* يُخَيَّل إليَّ أن لرئيس مصر القادم - في ظل ظروفنا وأوضاعنا الحالية- مواصفات يَحسُن أن تتوافر - بجملتها- فيه, منها - فيما أرى- : 1- أن يكون صاحبَ تاريخ ومواقف سياسية مناهضة للنظام السياسي السابق وكهنته وسدنته 2- أن ينطلق من "المرجعية الإسلامية" بطابعها ونكهتها "الوسطية المصرية" (تلك المرجعية التي تعبر بحق عن هوية الشعب المصري) .. أو - على أقل تقدير- ألا يكون صاحبَ فكرٍ "يخدش" أو "يقدح" أو "يقلل" من أهمية ومحورية هذه "المرجعية - الهُوية" التي يتنفسها المصريون. 3- ألا يكون قد انتمى قبلُ إلى أي مؤسسة عسكرية أو أمنية (حرصاً على مبدأ "مدنية" الدولة, و"المدنية" ههنا نقصد بها المقابل ل "العسكرية") 4- ألا يكون مِن رجال الأعمال (حرصاً على عدم تكرار كارثة تزاوج "السلطة" ب "رأس المال"؛ ابتعاداً عن نموذج "التوأم الملتصق" الذي ابتُليت به مصر كثيراً : "الفرعونية" و"القارونية", حتى ولو كان "رجل الأعمال" هذا من خيار الناس؛ ف "قدسية المبدأ" فوق "مكانة الأشخاص", ولا يُلدَغُ مؤمن مِن جُحر مرتين) 5- أن يكون صاحبَ شخصية رحبة الآفاق, متعددة الأبعاد (مثقفٌ واسعُ الاطلاع - مفكرٌ صاحبُ رؤية ومشروعٍ - تربويٌّ - قانوني - نقابي - مهتم بالسياسة والشأن العام ومشارك فيهما - اقتصادي - إداري - فَاقِهٌ لدينه .. إلخ)؛ لِمَا تُوفِّرُه تلك الآفاق والأبعاد مِن "عمق" و"كلية" و"تركيب" و"شمول" و"إحكام" عند معالجة الأمور والنظر فيها؛ مما يجنب المرء الوقوع في شراك النظرات "الأحادية" و"الجزئية" و"الاختزالية" و"التسطيحية". ولا يُشترط أن تجتمع تلك الآفاق والأبعاد في شخص؛ فذلك متعذر (وإن شئتَ قلتَ : غيرُ متصور التحقق), وإنما أقصد أنْ يكون له في كثير مِن تلك الأبعادِ نصيبٌ, وأنْ يَضرِبَ في غيرِ ميدانٍ منها بسهمٍ وافرٍ 6- أن يكون مؤمناً بمصر - وشعبها- ومكانتها ورسالتها التي حمَّلها التاريخ إياها, وفرضتها الجغرافيا عليها, وأوجبتها طبائع الأشياء (يتضح هذا مِن سابق تاريخه ومواقفه) 7- أن يكون مؤمناً بوجود خمس دوائر لا قوام لمصر - الدولة الناهضة والرائدة والقائدة- بدونها : أ- الدائرة الوطنية (الجبهة الداخلية الواحدة المتماسكة). ب- الدائرة العربية (اتحاد عربي مشترك؛ أشبه ما يكون بالاتحاد الأوربي). ج- الدائرة الإسلامية (التكافل السياسي والعسكري والتكامل التنموي والاقتصادي تحت مظلة تنسيقية واحدة؛ منظمة المؤتمر الإسلامي نموذجاً - بعد تطويرها وزيادة فاعليتها؛ لِتَكُونَ النموذجَ العصريَّ الفَتِيَّ الذي تتحقق به مقاصد الخلافة-). د- الدائرة الأفريقية العامة (التعاون السياسي والتنموي). ه - الدائرة الأفريقية الخاصة (= دائرة دول حوض النيل) : في شكل مشروعات تنموية مشتركة, ومساعدات, تقدمها مصر لأهل ودول النهر العظيم. 8- القدرة على استيعاب, والتعامل مع, مختلف التيارات والتوجهات الموجودة على الساحة المصرية (عقدية ومذهبية وفكرية وسياسيةً) .. وبعبارة أخرى : أن يكون شخصيةً "مُجَمِّعَة" قدرَ الإمكان. 9- القدرة - النفسية والفكرية والتخطيطية- على التصدي "الهادئ" و"المتدرج" و"الفاعل" للهيمنة السياسية والاقتصادية والعسكرية الغربية, مع تحجيم دور "الكيان الصهيوني" - "كلب حراسة" هذه الهيمنة في المنطقة العربية- قدر المستطاع 10- أن يكون صاحب رؤى وتصورات (أو مشروعات إن شئتَ قلتَ) للنهضة (في مختلف مناحي الحياة وجنباتها؛ صحياً وتعليمياً وأمنياً واقتصادياً واجتماعياً وإعلامياً وسياسياً .. إلخ), ذات أسس نظرية متينة, وقابلةٍ - في ذات الوقت- للتطبيق العملي؛ ببيان "آليات تنفيذها" و"مصادر تمويلها". (وبيانُ "آليات التنفيذ" و"مصادر التمويل" نقطتان غائبتان - للأسف الشديد, وفي حدود علمي- عن أطروحات وحديث وبرامج كافة مرشحي الرئاسة في مصر - مع أهميتها الشديدة- باستثناء برنامج أحد المرشحين؛ الذي أعلنه مُفَصَّلاً - مبيِّناً في وضوح ودقة وترتيب وشمول : "آليات التنفيذ" و"مصادر التمويل", بغض النظر عن ملاحظاتنا "الجوهرية" على عدد "قليل" من النقاط الواردة فيه, وعلى "شخص صاحبه"- ؛ بخلاف بقية المرشحين الذين اكتفوا - حتى هذه اللحظات, وفي حدود علمي- إما ب "الكلام الإنشائي العام" أو "الطرح النظري البحت" أو "بيان الخطوط العريضة بالغة العمومية" لبرامجهم). 11- أن يعتمد آليات : "الأولويات" و"الموازنات" و"التدرج" في معالجة مشكلات المجتمع .. مع الارتكاز على مفهوميْ "العزم" و"الحسم" ("الثواب" و"العقاب" .. "التحفيز" و"المحاسبة" .. "المكافأة" و"سيادة القانون" .. بعيداً عن أساليب "الترويع" و"الإغواء" و"الإلهاء") في إدارة دفة الأمور. 12- أن يكون متمتعاً بكفاءة تحليلية واستنباطية عالية. 13- أن يكون مُعَاوِنُوه ومساعدوه وفريقُ عمله ومستشاروه (سواءٌ في حملته الانتخابية أو في حال تكليف الشعب له بمنصب الرئاسة) مِن ذوي الكفاءات والأقدار : كلٌّ في حقل اهتمامه وتخصصه. وأن يعلن أسماءهم على الناس. (وهي نقطة غائبة - للأسف الشديد- عن أطروحات وحديث كافة مرشحي الرئاسة في مصر بلا استثناء - في حدود علمي- ؛ مع أهميتها الشديدة) 14- أن يكون - كما يدلنا سابقُ تاريخه- مِمَّنْ يستوثق مِن المعلومات قبل أن يُلقيها على مسامع الناس وقبلَ أن يؤسس عليها تحليلاته ومواقفه ورؤاه (= يَتَّبِعُ منهجَ التَّبَيُّن والتَّثَبُّت) 15- أن يكون صاحب تاريخ سابق متميز في "تأسيس" أو "إنجاز" ما يمس أو يتقاطع أو يتشابك مع "الشئون والمصالح العامة" (بالمعنى الواسع للمصطلح) للبلاد والعباد. 16- أن يكون رفيع الخلق, واسع الصدر, صدوقاً, متواضعاً, فَطِناً, ذَكياً, لَبِقاً, يَزِن الكلمة قبل أن ينطق بها (= خلوقاً حكيماً رصيناً كَيِّساً) .. لا يأنف - قدر الإمكان- أن يتراجع - على الملأ- عن خطئه إذا روجع فيه فاتضح له الأمر واقتنع (وإن كان صاحبُ هذا الوصف الأخير - أقصد الرجوع عن الخطأ على الملأ- يكاد يكون أشبه بالغول والعنقاء والخِلِّ الوَفِيِّ؛ خاصةً بين المشتغلين بالسياسة للأسف الشديد). وإن شئتَ قلتَ : أن يتمتع - قدر الإمكان- بقَدْرٍ مِن "حكمة العقلاء" و"فراسة الحكماء" و"عدل الأتقياء" و"تواضع العلماء" و"شهامة الشرفاء". 17- أن يكون منظماً, مرتباً, دقيقاً, منضبطاً, واثقاً مِن نفسه (يتمتع ب "الكبرياء الصحي" دون "الكِبر المَرَضي") 18- أن يكون مُجيداً للعمل الجماعي, مؤمناً بالمؤسسية والمؤسسات. * ويمكن تكثيفُ المواصفات المطلوبة في الآتي : أ- العدالة : وتتعلق بالاستقامة الخُلُقية والالتزام في القول والفعل بمبادئ الحق والعدل والصدق. ب- الكفاية : وتتعلق بتوفر القدرات "الجسدية" و"النفسية" و"الذهنية" اللازمة للقيام بأعباء المنصب. ج- العلم : ويرتبط بالاطلاع الواسع على العلوم السياسية والاقتصادية والإدارية والاجتماعية والدينية؛ بما يؤهل المرءَ إلى إحسان التدبير وإلى الاهتداء إلى الراشد من وجوه السياسة؛ وبما يُمَكِّنُه مِن فهم المسائل الدستورية والقانونية, وتحليل المتغيرات السياسية والاقتصادية والاجتماعية. د- الدراية : وترتبط بالخبرة العملية المكتسبة سابقاً من خلال ممارسة مهام قيادية وإدارية ممارسةً متميزةً, كما ترتبط بالخدمات والمساهمات العامة التي قدمها المرءُ مِن قبلُ (مع استصحاب مناخ "التضييق على الكفاءات" - الذي ابتليت به مصر في الستين عاماً الأخيرة- و"تحجيم دورهم وتأثيرهم" عند تقييم فضلاء المرشحين). هذا رأينا, ومَن جاءنا بأحسن منه قبلناه. والله أعلى وأعلم