لا أحد يشك في أننا كأبناء لهذا الوطن ينبغي أن تكون حالة التضامن بيننا هي السائدة أمام أية قضية أو أزمة أو حدث يمر بها أي جزء من وطننا الغالي، مهما كان نوعها. ظهر ذلك جليا في مناسبات وأحداث عديدة مرت علينا برز فيها التلاحم الوطني والموقف المسئول من قبل مختلف أطياف المجتمع السعودي وشرائحه. ولعل من أبرز هذه الأحداث دخول القوات العراقية الصدامية لأراضي المملكة، وهجوم الحوثيين الذي تسبب في نزوح آلاف المواطنين، وكارثة سيول جدة التي سببت في فقدان ضحايا وممتلكات كبيرة. أمام كل هذه الأحداث كان هنالك موقفا وطنيا مشهودا شارك فيه الجميع إنطلاقا من الحرص الشديد على إبراز حالة التكاتف والتضامن الجمعي. الأحداث الجارية في القطيف والتي مر عليها قرابة العام منذ إندلاعها، تعتبر قضية وطنية ملحة مهما إختلفنا في تفسير أسبابها ومبرراتها. فإستمرار المسيرات وما يتلوها عادة من صدامات وسقوط متواصل لضحايا وعشرات الجرحى من شباب هم في عمر الزهور وتضرر أسر وعوائل عديدة بسبب إجراءات التوقيف والفصل من العمل، كلها قضايا بالغة الأهمية وفي غاية الخطورة. لا شك أن إستمرار هذه الأحداث وتواصلها ينبأ عن وجود خلل ما في الأوضاع المحلية، كان قائما منذ فترة طويلة، على الرغم من سعي الواعين في المجتمع للمطالبة بمعالجته سواء في بعده الإجتماعي أو التنموي أو السياسي. كما أن تجاهل هذه المشكلة وترحيلها أدى إلى تفاقمها بصورة فتحت المجال واسعا أمام الاتجاهات الأكثر حماسا وخاصة مع بروز جيل شاب متفاعل مع ما يجري حوله من أحداث. بعض الكتاب والإعلاميين يتعاملون مع الموضوع بسطحية موجهة ويقومون بإعادة تدوير أفكار وأخبار تحريضية وغير دقيقة، دون بذل أدنى جهد للتعرف بموضوعية على صلب المشكلة وأبعادها أو حتى التحقق من الأخبار التي تصلهم. وهذا بدوره يساهم في توجيه الرأي العام بصورة لا تخدم في فهم المشكلة وبالتالي تضر بالمصلحة الوطنية ولا تساهم في إيجاد حلول بناءة للمعالجة. المؤسسات الحقوقية المحلية بقيت صامتة ولم تمارس أي دور حقيقي في رصد الإنتهاكات التي تحدث في مثل هذه الظروف، والمطالبة بالإلتزام بالقوانين والأنظمة لحماية حقوق المواطنين، وإبلاغ الجهات الرسمية عن التجاوزات التي تجري على الأرض. ومن أجل حقن الدماء وإيقاف النزيف المستمر، ينبغي أن تكون هنالك مبادرة وطنية جادة لمعالجة الموقف يشارك فيها قيادات إجتماعية مع الجهات الرسمية المعنية لوضع حلول تتناسب مع الموقف القائم.