توريد 77 ألف طن قمح للشون والصوامع بالقليوبية    وزير التعليم العالي يغادر إلى لندن للمُشاركة في فعاليات "المُنتدى العالمي للتعليم"    رئيس الوزراء يتابع موقف تنفيذ منظومة النقل الذكى على الطرق السريعة (ITS)    بث مباشر.. بدء توافد القادة على مقر انعقاد القمة العربية ال 33    فرمان حسام حسن.. استبعاد 9 نجوم من معسكر منتخب مصر لتصفيات كأس العالم    تبدأ السبت.. محافظ بني سويف يتابع استعدادات التعليم لامتحانات الاعدادية    رحلة بحث عن موعد عيد الأضحى لعام 2024: توقعات وآمال    أمن المنافذ يحكم السيطرة لمكافحة الجريمة: وهذه أبرز الضبطيات في 24 ساع    وزيرا النقل والري يبحثان تنفيذ المحاور الرئيسية أعلي المجاري المائية والنيل (تفاصيل)    إطلاق التيار الكهربائي وتشغيل محطة الصرف الصحي بأراضي "بيت الوطن" بالقاهرة الجديدة    تموين بورسعيد: توريد 15 ألفا و600 طن قمح لشون وصوامع المحافظة حتى الآن    رئيس جامعة قناة السويس يُكلف شريف فاروق بالعمل أمينًا عامًا    جيش الاحتلال يعترف بمقتل 5 من جنوده بنيران صديقة شمال غزة    وزيرة الخارجية الألمانية بعد محاولة اغتيال رئيس حكومة سلوفاكيا: سندافع عن ديمقراطية أوروبا    القناة الأولى: مصر لم تغلق أبواب معبر رفح منذ العدوان الإسرائيلي على غزة    وزير الخارجية اليمني: هجمات الحوثيين لم تضر سوى باليمن وشعبه وأشقائهم العرب    الجامعة البريطانية تحتل المركز الأول للجامعات الشابة وفقًا لتصنيف التايمز العالمي    موعد مران الأهلي في تونس استعدادا للترجي    أنشيلوتي يقترب من رقم تاريخي مع ريال مدريد    القوات البحرية المصرية والبريطانية تنفذان التدريب البحري المشترك "مدافع الإسكندرية"    التعليم العالي: بنك المعرفة ساهم في الارتقاء بتصنيف الجامعات والمراكز البحثية دوليًا    بعد انخفاض دام نصف ساعة.. قفزة بسعر الدولار بالبنوك اليوم    دون إصابات.. تفاصيل نشوب حريق داخل شقة في العجوزة    المشدد 6 سنوات لعامل ضبط بحوزته 72 لفافة هيروين في أسيوط    ضبط تاجر بتهمة النصب والاحتيال على المواطنين في الفيوم    "لا تكفيك الدموع".. سلاف فواخرجي تودع المخرج عبداللطيف عبدالحميد بكلمات مؤثرة    «احترس من الخنازير» في قصر ثقافة قنا .. 24 مايو    الأحد.. عمر الشناوي ضيف عمرو الليثي في "واحد من الناس"    رئيس جامعة المنيا يتفقد معامل المركز الإقليمي للصيانة والترميم بالأردن    أعطيت أمي هدية ثمينة هل تحق لي بعد وفاتها؟.. أمين الفتوى يوضح    محافظ أسيوط ومساعد وزير الصحة يتفقدان مشروع إنشاء مستشفى منفلوط المركزي    "الرعاية الصحية": حل 100% من شكاوى المنتفعين لأول مرة    الولايات المتحدة.. تراجع الوفيات بجرعات المخدرات الزائدة لأول مرة منذ جائحة كورونا    محكمة العدل الدولية تستمع لطلب جنوب إفريقيا بوقف هجوم إسرائيل على رفح    تعليم الفيوم يحصد مركز ثاني جمهورية في مسابقة المعلمة الفعالة    محمد شريف يقود تشكيل الخليج المتوقع أمام الاتحاد بالدوري السعودي اليوم    محامي سائق أوبر يفجر مفاجأة: لا يوجد دليل على كلام فتاة التجمع.. ولو ثبت سأتنحى عن القضية    تمهيدا لإعلان الرحيل؟ أليجري يتحدث عن لقطته مع جيونتولي "سأترك فريقا قويا"    حالات الحصول على إجازة سنوية لمدة شهر في قانون العمل الجديد    يسرا رفيقة عادل إمام في مشوار الإبداع: بتباهى بالزعيم وسعيدة إني جزء من مسيرته    يسري نصر الله يحكي تاريخ السينما في مهرجان الفيمتو آرت الدولي الثالث للأفلام القصيرة    محافظ أسيوط يستقبل مساعد وزير الصحة ويتفقدان مستشفى بني محمديات بأبنوب    «مترو الأنفاق» يُعلن انتطام حركة القطارات بالخط الثاني    مد فترة التقديم لوظائف القطار الكهربائي الخفيف.. اعرف آخر موعد    بوتين وشي جين يعتمدان بيانا مشتركا حول تعميق علاقات الشراكة    شوبير يكشف موقف محمد صلاح من معسكر المنتخب    «الإفتاء» تحسم الجدل حول مشروعية المديح والابتهالات.. ماذا قالت؟    اليوم.. انطلاق الملتقى التوظيفي لزراعة عين شمس    نجم الترجي السابق ل«أهل مصر»: الأهلي مع كولر اختلف عن الجيل الذهبي    ياسمين عبدالعزيز تنشر صورة مفاجئة: زوجي الجديد    طريقة عمل دجاج ال«بينك صوص» في خطوات بسيطة.. «مكونات متوفرة»    تنظيف كبدة الفراخ بمكون سحري.. «هيودي الطعم في حتة تانية»    حلم ليلة صيف.. بكرة هاييجي أحلى مهما كانت وحلة    توقعات الأبراج وحظك اليوم 16 مايو 2024: تحذيرات ل«الأسد» ومكاسب مالية ل«الحمل»    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الخميس 16-5-2024    نجمة أراب أيدول برواس حسين تُعلن إصابتها بالسرطان    رضا عبد العال: «حسام حسن كان عاوز يفوز بكأس عاصمة مصر عشان يستبعد محمد صلاح»    روسيا تعلن إحباط هجوم أوكراني بصواريخ أمريكية على شبه جزيرة القرم    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



موقف الغرب من الثورات العربية وتداعياتها المستقبلية / أمل مهدي
نشر في محيط يوم 31 - 05 - 2011


موقف الغرب من الثورات العربية
وتداعياتها المستقبلية


* امل مهدى

ظل الغرب يتباهى بالديمقراطية متخوفاً من مد يمكن أن يقوّض استقراره، وصور هذا المد على أنه قادم من الشرق، وأسس لمنظومة فكرية وفلسفية تتحدث عن حتمية صراع الحضارات تزعّم وضع أسسها صامويل هنتنجتون وفرانسيس فوكوياما.

ولكن بعد هذه الثورات العربية المتلاحقة يمكن القول أن هذه المنظومة الفلسفية تصطدم بحقيقة جديدة مفادها أن ما هو قادم من الشرق ليس بالضرورة شراً، وما هو قادم من الغرب ليس بالضرورة كرب كما يروج اليمين على الجانبين.

فالثورات العربية الأخيرة التي بدأت من تونس أصبحت تؤسس لمنظومة توازن جديدة وبينت أن العالم العربي والشرق الأوسط ليس بؤر توتر دائمة.

وليسواغزاة يتربصون بالغرب للسطو عليه حال تمكنهم كما يروج اليمين المتطرف في الغرب، وإنما هم طالبو حقوق وإرادات اغتصبت منهم يريدونها أن تعود.

وقد بينت هذه الثورات أن مواطنيها يطمحون إلى فضاء تتوفر فيه الحرية والعدالة ويكرّم فيه المواطن. رافضين سياسة الكيل بمكيالين التي تتبعها أمريكا وأتباعها تجاه القضايا العربية.

فالثورة أحدثت واقعًا جديداً لم يحسب له حساب داخلياً وخارجياً، مما استهوى القوى الغربية ركوب موجته عندما تأكدت بعد أسابيع من الاحتجاجات أن الثورة التونسية والمصرية.

وتضاف إليها اليوم الليبية واليمنية والبحرينية والموجة تتوسع، تسير كلها في طريق ذي اتجاه واحد، وتؤسس لمنظومة جديدة تقطع مع الماضي.

ورغم تظاهر أمريكا والدول الأوروبية المتحالفة معها بتفهم خيارات الشعوب العربية في التحرر، فإنهم اليوم أمام مفترق طرق في التعامل مع الثورات العربية:

فإما تهميش وركوب على الأحداث دون تجاوب حقيقي لإرادة هذه الشعوب، والسقوط في منعطف جديد يضيفونه إلى موروثهم الاستعماري الذي أسهم إلى حد كبير في إشعال شرارة اندلاع هذه الثورات اليوم.

وعليه فإن الدول الغربية ستتحمّل مسؤولية مزدوجة في علاقتها بالدول العربية في المستقبل: مسؤولية الوعود الناعمة التي كانت تطلقها تحت مظلة دعم الانتقال الديمقراطي والنمو الاقتصادي في العالم الثالث والعربي على سبيل الخصوص.

وحقيقتها تصب بحسب منظمات غربية نفسها في مساعدة ودعم الدكتاتوريات في العالم العربي. تضيف إليها مسؤولية التركة الاستعمارية من نهب للخيرات وإثراء للنعرات الطائفية والانقسامات الداخلية، وإنشاء لكيان في داخل الجسم العربي ينخر عظامه من الداخل.

إرهاصات الثورات العربية وانعكاساتها:

أولا: الثورات العربية وبخاصة منها المصرية، والتونسية كشفت خطأ الطرح الذي كان يتداول في أوروبا والقائل بأن المنطقة العربية لا تقبل قيم الحرية والديمقراطية نظراً لمواريثها الدينية والثقافية المعادية لها.

وقد ظهر العكس من هذا، فالشعوب العربية أظهرت تعطشاً كبيراً للديمقراطية وقيم الحرية، في كفاح ونضال استمر سنين ضد أنظمة قمعية وتسلطية تم دعمها من دول المركز الغربي والشرقي.

وساهمت القيم الموروثة دينياً وثقافياً في ثورة هذه الشعوب بشكل واضح لا ينكره أحد وأبرزت أن الشعوب العربية وقيمها تقبل الديمقراطية والحرية بل وتصنعها وتصدرها الآن .

ثانيا: تحولت الدعاية التي كانت تقول أن العرب مجرد دعاة عنف وسفك وقتل ، كما كان يروج لها في الغرب من تصوير العرب وكأنهم تنظيم القاعدة، إذ أثبتت الثورات رقي وسلمية هذه الشعوب رغم سنين من القهر والعنف السلطوي ضدهم.

بل أظهرت هذه الثورات قيم التحضر الكامنة في الشخصية العربية إذ و لأول مرة نشهد ثورات بيضاء كهذه خصوصاً مصر وتونس تنتهي بتنظيف ميادين الثورة وتجميلها، والحفاظ على مؤسسات الدولة، والتعامل مع النظام السابق بالقانون العادل لا بمحاكم الثورة ومشانقها.

ثالثا: انهيار نظرية الاستبداد أو التطرف !! ، إذ أثبت الثورات حجم الإسلاميين الطبيعي وغير المخيف وكذلك سلميتهم ونبذهم العنف، ولذا من الخطأ الرهان على الاستبداد لسحق العنف الذي زرعه النظام المستبد، وزرعه الغرب بممارساته الاستعمارية أحياناً في العراق وأفغانستان، وسلوكه السياسي مع إسرائيل.

فما عاد من الممكن أن نتصور أن بديل الاستبداد في الدول العربية هو التطرف الديني، بالعكس، إن دعم ديمقراطيات حقيقية وفاعلة في المنطقة يعود بالنفع على الجميع ، ويهيئ لعلاقة طبيعية وفاعلة بين الشرق والغرب .

رابعا: انهيار نظرية اضطهاد الأقليات الدينية، وإن كان النظام السابق قد نجح في تصدير تلك المشكلة وتجذيرها في الحالة المصرية.

ولكنها كانت ظاهرة مفتعلة، يتلاعب بها للحفاظ على نفسه، ولذا حتى ما تلا الثورة من أحداث هو محاولة فلول النظام و بعض المتضررين من الثورة تشويهها و إعادة التطييف للمشهد.

خامسا: الشعوب التي أزاحت هذا الاستبداد ومازالت تزيحه في ليبيا واليمن وسوريا وتدفع آلاف الشهداء ، لن تسمح بعودة الاستبداد بأي صورة من صوره، والحل الوحيد في ضمان علاقات جيدة مع دول المنطقة هو ضمان علاقة جيدة مع شعوبها.

ولضمان علاقة جيدة مع شعوبها فهذا لايكون الا من خلال احترام هذه الشعوب وذاتيتها وخياراتها الديمقراطية وقضاياها القومية و الإقليمية ذات الأبعاد المختلفة ، ويجب فهم هذه القضية جيداً، إذ أن أي محاولة للالتفاف عليها سيعيدنا إلى المربع الأول.

سادسا: لنعلم أن هذه الشعوب لها موقف واضح وصريح من القضية الفلسطينية، وتقف بجوار إخوانهم الفلسطينيين في كل قضاياهم العادلة من القدس واللاجئين وحق العودة والدولة المستقلة كاملة الأركان.

وإنه لا سلام أو استقرار دون ذلك، والشعوب العربية تنظر إلى هذه القضية بمنظار القضية الأم، وبالتالي فهي وجدان الشعوب، النابض ولا يمكن تجاهله أو الالتفاف عليه.

معالم تأثير الثورات العربية في علاقة الشرق بالغرب:

نظراً لأن الغرب يعرف أبعاد الثورات وأثرها داخل وخارج حدودها الجغرافية، ولأنه يعرف أن هذه الثورات ستغير كما غيرت ثورات سابقة لها موازين القوى العالمية خاصة وإننا نعيش في زمن أصبح العالم فيه قرية صغيرة.

فإن هذا الحراك الثوري السائد في العالم العربي لن يكون العالم الآخر بمنأى عنه وإن كان في البداية أكثر توسعاً في المناطق التي تحمل أوضاعاً وثقافات متقاربة.

وسيكون العالم بعد هذه الثورات معرضاً للتأثير والتأثر في علاقة الغرب بالشرق على المدى القريب والبعيد وتبرز أهم معالم هذا التأثير والتأثر في:

1- تحقيق الاستقرار والأمن في المنطقة في عالم طالما ظل ينظر إليه على أنه بؤر توتر، وما يبحث عنه الغرب الآن هو استقرار يحقق له مصالح اقتصادية في المنطقة ويطمئنه على السير الطبيعي لمضخات البترول، فتستنشق الشعوب العربية رياح الحرية وتستفيد القوى الصديقة لها من مناخ حرية تعلو فيه سلطة القانون وتحاصر فيه المحسوبية.

2- إيقاف أفواج الهجرة: بالرغم من أن أفواج الهجرات المؤقتة التي عقبت وقد تعقب حراك الثورات في الشرق في اتجاه الغرب فإن المراقبين يرون أن الغرب سيكون أكثر المستفيدين من هذه الثورات .

حيث إن الاستقرار الذي سيتبع حراك الإرادات سيدعم الاستثمار المحلي ويقلّل البطالة ويرفع نسبة النمو والدخل الفردي بحيث نتوقع عودة مهاجرين للاستثمار في دولهم، وتراجع هجرة الشباب نحو الشمال.

3- مثل هذه الثورة ستدفع إلى حل قضايا عالقة في المنطقة ظل الحكام العرب الدكتاتوريون غير قادرين على البت فيها ومواجهة شعوبهم بها، فالحاكم المنتخب الذي يحمل شرعية حقيقية من شعبه يستطيع أن يتحاور ويقرر نيابة عن شعبه بعيداً عن الوصاية.

كما أن حروباً قادها الغرب بالتعاون مع الأنظمة الدكتاتورية في المنطقة، وكلفت هذه الحروب ضحايا، وأشعلت نار فتن، وأججت صراعات دون أن تحقق أهدافها، ستكون هذه القضايا أكثر قابلية للحل بإزالة جزء كبير من أسبابها لعل أهمها غياب إرادات الشعوب.

4- منح فرصة لخيارات جديدة في المنطقة بعيدة عن وصفة الأحكام المسبقة التي كانت تطلق على كل ما هو قادم من الشرق وتصوره بالغريب المخيف المرهب المتخلف الذي يريد أن يسطو على حضارتهم.

إلا أن هذه الثورات برهنت للمواطن الأوروبي والأمريكي حقيقة أحداث يطالب فيها المواطن العربي بالحرية والعيش الكريم رافضا للاستغلال والهيمنة مهما كان مأتاها.

5- التنازل عن منطق الوصاية والنظرة الفوقية التي كان مسلّم بممارستها على الحاكم العربي من قبل حكام الغرب، وفسح المجال للحديث عن شريك قادر على حماية المصالح بغضّ النظر عن توجهه الديني أو السياسي ما دام هو قويا بشعبه.

توجه نحو إعادة العلاقة الإستراتيجية بين العرب والغرب بدت مظاهرها في الإعلام الغربي والعربي بالحديث عن نهاية الوصاية، والبحث في آليات جديدة في التعامل بأكثر احترام مع إرادة هذه الشعوب وتراجع الخطاب الصدامي الذي كان بارزاً بقوة.

6- إحداث توازن إعلامي بدأ أخيراً يطرح نفسه على الساحة الإعلامية الدولية، وأصبح هناك إعلام جديد يساهم في تشكيل صناعة رأي عام غربي أكثر تفهمًا للقضايا العربية.

بحيث أصبح الإعلام الغربي يقرأ ألف حساب لما تنشره وتقدمه وسائل إعلام عربية على رأسها الجزيرة، ولم يعد هذا المواطن الأوروبي والأمريكي يثق ويصدق كل ما يقدمه إعلامه المحلي، كما اهتزت مقولة أن العرب والمسلمين أعداء بالضرورة للديمقراطية وحقوق الإنسان وتصويرهم كهمج.

خاصة عندما صدمتهم الصور التي تنقل عبر قسم من القنوات العربية كيف أن الشعوب الثائرة في ميادين التحرير والتغيير والحرية يعتصمون سلميا وليس لهم غير مطالب يطمح إليها أي بشر على وجه هذه الأرض.

هذا الفعل الحضاري رجح كفة تعاطف الشعوب الأوروبية وأمريكا للثورات العربية خاصة لما أنهى الثوار اعتصاماتهم بدعوات للمطالبة بالعودة إلى البناء والتشييد، وتيقن الغرب أن هذه الشعوب لا تريد السطو على من سطا على ممتلكاتهم وثرواتهم ولا يريدون ان ينتقموا من جلاديهم.

7- كما اتضح بما لا يدع مجالا للشك أن هذه الثورات دحضت فزاعة التخويف بالإسلام السياسي، وبرز الإسلاميون مشاركين في الثورات يموتون من أجل مطالب جماهيرية.

مرددين في مصر وتونس واليمن وليبيا وسوريا والبحرين أنهم لا يريدون الاستحواذ على السلطة ولا يخططون لبدائل دينية ويطمحون إلى أن يكونوا شركاء في دول مدنية يحمى ويحترم فيها الجميع.

8- منذ انطلاق الحراك الثوري يلاحظ تراجع لجماعات القتال والمؤيدين لهم، وهو ما يفسره مراقبون بأن مرده إلى الأمل الذي فتح لهؤلاء البشر آفاق في حياة أرحب مع هذه المجموعات.

بأن مبررات العنف بدأت تزول مع ذهاب أنظمة القمع والتمكن لإرادتهم الشعبية وبروز أفق يمكنهم من طرح آرائهم بوسائل جديدة.

9- يذهب المراقبون إلى أن هذه الثورات ستسهم أيضاً إلى حد كبير في تراجع اليمين المتطرف في الدول الأوروبية مع توقع زوال مبررات وجوده.

خاصة أن مشاريعه السياسية والفكرية بنيت على معاداة الأجانب والتصدي للهجرة من الجنوب، ونشر الكراهية والتفرقة بين المواطنين الأوروبيين على أسس عرقية أو طائفية أو دينية.

الأسباب التي تمخضت عنها الثورات العربية:

تشهد السنوات التي تسبق الثورات، سيلاً من الاحتجاجات، ضد طغيان الحكومة، وأكداسًا من الكتيبات، والمسرحيات، والخطب، وتفجراً في نشاط الجماعات الضاغطة صاحبة المصلحة، ولا تستطع الحكومة أن ترتفع إلي المستوي، الذي يطالب به خصومها، وتفشل محاولاتها الطاغية لكبت المعارضة الثائرة.

لأن تلك المعارضة، علي درجة كبيرة من القوة، ومزودة بالمعلومات والفضائل، أو لأن تلك المحاولات، تنفذ دون حماس، ودون اقتدار من جانب أعوان الحكومة، الذين تنجح المعارضة في أغلب الأحوال في أن تكسبهم إلي صفوفها.

والمتابع لهذه الثورات ومآلاتها يستطيع أن يستخلص وبكل بساطة أن الثورات استلهمت من الغرب قيم الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان، وتريد من الغرب بشقيه الأمريكي والأوروبي تفهمًا لهذه التغيرات الحادثة اليوم في الساحة العربية.

ولعل أبرز ما يطلبه العرب بعد الثورات أن يسود الاحترام المتبادل والشراكة المتوازنة، ترفع عنهم الوصاية وتحترم إرادتهم السياسية والاقتصادية، وأن يتعامل معهم كشركاء.

ولأن التاريخ علمنا أن المطالب لا تنال بالتمني ولكن تحتاج إلى جهد وبذل وعطاء وكفاح لتحقيقها، والشعوب العربية لازالت قادرة على هذا البذل وأن تضحي من أجله لتحقيق مطالبها.

أوجه الالتقاء بين الثورات العربية:

تتسم الثورات العربية بعدد من النقاط المشتركة، التي تجمع بين البلاد التي اندلعت فيها، ففي مصر وتونس واليمن وسوريا، ساد علي المستوي السياسي نظام تعددي شكلي.

لا فرق فيه بين حزب المؤتمر الشعبي العام الذي أسسه الرئيس اليمني علي عبدالله صالح عام 1982 ويرأسه، وبين التجمع الدستوري الديمقراطي الحاكم الذي كان يرأسه زين العابدين بن علي في تونس منذ عام 1988، وبين الحزب الوطني الحاكم في مصر، الذي تولي "مبارك" رئاسته منذ تقلده السلطة عام 1981، فيما عرفت سوريا، صيغة ما سمي، بالجبهة الوطنية التقدمية، التي يقودها حزب قائد هو حزب البعث.

وفي كل تلك الحالات، كانت أحزاب المعارضة يتم التضييق عليها، ومحاصرتها،والتدخل في نشاطها، علي نحو جعل التعددية الحزبية في تلك البلاد مجرد شكل يخلو من أي مضمون.

لاسيما بعد الدمج بين الحزب الحاكم وبين الدولة،واحتكار قادة الحزب للحياة السياسية والإدارية والتنفيذية، والسيطرة علي كل أجهزة الإعلام، التي أصبحت منحازة بشكل كلي للحزب وقياداته وزعيمه.

فضلا عن سطوة أجهزة الأمن، التي انتشر نفوذها وتمدد ليصبح لها الرأي النهائي في تولي الوظائف العامة، والتدخل في حرية المواطنين في التعبير عن الرأي وفي حق التنقل والسفر، وممارسة الاعتقالات العشوائية للمعارضين، وممارسة الحكم بالقوانين الاستثنائية وأحكام الطوارئ!

وشهدت مصر وتونس واليمن انتخابات رئاسية تعددية، كانت شكلية بدورها، إذ جرت بين أكثر من منافس، مع وضع شروط تعجيزية، تجعل المنافسة غير متكافئة، وتسفر عن نتيجة معروفة سلفا.

كما جري تفصيل الدساتير والقوانين علي أشخاص، حدث ذلك في تونس، حيث كان يجري الإعداد لتمديد فترة الرئاسة من ثلاث مدد وإطلاقها إلي ما لانهاية، وفي سوريا، تم تخفيض سن المرشح لرئاسة الجمهورية، بحيث يتواءم مع عمر بشار الأسد، عندما توفي والده، من أربعين إلي ستة وثلاثين، وهو عمر بشار عند وفاة والده المفاجئ.

وفي مصر تم تفصيل المادة 76، وتعديلها لأهداف معروفة للمصريين جميعا، ولحصر الترشيح بين الرئيس مبارك، وعدد محدود من المرشحين، واستبعاد المستقلين من الحق في الترشح. وكان من الطبيعي مع كل هذه الأوضاع الشائهة، أن تغيب أي فرصة لتداول السلطة.

واشتركت هذه الأنظمة بدرجات متفاوتة، في رفع شعارات العدل الاجتماعي، ثم ما لبثت أن أخذت بشكل تدريجي، بسياسة الانفتاح الاقتصادي، وتخلت عمليا عن تلك الشعارات، علي نحو أدي إلي التزاوج بين السلطة والمال.

مما خلق طبقة من الفاسدين، تشمل رجال أعمال، ورجالا في الحكم، تدعم هذه الأنظمة وتساندها وتستفيد منها في مراكمة ثرواتها، في الوقت الذي أخذت أحوال الطبقات الشعبية في التدهور المستمر.

ولذلك كانت مصر وتونس واليمن، من أكثر الدول تصديرا للعمالة إلي دول النفط، وفي قلب هذه الأوضاع الاقتصادية، تشكلت شرائح من الطبقة الوسطي، التي تعلمت واستقرت أوضاعها، وكانت وقودا للثورات في هذه البلاد.

تعقدت الأوضاع في تلك الدول مع استمرار أنظمتها الاستبدادية الفاسدة، مع صعود التيارات الإسلامية وبروزها كبديل، ومع رفض هذه الأنظمة الاستماع إلي مطالب معارضيها، بإدخال إصلاحات في النظم السياسية، تضمن تداول السلطة، وحدا أدني من العدالة للطبقات الشعبية.

وإصرارها علي المناورة، بالسماح بمساحة من الحريات، ضمن خطة تموه بها علي الشعوب، وتوحي لحلفائها الغربيين، بأنها تستجيب لنصائحهم، بتوسيع نطاق الحريات، فيما عوامل السخط والغضب تتراكم لتشمل الطبقات الوسطي والفقيرة.

وقد اعتمدت مصر وتونس واليمن وليبيا وسوريا علي الدعم الأجنبي المباشر وغير المباشر، لما ظنته تهديداً لاستقرارها، ضد خطر الجماعات الإسلامية.

ففي مصر اعتمد النظام بدرجة كبيرة علي الدعم الأمريكي والأوروبي، في مقابل محافظته علي الاستقرار في المنطقة، واعتمد النظام التونسي علي الدعم الأوروبي، والفرنسي بشكل خاص، باعتباره أحد أعمدة الاستقرار في المغرب العربي.

بينما اتجه النظام السوري إلي التحالف مع إيران، بعد أن تعقدت علاقاته مع الغرب، واضطرت ليبيا إلي تقديم شواهد علي عودتها إلى الخيمة الغربية، بعد سنوات من الحصار الأمريكي والغربي عليها.

بتفكيك ترسانتها النووية، ودفع تعويضات لضحايا لوكربي، وتعاون النظام اليمني، مع الولايات المتحدة، بعد أن تحولت الجبال اليمنية إلي مناطق تمركز لفلول الأفغان العرب.

وفي قلب هذه التعقيدات تشكلت الظاهرة التي لم يلتفت إليها أحد، وهي استخدام الجيل الجديد من الشباب العربي لوسائل الاتصال الحديثة، لخلق نوع من التواصل، عجزت أجهزة الأمن السياسي التقليدية، عن ملاحقته، وهونت من شأن قدراته، في تكوين حشود يمكن أن تهدد الاستقرار.

فضلا عن الدور المهم الذي لعبته الأحزاب والمنظمات الحقوقية، في فضح الانتهاكات التي تقوم بها الأنظمة، والضغوط التي مارستها المنظمات الحقوقية الدولية في هذا المجال.

وفي الحالتين التونسية والمصرية، كان حياد الجيش ودعمه وتخليه عن النظام هو العامل الحاسم، كي تحقق الثورة أهدافها في زمن قصير، ولكن الأمر ليس كذلك في الحالات اليمنية والسورية والليبية.

حيث يلعب الجانب القبلي والطائفي دورا في الصراع بما يجعل من الممكن القول إن النموذج الذي يعود الفضل فيه إلي الشعب التونسي، غير قابل للتكرار.

إلا في جانبه الحركي الذي نبه الشعوب العربية إلي أنها لو نزلت الي الشوارع بأعداد كبيرة، فسوف تحمي نفسها من أشكال العنف السلطوي، وتربك أجهزة الامن وتشلها عن التصدي لها.

وهو ما كشفت عنه التجربة في الحالتين المصرية والتونسية، حين تبين أن تلك الأجهزة ما هي إلا نمر من ورق، وأنها ليست بالقوة التي كانت تشيعها عن نفسها!

الشيء المؤكد أن هذه الثورات، ستؤدي إلي تغيير طبيعة السلطة في العالم العربي، وسوف تفتح الباب أمام انتقال نظم الحكم العربية إلي درجة أرقي من الممارسة الديمقراطية.

ولكن ذلك يبقي رهين أن يستكمل التطور الديمقراطي خطواته، ويقيم في الدول التي نجحت بها تلك الثورات، أنظمة ديمقراطية، مدنية، وعصرية، عادلة وقادرة أن تسد ينابيع الفساد، وأن تحقق الحياة الكريمة لشعوبها.

الخاتمة

الثورات العربية هي ثورات داخلية في جوهرها وهي نتاج القهر والمعاناة والاستبداد السياسي والظلم المتفشي الذي عاشته هذه الشعوب على مر العقود السابقة من قبل أنظمة وحكومات عربية فاسدة سلبت المواطن العربي حرية الرأي والتعبير السياسي والإعلامي.

فغيبت ثقافة هذه الشعوب وشتت أفكاره ووعيها وأعمت بصيرتها عن الحقائق عن طريق الإعلام الهابط المزيف الذي يهدف إلى طمس وتهميش العقول والأفكار التي من شئنها أن تنهض بالواقع العربي الذي أصبح بالحضيض ليكواكب مسيرة التحضر العالمية .

لكي لا يصبح المواطن العربي متفاعلا مع الأحداث التي تشهدها الساحة العربية وأن لا يملك المواطن تلك الجرأة لقول كلمة الحق في وجه هذا السلطان الجائر كما حاربوا هذه الشعوب في أرزاقها.

فهم يريدون أن يكون جل تفكير المواطن في تأمين رزقه لأولاده الذين يكابدون الجوع فنهبوا أموال هذه وثروات هذه الشعوب الي جانب خصخصة مؤسسات الدولة لخدمة الأفراد والعصابات الحكومية بدل من خدمة هذه الشعوب !!!

فعملوا على إرهاب هذه الشعوب وترويعها عن طريق العمل والتعذيب فكل من يعارضهم ويرفع شعار التغير والإصلاح في وجوههم فانه يعاقب من قبل المؤسسات التي وجدت لتحمي هذا المواطن المغلوب على أمره وتدافع عن مصالحه الشخصية والعامة .

فكل من يحاول كشف المستور وكشف تلك الحقائق ويسلط الضوء على الفساد والظلم الذي اهلك الحرث والنسل فإنه يعاقب فكثير من المعارضين السياسيين تم التنكيل بهم في سجون هذه الأنظمة فمنهم من قتل ومنهم من ينتظر موعده ومنهم من عذب ومنهم من لا يعرف له سبيل!!!

فذاكرة التاريخ لن تخون وعي المواطن العربي والتاريخ لن يرحم هؤلاء الطغاة الذين لطخوا أيديهم في قتل أبناء جلدتهم بمجرد مطالبتهم بحقوقهم .

فدماء آلاف السورين مازالت على جدران سجن تدمر شاهدة على هول الجريمة التي ارتكبها المقبور حافظ الأسد وزمرته ضد هؤلاء الذين طالبوا بالتغير والإصلاحات السياسية.

ومجزرة أبو سليم عام 1996 التي ارتكبها الدكتاتور العقيد المعقد القذافي ضد معارضيه السياسيين فقتل 1200 منهم وها هو التاريخ يعيد نفسه على يد هذا الطاغية الذي يرتكب مجازر إبادة بحق شعبه الذي تاثر بالثوريتين التونسية والمصرية .

فخرج في مظاهرات بيضاء مطالبا بحقوقه المشروعة التي سلبت منه على مر 42 من الحكم الفرعوني لهذا الطاغوت فأرادها هو ثورة حمراء ملطخة بدماء الأطفال والشيوخ والنساء !!

أراداها حرباً عشوائية عمياء فإما أن يحكم الكل وإما أن يقتل الكل إنه داء العظمة وجنون السلطة لهؤلاء الطواغيت وعبدة الطواغيت الذين تنكروا لشعوبهم ولدينهم ولأوطانهم من اجل الولاء لطاغوت.


إلا أن دموع الشهداء سوف تلعن هؤلاء المتآمرين الذين لطخوا أيديهم في قتل أبناء شعبهم فدموع الأطفال والنساء والشيوخ واليتامى والثكلى سوف تلعنهم وتطاردهم إلى يوم الدين.

والتاريخ لن يرحم فهم حتما سيندثرون في أوراق مزابل التاريخ أينما كانوا وأينما وجدوا في مصر وتونس عندما قامت قوات الأمن وما يعرف بالبوليس السياسي التونسي بالتصدي للمتظاهرين.

والحال هو نفسه في كل الأقطار العربية إلا من رحم ربي وإن اختلفت أو قلة درجة القمع فالحرية

مسلوبة ...مسلوبة .....مسلوبة...

والفساد والظلم قد تفشى والألم والمعاناة وحدت الشعوب العربية وجمعت قلوبهم وتعانقت أرواحهم عناق العشاق ثمنا في نيل الحرية وهذا ما يفسر امتداد الثورات العربية من قطر لأخر فمنها من تحرر ومنها من يصارع ويكابد ومنها من ينتظر

اذاً فبعد هذه الثورات ثبت فشل جميع المحاولات التي كانت تهدف إلى تغيب الوعي لدى الشارع العربي والى حجب الصوت العربي الذي أصبح يطالب بتغير الواقع المؤلم ذلك الواقع الذي رسخته ورسمته آلة الطغيان نعم فشلت بعد أن حل الربيع باكرا هذا العام.

انه ربيع الثورات العربية التي تحطمت على صخرتها عروش الطغاة وها هي تزلزل عروشا أخرى فصمت الشعب لا يعني الخنوع أيها القيصر000وإن صمتنا على الذل والهوان فان لصمتنا ولصبرنا حدود ولابد أن يبلغ السيل الزبا000

وقد بلغ بفضل الله فخرج الشارع العربي عن بكرة أبيه كاسرا بذلك حاجز الصمت متحديا بصدره العاري جحافل الطغاة سعيا وراء الحرية المسلوبة.

فالصمت لا يعني أن الوعي قد غاب... والخوف لا يعني أن الشجاعة قد آلت إلى سراب...فصرخة الثورات العربية أصبحت تدق الأبواب.

تلك الصرخة التي خرجت من مدينة بوزيد وعمت كل المدن التونسية مطالبة بإصلاحات سياسية ومع محاولة الحكومة التونسية إخماد هذه الصرخة تجلت روح التحدي الشعبية وتلخصت بتدفق شعبي وسياسي والتفافه مع الثورة ليرتفع صدي هذه الصرخة الشعبية .

كما تلخصت روح التحدي برفع سقف المطالب فبعد أن كانت تلك الصرخة تطالب بالتغير أصبحت تطالب بإسقاط النظام فصمدت هذه الصرخة ولم يستطع رصاص الغدر أن يسكتها فسقط النظام ونجحت الثورة فكانت الثورة التونسية هي شرارة الثورة المصرية.

فهي التي فتحت الباب أمام الثورة المصرية التي جابت شوارع المدن المصرية وأخذت من ميدان التحرير معقلا لها الذي عبر هدف تلك الثورة المتمثل بالتحرير... التحرير من آلهة الطغيان الذين حكموا مصر لعشرات السنين وسلبوا منه حريته وحقوقه .

والجدير ذكره أن الحكومة المصرية استخدمت السيناريو نفسه التي استخدمته الحكومة التونسية لإخماد تلك الثورة والقضاء على صناع هذه الثورات لا إنها إرادة الشعوب... صرخات الشعوب ..

فلا احد يستطيع أن يخمد تلك الصرخات الملتهبة فصمدت إرادة الشعب المصري إلا أن سقط النظام ونجحت الثورة وبحكم الموقع الجغرافي لمصر ودرجة تأثيرها على دول المنطقة فهي تعتبر مركز تأثير العربي.

*كاتبة وإعلامية مصرية


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.