ما الذي أصاب العلاقات الأميركية الروسية؟ ترودي روبين تسلم ميخائيل جورباتشوف مؤخرا ميدالية الحرية المرموقة في مركز المعهد الوطني في فيلادلفيا. وتم امتداح الرئيس السوفيتي السابق على تطويره قضية الحرية عن طريق طرح اصلاحات ادت إلى التفكك السلمي للاتحاد السوفيتي. في نفس اليوم وفي حديث عن العلاقات الاميركية - الروسية في واشنطن نددت وزيرة الخارجية كوندوليزا رايس بغزو موسكو لجورجيا وحذرت بأن روسيا قد عادت إلى "السلوك العدواني المجنون". يمكن الا يكون الفصل بين هذين الحدثين مثيرا بشكل كبير. مع ذلك فإن حفلة فيلادلفيا كانت تذكرة، في الوقت الذي يزداد فيه الفتور في العلاقات الاميركية -الروسية، بكيف تعاونت بلدينا بشكل وثيق في ظل حكم جورباتشوف وجورج بوش الاب. وكان جورج بوش على المسرح مع جورباتشوف وكانت العلاقة العاطفية واضحة بين الاثنينِ. وقال جورباتشوف" كان الرئيس بوش افضل شريك لي... وجعل من الممكن وضع نهاية للحرب الباردة، وقد وصلنا بالتغيير إلى نقطة اللا عودة حيث لم يكن لعقارب الساعة ان تدور إلى الوراء." إذاً أين وقع الخطأ؟ طرحت هذا السؤال على جورباتشوف في مقابلة معه في فيلادلفيا. (ألقى جورباتشوف باللائمة على الجورجيين في استثارة الغزو الروسي من خلال ارسال قوات إلى اقليم اوسيتيا الجنوبية الانفصالي. والحالة كانت اكثر تعقيدا: فلدى الروس قوات متمركزة على الحدود الجورجية تتطلع بشكل واضح لأي مبرر لعبورها. ومع ذلك اختار الجورجيون الوقوع في الفخ.) وبادرته بهذا السؤال" هل تريد الحكومة الروسية الحالية ان تكون جزءا من الغرب ام لا؟" على غرار اغلب الروس ينظر جورباتشوف للتوترات الحالية عبر منظور مختلف تماما عن المنظور الذي ينظر به اغلب الاشخاص هنا. حيث اكد ان" روسيا دائما ما كانت بلدا اوروبيا وتريد ان تبقى بلدا اوروبيا. ولم يعد هناك اي انقسام فكري. وليس لدى روسيا اية نية لمحاربة احد." وتذكر الايام المذهلة عندما اعطى، بصفته زعيما سوفيتيا، الضوء الاخضر لشرق اوروبا بان تختار مستقبلها ولألمانيا بأن تستعيد وحدتها. وعندئذ على حد قوله كان يبدو هناك فرصة للتخلص من حلف شمال الاطلسي (الناتو) بالاضافة إلى حلف وارسو الشيوعي. وكرر دعوته التي طرحها منذ التسعينات بمنظمة امن مشتركة لكل اوروبا. ويذكر انه بدل من ذلك نشهد "صراعا جديدا على مناطق النفوذ" بين الناتو وروسيا. ويتذكر كلمات اول امين عام للناتو في اواخر الاربعينات بشأن هدف المنظمة العابرة للاطلسي:" ابقاء اميركا في الداخل وابقاء المانيا في الاسفل وابقاء روسيا في الخارج." بالطبع فإنه لا "اوروبا القديمة" ولا "اوروبا الجديدة" من الدول الشيوعية السابقة تثق في النوايا الروسية بأنها تريد تفكيك الناتو او قطع العلاقات الامنية مع واشنطن. وقد تزايد عدم الثقة هذا بسبب الغزو الروسي المكثف لجورجيا حتى بين الاوروبيين الذين يعتقدون ان جورجيا هي التي جلبت المشاكل لنفسها. غير ان جورباتشوف يعكس الغضب الروسي الممكن تفهمه بأن الغرب قد نقض الوعود التي قطعها له في مطلع التسعينات. وقال بنغمة حزينة" اميركا استفادت من تفكك الاتحاد السوفيتي. ورفضت القرارات التي اتخذتها ووقعت عليها الولاياتالمتحدة. فقد اعلن وزير الخارجية جيمس بيكر ان الناتو لن يتجه شرقا. فأين الناتو الان؟" واشار إلى قرار الناتو بدعوة دول شرق اوروبية سابقة إلى الانضمام إليه والقرار العالق بشأن انضمام جورجيا واوكرانيا. كان هناك مرارة في حلق وصوت جورباتشوف في الوقت الذي كان يتذكر فيه ازدراء الغرب خلال التسعينات، عندما كانت روسيا في حالة انهيار. وقال" لم نكن نحن الروسيين نريد ذلك. فانا لم اسمع عبارة تعاطف من شركائنا الاوروبيين. بل كانوا يصفقون." وقد صبغ هذا الاحساس بالظلم القرارات السياسية والفكر السياسي الروسي بشكل واضح. ويذكر جورباتشوف ان الصحافة الغربية كانت "تعمل حسب التعليمات" لأنها لم تعلن ان المأساة في جورجيا كانت برمتها من خطأ الحكومة الجورجية. من غير الواضح عما اذا كان السلوك الروسي اليوم كان يمكن ان يكون مختلفا لو ان الغرب كان قدم لها احترام اكبر منذ التسعينات. ولو ان الرئيس السابق فلاديمير بوتين قد اختار عدم الدفاع مجددا عن الحكم السلطوي والسيطرة على الصحافة؟ ولو انه لم يعلن تهديدات ضد البلدان المجاورة؟ ولو أن بوتين احجم عن محاولة احتكار السيطرة على الانابيب التي تحمل الطاقة من اسيا الوسطى إلى اوروبا؟ وصف جورباتشوف معركة الانبوب المستمرة في القوقاز على هذا النحو" اسم اللعبة هي المنافسة." غير ان فكرة روسيا عن المنافسة يبدو انها وقف بناء الانابيب اذا لم تستطع السيطرة عليها بأية حال. مع ذلك اثار جورباتشوف قضايا سليمة وصحيحة بشأن افضل سبيل للمضي قدما مع روسيا. وهو ان تصعيد الخطاب السياسي المعلن يحشر كل جانب في زاوية يكون من الصعب الخروج منها. في الوقت الذي انتقد فيه تعليقات رايس بشدة بوصفها "مندفعة وغير مسئولة"، أشار جورباتشوف الى تصريحات مختلفة الى حد ما لوزير الدفاع روبرت جيتس في لندن في نفس يوم ابداء رايس تصريحاتها. حيث طالب جيتس باستراتيجية موحدة للناتو يمكن ان تعيد طمأنة جيران روسيا بدون استثارة مزيد من العداوات. ويمكن للقادة الروس ان يدركوا الان انهم ذهبوا بعيدا في جورجيا حيث ادى ذلك إلى تخويف المستثمرين الاجانب ونفور الرأي العام الاوروبي. يقول جورباتشوف" نحتاج إلى عمل الكثير". وعناقه مع جورج بوش الاب هو تذكرة بان التعاون كان ممكنا في يوم ما. وربما- لو ان الغرب وضع خطوطا حمراء حازمة وصار حكيما بشأن توسيع الناتو- يكون هذا التعاون ممكن مجددا. عن صحيفة " الوطن " العمانية 30/9/2008