وإن توسيع \"الناتو\" لم يكن فكرة صائبة على اعتبار أنه أثار مخاوف الروس ودفعهم إلى انتخاب ضابط سابق في جهاز المخابرات السوفيتي \"الكي جي بي\" من زمن الحرب الباردة رئيساً لهم، وإن الشيء الوحيد الذي خرجنا به من توسيع \"الناتو\" هو البحرية التشيكية والواقع أن المنتقدين كانوا مخطئين عندما عارضوا انضمام دول جديدة إلى عضوية الحلف في التسعينيات، بل ومازالوا مخطئين والواقع أنه كلما مر الزمن، ثبتت صحة الحجج القائلة بإيجابيات توسيع عضوية الحلف وقد كانت ثمة ثلاثة أسباب رئيسية لتوسيع \"الناتو\"، أثبت الزمن صحتها جميعا. \r\n أولا، كان القصد من توسيع عضوية حلف \"الناتو\" توفير ذراع أمنية يمكن لأوروبا الوسطى والشرقية أن تدفن وراءه صراعاتها التاريخية وتندمج بسلام في الغرب وهكذا، فقد ساعدت عملية توسيع عضوية حلف \"الناتو\"، ليشمل دولاً في وسط أوروبا وشرقها، على تسهيل مهمة توسيع عضوية الاتحاد الأوروبي أيضاً فكان من نتائج ذلك أن أصبحت أوروبا اليوم أكثر ديمقراطية وسلاماً وأمناً من أي وقت مضى والحقيقة أننا جميعاً- أوروبيين وأميركيين وروس- استفدنا من هذه الخطوات. \r\n أما التهديدات التي تواجهها روسيا اليوم، فهي لا توجد في الغرب، وإنما في الجنوب والشرق بل يمكن القول : إن موسكو تتمتع بالاستقرار والأمن على حدودها الغربية اليوم أكثر من أي وقت منذ عهد نابليون. \r\n ثانيا : لقد قمنا بتوسيع حلف \"الناتو\" ليكون حاجزاً ووقاء من روسيا التي يمكن أن تَصعد من جديد كقوة مهيمنة تمثل تهديداً مستقبلياً في المنطقة والواقع أن ذلك بالضبط هو ما يُخشى أن تسقط فيه روسيا اليوم أما الأخبار السارة بالنسبة لأوروبا الوسطى، فتتمثل في أنها أضحت اليوم آمنة وراسخة بقوة في \"الناتو\" والاتحاد الأوروبي ولنتخيل الحالة التي كان يمكن أن تكون عليها أوروبا الوسطى اليوم لو لم نقم بتوسيع عضوية الحلف : كان زعماء أوروبا الوسطى والشرقية سيمضون وقتا أطول في التفكير في كيفية الوقوف في وجه الضغوط الروسية بدلاً من الانشغال ببناء مؤسسات ديمقراطية وإدارة اقتصاديات حرة وقوية؛ وكانت العلاقات مع بولندا ودول البلطيق ستبدو شبيهة بالعلاقات المضطربة التي تربط موسكو اليوم مع أوكرانيا وجورجيا . \r\n أما السبب الثالث لتوسيع عضوية حلف \"الناتو\"، فقد كان أوسع نطاقاً وأكثر استراتيجية فوقتها، تحدث الرئيس كلينتون عن رغبته في مساعدة أوروبا على حل نزاعاتها الداخلية وأمله في أن يشجع ذلك الأوروبيين على رفع آفاقهم الجيوسياسية، وتحمل مسؤوليات عالمية أكبر، والتحول إلى شركاء للولايات المتحدة في مواجهة التهديدات الجديدة الموجودة في مناطق خارج أوروبا فهل مازال أحد يشك في أهمية ذلك اليوم بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر؟ وهل كان \"الناتو\" ليشارك في أفغانستان اليوم ، أو يتحدث عن مهام أكبر لو أننا لم نساهم في إقامة نظام أمني مستقر في مرحلة ما بعد الحرب الباردة بأوروبا في عقد التسعينيات ؟ الحقيقة أنه لو أن أوروبا لم تكن آمنة اليوم ، لكان من الصعب جدا إقناع حلفائنا بالالتزام معنا في أماكن مثل أفغانستان والشرق الأوسط . \r\n والقول : إن توسيع \"الناتو\" كان وراء انتخاب فلاديمير بوتين رئيساً في روسيا هو بمثابة إعادة كتابة للتاريخ ذلك أنه عندما يتعلق الأمر بمشوار بوتين السياسي، يمكننا أن نشكر بوريس يلتسن؛ فقد كان هو من انتقى بوتين ليكون خلفا له حمايةً لمصالحه الخاصة, وليس لأسباب تتعلق بتوسيع حلف \"الناتو\". وبالتالي، فعلينا أن نكف عن التظاهر بأن صعود روسيا المقلق كدولة غير ليبرالية وسلطوية على نحو متزايد ، ودولة تتبنى شكلاً من أشكال القومية-البترولية الأورو-آسيوية كان نتيجة للسياسة الغربية بل إنه يعزي إلى تطورات داخل روسيا ليس للغرب ناقة فيها أو جمل . \r\n وأن نقول : إننا لم نستفد من توسيع حلف \"الناتو\" في شئ إنما يشبه رؤيتنا للأشجار وعدم تمييزنا للغابة ؛ فبالرغم من أن العديد من أعضاء حلف \"الناتو\" الجدد ما زالوا أكثر فقرا من دول أوروبا الغربية، فإن مساهمتهم في التحالف -عن كل فرد- هو أعلى من مساهمة معظم الحلفاء الأوربيين الغربيين ثم إن دول أوروبا الوسطى والشرقية تتمتع اليوم بالديمقراطية والاستقرار والرخاء ؛ وقد حققت هذا التقدم لأنها استطاعت مغادرة الفلك السوفييتي وأصبحت جزءا من أوروبا وقد كان حلم الانضمام إلى \"الناتو\" وإعادة الانضمام إلى أوروبا العامل المحفز لسكان هذه البلدان الذي دفعهم إلى التوحد وتأييد إجراء إصلاحات صارمة لم تكن لتتحقق لو أنها لم تكن ثمناً للانضمام إلى حلف \"الناتو\" ونتيجة لذلك، فلديهم اليوم الثقة، إضافة إلى الإمكانيات، للتعاطي مع صعود روسيا قومية. والواقع أنه بفضل توسيع \"الناتو\" استفدنا من أكثر من مجرد البحرية التشيكية؛ فلدينا أوروبا موحدة وحرة؛ ولدينا تحالف أكثر قدرة على حمايتنا من تهديدات المستقبل لأنه دفن الكثير من الأشباح الماضية وذاك إنجاز جيد جداً في الواقع. \r\n \r\n غريغ كريغ \r\n رونالد أسموس \r\n مدير مكتب التخطيط السياسي في ادارة كلينتون \r\n نائب مساعد وزيرة الخارجية الأميركية للشئون الأوروبية في إدارة كلينتون. \r\n خدمة واشنطن بوست خاص ب(الوطن) \r\n