- طرح مسألة المجلس الرئاسي المدني الآنيعني أن السياسيين – ومنهم المرشحين الرئاسين بالتحديد، وخاصة الذين يسمون أنفسهم ثوريين – يرون أنفسهم قادة للشعب حتى غصباً عنه ... ويرون أن علي الشعب أن يفوّضهم صلاحيات رئاسية (كصلاحيات مبارك ربما)، رغم أن الواجب أن ينخرطوا في "العمل المدني" لصالح الشعب، و"العمل السياسي" لتوعيته وتحصينه ضد هجمات الفلول وإعلام الفلول، أو الانخراط في "العمل التنفيذي" (في ظل حكومة ائتلافية) بدلاً من محاولة الالتحاق بجهاز السلطة الرئاسية الذي يرونه "سلطة خالصة مطلقة" كما كانت لدي مبارك، ويريدون نصيبهم منه. إنه شره وشوق وطمع في السلطة رغم أنها في الأصل بيد الشعب الذي يختار، ثم يحاسب من يختاره. - طرح مسألة المجلس الرئاسي المدني الآنيعني أن هذه القيادات السياسية جميعاً تفكّر في مسألة "السلطة" وحسب، وليس الاستجابة لاختيارات الشعب والنزول علي رغبة الشعب ليحدد الشعب نفسه من يصل إلي السلطة ثم يحاسبه عليهما، وهذه هي الديمقراطية. لكن الذي حصل علي أيّ عدد من أصوات الناس يريد أن يساوم بها الآن مع أحد المرشحين،وليس أن يتيح للناس الاختيار الحر. مع أن الواجب أن يتيحوا للناس حرية الاختيار بين أيٍّ من المرشحين الباقين للإعادة. - إن فكرة المجلس الرئاسي المدني تعني توزيع سلطة الرئاسة بين عدد من الأعضاء الذين لا يتساوون في عدد الأصوات التي حصل عليها كلٌ منهم من الشعب. وكأن الوزن النسبي لأصوات الناس ليس مهماً لدي هؤلاء السياسيين بقدر ما تكون المسألة هي أخذ الأصوات للمساومة بها في السلطة الرئاسية. إن حقيقة الديمقراطية هي أن توزيع الأصوات تكون بين أحزاب سياسية في انتخابات تشريعية تؤدي إلي تكوين حكومة ائتلافية إذا لم يحصل أحدها علي الأكثرية أو الأغلبية المطلقة. أما في حالة الرئاسة، فلا يوجد مثل هذا التوزيع للسلطة إلا إذا كان المرشحون قد دخلوا الانتخابات ليس كمتنافسين ولكن كمرشح للرئاسة ومرشح أو آخر معه لمقعد نائب الرئيس وفق صلاحيات يحددها اتفاق الرئيس ونائبه (كما في النموذج الأمريكي) أو يكون التنافس داخل نفس الحزب علي الترشيح، ثم دخول الثاني مع الأول بالاتفاق علي منصب معين ليس هو منصب نائب الرئيس (حالة هيلارى كلينتون). - إن فكرة المجلس الرئاسي المدني تعني نوعاً من الحنين إلي فكرة غير ديمقراطية حول "مجلس رئاسة أو قيادة الثورة" – حيث تتوزّع السلطة بين من يمسكون بها دون ديمقراطية ودون اختيار الشعب، بل عن طريق اقتسام محدد للسلطة وفق الأوزان السياسية والسلطوية النسبية لهؤلاء، مع خطورة ذلك لأن كل من يدّعي أنه يملك شرعية ثورية سوف يقول أن من حقه أن يكون له تمثيل في هذا المجلس. - المسألة ليست توزيع تورتة أو كعكة السلطة بين من يطالبون بها أو يدّعون الحق فيها. المسألة هي الديمقراطية التي تجعل السلطة مسئولية تتبعها محاسبية ومُساْلة، ثم تغيير لمن يملك السلطة وتدوير السلطة من خلال انتخابات رئاسية بعد فترة زمنية محددة وفق آلية محددة. - من جهة أخرى، فإن الانتخابات الرئاسية كانت دائماً وستظل تكون "تنافسية" حتى بين الثوريين (وكان منهم منهم الاشتراكيين بأكثر من مرشح، والقوميين اليساريين الثوريين ويمثلهم صبّاحي، والاتجاه الإسلامي الليبرالي الثوري ويمثّله أبو الفتوح، واتجاه إسلامي آخر يمثله سليم العوّا، واتجاه إسلامي آخر يمثله محمد مرسي وغيرهم، بل إن الفلول كان لهم أكثر من مرشح). وقد حدث ذلك بدلاً من أن يصطف أصحاب الاتجاهات الأيديولوجية المتشابهة أو المتقاربة معاً (مثلاً يتفق الاشتراكيون علي مرشح واحد، ويتفق صباحي وأبو الفتوح علي تجميع الأصوات لصالح أحدهم، أو حتى يتنازل موسي لصالح شفيق). وبدلاً من ذلك، كان لدي الشعب المصري طيف واسع من الاختيارات. - إن فكرة مجلس رئاسي مدني هنا سوف تعني أن الذين فشلوا في الاتفاق وهم يتنافسون فيما بينهم يريدون أو يحلمون بالاتفاق معاًوفق توازنات قوى وأوزان نسبية جديدة ظهرت بعد الانتخابات، وهو أمر بالغ الصعوبة أو لعله سيكون ناتجاً عن إكراهات وإجبارات ومناورات غير ديمقراطية. لقد دخلوا جميعاً الانتخابات متكافئين وأحراراً متساوين رصيد كل منهم صفر من الأصوات (ربما باستثناء مرشح الدولة والعسكر والسلطة الحاكمة والنظام القديم). ثم خرجوا منها وقد علم كلٌ منهم عدد ما حصل عليه ووزنه النسبي بين الناخبين. وكانت الشكاوى محدودة لدى 12 من المرشحين بخصوص التلاعب أو التزوير ضدهم، مع إجماع علي التزوير الذي حدث لصالح مرشح الدولة والعسكر والسلطة الحاكمة والنظام القديم. إذن الاختيار يجب أن يظل بيد الشعب. - المسألة التي تظل بيد كل مرشح لم يحالفه الحظ في الجولة الأولي – بحسب الأعراف والمبادئ الديمقراطية – هي أن يعلن تأييده لهذا المرشح أو ذاك في جولة الإعادة. وله أن يعلن أسبابه في ذلك. وله أيضاً أن يدعو إلي المقاطعة أو إلغاء الصوت. - لكن ناخبي المرشح الأكثر أصواتاً – وخاصة من الذين صوتوا له في الجولة الأولي وهم ليسوا أعضاء في حزبه أو جماعته أو تياره – لا يجب أن يتم التعامل معهم من باب الإجبار وفرض المرشحين الذين لم ينتخبهم هذا الناخب المستقل (أو حتى المنتمى) عليه في صورة مجلس رئاسي. وبالقطع سوف يحاول كل مرشح فرض نفسه علي هذا المجلس الرئاسي أن يدعم سلطاته ووجهة نظره ضد كافة المرشحين الآخرين. وكأن المجلس الرئاسي هو فرصته للبقاء في الأضواء وتلميع نفسه استعداداً للانتخابات الرئاسية القادمة. مع أن الأولي بالمرشح الخاسر أن يعمل علي تأسيس حزب وتيار يحمل أفكاره وتصوراته، بل وانتقاداته للتيارات والأحزاب والبرامج المرشحين الآخرين. وبهذه الطريقة تتعدد أطراف الطيف السياسي ويتم إثراء الديمقراطية وليس الحجر عليها. - بنفس المعيار، سوف يكون تأسيس مجلس رئاسي بين أشخاص متنافرين وكانوا متنافين بل وكانوا متنافسين مدخلاً للشقاق وليس الاتفاق. إن لكل مرشح من هؤلاء تعريفه الخاص للثورة وللبرنامج الثوري ورؤيته الخاصة لكيفية التحرك إلي الأمام. كلهم جميعاً ثوريون (حتى شفيق وموسى) وكلٌ علي طريقته في الثورة. - إن حقائق الحياة تقول أن الديمقراطية التنافسية التعددية هي المدخل الأهم والأفضل لمعالجة هذا الاختلاف في وجهة النظر والتعدد بين الآراء، وليس تجميع الاختلافات في مركز واحد بما يؤدي إلي شلل العملية الديمقراطية بالكامل. لنا هنا أن نستدعي آلاف التجارب علي فشل الحكومات الانتقالية والائتلافية التي كانت تجمع العديد من المختلفين جذرياً معاً، وهي التجارب التي كثيراً ما تنتهي إلي استقالة الحكومة أو إقالتها أو الدعوة إلي انتخابات مبكرة. هذه هي خبرة الديمقراطية وخاصة في الكثير من الدول الغربية. لكن الدعوة إلي المجلس الرئاسي المدني الآن تأخذ شكل التجميع الاشتراكي لكل الأطياف في جهاز واحد (مثل الاتحاد الاشتراكي) وتكون داخله "المنابر" بين يمين ووسط ويسار وفي صيغة التنظيم الأحادى الواحد الأوتوقراطي الذي يعيق ويمنع الديمقراطية، أو يجعلها شكلية وغير ذات مضمون. أخيراً ... من الأفضل أن يتولي الرئاسة رئيس نحاسبه بشخصه على كل واردة وشاردة تصدر عنه، وعلي كل قرار وتحرك يقوم به – وليس أن نكون أمام المجلس الرئاسي المدني الذي ينسب كل واحد فيه الإنجاز لنفسه والفشل للآخرين وتضيع بينهم المحاسبية والمساءلة، ويتفرق دم الديمقراطية بين القبائل.