فهناك العديد من الجنود الذين بدأوا يخرجون عن صمتهم ويتحدثون عن حقيقة ما يجري عبر الصحف الإسرائيلية، حيث تحدث أحد هؤلاء لصحيفة «كول هعير» وهي صحيفة يمينية ويقول: «ذات مرة كُنا عند حاجز بير زيت، وكانت لدينا أوامر بعدم السماح لأحد بالمرور بإستثناء الحالات الإنسانية. كُنا خمسة جنود، بعضنا يفتش السيارات، والبعض الآخر يقوم بإخراج كل ما فيها وذلك فقط من أجل إثارة الأعصاب فقط، لقد كان الأمر نوعاً من التسلية واللعب، نختار سيارة ما .. ثم تبدأ اللعبة». \r\n \r\n شريط سينمائي لعبة هذا هو الوصف الذي يطلقه الجنود الإسرائيليون على ما يرتكبونه من حماقات على الحواجز، والتي وصلت إلى أساليب سادية كان من بينها ما كشف عنه التقرير السنوي الصادر عن مركز غزة للحقوق والقانون لعام 2003 والذي تحدث عن أسلوب جديد يتبعه جنود الحواجز وبشكل خاص في مدينة الخليل، حيث يقوم الجنود الموجودون على الحواجز بإنتقاء أحد المواطنين الفلسطينيين ويجبرونه على إختيار إحدى العقوبات التي ستقع عليه من خلال ما يعرف «بالعقوبة بطريقة القرعة» والتي تضم عدة خيارات مثل كسر الأنف أو اليد أو تكسير السيارة أو إطلاق النار على القدم. \r\n \r\n يؤكد التقرير وقوع مثل تلك الإجراءات التعسفية، ويضرب مثالاً على ذلك، ما حصل مع الفتى وسيم رجائي الشعراوي، الذي يبلغ من العمر ثلاثة عشر عاماً، بتاريخ 19 سبتمبر 2002حيث أجبره الجنود على إختيار ورقة من بين أربع ورقات فكانت عقوبته كسر اليد وبالفعل قام الجنود بتنفيذ العقوبة المُقْتَرع (بفتح التاء والراء) عليها. \r\n \r\n الموت انتظاراً \r\n \r\n إن ما يحصل على الحواجز هو تصرفات طبيعية تنسجم مع ما يتدرب عليه الجنود الإسرائيليون، وهذا ما قاله الجندي يونتان بوبمفيل، الذي كان قد أمضى فترة خدمته العسكرية في الكتيبة خمسين حيث يقول: «كُنا نتدرب على المنازل الفارغة، بعد كل طلقة تسمع الضباط يصرخون عبر جهاز الاتصال أطلق النار ونحن بصفتنا شباباً في سن العشرين، فعلنا ذلك بل وتعلمنا كيف نستمتع به. \r\n \r\n هذا السلوك بإطلاق النار أعطاني إحساساً وكأنني أجلس أمام لعبة فيديو في الحاسوب، فأشطب الأهداف التي أريدها. لقد حوّل هذا التدريب وغيره من الأنماط العسكرية المتبعة في الجيش الإسرائيلي الجنود إلى آلات، تنفّذ ما هو مطلوب منها دون أدنى شعور إنساني، حتى أن المنظمات الدولية المعنية بحقوق الإنسان، أخذت تتحدث عن عدد من حالات الوفاة الناجمة عن الإنتظار (على الحواجز) ومن بين تلك الحالات قصة الشاب الفلسطيني نعيم أبو جامع (39 عاما) من بلدة عقربا قضاء نابلس والذي أصيب بنوبة قلبية بتاريخ 13مارس 2001. \r\n \r\n حيث حاولت عائلته نقله إلى إحدى مستشفيات نابلس، لكن الجنود المتمركزين على مدخل نابلس الجنوبي أعاقوا بصورة متعمدة مرور السيارة، بعد أن دققوا في هوية سائقها وإستجوبوه لفترة زمنية، حيث اضطر السائق للعودة ومحاولة المرور من إحدى الطرق الفرعية، إلا أن نعيم أبو جامع فارق الحياة بعد الإبتعاد عن الحاجز الإسرائيلي بحوالي عشرين دقيقة. \r\n \r\n لا تختلف حكاية أميرة أبو سيف (ثمانية واربعين عاماً) كثيراً عن قصة نعيم أبو جامع سوى بالتفاصيل الصغيرة، في شهر مارس من عام 2001 توفيت «أميرة» عند حاجز الجلمة على مدخل جنين، إثر منع جنود الإحتلال السيارة التي كانت تقلها من المرور عبر الحاجز للوصول إلى مستشفى جنين. \r\n \r\n وكانت الشهيدة قد إشتكت من «إرتفاع السكري» بشكل مفاجئ، فقرر ابنها نقلها إلى المستشفى، إلا أن الجنود منعوه من مرور الحاجز الأول عند (عابا) مما اضطره إلى التوجه نحو حاجز (الجلمة)، لكن الجنود أعاقوا مروره لمدة ساعتين ونصف، ومنعوا سيارة الإسعاف التابعة للهلال الأحمر من الوصول إليهم، ولهذا قام بحمل والدته بمساعدة الشباب الموجودين على الحاجز، والسير عبر طريق ترابي، توفيت والدته قبل وصولها للسيارة التي كانت تنتظرها في الجهة المقابلة تمهيداً لنقلها إلى المستشفى. \r\n \r\n تكتمل صورة المأساة الفلسطينية، في تعدد الحواجز، فإذا استطاع المواطن الفلسطيني عبور الحاجز الأول، فقد لا يستطيع عبور الحاجز الثاني، وفي أحيان كثيرة لا تتجاوز المسافة بين الحاجزين كيلو متراً واحداً، وهذا ما حصل مع (كفاح خالد زعرب) الذي يبلغ من العمر سبعة عشر عاماً من مواطني خان يونس. \r\n \r\n حسب ما ورد في احد التقارير الإلكترونية للمركز الفلسطيني لحقوق الإنسان: «في العاشر من مايو 2001، توجه الفتى كفاح مع عائلته إلى مستشفى ناصر، وبعد أن سمح لهم الجنود المرابطون على الحاجز المحاذي لمستوطنة (كفار داروم) بالمرور، أعاق الجنود المتمركزون على حاجز ثانٍ لا يبعد عن الأول سوى سبعمئة متر مرورهم لمدة نصف ساعة، واصلت السيارة المسير إلى أن وصلت حاجز (التفاح) حيث منعهم الجنود من المرور. \r\n \r\n وعندما أبلغتهم العائلة بأن الفتى سيموت إن لم يصل للمستشفى، أجاب أحد الجنود: «عودوا، وإلا ستموتون معه»، عندها لم تجد العائلة حلاً سوى العودة للحاجز الأول والشكوى لهم، لكن الجنود أجابوهم بأنه لا سلطة لهم على الحاجز الثاني. وبعد مرور ساعتين ونصف الساعة، تمكنت سيارة إسعاف فلسطينية من الوصول لحاجز التفاح وقد سمح الجنود بنقل الفتى إليها، لكنه كان قد فارق الحياة». \r\n \r\n تشهد الحواجز معاناة الفلسطينيين من شتى الأعمار، فلا مراعاة لكبار السن أو للنساء أو حتى الأطفال، حتى أن الإنسان قد يتعرض للتنكيل به أو الإهانة لمجرد أنه فكر في مساعدة شخص ما على الحاجز، وهذا ما حصل مع الفتى سمير صيام وعمره سبعة عشر عاماً، الذي أشبعه جنود الإحتلال الإسرائيلي ضرباً، عندما توجه لمساعدة إحدى النساء في حمل كيس كبير وعبور الحاجز العسكري عند مدخل المواصي، فبمجرد أن تقدم صيام لمساعدة المرأة، أطلق الجنود نيران أسلحتهم صوب الشاب، ولكن عندما لم تصبه الطلقات النارية. هجم عليه الجنود وإنهالوا عليه بالضرب فأصابوه بجروح خطيرة في رأسه. \r\n \r\n مشهد آخر تنقله الصحافية الإسرائيلية عميرة هاس والمعروفة بمواقفها الرافضة لسياسة الإحتلال الإسرائيلي، حيث كتبت في صحيفة «هآرتس» مطلع الإنتفاضة الحالية تقول: «ثمة حاجز وثمة سر، الحاجز هو عدة مكعبات إسمنتية أو بلاستيكية وعدد من الجنود، في بعض الأحيان وبعد التوسلات أو إذا كان الحديث يدور عن سيارات دبلوماسية أجنبية، من الممكن اجتياز هذا الحاجز. \r\n \r\n المواطنون يحاولون عبور الحواجز سيراً على أقدامهم، هناك شابان يسندان عجوزاً يكادان يحملانه على أيديهم، لم يكونا من أبنائه بل كانا يستقلان سيارة الأجرة ذاتها التي كان يستقلها. وهناك رجل يحمل أثناء صعوده فوق التراب «فرناً» كان قد إشتراه، وثمة طفلة عمرها لا يتجاوز ثلاث سنوات كانت برفقة أمها وعمتهاح هناك عدد من الرجال يصلون لاهثين، أدار أحدهم رأسه من دون أن يتوقف عن السير وسأل: «أي سلام هذا؟ ثم أجاب بنفسه: سلام الشجعان». \r\n \r\n على حاجز حوارة \r\n \r\n تصف الصحافية عميرة هاس يوم 22 يوليو 2004 مشهد مرورها عبر حاجز حوارة: «حسب الأوامر تم السماح بعبور الرجال والنساء الذين تتجاوز أعمارهم الثلاثين عاماً، وما دون ذلك يتم إيقافهم لساعات طويلة تحت أشعة الشمس الحارقة، مئات الأشخاص يقفون على الحاجز حيث تقف دبابة تفصل بين الرجال والنساء. شدة الحر، أفقدت ثلاث نساء الوعي، وتصاعد بكاء الأطفال، الأصوات تتعالى بإحتجاج «الله أكبر»، المشهد يزداد قسوة إذ قام الجنود بإعتقال بعض الشباب على الحاجز وأخذوا يلقون القنابل الصوتية بين أقدام المواطنين الفلسطينيين. \r\n \r\n حاجز آخر عند بيت فوريك يفصل بين مدينة نابلس وخمس قرى، تم إغلاقه في ذلك اليوم، عدد كبير من الفلسطينيين لم يتمكنوا من العودة إلى منازلهم، مئات الناس جلسوا على الأرض منتظرين، الأطفال أخذوا يتراكضون جيئة وذهاباً جالبين من أحد البيوت القريبة الماء للناس، الذين بدأوا يفقدون وعيهم جراء شدة الحر». \r\n \r\n مدينة نابلس وحدها لها اثنا عشر مدخلاً كلها مغلقة، أربعة منها مكونة من حواجز مع جنود يسمحون بالمرور المحدود للمشاة والسيارات حتى السابعة والنصف مساء. حاجز واحد فقط مخصص لمرور البضائع هو حاجز عورتا. لقد باتت كافة المدن الفلسطينية أشبه بالسجون ذات الأبواب المحّددة، يتم فتحها وإغلاقها بمواعيد إسرائيلية. \r\n \r\n يعاني الفلسطينيون أيضاً، من الحواجز غير الثابتة، ولعل معاناتهم من تلك الحواجز أكثر وضوحاً، فالمواطنون معتادون على الحواجز المحددة والمعروفة، أما أن تكون الطرق مفتوحة، وفجأة تصبح مقطعّة عبر أكثر من حاجز، فإنّ ذلك يزيد المعاناة.(الحواجز الطيارة) هو الإسم الذي يطلقه الفلسطينيون على تلك النقاط العسكرية غير الثابتة، والتي تشكل خوفاً كبيراً لديهم، إذ أنها تقام بشكل مفاجئ وفي مناطق نائية ومعزولة عن التجمعات السكانية الفلسطينية . \r\n \r\n ولعل أشهر تلك الحواجز هي الموجودة على الطريق بين طولكرم وقلقيلية، حين يضطر المواطنون إلى سلوك طرق ترابية وعرة قريبة من المستوطنات، مما يعرضهم لخطر هجمات مسلحة من المستوطنين.شهادة صحافية أخرى قدّمها الصحفي (عمر عبد الرزاق) لموقع هيئة الإذاعة البريطانية على الإنترنت وهو مراسل لها جاء في شهادته: \r\n \r\n «على حاجز «سردا» المؤدي إلى رام الله لا توجد فسحة لتبادل أية كلمات بين الجنود الإسرائيليين والعابرين، فالكل مستنفر، لقد كانت رحلة الذهاب إلى رام الله على الرغم من مشقتها نزهة قصيرة، إذا ما قورنت برحلة العودة والذهاب إلى القدس، لقد بقينا داخل السيارة لثلاث ساعات كاملة من أجل عبور حاجز قلنديا، إنه الحاجز الأسوأ، فهو نموذج للحواجز التي لا يستطيع المرء أن يعبرها دون فحص سيارته أو هويته، حتى سيارات الإسعاف كانت تقف في طابور السيارات الطويل، لم يكن حاجز قلنديا نهاية المطاف فبعده، وبحوالي كيلو متر واحد وعلى مشارف منطقة الرام وجدنا حاجزاً آخر. \r\n \r\n كانت الساعة الثامنة مساء وبعض الجنود يتناولون عشاءهم في هدوء وآخرون يشرفون على العمل في الحاجز، توجهت إلى أحدهم وسألته عن سر هذا الحاجز الذي لا يفصله عن الأول سوى كيلو متر واحد، لم يجب وقال لي: «إذا أردت العبور يمكنك ذلك» ألحَحْتُ في سؤالي، لكنه أخبرني إنه غير مخول بالإجابة، والحاجز الأول لا يتبعه بل إنه يتبع سلاح الحدود، لذلك فهو لا يعرف شيئاً عنه». \r\n \r\n روح التحدي \r\n \r\n معاناة أخرى تعرضت لها الباحثة الأميركية من أصل فلسطيني مها سبيتاني وكتبت عنها في الصحيفة الإلكترونية (فلسطين واحدة).. حيث كان من المقرر أن تذهب لزيارة دار الأيتام (جيل الأمل) في العيزرية من ضواحي القدس، وذلك لتشهد عرضاً ترفيهّياً كان من المقرر أن تقدمه فرقة «من القلب إلى القلب» العالمية في الساعة الحادية عشرة صباحاً، وكان من المقرر أن تلتقي بأعضاء الفرقة في الطرف الآخر من قلنديا بين التاسعة والنصف والعاشرة صباحا. \r\n \r\n وتجنباً لأية مشكلات، قامت مها بمغادرة منزلها عند الساعة الثامنة والنصف، على الرغم من أن المسافة لا تستغرق أكثر من عشرين دقيقة. ولم تكد تسير قليلاً حتى اصطدمت بنقطة تفتيش علقت فيها حتى الساعة العاشرة وخمسين دقيقة، وما أن التقت بأعضاء الفرقة حتى واجهتهم نقطة تفتيش أخرى مكثوا فيها خمس عشرة دقيقة تصف مها ما جرى بعد ذلك بالقول: \r\n \r\n «عند الساعة الحادية عشرة والربع كنا في العيزرية، لنجد أمامنا جداراً يقطع الطريق، كان البديل أن نمر عبر مستعمرة «أدوميم»، الأمر الذي يستغرق أربعين دقيقة بينما دار الأيتام لا تبعد عن الجدار سوى ثلاث دقائق لم يكن أمامنا حلّ، سوى تسلق الجدار مع عشرات الرجال والنساء والأطفال الذين اصطفوا على جانبيه وأخيراً وصلنا دار الأيتام وأقمنا العرض، الذي انتهى عند الساعة الواحدة ظهراً. \r\n \r\n وعدتُ إلى رام الله، الرحلة التي كان يفترض ألا تستغرق قرابة ساعتين على أكثر تقدير، استغرقت مني سبع ساعات ونصف الساعة لكن، ومع ذلك، يبدو إنني محظوظة، وذلك لأنني أحمل جواز سفر أميركيا أتاح لي العبور. بينما معظم الفلسطينيين لا يسمح لهم بمغادرة بلداتهم بسهولة. \r\n \r\n هذه المعاناة في الوصول إلى المدن، تفرض على الفلسطينيين ظروف حياة قاسية، إذ انهم لا يستطيعون الوصول إلى أعمالهم أو جامعاتهم، فالحياة الطبيعية شبه متوقفة، لكن روح التحدي والإرادة لا تزال موجودة. على سبيل المثال فقد شهد حاجز حوارة الذي يربط نابلس ببقية المدن عقد قران شاب من مدينة القدس لم يتمكن من الوصول إلى نابلس، لإتمام إجراءات الزواج هناك. \r\n \r\n إذ منع الجنود العريس وعائلته من الوصول إلى نابلس فما كان منه إلا أن عقد قرانه على الحاجز وأمام أعين الجنود وبحضور العروس وذويها، فبعد عدة ساعات من الانتظار على حاجز حوارة، قرر العريس شكري عودة أن يعقد قرانه على الحاجز رافضاً العودة للقدس، وكان برفقته عشرون شخصاً يمثلون «الجاهة». وعلى الجانب الآخر كانت العروس مها خليل مع عائلتها تستعد في منزلها لهذا اليوم السعيد، والجنود استمروا بالرفض، إلى أن توصل العريس إلى صفقة معهم، بحيث يتصل بالعروس وأهلها ليحضروا إلى الحاجز ويتمموا مراسيم الزواج على مقربة منه. \r\n \r\n صورة أخرى للصمود، عكسها طلاب وأساتذة جامعة بير زيت، الذين حوّلوا المنطقة المقابلة للحاجز إلى قاعات مفتوحة للمحاضرات، بعد أن رفضت القوات الإسرائيلية مرور الطلاب والأساتذة نحو الجامعة لعدة أيام، مما جعل هذا الحل هو الأنسب والذي بدأ تطبيقه في الرابع عشر من أكتوبر عام 2003. هذا الوضع استمر عدة أيام حتى تم السماح للطلبة بالوصول إلى مقاعد الدراسة. \r\n \r\n الأراضي الفلسطينية مقسمة من خلال حواجز ثابتة وعوائق متحركة، بعض التقارير غير الرسمية تحدثت عن وجود مئة وخمسين حاجزاً يفصل بين مدن الضفة الغربية وقراها ومخيماتها، في حين أن تقارير رسمية لمنظمة «بتسليم الإسرائيلية» التي تُعنى بحقوق الإنسان تحدثت عن وجود ستة وخمسين حاجزاً محصناً في مناطق الضفة الغربية و607 عائقاً على الأرض على شكل مكعبات إسمنتية وسط الطرق، تحول دون حركة المركبات، بالإضافة إلى 457 حاجزاً ترابياً. \r\n \r\n هذه العوائق أدت وفق هذا التقرير الصادر في ديسمبر من عام 2003 إلى وجود صعوبات تواجه سيارات الإسعاف. أكثر من 85% من شكاوى الطواقم الطبية الفلسطينية تدور حول تأخير سيارات الإسعاف على الحواجز، الأمر الذي أدى إلى أنه من 30% من الحالات فقط تمكنت سيارات الإسعاف فيها من الوصول إليها، كما انخفضت نسبة النساء الفلسطينيات اللواتي أنجبن في المستشفيات من 95% قبل الانتفاضة إلى ما دون 50% خلال الانتفاضة الحالية، بسبب عوائق الحواجز التي تؤخر وصول النساء الحوامل لمستشفيات الولادة. \r\n \r\n مجرد تعقيب \r\n \r\n لا يزال ملف ما يرتكبونه من جرائم على الحواجز العسكرية التي تقطع أوصال فلسطين مزدحماً بالمخازي، هذه الحواجز وصلت ذات يوم إلى أكثر من ثلاثمئة حاجز بين ثابت ومتحرك في منطقة صغيرة نسبياً لكنها مزدحمة بالقرى والمخيمات، مما يعني وجود حاجز يفصل بين كل قرية وجارتها من القرى الأخرى، حيث يعيش في العادة، أبناء العشيرة الواحدة في عدد من القرى المتجاورة. \r\n \r\n في إسرائيل هيئات عديدة لمحاربة وإدانة ما يجري على الحواجز، لأنه في الأساس، يسيء لسمعتهم في الرأي العام العالمي، الذي أصبح أكثر حساسية من ذي قبل، لأية انتهاكات لحقوق الإنسان وخاصة حين يستمع لإهانات الأطفال والكهول على هذه الحواجز الجهنمية. المشكلة هي أننا لم نتقن بعد مخاطبة العالم، إلا عبر الشعارات العامة، وما زلنا نعتقد أن قناعتنا بعدالة قضيتنا، يجب أن تعني بالضرورة قناعة الآخرين بها، دون جهد من جانبنا. \r\n \r\n لقد أصبح العالم قرية كونية صغيرة، أو متوسطة الحجم إذا شئت، وزالت الحواجز، في عالمنا المعاصر وهذا يعني، لأول مرة في التاريخ البشري، قوة هائلة غير مسبوقة للمظلومين الذين يريدون للرأي العام العالمي أن يقف إلى جانبهم، ويعدّل من اختلال ميزان القوى على الأرض. مع قوة الظالمين المجردة - الأكثر سطوة. \r\n \r\n وتشاء المصادفات التاريخية، أن يكون صراعنا من أجل العدل، هو مع إسرائيل، الحسّاسة جداً للرأي العام الدولي، على الرغم من كل إدعاء بغير ذلك، ذلك لأن هذا الرأي العام، وقبل عصر العولمة، بعقود، قد ساعد الحركة الصهيونية، بقوة شديدة، لإقامة دولتها في فلسطين، تعاطفاً منه مع اليهود من ضحايا النازية، عشية وإبان الحرب العالمية الثانية. \r\n \r\n وذلك معناه، أننا أمام لحظة خصوبة تاريخية، تمكننا من التحرك المفتوح في ساحة العالم بأسره، لإدانة هذه الانتهاكات الفاضحة لحقوق الإنسان في بلادنا، في زمن أصبح فيه احترام هذه الحقوق، هو كلمة السرّ لدخول نادي الأمم في القرن الحادي والعشرين.الاتحاد الأوروبي، يشترط احترام حقوق الإنسان، ضمن مقاييس معينة، لكننا مع الأسف الشديد، بارعون في إضاعة الفرص التاريخية، على المستويات والأصعدة كافة، وفي ذبحها من الوريد إلى الوريد. \r\n \r\n بدم بارد في أغلب الحالات. إنني واثق أن العالم وقواه الحية وضميره المتوثب، سيتحرك بقوة ضد مظالم الحواجز، إذا عرفنا كيف ننقل له الصورة الحقيقية، دون رتوش، وكما ينطق بها جنود إسرائيليون باحوا بما لديهم، في لحظة صحوة ضمير. كيف يمكن لأحد في هذا العالم أن يستمر في الدفاع عن الاحتلال الإسرائيلي وحواجز جنوده المنتشرة في كل مكان، حين يعرف أنهم يعاقبون الفلسطينيين بالقرعة. \r\n \r\n وهو نمط غير مسبوق من العقوبات الجماعية، أي أن الجنود، يقومون بإيقاف عدد من الفلسطينيين عند حاجز قرب الخليل، ويقترعون بكسر يد فلسطيني ما تقع عليه القرعة، وقطع أذن آخر فاز بقرعة هذه العقوبة، من دون ذنب اقترفه أي منهم.العالم المتحضر يقف بصلابة ضد هذه المخازي، شريطة أن تصل إلى أسماعه وبشكل موثق، وتلك هي مهمتنا التي نتقاعس عن القيام بها. \r\n \r\n ولدى سرد قصص لمسئولين كبار في منظمات حقوق الإنسان، اعتقدوا ان هناك مبالغة في الأمر، لأن المبالغة صفة اشتهرنا بها نحن العرب منذ عصور التاريخ الغابرة. الأمر سيختلف تماماً إذا قدمنا لهم روايات الجنود الإسرائيليين بأنفسهم. لو قرر مركز جنين للدراسات الإستراتيجية، ترجمة هذه الروايات إلى اللغات الحية في العالم، فإنه سيعاني الأمّرين قبل أن يجد من يهبون للمساهمة في هذا العمل الوطني والقومي من الدرجة الأولى. \r\n \r\n والعالم لا يتسامح مع قصص النساء اللواتي يضعْن المواليد على الحواجز. أتساءل: هل تمكنا من توثيق ذلك، بالصوت والصورة، لتكون إدانة موثقة لهذه الجرائم البشعة بحق البشر، في وقت يتقدم فيه العالم خطوات كبرى للأمام في مجال رعاية الحوامل والمواليد الجدد. \r\n \r\n والعالم لا يتسامح مع قصص المرضى الذين يفقدون حياتهم، لأنهم لا يستطيعون، بسبب الحواجز، الوصول للمستشفيات. ألم يفقد أحد كبار المبدعين الفلسطينيين حياته، بسبب تأخر وصول دواء السرطان إليه، نتيجة الحواجز والمعابر، وإجراءاتها المتوحشة، وأقصد الدكتور حسين البرغوثي. وأتساءل مرة ثانية: هل تم توثيق هذه الجرائم الكبرى بحق الإنسانية، ومن أطلع عليها موثقة ومصّورة وناطقة ونابضة؟ \r\n \r\n وتزداد المأساة عمقاً، حين نعرف أن أياً من هؤلاء الجنود المتوحشين- لم يتعرض لأي عقاب جدّي، وحين كانوا يخضعون هذا الجندي، أو ذاك، للتحقيق، فإنه سرعان ما يعود للعمل بعد توقف لأسبوع أو شهر، أو يضعون في ملفه تنبيها أو يوقفون ترقيته لبعض الوقت. هل هذه عقوبات تتناسب مع الجرائم التي يرتكبونها ويتحدثون عنها بملء أفواههم ولوسائل إعلامهم الإسرائيلية، قبل غيرها. \r\n \r\n لماذا لا يستمتع جندي ما بالقتل وهو في ريعان الشباب، كما يذكر أحد الجنود، طالما أنه لن يتعرض للعقاب، أو سيتعرض لعقاب، أقرب للعتاب الرقيق، منه للعقاب الفعلي. إنه لا يعدو كونه محاولة لامتصاص الغضب وردود الفعل، حين يشعرون أن هذه المخازي قد وصلت بعض أخبارها للعالم، وأن الرائحة قد أزكمت الأنوف. ولا شيء آخر. \r\n \r\n