وشهادات المعاش بالدولار.. "الهجرة" تعلن مفاجأة سارة للمصريين بالخارج    ما المحذوفات التي أقرتها التعليم لطلاب الثانوية في مادتي التاريخ والجغرافيا؟    خالد مرتجي: مريم متولي لن تعود للأهلي نهائياً    مدحت شلبي يكشف تطورات جديدة في أزمة افشة مع كولر في الأهلي    الجمهور يغني أغنية "عمري معاك" مع أنغام خلال حفلها بدبي (صور)    برنامج مكثف لقوافل الدعوة المشتركة بين الأزهر والأوقاف والإفتاء في محافظات الجمهورية    هل يجوز تعدد النية فى الصلاة؟.. أمين الفتوى يُجيب -(فيديو)    أقباط الأقصر يحتفلون بعيد القيامة المجيد على كورنيش النيل (فيديو)    بعد ارتفاعها.. أسعار الحديد والأسمنت اليوم الإثنين 6 مايو 2024 في المصانع والأسواق    قادة الدول الإسلامية يدعون العالم لوقف الإبادة ضد الفلسطينيين    فرج عامر: سموحة استحق الفوز ضد الزمالك والبنا عيشني حالة توتر طوال المباراة    رئيس البنك الأهلي: متمسكون باستمرار طارق مصطفى.. وإيقاف المستحقات لنهاية الموسم    بيج ياسمين: عندى ارتخاء فى صمامات القلب ونفسي أموت وأنا بتمرن    مصطفى عمار: «السرب» عمل فني ضخم يتناول عملية للقوات الجوية    حظك اليوم برج الحوت الاثنين 6-5-2024 على الصعيدين المهني والعاطفي    يمن الحماقي ل قصواء الخلالي: مشروع رأس الحكمة قبلة حياة للاقتصاد المصري    كشف ملابسات العثور على جثة مجهولة الهوية بمصرف فى القناطر الخيرية    الإفتاء: احترام خصوصيات الناس واجب شرعي وأخلاقي    عاجل - انفجار ضخم يهز مخيم نور شمس شمال الضفة الغربية.. ماذا يحدث في فلسطين الآن؟    بعد عملية نوعية للقسام .. نزيف نتنياهو في "نستاريم" هل يعيد حساباته باجتياح رفح؟    الأوقاف: تعليمات بعدم وضع اي صندوق تبرع بالمساجد دون علم الوزارة    تؤدي إلى الفشل الكلوي وارتفاع ضغط الدم.. الصحة تحذر من تناول الأسماك المملحة    تعزيز صحة الأطفال من خلال تناول الفواكه.. فوائد غذائية لنموهم وتطورهم    لفتة طيبة.. طلاب هندسة أسوان يطورون مسجد الكلية بدلا من حفل التخرج    المدينة الشبابية ببورسعيد تستضيف معسكر منتخب مصر الشابات لكرة اليد مواليد 2004    "العطاء بلا مقابل".. أمينة الفتوى تحدد صفات الحب الصادق بين الزوجين    شم النسيم 2024 يوم الإثنين.. الإفتاء توضح هل الصيام فيه حرام؟    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أيهما أولاً‮ الدستور أم الانتخابات ؟‮!
نشر في الوفد يوم 30 - 11 - 1999

إشراف ‮ مصطفي عبد الرازق‮: كتب: محمد جمال عرفة ووفاء داوود ودعاء البادى‬
الدستور أولا‮ .. الانتخابات أولا‮ .. لقد كان الأمران سبب ثورة المصريين في‮ 25 يناير‮.. والتي‮ خرج خلالها الشعب ضد دستور أعمي أفقدته حاشية الطاغية بصره بفقع عيون مواده،‮ وانتخابات برلمانية‮ يُظلم معها مفهوم الكوميديا السوداء إذا ما شبهناها به‮
.. خرج المصريون وأنهوا الحقبة المباركية‮ ،‮ ليعودوا إلي بيوتهم منتظرين مكتسبات فعلهم الذي هز العالم‮. نفس الانتخابات وذات الدستور فرقا المصريين بعد أشهر قليلة من نجاح ثورتهم فكانا سبباً‮ في‮ تشتيت القوي السياسية‮ بعد أن كانا الموحدين لهم‮ .‬
الوالد أم المولود أولاً‮ ؟ في‮ استعادة لذات القصة القديمة حول أيهما اولا الدجاجة أم البيضة‮.. ففيما‮ يمثل البعض الدستور بالوالد الذي سينجب انتخابات نزيهة تعيش بها مصر مستقبلاً‮ رغداً‮ ،‮ معتبرين المولود الدستوري للانتخابات طفلا سفاحا سيزيح من أمامه كل ما قطفه المصريون من ثمار شجرة الثورة‮ .. يري آخرون أن الانتخابات هي الأب الشرعي الذي سيحمي ما جناه الثوار وأن الدستور هو المولود الذي إذا ما سبق الوالد فسينشأ وسط ظروف لا‮ يمكن تقبلها تتنافي مع القوانين المسنونة ومع الرغبة الشعبية التي ظهرت علي ورق الاستفتاء‮.‬
قوي سياسية اتحدت علي المطالبة بصياغة الدستور أولاً‮ إلي جانب عدد من الشخصيات العامة التي لها تأثيرها علي مسارات الرأي العام‮ ،‮ وفي المقابل أجمعت تيارات أخري تدعمها شخصيات مستقلة علي توصيف ما‮ يطلبه الفريق الأخر التفافاً‮ علي التعديلات الدستورية التي صوت لصالحها المصريون‮ ،‮ ليبرز اختلاف من اتحدوا في ميدان التحرير،‮ ولتتكرر علي مسامعنا تلك الاتهامات التي تبادلها مؤيدو ومعارضو التعديلات الدستورية منذ ثلاثة أشهر‮ .‬
في‮ هذا الملف سنحاول أن نقدم صورة شاملة للموقفين‮ ،‮ دون تبني‮ أيهما،‮ مساهمة في‮ بلورة مواقف كل فريق ليس من قبيل إشعال الجدال،‮ أو حدة الصراع القائم،‮ وإنما من قبيل مساعدة الكل علي تأمل المشهد بالتفصيل وفي‮ صورة بانورامية تيسر إمكانية تلمس الخطي علي طريق المستقبل،‮ خروجاً‮ من تلك الحرب الباردة المستعرة بين مختلف التيارات السياسية علي مستقبل مصر وقبل أن تتحول لحرب ساخنة تدفع بالبلاد في‮ مسارات لا نعلم كيف تنتهي‮ أو نخرج منها؟‮
قراءة في‮ حجج ومخاوف أنصار‮ "‬الدستور أولاً‮"‬
‮ تشهد مصر في‮ الوقت الحالي‮ جدلاً‮ محتدماً‮ بين القوي السياسية في‮ مصر وانقساماً‮ ما بين داع إلي الدستور أولاً‮ ومؤيد للانتخابات أولاً‮. وقد بدأت المعركة بين التيارين بالاستفتاء علي التعديلات الدستورية،‮ وربح في‮ الجولة الأولي التيار الإسلامي،‮ إلا أن التيار الليبرالي‮ لم‮ يستسلم وقرر عدم العدول عن الفوز بالجولة الثانية،‮ حيث رفع شعار الدستور أولاً‮ في‮ مواجهة الانتخابات أولاً،‮ رافضاً‮ مبدأ الهزيمة مهدداً‮ بمليونية التحرير،‮ وبدأ كل منهم في‮ استعراض قدراته في‮ الملعب السياسي‮ علي الساحة المصرية‮.. بدأت الدعوة لحملة الدستور أولاً‮ من خلال الجبهة الحرة للتغيير السلمي،‮ حيث دعت إلي حملة‮ " 15 مليون توقيع للدستور أولاً‮" للمطالبة بوضع الدستور قبل إجراء انتخابات البرلمان المقرر عقدها في‮ شهر سبتمبر القادم،‮ وتعاون معها العديد من القوي السياسية والحركات المدنية التي‮ تنتمي‮ للتيار الليبرالي‮. وبدأت الحملة تنتشر في‮ 12 محافظة علي مستوي الجمهورية وتم تفعيلها في‮ محافظات الصعيد بشكل حيوي‮ لاسيما في‮ محافظات الأقصر وأسوان،‮ فضلا عن سيناء‮. كما تم التنسيق لإقامة مؤتمر ضخم لطرح آليات جديدة لجمع التوقيعات وزيادة أعداد المتطوعين في‮ الحملة‮.‬
المؤيدون للدستور أولاً
تقف أحزاب الجبهة الديمقراطية والتجمع والعربي‮ الناصري‮ والمصريون الأحرار،‮ وائتلافات شباب الثورة،‮ والتيارات الليبرالية علي رأس الفريق المنادي‮ بوضع دستور للبلاد قبل إجراء الانتخابات،‮ وينقسم المصريون بين الفريقين المؤيد للدستور أولاً،‮ والداعي‮ للانتخابات أولاً‮.‬
وقد تركزت الحجج والأسباب الداعية إلي تأجيل الانتخابات والبدء بصياغة الدستور في‮ إن الشرعية الثورية التي‮ أرستها ثورة‮ 25 يناير تشير إلي ضرورة وضع الدستور أولاً‮ لتنظيم العلاقة بين السلطات التنفيذية والتشريعية والقضائية،‮ وإعادة تشكيل أو هيكلة النظام السياسي‮ في‮ البلاد،‮ لأنه في‮ حالة إجراء الانتخابات البرلمانية أولاً‮ فإن ذلك‮ يعني‮ أن مصر ستظل كما هي‮ من حيث النظام السياسي‮ حيث سيظل نظامها مختلطاً‮ ويشمل البرلمان مجلسين،‮ الأول مجلس الشعب،‮ والآخر مجلس الشوري،‮ وقد‮ يقضي‮ الدستور الجديد بإلغاء المجلس الأخير‮.
ويري أنصار الدستور أولاً‮ أن خصومهم من المدافعين عن مبدأ الانتخابات النيابية أولاً‮ يسعون إلي تحقيق مكاسب سياسية ضيقة،‮ ويحاولون تشكيل الجمهورية المصرية الثانية علي حسب أهوائهم،‮ حيث سيكون بإمكانهم السيطرة علي البرلمان الذي‮ سيكون مخوّلاً‮ اختيار مائة شخصية لوضع الدستور الجديد،‮ وبالتالي‮ سيكون بإمكانهم التحكم في‮ هذا الدستور لأنهم‮ يمثلون السلطة في‮ حينها مقارنةً‮ بالأحزاب السياسية الناشئة بعد‮ 25 يناير التي‮ لاتزال في‮ طور النمو وغير مؤهلة للانتخابات،‮ خاصةً‮ أن الحياة السياسية في‮ مصر‮ غير واضحة المعالم لاسيما في‮ ظل قوة التنظيم الإخواني‮ الذي‮ من المتوقع أن‮ يحاكي‮ سيناريو الحزب الوطني‮ الديمقراطي‮.‬
ويعزز هؤلاء وجهة نظرهم بالإشارة إلي شيوع الاحتقان الطائفي‮ في‮ شتي ربوع مصر،‮ الأمر الذي‮ يمثل خطورة علي الحياة السياسية والذي‮ يستوجب ضرورة وضع أطر تشريعية وقانونية لتهدئة الأوضاع قبل الشروع في‮ الانتخابات‮.‬
ويري أصحاب هذا التوجه في‮ ضرورة وضع الدستور قبل الانتخابات أنه‮ يمثل الأساس الذي‮ ستبني علي أساسه الدولة المصرية الجديدة‮. فكيف نريد دولة دون أطر دستورية؟‮! لذا من المنطقي‮ وضع الدستور أولاً‮ باعتباره الأساس الذي‮ سوف‮ يقوم عليه البناء الديمقراطي‮ للدولة،‮ كما أن ذلك سوف‮ يحدد طبيعة وشكل الدولة،‮ هل برلمانية أو رئاسية،‮ وهل‮ يتكون البرلمان من مجلسين أم مجلس واحد؟‮. بل‮ يحاول أصحاب هؤلاء الإشارة إلي أبعاد قد لا ترد علي أذهان الكثيرين،‮ ومن بينها أن التكلفة المادية للانتخابات لا تتناسب مع أوضاع البلد الحالية‮.‬
وتكشف النظرة المتأنية لأصحاب هذا الموقف أن كل الطرق تفرض التوصل إلي العمل بمبدأ‮ "‬الدستور أولاً‮" وتأجيل الانتخابات مجلس الشعب،‮ لأنه لم‮ يتم إنجاز البنية التشريعية الخاصة بإجراء هذه الانتخابات‮. ومن المخاوف التي‮ يروج لها أنصار الدستور أولا أنه أنه إذا ما تمت الانتخابات أولاً‮ سيتم تشكيل لجنة منتخبة لإعداد الدستور،‮ وبعد إقرارها سيتم حل مجلس الشعب لإجراء انتخابات جديدة تتطابق مع الدستور الجديد الذي سيكون قد تم إعداده وإقراره،‮ وبالتالي‮ سيكون أمامنا انتخابات برلمانية ورئاسية ومحليات من جديد؟ وهو ما‮ يمثل عبئاً‮ علي مصر،‮ لا‮ يمكنها التكيف معها في‮ ظل إمكانياتها وظروفها المادية التي‮ تمر بها حاليا.وهو ما‮ يجعلنا أحوج ما نكون إلي الأخذ بهذا البديل بدلاً‮ من الدخول في‮ حلقة مفرغة،‮ الأمر الذي‮ يمكن معه طي‮ صفحات النظام السابق واقتلاعه من جذوره واعادة كتابة تاريخ مصر علي صفحات بيضاء وليست ملوثة بنصوص ترزية القوانين القدامي‮. إذ كيف نقول إن النظام السابق تم إسقاطه فيما نحن ما زلنا نلتزم بقواعده المنظمة للانتخابات‮.‬
إن الدستور هو الأصل في تحديد شكل الدولة السياسي وشكل مؤسساتها وتنظيماتها المختلفة،‮ وهو الضامن والحامي للشعب بعد الثورة من هوي أي برلمان قادم قد لا‮ يعبر بصورة واقعية عن واقع التغيير الذي حدث في مصر بعد‮ 25يناير‮.
واستكمالاً‮ لملامح الحرب الباردة بين الطرفين المؤيد والمعارض للدستور أولاً،‮ تعمق الحراك السياسي‮ لحملة الدستور أولاً‮ وشمل عدة مسارات سياسية وصولاً‮ إلي الشارع المصري‮ علي رأسها‮:‬
الانطلاقة الأولي لمعركة الدستور أولاً‮ بجمعة الغضب‮ 27 مايو‮ 2011.‬‮ والتي‮ عرفت ب"جمعة الغضب الثانية‮"‬،‮ حيث رفع شباب الثورة والليبراليون شعار‮ "‬الدستور أولاً‮"‬،‮ وتشكيل مجلس رئاسي‮ يدير البلاد،‮ بدلاً‮ من المجلس العسكري،‮ وهي‮ الشعارات التي‮ عارضتها بشدة جماعة الإخوان المسلمين،‮ معلنة أنها انقلاب علي الثورة،‮ وعلي الاستفتاء الدستوري‮.‬
الإنطلاقة الثانية إلكترونية ورقية في‮ محافل المنتديات والمؤتمرات،‮ ومن خلالها‮ انتقلت المعركة بين الطرفين إلي أروقة المنتديات والمؤتمرات من خلال ورقته التي‮ تعتمد علي مؤسسات المجتمع المدني‮ المعنية بالأمر،‮ حيث تم الإعلان عن بيان أصدرته‮ 13 منظمة حقوقية دعت فيه المجلس العسكري‮ إلي وضع الدستور أولاً‮ أسوة بتونس التي‮ أطلقت شرارة الثورات في‮ العالم العربي،‮ معللين أن الدستور أولاً‮ خطوة جوهرية لتحقيق التفاعل البناء مع مطالب قوي الثورة،‮ بإعادة النظر في‮ ترتيب أولويات المرحلة الانتقالية،‮ بما‮ يضمن إعطاء الأولوية لإعداد دستور جديد للبلاد،‮ تنتظم في‮ ظل قواعده مؤسسات نظام حكم ديمقراطي‮ بديل،‮ وتجري بعده الانتخابات الرئاسية والنيابية‮.
وقد انتشرت هذه الانطلاقة علي صفحات الفيس بك،‮ حيث ظهرت صفحات تحت اسم‮ "‬حملة توقيعات الدستور أولاً،‮ وحملة الدستور أولاً،‮ وحملة لجمع‮ 15مليون توقيع ل‮ "‬الدستور أولاً‮.‬
الانطلاقة الثالثة للمعركة ميدانياً‮ من خلال جمع التوقيعات والتي‮ اشتعلت فيها المعركة بين التكتل الليبرالي‮ والاسلامي‮ مع نزول التيارات الليبرالية ميدانياً‮ لجمع التوقيعات،‮ حيث بدأت المنظمات الحقوقية و63حركة وائتلافاً‮ لشباب الثورة في‮ مختلف المحافظات حملة لجمع‮ 20 مليون توقيع للمطالبة ب"الدستور أولاً‮"‬،‮ وقد نجحت الحملة في‮ جمع قرابة‮ 3 ملايين توقيع مكتوب أو إلكتروني‮ أو بالبصمة الضوئية،‮ كما أنها انتشرت في‮ جميع محافظات مصر‮.‬
الانطلاقة الرابعة جاءت من قبل قادة الرأي‮ والفكر ومثلت نوعاً‮ من التصعيد السياسي‮ يعزز من الحراك السياسي‮ للحملة من خلال قيام الجمعية الوطنية للتغيير برفع طلب موقع من‮ 54‮ شخصية عامة إلي الدكتور عصام شرف رئيس مجلس الوزراء،‮ تدعو فيه إلي حسم قضية‮ "‬الدستور أم الانتخابات أولاً‮" من خلال العرض علي قسمي‮ الفتوي‮ والتشريع في‮ مجلس الدولة،‮ وهو الجهة القضائية المخوّلة بتفسير القوانين في‮ حالة حدوث التباس علي الحكومة أو المواطنين‮.‬
‮ كما تم إعداد الوثيقة من جانب‮ 47 شخصية من كبار الدستوريين والقانونيين تتضمن المطالبة بتشكيل هيئة تأسيسية لصياغة الدستور،‮ علي أن تضم الهيئة ممثلين عن كل الأطياف السياسية والدينية والقوي الاجتماعية والتيارات الثقافية والفكرية ورموز وقادة الفكر والفن والعلم والقطاعات الزراعية،‮ بحيث تتضمن الجمعية التأسيسية‮ 150عضوًا،‮ ويحق للمجلس العسكري‮ تعيين‮ 50 شخصية بها‮.‬
التصعيد المتواصل‮
لم‮ يكن لدي مؤيدي‮ الحملة سيناريو‮ يقبل بالاستسلام بل صرحت التيارات الليبرالية بأنه لا بديل عن الدستور أولاً‮ وإلا ستنزل إلي ميدان التحرير لتحديد المصير،‮ حيث أكدت التحالفات والحركات والائتلافات التي‮ تناصر الدستور أولاً‮ تنظيم مليونية جديدة‮ يوم‮ 8‮ يوليو المقبل تحت شعار"تحديد المصير‮.. الدستور أولاً‮ أو الاعتصام في‮ التحرير‮"‬،‮ داعية إلي اعتصام مفتوح في‮ الميدان في‮ حالة رفض المجلس الامتثال لرغبة الشعب‮.‬

إن القوي السياسية في‮ مصر لاتزال تعيش في‮ سيناريوهات صراعية تحكمها المصالح البراجماتية،‮ الأمر الذي‮ بدا واضحاً‮ في‮ إشكالية الدستور أولاً‮ أم الانتخابات أولاً‮ .. وسط تساؤل‮ يسيطر علي الجميع هو‮: لصالح من سيحسم الأمر؟ هذا ما ننتظره من المجلس الأعلي للقوات المسلحة،‮ وقد‮ يكون المخرج من المأزق وإنهاء لهذه المشكلة اللجوء إلي الديمقراطية مرة أخري من خلال استفتاء الشعب مرة أخري وإتاحة الفرصة له ثانية لكي‮ يقول رأيه بشأن هذه الإشكالية‮!‬
‬نظرة تأملية في‮ الحلول التوافقية ومقترحات ومساعي‮ الخروج من المأزق‮
لم‮ يعد الشعار هو‮ "‬الشعب‮ يريد‮" .. فقد اختطفه حفنة من وجهاء وعتاولة المثقفين والسياسيين الذين تصوروا أنهم هم الذين قاموا بالثورة وحدهم وأدخلوه في‮ جدالهم العنيف فتحول الشعار الي‮ "‬الشعب لا‮ يريد‮ .. الأحزاب تريد‮" ! ففي‮ غمرة الجدل الدائر بين السياسيين والطبقة المثقفة وشباب الثورة والأحزاب حول‮ "‬الدستور أولا‮" أم‮ "‬البرلمان أولا‮"‬،‮ نسوا جميعهم أو انشغلوا بقضايا فرعية،‮ ونسوا الهدف الذي‮ من أجله قامت الثورة وهو‮ "‬المواطن البسيط‮" .. تحسين أحواله الاقتصادية وتعويضه عن فقدان أمنه وترويعه وهدر كرامته وسرقة عمره أمام عينيه في‮ العهد البائد وهو‮ يلهث لجمع بضع لقيمات‮ يقمن صلبه وضاعت كرامته فنسي‮ شيئاً‮ اسمه راحة البال أو الرخاء والرفاهية‮ !.‬
نسي‮ هؤلاء السياسيون المتجادلون أن الهدف الحقيقي‮ للثورة هو هذا المواطن البسيط الذي‮ لا‮ يزال‮ ينتظر ويكاد‮ يكفر بهذه الثورة وهو‮ يري‮ أن جدالهم وتأخر حسم المستقبل زاده فقرا وألما ونزع الأمن عنه في‮ كل شيء‮ .. نسوا أن هذا المواطن الذين‮ يتحدثون نيابة عنه وباسمه،‮ ويقولون إنه أخطأ ولم‮ يحسن الاختيار في‮ استفتاء تعديل الدستور في‮ مارس الماضي‮ !
‮.. هذا المواطن‮ يهان بهذا الكلام الذي‮ يري أنه لابد من إعادة هذا الاستفتاء لأن‮ "‬الإسلاميين‮" ضحكوا عليه‮ ،‮ أو أنه‮ يجب تجاهل هذا الاستفتاء ونتائجه ونبدأ من جديد بتشكيل هيئة تأسيسية تقوم بإعداد دستور خلال عام علي‮ الأقل تكون فيها مصر قد تحولت الي‮ فوضي‮ يستغلها أعداء الثورة في‮ الداخل والخارج ليجعلوا هذا المواطن البسيط‮ يندم علي‮ تأييده لهذه الثورة ويتمني‮ لو أنها لم تقم‮ !‬
نسينا أن الهدف هو تنمية مصر وتوحيد القوي الثورية لحماية الثورة من التشتت والضياع‮ ،‮ والخروج سريعا من حالة‮ "‬التحول الثوري‮" الي‮ "‬دولة الثورة‮" المستقرة المنتجة‮ ،‮ وأن حالة التخبط والضعف تعطي‮ أعداءنا في‮ الخارج الفرصة لاستغلال هذه الخلافات الداخلية وزيادة الفجوة بين الفريقين المتعارضين‮ ،‮ والضغط علي‮ مصر وتعميق الخلافات كي‮ لا تعبر الثورة لبر الأمان وتظل أمواج الخلافات حول الدستور أم البرلمان تلاطمها‮ !.‬
صراع ائتلافات الثورة‮ !‬
هذا السباق والجدال الشديد الدائر حاليا‮ يجري‮ بين تيارين سياسيين متنافسين‮ : "‬الأول‮" يمثل حركات وقوي‮ سياسية من أنصار‮ "‬الدستور أولا وتأجيل الانتخابات‮" ،‮ و"الثاني‮" هو القوي‮ السياسية التي‮ تؤيد عقد الانتخابات في‮ موعدها حسبما نصت علي‮ هذا خارطة الطريق التي‮ أفرزها‮ (‬الإعلان الدستوري‮) الناتج عن استفتاء تعديل الدستور‮ ،‮ ثم وضع دستور جديد ثم إجراء انتخابات الرئاسة‮ .‬
الفريق الأول‮ يضم ممثلي‮ 12‮ من الأحزاب والقوي السياسية دشنوا في‮ اجتماعين متتاليين تحالفا وطنيا لخوض الانتخابات المقبلة أحد أهدافه هي‮ احترام نتائج أول استفتاء حر جري‮ في‮ مصر بعد الثورة‮ ،‮ وأقر إجراء انتخابات البرلمان أولا ثم الدستور،‮ ومعهم شخصيات مستقلة وتيارات سلفية وليبرالية أخري‮ ،‮ والفريق الثاني‮ بالمقابل‮ يضم قرابة‮ 36‮ حركة سياسية وشبابية من مؤيدي‮ حملة‮ "‬الدستور أولا‮" بدأوا في‮ حملة لجمع توقيعات‮ 15 مليون مصري‮ لمطالبة المجلس الأعلي للقوات المسلحة بوضع دستور جديد للبلاد أولا قبل إجراء الانتخابات التشريعية المقررة في‮ سبتمبر المقبل وانضم لهم عدد من الفقهاء تقدموا بمذكرة للمجلس الأعلي للقوات المسلحة‮ يطالبونه بإصدار إعلان دستوري‮ بتشكيل جمعية تأسيسية تمثل جميع طوائف الشعب المصري،‮ لوضع مشروع دستور جديد للبلاد قبل الانتخابات البرلمانية المقبلة‮ .
حجة المطالبين بالالتزام بنتائج استفتاء تعديل الدستور والبدء بانتخابات مجلسي‮ الشعب والشوري أولا هي‮ أن عدم الالتزام بهذا معناه إطالة الفترة الانتقالية واستمرار بقاء الجيش في‮ الحكم واستمرار حالة عدم الاستقرار في‮ البلاد لعدم وجود برلمان ولا رئيس‮ ،‮ كما أن عدم الالتزام بالاستفتاء معناه اهتزاز الكيان القانوني‮ في‮ مصر وإعطاء سابقة خطيرة في‮ عدم تنفيذ إرادة المصريين الحرة في‮ أول استفتاء حر‮ يجري‮ في‮ مصر‮ ،‮ وإعطاء انطباع‮ غريب بأن إرادة المصريين الحرة تم تزويرها وخداع المصريين‮ !.‬
كما‮ يذهب أنصار هذا التوجه كذلك إلي أن تشكيل جمعية لوضع الدستور قبل انتخاب البرلمان‮ يتعارض مع ما وافق عليه الشعب في‮ استفتاء تعديل الدستور من إضافة المادة‮ 189 مكرر إلي الدستور،‮ التي‮ تنص علي أن الأعضاء المنتخبين بمجلسي‮ الشعب والشوري هم الذين‮ يشكلون هذه الجمعية‮ ،‮ كما اقترح تشكيل هيئة تأسيسية لصياغة الدستور مكونة من‮ 150عضوا،‮ هو اقتراح سيؤدي‮ لصراعات وخلافات لأنه لا توجد آلية لاختيار هؤلاء وقد‮ يحتج آخرون لم‮ يتم اختيارهم في‮ هذه الهيئة علي‮ نتائج هذه الهيئة ويطالبون بإلغاء دستورهم‮ !.‬
أما حجة المطالبين بالدستور أولا‮ ،‮ فهي‮ التخوف من عدم كفاية فترة الدعاية الانتخابية للأحزاب الجديدة ومن ثم إعطاء الفرصة لقوي‮ منظمة خصوصا الإخوان والسلفيين للفوز بأكبر عدد من المقاعد وتحقيق أغلبية كما فعلوا في‮ الحشد الأول لنتائج استفتاء تعديل الدستور‮ ،‮ وأنه‮ يجب البدء ببناء قواعد البلاد أولا قبل الانتخابات‮. كما‮ يري هؤلاء أن البرلمان المقبل سيكون اغلبيته من الاسلاميين ما سيسمح لهم بصياغة دستور أشبه بدستور الدولة الدينية لا المدنية‮ .‬
الإخوان كلمة سر‮ "‬الدستور أولاً‮" !‬
والأكثر‮ غرابة ويكشف عن ضغوط بلا منطق مفهوم‮ - أن بعض أنصار فكرة‮ "‬الدستور أولا‮" وصل بهم الأمر لحد التخطيط ذ كما تقول نوارة نجم في مدونتها‮ "‬جبهة التهييس الشعبية‮" - لعقد صفقة مع الجيش لاستبعاد الإخوان‮ (!)‬،‮ وكأن الجيش بالفعل سيقبل هذا الهراء‮ ،‮ أو كأن هدفهم هو الخشية من فوز التيار الإسلامي‮ والقوي‮ الحزبية ذات الثقل الانتخابي‮ مثل الوفد‮ ،‮ والرغبة في‮ فرملة فوزهم المرجح في‮ انتخابات سبتمبر المقبل بأي‮ حجة مثل حجج الدستور أولا أو إلغاء الاستفتاء الأخير أو إجراء استفتاء جديد‮ !.‬
وتقول إن هذه القوي بصدد عرض صفقة علي‮ الجيش لكي‮ ينفذ لهم مطلب إقرار الدستور قبل الانتخابات التشريعية‮! ويتلخص عرضهم‮ "‬العجيب المشبوه‮" في‮ مزاعم التغاضي‮ عن محاسبة العسكريين ماليا‮ ،‮ (‬برغم أن المجلس الأعلي للقوات المسلحة أكد في‮ رسالته الأخيرة رقم‮ 64 التزامه بمحاسبة كل من‮ يثبت تورطه في‮ جرائم الفساد‮ ) ،‮ والثاني‮ أن‮ يتم إعطاء المجلس العسكري‮ "‬سلطات حماية علمانية الدولة والدستور‮ " !‬،‮ أي‮ علي‮ الطريقة التركية القديمة في‮ أن‮ يكون الجيش رقيبا علي‮ الديمقراطية‮.‬
وقد شارك عادل حمودة رئيس تحرير جريدة الفجر في‮ هذا الطرح الغريب بنشر مقال بعنوان سماه‮ "‬سيناريو الحكم العسكري‮ القادم لمصر‮" تضمن تصورا بإعطاء الجيش المصري صلاحيات دستورية كالتي كانت معطاة للجيش التركي قبل أن‮ يقوم حزب العدالة بتعديلها‮ ،‮ وهي صلاحيات كانت تمنح الجيش التركي‮ حق الانقلاب علي أي سلطة منتخبة بدعوي حماية علمانية الدولة ومنع وصول الإسلاميين للسلطة ولو بالانتخابات الحرة‮ !‬؟‮ . وهو ما سبقه إليه البرادعي‮ في‮ حوار مع صحيفة‮ "‬الأهرام‮" دعا فيه أيضا إلي صياغة نص في‮ الدستور‮ يقضي‮ بأن‮ يحمي‮ الجيش الدولة المدنية والدستور‮.
حلول توافقية وتطمينية مقترحة‮
ولأن الجدل بدأ‮ يأخذ طابعا عصبيا‮ يهدد الثورة نفسها في‮ ظل حشد رافضي‮ الانتخابات أنفسهم للخروج في‮ مظاهرات مليونية وجمع توقيعات للضغط علي‮ الجيش لعدم إجراء الانتخابات‮ ،‮ وتهديد قوي‮ إسلامية وسلفية برفض التراجع عن نتائج استفتاء تعديل الدستور‮ ،‮ فقد بدأت بعض القوي‮ وحتي المجلس الأعلي للقوات المسلحة تطرح أفكارا توافقية سواء لجهة طمأنة أصحاب‮ "‬الدستور أولا‮" فيما‮ يخص مدنية الدستور المقبل والاستمرار في‮ مسار الانتخابات‮ ،‮ أو لجهة البحث عن حلول وسط مثل‮ :
1 من هذا مثلا ما لوحظ في‮ البيان الأخير للمجلس الأعلي للقوات المسلحة رقم‮ 64‮ بشأن التزامه بدولة مدنية في‮ مصر تقوم علي‮ أسس الديمقراطية والحرية والعدالة الاجتماعية كنوع من طمأنة القوي‮ المعارضة للانتخابات أن الجيش سيظل حاميا للدولة المدنية‮ ،‮ وبدرجة ما‮ "‬وثيقة الأزهر‮" التي‮ أصدرها شيخ الأزهر لتحدد معالم المستقبل في‮ مصر‮ ،‮ والتي‮ أشادت‮ غالبية القوي‮ والأحزاب السياسية بها لأنها أقرت مفهوم الدولة المدنية ورفضت‮ "‬الدولة الدينية الكهنوتية‮" وإن ربطت وثيقة الأزهر مرجعيتها بالشريعة الإسلامية‮ .‬
2 أيضا اقترح الدكتور عمرو حمزاوي،‮ أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة،‮ وأحد مؤيدي‮ الدستور أولا‮ "‬قبل أن‮ يتراجع ويؤيد الالتزام بنتائج الاستفتاء وبالتالي‮ الانتخابات أولا‮"‬،‮ وضع مجموعة من المبادئ أسماها‮ "‬فوق الدستورية‮" لا‮ يخرج الدستور القادم عنها،‮ لحسم جدل‮ "‬الدستور أولا‮"‬،‮ لأن دعوات‮ "‬الدستور أولا‮" تفتح الباب لإعادة عقارب الساعة إلي ثلاثة أو أربعة أشهر،‮ والتأجيل قد‮ يؤدي‮ إلي البقاء تحت حكم ضباط الجيش مثلما حدث منذ عام‮ 1952 حيث‮ يري حمزاوي‮ أنه بدلا من تضييع الوقت في‮ جدل الدستور أولا أم لا،‮ يتم وضع المبادئ فوق الدستورية،‮ ويطلب من المؤسسة العسكرية والمحكمة الدستورية العليا ألا‮ يخرج الدستور القادم عن هذه المبادئ،‮ ومن أهمها ألا تعامل الدولة المواطنين علي أساس التمييز،‮ وأن تكون العلاقة بينهم هي‮ المواطنة،‮ مع ضمان الحق في‮ الحياة الكريمة،‮ وكفالة الحق لكل مصري‮ أن‮ يترشح للرئاسة،‮ طالما كان كامل الأهلية السياسية،‮ وأن تكون المرجعية النهائية هي‮ الدستور،‮ إضافة إلي التزام الاقتصاد بالعدالة الاجتماعية‮.‬
3تأيضا‮ يقترح البعض لحل هذه الإشكالية تقديم مساعدات للأحزاب الشبابية التي‮ تشكو عدم قدرتها علي‮ التأسيس بسبب التكاليف المالية‮ ،‮ وهو ما فعله المجلس العسكري‮ بالفعل عندما أعلن تحمله نفقات إشهار هذه الأحزاب كي‮ تحظي‮ سريعا بفرصة الدعاية في‮ الشهرين المقبلين‮ .‬
4 كما اقترح البعض أيضا وضع ضمانات أوسع لنزاهة الانتخابات ورقابة أجنبية لضمان عدم الحشد الذي‮ تخشي‮ منه القوي‮ الرافضة للانتخابات من قبل التيارات الإسلامية للجماهير‮.‬
خطورة تأجيل الانتخابات‮
والحقيقة أن أخطر النتائج التي‮ يمكن أن تترتب علي‮ إلغاء نتيجة استفتاء تعديل الدستور أو الاستجابة لمطالب أصحاب‮ "‬الدستور أولا‮" هي‮ أمران‮ :‬
‮ الأول‮: ترسيخ فكرة عدم قبول أي‮ انتخابات أو استفتاء حر بعد الثورة في‮ مصر والتشكيك فيه كما كان الحال قبل الثورة‮ ،‮ ما‮ يجعل الثورة نفسها بلا قيمة‮.
‮ الثاني‮: أن تأجيل الانتخابات أو التراجع عنها‮ ،‮ سيعد هزيمة للمجلس العسكري‮ كما‮ يقول عماد مكي‮ رئيس تحرير وكالة أنباء أمريكا إن أرابيك في‮ واشنطن‮ ،‮ سيشجع أعداء مصر الخارجيين لالتقاط أنفاسهم بعد هزيمتهم في‮ معركة الثورة وسينتهي‮ الربيع العربي‮ بصقيع عربي‮ سيدوم طويلا،‮ حيث تتربص المنظمات الصهيونية واللوبي‮ الإسرائيلي،‮ ومنظمات‮ يقودها بعض متطرفي‮ أقباط الخارج،‮ بالإضافة لقوي اليمين الأمريكي‮ "‬المحافظين‮" وحركة‮ "‬تي‮ .‬بارتي‮" ومتشددي‮ الحزب الجمهوري‮ ،‮ بالثورة المصرية وترغب في‮ ان تري المجلس العسكري‮ المصري‮ في‮ تراجع ورضوخ ومنشغل أو متورط بالوضع الداخلي‮ بصورة تضعف مصر‮ ،‮ ولكي‮ لا‮ يفكر باقي‮ العرب في‮ الثورة علي‮ حكامهم الديكتاتوريين ويقال لهم هل تريدون أن تصلوا لما وصل اليه المصريون من فوضي‮ بعد الثورة ؟‮!‬
ليسقط الدستور وتلغي الانتخابات‮ .. الخبز أولاً
قد‮ يعرف أو لا‮ يعرف هؤلاء الذين‮ يعدون مزايا صياغة الدستور أولا أو‮ يحذرون من تداعيات تأجيل الانتخابات أن الكثيرين لا‮ يعبأون بتلك القضية بل ويعتبرونها شيئا لا‮ يخصهم‮ .... تلك الفئة بالتحديد أبداً‮ لا‮ يمكن اتهامها بالجهل أو أنها من سيضيع مكتسبات الثورة لانها حقا تعتبر نفسها‮ غير موجودة وأنها علي حافة المجتمع وقريباً‮ ما ستتم زحزحتها خارجه‮.‬
الفقراء لايتبعهم الساسة وكذلك العكس فتحاول الفئة الثانية دوما جر الأخري لما تريد وحتي الآن فشلت في ذلك ليظل السياسي‮ يبني عالما افتراضيا لمصر ما بعد الثورة ويبقي الفقير‮ ينسج شرنقته منغلقا علي فقره‮... فالسياسي سواء المؤيد او المعارض للدستور اولا بعيد عن واقع فقراء لا‮ يهمهم فيما‮ يجري سوي رغيف الخبز‮.‬
فقط‮ يبرز من جسدها‮ .. تلك الرأس التي تتابع حركة الأرجل المارة في جميع الاتجاهات حولها‮.. تتراكم الجرائد أمامها لايهم ما فيها‮.. المهم من‮ يشتريها‮ ،‮ فمنذ بداية ثورتهم‮ "‬هكذا تطلق علي ثورة المصريين‮" وكأنها لا تخص تلك السيدة الأربعينية‮ ،‮ زاد الاقبال علي شراء بضاعتها من كلمات تجهل قراءتها وكتابتها‮.‬
أم‮ يوسف هكذا‮ يناديها من‮ يعرفها فيوسف ابنها الأكبر تبعه خمسة إخوة‮.. لم تسمح‮ "‬مصر مبارك‮" لأمثالهم ممن مضغهم الفقر بالتعليم ليبدأ الأبناء الستة في العمل عائدين بعد كل ليلة إلي حجرتهم الضيقة بمنطقة العرب بالدويقة حيث‮ ينتظرون كارثة أخري كما حدث لجيرانهم منذ ثلاثة أعوام‮.‬
لن تجدي مناقشة أم‮ يوسف في مسألة الدستور أولاً‮ أم الانتخابات فتري نفسها ليست ذات صلة بالأمر فالانتظار في طابور العيش لإطعام أبنائها‮ تجده أهم من معاناة التفكير في‮ الدستور أو الانتخابات ف‮ "‬الخبز أولاً‮ " ،‮ تقول بلا مبالاة‮ "‬لا‮ أحد‮ يفكر فينا ولا‮ يهمني انتخابات أو دستور لانهم لن‮ يطعموا أبنائي في النهاية‮".‬
هو لا‮ يختلف في معيشته عن السيدة الأربعينية لكنه‮ يزيد عليها في فقدان عينه خلال الثورة التي شارك فيها مع من شاركوا‮ .. فقط تغير شكل وجهه وظل ما أراد تغييره باقياً‮ كما هو‮.‬
صابر إبراهيم الذي‮ يودع هذا العام عقده الرابع بعين واحدة لم‮ يعد‮ يهمه إجراء الانتخابات في موعدها أو تأجيلها لحين الانتهاء من صياغة دستور‮ ،‮ بعدما‮ يئس من تغير أحوال مصر وبالتالي حاله‮ " لم احصل من الدولة علي اي تعويضات من تلك التي وعدوا بها مصابي الثورة‮" ..‬ليس نسيان تعويضه ما‮ يؤلمه فقط بل‮ يحزنه أيضاً‮ هؤلاء الذين أرهقتهم أضواء الاستوديوهات وفلاش الكاميرات من كثرة تحدثهم باسم الثورة والثوار‮.‬
يجلس صابر صابراً‮ أمام فضائيات‮ "‬التوك شو‮" كل ليلة‮ يتأمل تلك الوجوه التي‮ يبح صوتها من أجل الدستور تارة وبغية الانتخابات تارة أخري‮ " إنهم‮ ينظرون للثورة ولا‮ يعرفون ما‮ يدور في الشارع فليأكلوا الدستور والانتخابات أما نحن فليتركونا للجوع‮".‬
قميصه ذو الأطراف المهترئة ونعله ذو المقدمة المتآكلة‮ يفضحان رغباته في الانتخابات أولاً‮ ... ليس خوفاً‮ من الإلافاف علي رغبة الجماهير التي أعلنتها خلال الاستفتاء علي التعديلات الدستورية أو رغبة في اسراع عودة الجيش إلي ثكناته‮ ،‮ بل فقط‮ من أجل موسم الانتخابات الذي‮ يعده‮ "‬أيام رزق‮" ،‮ فمصطفي عوض الذي‮ يقضي نهاره في لعبة القط والفأر مع البلدية التي دوماً‮ ما تسلبه بضاعته‮ ،‮ يجد في الانتخابات متنفساً‮ لاقتناص ما‮ يستطيع من اللحوم التي‮ يوزعها المرشح‮ في دائرته‮ "‬بولاق الدكرور‮" إلي جانب تلك‮ "‬المئة جنيه‮" التي‮ يحصل عليها حينما‮ يتأكد المرشح أن مصطفي اعطي له صوته الانتخابي‮.. " الانتخابات بتبقي أيام كلها بركة بس خايف المرة دي‮ يكون في تغيير بعد الثورة وما فيش حد‮ يوزع حاجة‮". بتردد تحدث لكنه اكد ان الثورة‮ غيرته فسوف‮ ينتخب من‮ يجده أصلح إلا انه لن‮ يستطيع رفض اللحوم‮ " سأخذ اللحوم وسأضحي بالمئة جنيه لأنتخب من اراه أصلح‮".‬
مجلس الوزراء لصالح الدستور أولا‮

رغم أنه لم‮ يصدر قرار رسمي‮ واضح من الجهات القائمة علي إدارة الأمور في‮ مصر،‮ حيث حرص المجلس العسكري‮ علي أن‮ ينأي‮ بنفسه عن الجدل الدائر حول الدستور أولا أم الانتخابات أولا مؤكدا حرصه في‮ النهاية علي تحقيق الديمقراطية وفق الصيغة التي‮ يرتضيها المصريون جميعاً‮ فقد بدا من المواقف التي‮ صدرت عن القيادات القائمة في‮ مجلس الوزراء وعلي رأسها رئيس الوزراء الدكتور عصام شرف والدكتور‮ يحيي‮ الجمل نائب رئيس مجلس الوزراء تأييدهما الضمني‮ لمطلب الدستور أولاً،‮ وفي‮ ذلك الصدد نلحظ أن شرف أكد في‮ العديد من تصريحاته أن تأجيل الانتخابات البرلمانية قد‮ يعطي‮ الفرصة لنضج عدد أكبر من الأحزاب السياسية الجديدة،‮ موضحاً‮ أن الفكرة جاءت بهدف إتاحة وقت إضافي للتيارات السياسية لبلورة الحراك السياسي للوصول إلي نتائج ملموسة،‮ حيث لا تنتج الثورات‮ قوي‮ سياسية بين عشية‮ وضحاها‮.‬
أما الدكتور‮ يحيي‮ الجمل فيبدو انه‮ يسير في‮ طريق التيار الداعي‮ للدستور أولا حيث راح‮ يعرض لمخاوف هذا التيار،‮ مشيراً‮ إلي أن أصحابه‮ يتخوفون من سيطرة بعض القوي الدينية علي البرلمان،‮ وتحويل الدولة إلي دولة دينية،‮ مضيفاً‮ أنه لا‮ يوجد أسوأ من الدولة الدينية فهي‮ أسوأ حتي من الدولة البوليسية‮.
امتد هذا الأمر إلي النقابات،‮ حيث شهدت نقابة المحامين حالة من الانقسام الشديد حول إشكالية الدستور أولاً‮ أم الانتخابات أولاً،‮ إلا أن الفريق المؤيد للدستور أولاً‮ يمثل أغلبية المحامين،‮ وينادي‮ بانتخاب جمعية تأسيسية تمثل جميع القوي الوطنية وفئات الشعب،‮ يتم إسناد مهمة وضع الدستور لها،‮ حتي‮ يتم تحقيق أكبر قدر من التوافق الوطني‮ في‮ مواد الدستور الجديد،‮ لأن التمسك بخيار‮ "‬الدستور أولاً‮"‬،‮ يقر حالة من التوازن والاستقرار لمصر،‮ وقد بدأت لجنة الحريات بالنقابة في‮ جمع توقيعات من مختلف القوي السياسية والثورية تأييداً‮ لحملة‮ "‬الدستور أولاً‮".‬
(‬الدستوريون‮) لم‮ يعينوا الشعب في‮ الخلاف وبحاجة لمن‮ يعينهم‮!‬
وسط ضجيج قوي ترفض وأخري تعارض تتجه الأعين إلي فقهاء الدستور ورجال القانون الذين‮ يمثلون من‮ يقودوننا علي طريق الخروج من الأزمة باعتبار أن المأزق دستوري‮ بحت‮. والأمل في‮ ذلك أن هؤلاء لا‮ ينتمون إلي تيار سياسي‮ بعينه وإنما همهم هو مستقبل مصر‮. ومن نصوص تبدو بالغة التعقيد وعصية علي الفهم‮ يقدم لنا هؤلاء رؤاهم مستندين إلي‮ أدلة تمتلئ وتحتشد بها كتب القانون والتاريخ جميعهم‮ يحذرون من مغبة مخالفة وجهته علي مستقبل الثورة التي قدم صانعوها الكثير لانجاحها وجني مكتسباتها‮ .‬
أول هؤلاء الفقيه الدستوري‮ طارق البشري‮ نائب رئيس مجلس الدولة الأسبق والذي‮ يبدو موقفه متوقعا لكونه كان رئيس اللجنة التي أعدت التعديلات الدستورية والتي أقرت في المادة‮ 189بتشكيل لجنة تأسيسية لإعداد الدستور مكونة من مائة شخصية من أعضاء مجلسي الشعب والشوري‮. ومن مجمل متابعة ما قدمه من آراء في‮ هذا الصدد‮ يمكن القول‮ إنه‮ يري في مطالبة البعض بفصل المحكمة الدستورية العليا أو لجنة التشريع بمجلس الدولة في مسألة الدستور أولا من عدمه،‮ مخالفة واضحة للقانون‮ ولرغبة الأغلبية التي قالت‮ "‬نعم‮" للتعديلات‮ .
الإخوان المسلمون لا‮ يشكلون خطراً‮ من وجهة نظر البشري بالنسبة لمسألة احتلالهم لمقاعد البرلمان القادم فبحسب توقعه سيحصل المستقلون علي نسبة تقترب من ال70 بالمئة من المقاعد ليكون المجلس ممثلاً‮ فعلا للشعب وبالتالي سيصدر دستور توافق عليه الأغلبية الشعبية‮.‬
تصريحات قيادات جماعة الإخوان المسلمين التي أشارت إلي مشاركتهم‮ في الانتخابات بنسبة‮ 30‮ بالمئة لتزيدها إلي‮ 45‮ بالمئة‮ ،‮ تؤكد إلي حد بعيد توقعات البشري فالجماعة تدرك جيداً‮ أن نزولها المعترك الانتخابي للحصول علي نسبة ال‮ 45‮ يعني حصولها في النهاية علي ما لا‮ يزيد علي‮ ال30بالمئة‮ .‬
هجوم‮ "‬الدستوريين‮" علي البشري رده بوصفهم ب‮ " اللاعبين بالنار‮" وغير الممثلين للشعب المصري،‮ ليصبح البشري‮ الفقيه الدستوري في نظر رافضي رؤيته أحد من سيحاكمهم التاريخ‮.‬
حجج البشري أحد أهم مؤيدي الانتخابات أولاً‮ لم تقنع الدكتور إبراهيم درويش الفقيه الدستوري كواحد من مؤيدي الدستور أولاً‮ الذي‮ يعلل وجهة نظره بالتواجد القوي لفلول الحزب الوطني وجماعة الإخوان المسلمين في الشارع مما‮ يجبره علي تنبؤ افراز مجلس شعب‮ غالبيته من هذين الفصيلين إذا ما أجريت الانتخابات البرلمانية في سبتمبر المقبل حيث لن تتسني فرصة للقوي الوطنية الجديدة في الظهور علي السطح السياسي وإثبات تواجدها‮.‬
الفريق المؤيد للدستور أولاً‮ يجد سنده في تأكيد صحة تحليل درويش لمسألة الإخوان والفلول في موقف الجماعة‮ المؤيد لاجراء الانتخابات أولاً‮. ويخرج الفقيه الدستوري من فزاعة الإخوان والفلول لسبب آخر‮ يجعله رافضاً‮ الانتخابات قبل الدستور وهو الانفلات الأمني الذي سيضع مصر في خطورة حقيقية إذا ما أجريت أية انتخابات في الوقت الراهن‮.‬
والحل كما‮ يراه درويش في انتخاب جمعية تأسيسية من المثقفين والمفكرين والساسة المستقلين لاعداد الدستور علي أن‮ يسبق ذلك إجراء استفتاء شعبي حول الدستور أولاً‮ أم الانتخابات‮.‬
ويصب في‮ موقف درويش المستشارة تهاني‮ الجبالي‮ نائب رئيس المحكمة الدستورية العليا والتي‮ تعتبر من أوائل من دعوا لاعداد دستور أولاً‮ للبلاد مشككة في شرعية مجلس الشعب الجديد في حال ما إذا تم تأجيل إعداد الدستور‮.‬
‮ وهي‮ تري في النص المضاف للمادة‮ 189‮ والذي‮ يقضي بتشكيل لجنة من مجلسي الشعب والشوري لإعداد الدستور،‮ اجحافاً‮ بإرادة الشعب المصري حيث لن‮ يتسني له انتخاب من‮ يضع دستور البلاد‮. والجبالي تبدي تخوفها من تدخل الرئيس القادم في إعداد الدستور الجديد فالحاكم‮ يجب أن‮ يكون محاطاً‮ بضمانة دستورية وإطار‮ يحدد اختصاصاته وصلاحياته‮.‬
تختلف الرؤي ويمسك كل فريق بطرف حججٍ‮ يراها مقنعة ولكن‮ يظل من له الكلمة الأخيرة في بيته‮ يتابع برامج‮ "‬التوك شو‮" حائراً‮ بين فضائيات مع وضد‮ ،‮ إلا أنه‮ يمكن توقع اتجاهات حسم المسألة خلال تلك الجمعة التي دعت لها القوي المؤيدة للدستور أولاً‮ يوم‮ 8 يوليو القادم تحت اسم‮ " جمعة الدستور اولاً‮" ليعرف الجميع ماذا‮ يريد الشعب فإما أن‮ يختار لجنة لإعداد الدستور وتؤجل الانتخابات أو توأد أصوات الدستور أولاً‮ ليبدأ متنافسو الانتخابات البرلمانية في تجهيز لافتاتهم الدعائية‮.‬


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.