في مشهد تتصاعد فيه التوترات السياسية والعسكرية، تتجه الأنظار نحو العاصمة الروسية موسكو، حيث يهبط المبعوث الرئاسي الأمريكي، ستيف ويتكوف، في محاولة أخيرة لإنقاذ ما يمكن إنقاذه قبل أن يُسدل الرئيس دونالد ترامب الستار على فرصة السلام بفرض عقوبات جديدة وصارمة. تأتي هذه الزيارة وسط غضب أمريكي متزايد من تعنت روسيا في الحرب الدائرة بأوكرانيا، وتحذيرات من ترامب قد تُغير شكل العلاقة الأمريكية-الروسية للأبد. موسكو تستعد لاستقبال ويتكوف أفادت شبكة CNN الأمريكية أن ستيف ويتكوف، مبعوث الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، سيتوجه إلى موسكو يوم الأربعاء، استجابة لطلب من الكرملين لعقد اجتماع عاجل، في خطوة وُصفت بأنها محاولة أخيرة لتفادي حزمة العقوبات الجديدة التي هدد ترامب بفرضها هذا الأسبوع. ومن المتوقع أن يلتقي ويتكوف عددًا من المسؤولين الروس، وسط احتمالات بلقاء الرئيس فلاديمير بوتين نفسه، في ظل استمرار الحرب الروسية على أوكرانيا. شكوك في نوايا بوتين يظل الغموض يكتنف قدرة بوتين على التأثير في ويتكوف، وبالتالي على قرارات ترامب، الرئيس الأمريكي أبدى شكوكًا علنية بشأن نوايا بوتين، وقلقًا من إمكانية أن يُخدع من قِبل زعيم لا يثق به. في المقابل، يتمسك بوتين بأقصى درجات التصعيد، مصرًا على السيطرة على مناطق دونيتسك ولوغانسك وزابوريجيا وخيرسون، إلى جانب مطالبته بتقليص قدرات الجيش الأوكراني. وأعلن ترامب، عشية زيارة ويتكوف، أنه سينتظر انتهاء اللقاءات مع الروس قبل اتخاذ قراره النهائي بشأن العقوبات. وقال من البيت الأبيض: "لدينا اجتماع مع روسيا غدًا، سنرى ما سيحدث، سنتخذ القرار حينها". أجواء مشحونة تشير CNN إلى أن أجواء اللقاء المرتقب تختلف كليًا عن آخر زيارة لويتكوف إلى موسكو في أبريل الماضي، إذ ازدادت خيبة أمل ترامب من موسكو خلال الأشهر الماضية، بعد أن رفضت روسيا مبادرات السلام الأمريكية وكثفت هجماتها ضد المدن الأوكرانية، بما فيها العاصمة كييف. وقبل زيارة ويتكوف بيوم واحد، أجرى ترامب اتصالًا بالرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي لمناقشة العقوبات المحتملة ضد موسكو، وفي بيان نشره زيلينسكي على مواقع التواصل، وصف العقوبات بأنها "قد تُحدث تغييرًا كبيرًا في الاقتصاد الروسي". كما ناقش الزعيمان زيادة الدعم العسكري الأمريكي لأوكرانيا، بما يتوافق مع التوجهات التي أقرها ترامب مؤخرًا بدعم من حلف الناتو. الجمعة موعد حاسم حدد ترامب يوم الجمعة مهلة نهائية أمام روسيا للتوصل إلى اتفاق سلام، وإلا فستواجه عقوبات واسعة تطال اقتصادها والمستوردين لطاقتها. وكان الموعد الأصلي يمتد لخمسين يومًا، لكن الرئيس الأمريكي اختصره نظرًا لغياب أي تقدم ملموس من الجانب الروسي. ورغم تهديداته، أعرب ترامب عن شكوكه بشأن فاعلية العقوبات قائلاً: "إنهم بارعون جدًا في التهرب منها، كما تعلمون، إنهم ماكرون، لذا سنرى ما سيحدث". رسائل نووية في تصعيد ملحوظ، أمر ترامب الأسبوع الماضي بإعادة تمركز غواصتين نوويتين أمريكيتين، كإجراء احترازي بعد تصريحات مستفزة من ديمتري ميدفيديف، نائب رئيس مجلس الأمن الروسي. لكن وزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو قلّل من أهمية تلك التصريحات، واصفًا ميدفيديف بأنه ليس لاعبًا رئيسيًا. واعتبر مسؤولون أوروبيون إعادة نشر الغواصات إشارة ضمنية لقوة الردع الأمريكية قبل زيارة ويتكوف، فيما لم تؤكد الولاياتالمتحدة تنفيذ هذه الخطوة بشكل فعلي. تفاصيل العقوبات المرتقبة هدد ترامب باتخاذ إجراءين أساسيين في حال رفضت روسيا التوصل لاتفاق سلام: فرض عقوبات مباشرة على الواردات الروسية إلى الولاياتالمتحدة وهي خطوة رمزية نسبيًا، نظرًا لتراجع حجم التجارة بين البلدين منذ اندلاع الحرب. وفرض "رسوم جمركية ثانوية" على الدول المستوردة للطاقة الروسية، خاصة الصينوالهند، ما قد يؤدي إلى تقليص تمويل آلة الحرب الروسية. ويتساءل مسؤولون أمريكيون عما إذا كان الموعد النهائي يوم 8 أغسطس حقيقيًا، أم مجرد ورقة ضغط يستخدمها ترامب وفق مزاجه السياسي. عقوبات غير فعالة رغم العقوبات الغربية الكثيرة، لم تنجح الجهود حتى الآن في كبح تمويل روسيا لحربها، وتستخدم موسكو أسطولًا من الناقلات غير المعروفة الهوية لبيع النفط للصين والهند. ويرى ترامب أن مفتاح وقف الحرب قد يكون اقتصاديًا، إذ قال في مقابلة على قناة CNBC: "سيتوقف بوتين عن قتل الناس إذا انخفض سعر الطاقة بمقدار 10 دولارات أخرى للبرميل، لن يكون أمامه خيار آخر لأن اقتصاده يعاني من أزمة". وأعلن ترامب عزمه فرض تعريفات جمركية على الهند بسبب استيرادها النفط الروسي، رغم سعيه في الوقت ذاته لصفقة تجارية معها. وتقول الهند إن وارداتها من الطاقة الروسية ساعدت على استقرار السوق العالمي. أما الصين، التي لا تزال في مفاوضات تجارية مع الولاياتالمتحدة، فقد أُبلغت من قبل وزير الخزانة الأمريكي بضرورة الاستعداد لعقوبات محتملة إذا واصلت شراء الطاقة الروسية. ورغم ذلك، يتردد ترامب في اتخاذ خطوات فعلية ضد بكين في ظل تقدّم محادثات التجارة بين البلدين. دعم صيني لوجستي لروسيا تعززت العلاقات الروسية-الصينية مؤخرًا، وتجاوزت بكين مرحلة شراء الطاقة فقط، حيث قدمت لروسيا قطع غيار ومكونات طائرات مُسيّرة استُخدمت في الهجمات على أوكرانيا. ومن المنتظر أن يلتقي الرئيسان بوتين وشي جين بينغ في بكين مطلع سبتمبر، خلال احتفالات ذكرى نهاية الحرب العالمية الثانية. ويتكوف يعود إلى الواجهة بعد أشهر من الغياب عن المشهد التفاوضي، يعود ويتكوف للعب دور محوري في محاولة تهدئة الصراع، رغم الانتقادات التي طالته سابقًا بسبب قلة خبرته الدبلوماسية، ولقاءاته السابقة مع بوتين دون مترجم أمريكي. وبحسب CNN، لا تزال هناك مخاوف بين مسؤولين أمريكيين من أن يُستدرج ويتكوف إلى وعود زائفة، خاصة في ظل أن بوتين لم يُظهر أي تغيير جوهري في موقفه رغم اللقاءات السابقة. في ظل تهديد العقوبات، وقلق حلفاء أمريكا، وتصلب المواقف الروسية، تعود مفاوضات السلام إلى الواجهة. ويتكوف يقف في قلب العاصفة، حاملاً بين يديه فرصة أخيرة لإقناع موسكو قبل أن يُطلق ترامب سلاحه الاقتصادي. وبين الحسابات الجيوسياسية والطموحات النووية والتجاذبات الدولية، يُرسم مستقبل الحرب الأوكرانية بمداد من الترقب والريبة.