والواقع فإن الأمثلة أكثر من أن تحصى وربما كان ذلك هو السبب في تلك الضجة التي أثيرت حول اعتراض فرنسا الذي انتهى بالحظر التام على ارتداء ما يفهم منه أنه يدل على رمز ديني مثل الحجاب الإسلامي في المدارس وكانت تلك الخطوة من جانب فرنسا قد أثارت كثيرا من الجدال في أوساط دولية .وربما عكست مظاهر تلك التعددية الثقافية نوعا خاصا من التوترات التي أثرت على أسلوب المعيشة الذي يتمتع به السكان في دول الشمال الأوروبي حيث تتركز توجهات الشعوب هناك على دعم وتقوية أساليب وطرق معيشية وقيم وحاجات مشتركة . فالمشاركة والتماسك هما السلاح الفاعل في وجه التعددية والتنوع كما يقول ديفيد غودهارت في مجلة \"بروسبكت \"التي يشرف على تحريرها ويطلق عليها الحوار البريطاني الذكي .وهناك كثير من الأوروبيين ممن لا يستطيعون أن يأتوا بتفسير - يقنعهم على الأقل -بتلك المفارقة التي تمخضت عنها التعددية الثقافية بأنها تمنح الحماية لكل الثقافات وتحفظها فيما عدا ثقافة واحدة وهي ثقافة البلد المضيف. وهذا هو التحدي الذي يواجه البلدان الأوروبية.فبينما تعلن فرنسا رفضها لأيديولوجية التعددية الثقافية من أجل المحافظة على هويتها وثقافتها ودستورها إلا ان هذه التعددية قد اقتحمت أرضها على أية حال وربما كانت المظاهرات وأعمال الشغب التي قامت بها مجموعات من المهمشين في ضواحي باريس. وفي الوقت نفسه فإن بعض الدول الأوروبية مثل بريطانيا وهولندا والتي تعلن دائما انها تقبل بالتعددية الثقافية والأيديولوجية تواجه الآن حقيقة موجعة متمثلة في زيادة أعداد الأقليات من المهاجرين الفقراء الأقل اندماجا في المجتمع.فنحن أمام توجهان مختلفان ونتيجتان يجمعهما تشابه محفوف بالخطر والألم .وحتى الوقت الحالي فليس هناك ثمة شئ يحدث الآن سواء في بريطانيا أو هولندا بيد ان تريفور فيليبس ذو البشرة السمراء الذي يترأس لجنة المساواة العرقية أطلق مؤخرا تحذيره بأن بلده في طريقه - دون وعي منه - نحو العنصرية .وبكلماته \" لقد سمحنا بوجود التعددية التي استحالت في النهاية إلى عزلة للمجتمعات \" ويشهد هذا العام الذكرى الأربعين لأول قوانين بريطانية لمكافحة التفرقة العنصرية وقانون العلاقة بين العرقيات كما يشهد تعرض الجيل الثاني من المسلمين لنوع من العزلة في أعقاب التفجيرات التي تعرضت لها العاصمة لندن .والشهر الماضي فقط وقعت مصادمات بين مجموعات من العصابات المتنافسة من الشباب من بلدان الأفروكاريبي والجنوب الآسيوي وقد وقع ذلك في ضواحي بيرمنغهام ونجم عن تلك المصادمات مقتل اثنين .ونتيجة لأحداث مماثلة بدأ مدافعون سابقون عن التعددية الثقافية في بريطانيا وهولندا في ترديد عبارات مشابهة لما يصدر عن المسؤولين الفرنسيين ومحاولة إيجاد طرق لجعل هؤلاء المهاجرين بريطانيين وهولنديين. ووجد الفرنسيون انفسهم مجبرين على الإعتراف بأن محاولاتهم استيعاب تلك الأقليات قد باءت بالفشل واتجهوا للحديث عن طرق لتلبية الإحتياجات الخاصة للمهاجرين . وينظر الجميع إلى الولاياتالمتحدة على أنها تمثل تجربة تعدد ثقافات طموحة بيد انها لم تصل إلى حد النضج التام . فهل تستطيع الدول التي تفتقد إلى فلسفة المساواة التي قامت عليها أميركا ولكنها لم تدفع الثمن الباهظ لقيام حركات الحقوق المدنية التي ترسي مبادئ المساواة بين المواطنين جميعا كبيرهم وصغيرهم .ويحذر غودهارت قائلا بأن أوروبا ليست أميركا ، وأحد الأسباب التي أدت إلى ظهور الفردية كنمط في الحياة الأميركية هي اتساع رقعة الولاياتالمتحدة خلافا للوضع في أوروبا التي تعج بكثافة سكانية تفوق نظيرتها في أميركا ومن ثم فاللوائح المنظمة يجب ان تكون مغايرة ، والمشاركة أمر يفرض نفسه فالأغنياء لا يسعهم ان يتجاهلوا الفقراء والسكان الأصليين لا يمكنهم تجاهل المهاجرين غير أن ذلك كله لا يعني ان الشعوب الأوروبية سعيدة بذلك.وربما كان السر في نجاح التعددية الثقافية هو تشجيع القادمين الجدد على الإندماج والإنصهار في بوتقة قيم وثقافة بلاد المهجر . وعندما تكون في روما ربما يكون تقليدك لأهلها مفخرة واعتداد بالنفس ، ولكن عليك أن تبذل ما في وسعك كي تجعل من روما مكانا أفضل مما تركها عليه أهلها . \r\n فرانسيس ستيد سيلر \r\n مساعد رئيس تحرير استطلاع الرأي العام بصحيفة واشنطن بوست \r\n خدمة واشنطن بوست خاص بالوطن