معركة التنمية    الأوقاف تعلن أسماء القراء المشاركين في الختمة المرتلة بمسجد السيدة زينب    «المدارس الكاثوليكية».. وبناء الإنسان    المقاطعة فرض عين    تعرف على أعلى خمسة عشر سلعة تصديراً خلال عام 2023    محافظ المنيا يوجه بمتابعة الالتزام بمواعيد العمل الصيفية بدءاً من اليوم الجمعة    استمرار مجازر الاحتلال وعدد الضحايا يتجاوز 111 ألفا    جماهير الأهلي تزين مدرجات استاد القاهرة قبل مواجهة مازيمبي.. صور    كلوب يعلق على تراجع المستوى التهديفي ل محمد صلاح: أحاول مساعدته    بيراميدز يهزم الزمالك برباعية ويتوج بدوري الجمهورية    بالصور | سقوط أعمدة الضغط العالي بقنا بسبب الطقس السيء    التعليم في أسبوع | إنشاء 8236 مدرسة منذ 2014 حتى الآن.. الأبرز    أحمد السقا يشوق جمهوره بمقطع فيديو جديد من «السرب»| فيديو    سيد رجب: شاركت كومبارس في أكثر من عمل    السينما الفلسطينية و«المسافة صفر»    "ذكرها صراحة أكثر من 30 مرة".. المفتي يتحدث عن تشريف مصر في القرآن (فيديو)    وكيل وزارة الصحة بأسيوط يفاجئ المستشفيات متابعاً حالات المرضى    ميار شريف تضرب موعدًا مع المصنفة الرابعة عالميًا في بطولة مدريد للتنس    محافظ المنوفية: 25 فاعلية ثقافية وفنية خلال أبريل لتنمية المواهب الإبداعية    مجلس أمناء العربي للثقافة الرياضية يجتمع بالدوحة لمناقشة خطة 2025    وكيل خطة النواب : الحوار الوطني فتح الباب لتدفق الأفكار    شركة GSK تطرح لقاح "شينجريكس" للوقاية من الإصابة بالحزام الناري    رئيس «كوب 28» يدعو لتعزيز التعاون الدولي لتنفيذ اتفاق الإمارات التاريخي    «مياه دمياط»: انقطاع المياه عن بعض المناطق لمدة 8 ساعات غدًا    استمرار فعاليات البطولة العربية العسكرية للفروسية    مواعيد الصلاة في التوقيت الصيفي بالقاهرة والمحافظات.. وكيف يتم تغيير الساعة على الموبايل؟    استقالة متحدثة أمريكية اعتراضًا على حرب إسرائيل في قطاع غزة    مصرع طفل «غرقا» إثر سقوطه في مصرف ري زراعي بالفيوم (تفاصيل)    45 ألف فلسطيني يؤدون صلاة الجمعة بالمسجد الأقصى    طائرة مسيرة إسرائيلية تستهدف سيارة في البقاع الغربي شرقي لبنان    الأمم المتحدة للحق في الصحة: ما يحدث بغزة مأساة غير مسبوقة    إيران والصين تتفقان على تعاون عسكري أوثق    البيت الأبيض يواصل مساعيه للإفراج عن المحتجزين فى قطاع غزة رغم رفض حماس    يحيى الفخراني: «لولا أشرف عبدالغفور ماكنتش هكمل في الفن» (فيديو)    إقبال كثيف على انتخابات أطباء الأسنان في الشرقية (صور)    تعرف على فضل أدعية السفر في حياة المسلم    تعرف على فوائد أدعية الرزق في حياة المسلم    «أرض الفيروز» تستقبل قافلة دعوية مشتركة من «الأزهر والأوقاف والإفتاء»    مواعيد صرف منحة عيد العمال للعمالة غير المنتظمة    الإسكان: 20 ألف طلب لتقنين أراضى توسعات مدينة الشروق    بداية من الغد.. «حياة كريمة» تعلن عن أماكن تواجد القوافل الطبية في 7 محافظات جديدة    أرتيتا: لاعبان يمثلان صداع لي.. ولا يمكننا السيطرة على مانشستر سيتي    عاجل| مصدر أمني: استمرار الاتصالات مع الجانب الإسرائيلي للوصول لصيغة اتفاق هدنة في غزة    بعد حادث شبرا الخيمة.. كيف أصبح الدارك ويب السوق المفتوح لأبشع الجرائم؟    التربية للطفولة المبكرة أسيوط تنظم مؤتمرها الدولي الخامس عن "الموهبة والإبداع والذكاء الأصطناعي"    مزارع يقتل آخر في أسيوط بسبب خلافات الجيرة    فعاليات وأنشطة ثقافية وفنية متنوعة بقصور الثقافة بشمال سيناء    وزير التعليم العالي يهنئ الفائزين في مُسابقة أفضل مقرر إلكتروني على منصة «Thinqi»    25 مليون جنيه.. الداخلية توجه ضربة جديدة لتجار الدولار    «مسجل خطر» أطلق النار عليهما.. نقيب المحامين ينعى شهيدا المحاماة بأسيوط (تفاصيل)    قافلة جامعة المنيا الخدمية توقع الكشف الطبي على 680 حالة بالناصرية    خير يوم طلعت عليه الشمس.. 5 آداب وأحكام شرعية عن يوم الجمعة يجب أن تعرفها    نجاح مستشفى التأمين ببني سويف في تركيب مسمار تليسكوبى لطفل مصاب بالعظام الزجاجية    سويسرا تؤيد خطة مُساعدات لأوكرانيا بقيمة 5.5 مليار دولار    موعد اجتماع البنك المركزي المقبل.. 23 مايو    تعديل طارئ في قائمة ريال مدريد لمواجهة سوسيداد    طرق بسيطة للاحتفال بيوم شم النسيم 2024.. «استمتعي مع أسرتك»    توقعات الأبراج اليوم الجمعة 26 أبريل 2024.. «الحوت» يحصل علي مكافأة وأخبار جيدة ل«الجدي»    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



بعد 05 عاما في الحياة والعلم و السياسة .. المفكر د. مصطفي الفقي في حوار لا تنقصه الصراحة:
مصر ستظل ملء السمع والبصر وقادرة علي الإمساك بدورها في أي لحظة ولا بديل لها لا لشعار »المواءمة« لأنه يقتل روح التجديد ويدعو إلي الرضوخ للسلبية وعدم اقتحام

د.مصطفى الفقى يتحدث إلى الزميل مجدى العفيفى ليس فقط لأن سلسلة »حوارات الأخبار « تسعي الي محاورة الشخصيات العامة التي تحقق وجودا ملحوظا في ثنايا قضايا المجتمع وأطروحاته، من خلال استشفاف ملامح الوجه الآخر المتداخلة مع الجوانب الموضوعية.. وليس فقط لأن د.مصطفي الفقي »مفكر« يتعامل مع السياسة التي هي فن تحريك الجبال ببعديها العملي والعلمي، ممارسة وتنظيرا.
إنما أيضا لأنه شخصية محملة بخبرة حياتية تقترب من السبعين عاما، منها نصف قرن كامل قضاه في شئون وشجون الفكر السياسي والدبلوماسي والبرلماني والإعلامي والثقافي والاجتماعي، لتحقيق مشروعه القومي الذي يحلق بجناحين الأول: ترسيخ العلاقة بين أطياف المجتمع المصري، والثاني: موضع التصور العصري للنظرية القومية كما تكشف مؤلفاته الخمس والعشرين ومن أشهرها »الأقباط في السياسة المصرية« و»تجديد الفكر القومي« و»ليالي الفكر في فيينا« و»محنة أمة« و»الرؤية العصرية للدولة المصرية« وغيرها.. من أجل ذلك وأكثر من ذلك سعيت اليه لاجراء محاورة قائمة علي استقطار شرائح فكرية طويلة العمر، واستشراف ما وراء هذا الفكر، وللمفكرين همومهم، وما أكثر هذه الهموم لا سيما أن طرحها قد يزيل التباسات كثيرة تحد من ضبابية الرؤية، وما أحوجنا إلي ثقافة الأسئلة، والسؤال نصف الجواب.
في ليلة هادئة إلا قليلا، بعيدا عن أوجاع السياسة اليومية والمؤقتة، اختليت به في ساعات من الفراغ النسبي فراح يتذكر ويتفكر ويحدق ويحلق...
القدرة علي التكيف
❊ غزارة انتاجك الفكري مع انشغالاتك السياسية والاجتماعية، البعيدة منها والمؤقتة، سواء علي المستوي الدبلوماسي أم علي الجانب الأكاديمي أم في العمل البرلماني، وانتاجك 52 كتابا فكريا.. كيف تحقق التوازن بين كل هذه الامور؟
❊❊ اعتقد ان التفسير الوحيد لهذه المعادلة في حياتي هو انني شخص شديد التنسيق، الي حد أن زوجتي وبناتي يطلقون عليّ أنني»شخص نمكي« بمعني أنني أستطيع أن أوظف الوقت لصالحي تماما، وأن أوزع اهتماماتي علي مدار الأربع والعشرين ساعة بشكل متوازن، ثم أنني أنظم أعمالي بشكل يسمح بالتعامل معها بشكل يحقق الفائدة الأكبر من عنصر الوقت، ومن الناحية الفكرية ، فأنا شخص سريع الانتقال من فكرة الي فكرة ومن بيئة الي بيئة، قادر علي التكيف مع الموقف.وهذه صفات اكتسبتها من سنوات الطفولة عندما تعلمت في كتاب القرية، وحفظت القرآن الكريم، وعندما كنت أتحرك مع أبي في الجلسات العرفية لعقد الصلح بين العائلات المتخاصمة، وكلها تراكمات في تاريخي الشخصي والاجتماعي.
أصبحت أثقل من الجبال
❊ تكاد السياسة اليومية تستهلك الكثير من فكرك وجهدك، والمجتمع يحتاج من يضيء له الطريق للاقلاع نحو المستقبل؟ هل لا تزال السياسة هي فن تحريك الجبال؟ ام ان مشاكل العالم أصبحت أثقل من الجبال؟
❊❊ ربما يكون التفسير الثاني هو الادق ، فالسياسة لم تعد شيئا ساكنا ولامستقرا، وانما أصبحت كيانا حيويا متغيرا ، يحتاج منا الي أن نطبع هذه السياسة، واذا لم نتمكن من ذلك فسوف يملي علينا ويفرض علي شعوبنا، ما لا نريده ولا نتوقعه.
الخلط بين الفكري والسياسي
❊ أيهما الأبقي أثرا والأكثر عطاء: المفكر والكاتب ام المشتغل بالسياسة اليومية، خاصة لدي الشخصية التي تجمع الجانبين؟.
❊❊ المفكر بالتأكيد، إن جزءا من مشكلتي أن الكثيرين يتناولون أفكاري ليس بمعيار فكري ولكن بمعيار سياسي، ويؤثر فيهم الخلاف السياسي والخصومة علي آرائي وتحليلاتي الفكرية، ومحاولة تشويهها، وهي الحكم بمنطق السياسي علي منطق المفكر، وهذا ظلم بين، ولا تنس أنني استاذ علوم سياسية في الجامعة ، ومن الاصل أن أكون مطروحا في سوق الحياة العامة، كشخصية عامة لكن هذا لا يعني ان السياسة وحدها تستغرقني، لدي العمل الأكاديمي والتدريس في الجامعة، وكتابة المقالات، وتأليف الكتب، والعمل الاعلامي والثقافي، والمشاركة في المؤتمرات المتخصصة، وحضور المنتديات الإقليمية والدولية ومتابعة التطورات الأكاديمية، وكلها شواغل تتداخل في شخصيتي.
الدين والسياسة والمجتمع
❊ من الظواهر المثيرة للجدل السلبي.. لعبة خلط وتخليط الأوراق، خاصة فيما يتعلق بالدين والسياسة، والدين والحياة، ثمة خيوط تكاد من دقتها لا تبين.. فهل من ضوء كاشف ومحدد؟
❊❊ الاختلاط بين الدين والسياسة أدي إلي حال اشتباك دائم بين النصوص المقدسة والأوضاع المتردية في عالمنا العربي، ولقد حان الوقت الذي يجب أن نراجع فيه أساليب حياتنا وطرائق تفكيرنا حتي نقدم أنفسنا للعالم المعاصر بصورةٍ عادلة ولائقة بعيداً عن الغلو والتطرف والتشنج الدائم والتوتر المستمر.
ومن أجل مستقبل أفضل لمصر يجب فصل الدين عن السياسة، ذلك أن الدين فكرة مطلقة، والسياسة فكرة نسبية، فالدين قائم علي الإيمان أما السياسة فيها نسبة من المراوغة والخداع وهو ما لا يليق بالدين، وإذا جاز التشبيه فإن الدين والسياسة يشبهان الماء والزيت، فالماء سائل شفاف صاف، أما الزيت ففيه من الشوائب والعوالق الكثير.
لكن لا يمكن فصل الدين عن الحياة، وأقول مرحبا بالدين في المجتمع، إنني أدعو بوضوح إلي عملية فك اشتباكٍ سلسة بين الدين والسياسة من أجل مستقبل أكثر شفافية ووضوحاً أمام أجيالنا القادمة، بل أدعو الأجيال الجديدة أن ترتبط بالدين أكثر، وأن تستمد قيمها من القيم الدينية السامية.
بين الحوار والصراع
❊ تشغلك مسألة حوار الاجيال التي حملها كتابك بنفس العنوان، ومن الملاحظ أن الحوار مغيب في ثقافتنا المعاصرة الآنية الي حد أصبح شعار (من يصارع من) هو المهيمن علي الاجواء، ويلقي بسلبياته علي قضية تسلسل الاجيال؟ ولماذا نتوجس دائما خيفة من الجديد أي جديد، مع ان الصراع بين القديم والجديد لابد أن ينتهي لصالح الجديد؟
❊❊ هذا صحيح ، لقد انتقلنا من حالة حوار الأجيال إلي صراع الأجيال، ولم نتمكن من إحداث التواصل المطلوب بين جيل وجيل يليه، لم ننقل الخبرات بشكل عادل وعاقل، مع أننا لو تأملنا قليلا لوجدنا أن ميزة أي جيل يعود الفضل فيها الي الجيل الذي سبقه ، الجيل الذي علم ، فلا يوجد ما يؤدي الي التنافس والصراع، انما الأصل هو التلاحم والتواصل وانتقال الخبرات والحوار المشروع والبناء علي ما تم، واستكمال دور الانسانية من خلال أجيالها المتعاقبة.
لم يتعرض العالم العربي - بشعوبه المتعددة ودوله المختلفة - لهذا الحجم من العواصف الفكرية مثلما هو الأمر الآن. فأنا أشعر أحياناً أن الحرية تختنق، وأن الحوار مفقود، وأن الكل يصيح في الوادي ولا يستمع إلا لصدي صوته. لقد فقدنا القدرة علي تحمل آراء غيرنا وأصابتنا حال من الذاتية لم تكن موجودة بهذه الصورة في تاريخنا الطويل بل إن المقولة الشهيرة للإمام الشافعي التي ذكر فيها أن (رأيه صواب يحتمل الخطأ وأن رأي غيره خطأ يحتمل الصواب) لم يعد لها وجود في قاموس حياتنا الفكرية أو الروحية، كما أن دفاع فولتير الشهير عن حق من يختلفون معه في الرأي لم يعد وارداً هو الآخر في العقل العربي المعاصر، فنحن متوترون منفعلون نحيل القضايا العامة إلي مسائل شخصية ونلبس المصالح الشخصية رداءً كاذباً من الشعارات العامة.
وبنظرة متأنية محايدة الي الأجيال المتحركة الآن علي الساحة، أري أن لديهم بعض الميزات، ولديهم بعض المثالب، لكنني أستطيع أن أقول أننا أحيانا نفرط في انتقادهم وفي توجيه اللوم لهم دون مبرر، كأن نتصور أن جيلنا هو الذي أتي بما لم يأت به الأوائل، أو أن نتصور أن الأجيال الجديدة سطحية ومسطحة وغير عميقة، هذا حكم غير عادل.
الأصل في الأمر أن كل جيل له ميزاته، مثلا الجيل الجديد أقل ارتباطا علي المستوي العائلي والاجتماعي، أقل احتراما للتقاليد والشكليات، أقل اهتماما بالحياة السياسية والحياة العامة، ولكن في المقابل هو جيل أكثر ارتباطا بالآلة، أكثر فهما للعالم، أكثر قدرة طبعا - بحكم الأدوات المستحدثة - للدخول علي الانترنت والحصول علي المعلومة، حيث يستطيع الشاب المصري أن يحصل علي نفس المعلومة وبنفس المستوي الذي يحصل عليها الشاب الأمريكي أو الشاب الياباني، هذه ميزات لم تكن متاحة، ولذلك معارفهم أكثر انتشارا من الجيل الذي سبقهم.
وأذكر في هذا السياق أن ابن المقفع كتب مقالا قبل ألف عام تقريبا بعنوان» فضل الأقدمين« تباكي فيه علي أبناء جيله، حيث ماتت الفضيلة وانتهت المروءة، وذهبت القيم، وضاعت الأخلاق و..و.. ويبدو أن هذا النمط من التباكي هو صفة تاريخية لكل جيل عند رحيله، عندما لا يري في الجيل الذي يليه ما يمكن أن يغطي ما كان يتطلع اليه.
تاريخية الزعماء الأربعة
❊ لأن الشئ بالشئ يذكر. لدي سؤال حول الرؤساء محمد نجيب وجمال عبد الناصر وانور السادات وحسني مبارك..هل زعماؤنا الأربعة يتواصلون فيترجمون فكرة تسلسل الاجيال؟ وما هي مواصفات الشخصية التاريخية علي ضوء تعبيرك بأن »الرئيس مبارك هو آخر شخصية تاريخية تحكم مصر«؟
❊❊ هذه الشخصيات تولت حكم مصر ووراءها تاريخها: محمد نجيب كان ضابطا شجاعا وشهيرا وقائدا لسلاح الحدود ورئيسا لنادي الضباط، جمال عبد الناصر كان وراءه معركة الفالوجا وتاريخه في تشكيل تنظيم الضباط الأحرار، أنور السادات له تاريخ عريض قبل ثورة 2591وما بعدها، حسني مبارك كان قائد الضربة الأولي في حرب 3791 وهو ضابط من طراز رفيع قدم خدمات جليلة لبلاده في حرب اليمن، وحرب 7691 وحرب الاستنزاف، وحرب اكتوبر.
أما الآن فلا يوجد لدينا شخصيات تاريخية، يتقدم إلينا المرشحون بما يمكن أن يعرضوه من سياسات في المستقبل، ولكن لا يوجد لأحدهم رصيد حقيقي في العمل الداخلي يجعل منه شخصية تاريخية تقارن بالشخصيات الأربع التي تحدثنا عنها، ، ففي رأيي أن الرئيس مبارك هو آخر الشخصيات التاريخية في حكم مصر.
مصر.. الريادة والقيادة
❊ في ضوء رؤيتك المطروحة في كتابك تجديد الفكر القومي هل يواصل الفكر المصري بث شعاعه بنفس القوة التي تمايز بها في السابق مع الاخذ في الاعتبار تغير الظروف والملابسات؟ ودور مصر الاقليمي والدولي بين الحقيقة التاريخية والحقيقة الحاضرة، وما بين الحقيقتين من قراءات متضاربة؟
❊❊ أعتقد أن الحديث عن تراجع الدور المصري القومي فيه ظلم كبير، الذي حدث أن الصغار شبوا عن الطوق، واصبحت هناك فضائيات تملأ الدنيا صياحا وضجيجا، واصبحت هناك دول تأمل في أدوار لم تكن متحققة لها بحكم حجمها، واصبحت هناك دول أيضا في المنطقة تنظر إلي مصر بشيء من الحساسية المكتومة: لماذا تستأثر هذ الدولة العربية الكبيرة بكل هذا؟ وتعتبر هي حاملة مصابيح التنوير؟ والقادرة علي الريادة والقيادة؟ من هنا بدأت الاشارات التي تتحدث عن أن الدور المصري لم يعد له نفس الحجم من الريادة والقيادة، وفي رأيي أن هذا دور مغلوط.
الذي حدث أن الأدوات تغيرت، كانت مصر كانت تقود المنطقة بالثقافة والتعليم والتفوق العسكري، الآن هي تقود المنطقة بالديمقراطية وإعمال المفردات الجديدة للمجتمع المعاصر، وقضايا حقوق الإنسان والأطروحات الناتجة عن ذلك، ولذلك فإن نهضة النظام التعليمي في مصر، واستعادة دورها الثقافي هي أدوات تقليدية، الي جانب الأدوات الجديدة وفي مقدمتها الديمقراطية والمشاركة السياسية والقدرة علي التأثير في المستقبل ، هذه أمور لا نستطيع أن نقلل من تأثيرها أو حتي نتجاهل وجودها، وكما قلت مرارا وفي مناسبات عديدة، إن مصر التي انطلقت منها شمس التوحيد وذكرتها الكتب المقدسة للديانات السماوية الثلاث، ومصر التي تكسّرت علي نصالها أطماع الغزاة وأوهام البغاة وأحلام الطغاة.
أقول ذلك وأنا أري حولي محاولات يائسة لخنق الروح المصرية وطمس هوية الكنانة مع الحديث المتكرر عن تراجع دورها والإيحاء الدائم بتردي مكانتها، بينما قراءة تاريخ الأمم وتطور الشعوب يوحي دائماً بموجات صعود وهبوط، ولكن الأدوار لا تختفي والشمس لا تغيب، لقد كانت أدوات الدور المصري هي التعليم والثقافة والتنوير مدعومة بالتاريخ الناصع لبطولات الجيش المصري، والآن قد تتغير أدوات الدور أو بعضها، ولكن تبقي مصر أبداً شامخةً تقدم النموذج لغيرها في المنطقة وتدفع بأدوات حديثة لدورها الحيوي المتجددولكن تبقي مصر أبداً شامخةً تقدم النموذج لغيرها في المنطقة وتدفع بأدوات حديثة لدورها الحيوي المتجدد،
إن الدور الإقليمي لمصر لا يعني الدخول في مغامرات أو إقحام الدولة عسكرياً وسياسياً في مشكلات لا تخصها، حتي ولو كان ذلك بدواعي التطرف القومي أو الاستغراق في مسؤوليات إقليمية علي حساب المصلحة الوطنية أقول ذلك لأن البعض يتصور أن قضية الدور المصري تعني تلقائياً فتوحات محمد علي أو حروب عبد الناصر، فالمرجعية التاريخية في الذهن المصري تشير دائماً عند الحديث عن مسألة الدور الإقليمي إلي الخروج الحتمي إلي ما وراء الحدود، والتورط في مشكلات تستنزف الاقتصاد المصري وقد تنال من الأمن الوطني ذاته، ويدافع المتحفظون علي قضية الدور دائماً بأن الأمر قد يجرنا إلي مواقف وسياسات لا تخدم بالضرورة البناء الداخلي أو تدعيم قوة الدولة اقتصادياً وعسكرياً، ونحن نتفق معهم إذا كان الدور المصري يؤدي إلي ذلك، أما إذا كنا نقصد به الوجود السياسي القوي والدبلوماسي الفاعل علي الساحة الدولية، فإن الأمر يختلف، لأن مصر ليست بلداً صغيراً أو هامشياً، إنها دولة مركزية محورية مطالبة دائماً باتخاذ قرارات مصيرية .
إن مصر إذا غابت عن محفل عربي أو إقليمي فإنها تبدو دائما هي ذلك الغائب الحاضر، وأؤكد أن مصر دولة غير قابلة للعزلة بحكم الجغرافيا، وغير قابلة للتجاهل بمنطق التاريخ، وغير مستعدة للتنازل بتأثير المبادئ، وعندما ننظر إلي الخريطة السياسية للشرق الأوسط حالياً، ندرك أن مصر -رغم كل الحديث المكرر عن تراجع دورها، ما زالت ملء السمع والبصر، فهي قادرة علي الإمساك بدورها في أي لحظة، لأنني لا أتصور بديلاً لها، فلا تركيا ولا إيران ولا غيرهما يمكن أن يكون تعويضاً لغياب الدور المصري مهما كانت المواقف والمصاعب والتحديات.
الدور المصري الذي نريده ، خادماً للأهداف الوطنية، متماشياً مع الشخصية المصرية، مؤمناً بأن لكل جهد دولي أو إقليمي عائده، وأن الدور في النهاية ليس مجموعة شعارات أو مغامرات أو حتي مفاجآت، إنه عمل مدروس يقوم علي حسابات صحيحة وتوقعات مؤكدة، فليست النوايا الحسنة وحدها هي طريق النجاح، كما أن طريق الفشل أحياناً مفروش هو الآخر بمثل تلك النوايا الحسنة، إن مصر دولة وسطية من أم إفريقية وأب عربي، بعقلية بحر متوسطية ووجدان إسلامي، هكذا أرادها الله وسوف تبقي دائماً حاضنة لتراثها الخالد، حامية لنيلها الذي لا يتوقف، متمسكة بوحدتها الوطنية التي لا تنفصم، تنشر الضياء حولها لأنها شمس لا تغيب.
فكرة الزعيم النجم
❊ هل المجتمع المصري لم يعد يتقبل فكرة »الكاريزما« لشخصية الحاكم ؟
❊❊ ربما لم يعد لدي المجتمع قبول عام لفكرة »الكاريزما« أو التأثير العاطفي القوي لفكرة الزعيم النجم، نريد زعماء عاديين يستطيعون أن يغيروا في المجتمع، ويناقشوا قضاياه، دون ان يكون لهم ذلك التأثير الذي كنا نتصوره، في كاريزما عبد الناصر حيث كان ضياؤه يبهر ويعمي العيون، فتكون النتيجة علي غير ما توقع الناس ، ولذلك نحن هنا في مصر نتطلع إلي الحاكم العادي ، وليس بالضرورة الشخصية الكاريزمية، انها تذكرنا بما قام به الخليفة الراشد »عمر بن الخطاب« عندما عزل القائد خالد بن الوليد في أوج انتصاره، وجاء ب »أبي عبيدة الجراح« قائدا لجيوش المواجهة في الحرب مع الروم، ومثلما فعل البريطانيون مع »ونستون تشرشل« بعد الحرب العالمية الثانية، عندما اسقطه الشارع وقالوا له لقد كسبت الحرب، دعنا نبحث عمن يكسب السلام، وجاؤوا ب »كلمنت الزعيم العمالي في ذلك الوقت، وكذلك فعل الفرنسيون رفضوا شروط» ديجول« في استفتاء 8691 الي الحد الذي جعله يرفض النتيجة التي جاءت عكس ما كان يريد، فانزوي حتي مات، وفقدت فرنسا رجلا كانت هامته لا تقل عن نابليون إن لم تعلها.
هامش من الحرية .. لماذا؟
❊ هامش من الحرية .. تعبير مثير للغضب الموضوعي، أليس كذلك؟
❊❊ هامش يعني مساحة، فالاصل في هذه المنطقة من العالم ان التسلط والانظمة الديكتاتورية كانت هي التي تحكم ، وبدأ أنصار الحرية والديمقراطية يأخذون جزءا جزءا ليصنعوا هامشا للحرية فبدأ هذا المعني، لكن كلمة هامش لا تعني الاقلال من قيمة الحرية، ولا تعني الانتقاص من مكانة الديمقراطية.
❊ علي ضوء معطيات الراهن.. هل تتوقع زيادة الهامش؟
❊❊ بالتأكيد..ستتسع مساحة الحرية والديمقراطية، لأنها أمور غير قابلة للتراجع ، ما تم فيها لا بد أن يبني عليه ولايمكن التراجع عنه.
البكاء علي الأطلال
❊ أكثر من 001 عام من التنوير، ولا يزال المجتمع يتجادل سلبيا حول نفس القضايا التي طرحها رواد التنوير في العصر الحديث.. ما دلالة ذلك؟
❊❊ هذا أيضا صحيح.. لأننا ما زلنا نعيد انتاج ما توصلنا اليه عبر مائة عام، وفي كل مرة نبدأ من الصفر، بل أستطيع أن أقول لك أن الخرافة تبحث عن العلم، وأن الجهل يسيطر - الي حد كبير - علي عقل المجتمع، وأن هناك قدرا كبير ا جدا من التطرف يحكم رؤية المجتمع لما حوله، كثير من الأشياء التي قبلناها وارتضيناها قبل مائة عام بدأنا نجادل فيها، ونشكك في صحتها الآن ، هذا أمر خطير للغاية، هذه ردة، فما قال به الإمام المجدد العظيم محمد عبده، لا يقول به الأئمة الآن، بل يقولون غيره، وما قال به رفاعة الطهطاوي من قبول الغرب وحفاوة به، لا يردده الكثيرون الآن، وكأننا بعد أكثر من مائة وخمسين عاما لا نزال نعيد انتاج جزء من الفكر المتخلف، ولكن الفارق الآن أن الفكر المتخلف لا يعيش في عالم متخلف، ولكن في عالم يتقدم حولنا، كان يبدو مواكبا لعصره، ولكن يبدو الآن نغمة نشازا في ظل التحولات الكبري والاكتشافات المبهرة، والعقليات الحديثة والرؤي المستحدثة التي لم تكن قائمة.
❊ ألا تلاحظ أننا نبكي علي الأطلال السياسية والحضارية أكثر مما ينبغي؟
❊❊ نعم ..نحن أمة ماضوية، نعيش في الماضي، ونستعذبه ونتحدث عن امجادنا ونلوك تاريخنا كالبقال المفلس الذي يفتش في دفاتره القديمة، ولا يفكر أن يقدمه هو في عصره وما يستطيع أن يعطيه للدنيا من بعده.
رجاء وأمل.. ليس إلا
❊ الدعوة المستمرة لتجديد الخطاب والفكر في كل اتجاه لم تتجاوز الرجاء والامل والحلم،.. اين كل ذلك من الواقع؟
❊❊ هذه النقطة مرتبطة بالنقطة السابقة، وهي أن روح التجديد والاجتهاد ليست قائمة، وأنا أصدرت في بداية عقد التسعينيات كتابي» تجديد الفكر القومي« ناقشت فيه النظرية القومية، ورأيت ان هذه النظرية لم تعد هي تلك النظرية العاطفية القائمة علي أسس نظرية وأطر تاريخية، ولكنها أصبحت الآن شبكات طرق وخطوط غاز ووصلات كهرباء، وتعليم مشترك، أي خلق أسباب للشراكة في المصلحة وهي التي تربط بين الشعوب ، وليست أبدا العناصر الرمزية العاطفية العامة، فكتابات التجديد موجودة، ولكن تهيؤ العقلية المصرية والعربية لهذه الاشعاعات الجديدة هو الذي يحتاج الي مناقشة.. هناك حالة جمود الي حد كبير ، وهناك عدم رغبة في استقبال الفكر الجديد هناك رفض نسبي لما يمكن أن نمضي عليه ونؤمن به.
دوركم أيها المثقفون
❊ لكن هذا دوركم يا دكتور مصطفي ودور المفكرين وحملة مشاعل التنوير في المجتمع، فماذا يحول دون ذلك؟
❊❊ الأمر يحتاج الي قدر من الشجاعة لاختراق، لاقتحام القضايا المختلفة، يجب أن نكف عن طرح شعار المواءمة الذي نستخدمه دائما، في محاولة ابقاء القديم والحفاظ عليه، وعدم الرغبة في التغيير، أو إعمال روح التجديد، إن كلمة المواءمة كلمة خطيرة لأنها تعني الرضوخ لما هو قائم بسلبياته وعدم القدرة علي اقتحام المستقبل بكل ايجابياته، وهذه نقطة هامة للغاية.
لأنها فوقية وماضوية
❊ الاحزاب والشارع المصري.. كيف تري شكل العلاقة، وهل تشهد اقترابا من رجل الشارع؟
❊❊ أعتقد أن تاريخ النظام الحزبي في مصر يشير الي أن الأحزاب بالمعايير المفهومة في دراسات القانون الدستوري ونظم الحكومات ليست متوافرة بالضرورة في التاريخ الحزبي المصري، فالأحزاب ليس لها شعبية في الشارع، ولا انضباط التنظيم الحزبي الحديث، وباستثناء حزب الوفد في الفترة من 9191 الي 2591 وهي التي نسميها بالفترة الليبرالية المصرية لا نكاد نجد أحزابا سياسية بالمعني الذي اكتسب شعبية مثلما تحقق للوفد، ولكن الأحزاب السياسية الحالية هي الي حد كبير أحزاب فوقية ، وتعتمد علي زعامات معينة، وهي أحزاب أشخاص قبل أن تكون أحزاب برامج، فضلا عن التشابه العام وعدم وجود فوارق حدية بينها تغري بالتنافس السياسي الحزبي الصحيح
❊حتي أسماء الأحزاب كلها مرجعيات ماضوية.. أليس كذلك د.مصطفي؟
❊❊ بالضبط بالحزب الوطني مرجعيته مصطفي كامل، وحزب الوفد مرجعيته الوفد، حزب العمل كانت مرجعيته مصر الفتاة، الحزب الناصري كانت مرجعيته عبد الناصر،
❊ لماذا..؟
❊❊ لأنك لا تريد ان تتقدم بشجاعة، وتطرح قضايا ، كنت أتصور حزبا يقوم علي عروبة مصر ، وحزب آخر يرفض ذلك، الالتزام بالعروبة ويتحدث عن مصرية مصر وانفرادها وتميزها وحدها، لكن هذا لم يحدث، اتذكر أنني عملت في مستهل حياتي في بريطانيا ورأيت الصراع الدائر عام 0791 علي انضمام بريطانيا للسوق الاوروبية المشتركة، وكيف كان هناك مدافعون عن الانتماء الاوروبي ومعارضون لهذا الانتماء، ليس لدينا شئ من ذلك هنا عن الانتماء العربي، علي سبيل المثال.
فرز الحقائق الغائبة
❊ دلالة الحراك الاجتماعي دليل علي قوة وقدرة الشعب المصري علي التجديد ومواجهة المشكلات بفكر واع .. هل من مزيد في التوضيح؟
❊❊ استطيع أن أقول لك انه مفيد، وأنا من المؤمنين بأن مراحل التحول والانتقال تفرز كثيرا من الحقائق الغائبة، وتفرز أيضا عددا من الشخصيات، بعضهم يكون وطنيا حقيقيا، وبعضهم يكون متسلقا انتهازيا، ولكن في النهاية لا يصح الا الصحيح، يجب أن يكون لدينا إيمان عام بأن الديمقراطية والحرية أدوات أساسية للحكم والسياسة في هذا العصر، وأن صنعهما معا لا يأتي من احتكار لهيئة أو لشخص معين، إنما يأتي من خلال التجاوب والتجاذب والتآلف والتداخل مع معطيات المجتمع والبيئة السياسية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.