لا شك أن النظام البائد كان يسعى خلال ال 30 سنة الماضية لدس المفسدين في جميع الهيئات لتسهيل مهمته في الاستيلاء على أموال الشعب والسيطرة على مفاصل الدولة، فلا توجد أي هيئة أو مؤسسة بدون "الفلول" وحتى بعد ثورة 25 يناير التي أطاحت بنظام حسني مبارك الفاسد. من البديهي والمعروف أن يكون القضاء أحد أركان الدولة، من أبرز الأماكن التي كان يسيطر عليها النظام السابق، لبسط وفرض نفوذه في كافة القضايا والبلاغات التي كانت من الممكن أن تثير أزمات مع أحد أفراد النظام، فكان بعض القضاة شبه ملاكي للنظام، وكانت العديد من القضايا تغلق وتوضع في الدرج ب "تليفون". ليس هذا معناه أن كل القضاه مفسدين، فكل هيئة بها الصالح والمفسد، ومن المؤكد أن هناك العديد من القضاه الذين يحكمون بشرع الله، حيث إن لقضاء مصر على مر تاريخه أمثلة مشرفة وبراقة تشهد على عظمة هذا الكيان المصري الأصيل، كما أنه له بعض النقاط السوداء مثل حادثة دنشواي الشهيرة في أوائل التسعينيات من القرن الماضي. حادثة دنشواي شهدت بلدة دنشواي عام 1906 حينما كانت مصر تخضع للاستعمار البريطاني، حادثة مأساوية، وقعت عندما قام خمسة جنود إنجليز ممن كانوا يرغبون في صيد الحمام ببلدة دنشواي المشهورة بكثرة الحمام بها كما أعتادوا، وحين رحلة الصيد قام أحد الضباط بإطلاق عياره فأخطاء الهدف وأصاب إمرأة وأشتعلت النار في التبن، فهجم أحد الرجال على الضابط وأخذ يجذب البندقية وهو يستغيث بأهل البلد صارخا فتوهم الضباط بأنهم سيفتك بهم فأطلقوا عليهم الأعيرة النارية وأصابوا بعضهم فصاح الجمع قتل شيخ الخفر وحملوا على الضباط بالطوب والعصى فقبض عليهم الخفراء وأخذوا منهم الأسلحة إلا إثنان منهم وهم كابتن الفرقة وطبيبها أخذا يعدوان تاركان ميدان الواقعة وقطعا نحو ثمانية كيلومترات في الحر الشديد حتى وصلوا إلى بلدة سرسنا فوقع الكابتن مطروحا على الأرض ومات بعد ذلك فتركه الطبيب وأخذ يعدو حتى وصل إلى المعسكر وصاح بالعساكر فركضوا حتى الكابتن فوجدوه وحوله بعض الأهالي ، فلما رأوهم الأهالي فروا فاقتفوا العساكر أثرهم وقبضوا عليهم. وكان رد الفعل البريطاني قاس وسريع فقد قدم 52 قروياً للمحاكمة بجريمة القتل المتعمد وتم إثبات التهمة على 32 منهم في 27 يونيو 1906 وتفاوتت الأحكام فيما بينهم وكانت معظم الأحكام بالجلد والبعض حكم عليه بالأشغال الشاقة وتم اعدام 4 منهم، ترأس القضاة بطرس غالي وأحمد فتحي زغلول باشا الأخ الأكبر للزعيم سعد زغلول والذي كان في أثناء المحاكمة في فرنسا لدراسة القانون الفرنسي وقد قاطع أخاه فتحي باشا زغلول بسبب ترأسه لتلك المحكمة وكان مدعي النيابة "الهلباوي باشا"، وكان اللورد كرومر هو الحاكم الإنجليزي في مصر في ذلك الوقت، وقد تم اغتيال بطرس غالي بعد ذلك علي يد إبراهيم الورداني. انتخابات 2010 وكانت الانتخابات البرلمانية عام 2010 بمثابة القشة التي قصمت ظهر البعير، حيث تعتبر الشرارة الأولى لثورة 25 يناير، التي تكللت بعد ذلك بإسقاط نظام حسني مبارك. حيث كان التزوير في تلك الانتخابات "عيني عينك" في ظل تواجد رجال القضاء، ففي ظل التزمر الشعبي من الحزب الوطني الحاكم جاءت النتائج وسط حالة من الدهشة لدى الشعب بعدما اكتسح الحزب الحاكم الانتخابات البرلمانية، على الرغم من أنه دون شعبية حقيقية في الشارع المصري الناقم على الأوضاع المتردية التي يعيشها وسط ما تردده الحكومة من عبارات حرية التعبير والديمقراطية التي لا تتواجد على أرض الواقع.