لا تتوقف معاناة المواطن المصرى عن حدود بل تزداد يوما بعد يوم ففى الوقت التي تزداد فيه العقوبات في القوانين، جاءت تعديلات على ستة مواد من قانون العقوبات الخاصة بالاعتداء على المال العام لتقلل منها. ووصف عدد من القانونيين ذلك بأنها ستتسمح بالفساد، والاستيلاء على المال العام، وأن الدولة فى عهد مبارك كانت قرارتها تتجاوز القوانين، لكن الآن تحاول الدولة الجديدة، ان تكون قراراتها فى إطار قانوني وتشريعى، حتى لو كان مخالفا للدستور. ولفت قانونيون إلى أن مبارك لم يكن لديه الجرأة لسن قوانين بذلك، لكن الآن المخالفات تتم فى إطار قانوني
ممنوع التحقيق
البداية كانت في المادة 116 مكرر، والتي منعت النيابة والقضاء من رفع الدعوى الجنائية أو اتخاذ إجراء التحقيق في جرائم الإضرار العمدى والاضرار بالمال العام، إلا بطلب من رئيس مجلس الوزراء أو من يفوضه. وهو ما اعتبره محمد الحلو، المستشار القانوني، للمفوضية المصرية للحقوق والحريات، يغل يد القضاء والنيابة وتدخلا من السلطة التنفيذية في شؤونه. سلطات جديدة منحها التعديل لرئيس الوزراء، غير الممنوحة له في الدستور، فضلا عن اهدار حق النيابة العامة بتحريك ومباشرة الدعوة الجنائية وفقا لنص المادة 189 من الدستور، يضيف الحلو ل"مصر العربية".
تخفيض للعقوبات
التعديل الثاني جاء في المادة 116 مكرر "أ"، بتخفيض عقوبة الإضرار العمدى بالمال العام، ليكون حدها الأقصى السجن سبع سنوات، عقب أن كانت السجن المشدد، والذى تصل مدته خمس عشر عاما، وفى المادة 116 مكرر "ج"، اٌستبعدت التجريم في حالة الإخلال العمدى بتنفيذ الالتزامات المفروضة في تعاقد الجهات مع أجهزة الدولة، وقصره على حالة ارتكاب الغش. ويوضح عادل عامر، رئيس مركز المصريين للدراسات السياسية والقانونية والاقتصادية، أن التعديل فصل المسئولية الجنائية، وترك العبرة بتطبيق القانون، وهو ما يمكن أن يدخل فيه نوع من المجاملة، فضلا عن ترك تحديد نية الإخلال والقصد بتحقيق المنفعة للمحكمة
العقوبات التبعية
ألغى التعديل الثالث فى المادة 118 مكرر "أ"، العقوبات التبعية، التى تصدرها المحكمة بجانب العقوبات الأصلية، كعزل الجاني من وظيفته أو الحكم بالغرامة ورد المال المعتدي عليه، واستبدل هذه العقوبات بالنص على منح المحكمة سلطة القضاء ببعض التدابير بدلا من العقوبات الأصلية للجرائم.
الاستيلاء من موظف
وفى جرائم اختلاس واستيلاء المال العام من موظف عام أو تسهيله للغير المنصوص عليهما فى المادة 113 مكرر ، خفض التعديل العقوبة من السجن الذى تصل مدته لخمس سنوات إلى عقوبة الحبس فقط، و النزول بالعقوبة إذا كان الاختلاس أو الاستيلاء بغير نية التملك إلى الغرامة فقط من 10 آلاف إلى 500جنيه.
التربح
التعديل الخامس خفض العقوبات في المادة 115 من السجن المشدد 15 عاما، إلى السجن مدة لا تتجاوز 7 سنوات، وقصر نطاق الجريمة فى حالة أن يكون الموظف سلطة رقابة أو إدارة المال
توصيف المال العام
التعديل السادس حزف البند "ز" من المادة 119 والخاصة بالجرائم الواقعة على أموال الشركات والجمعيات والوحدات الاقتصادية والمنشآت التى تساهم فيها الدولة و وحداتها المحلية والهيئات العامة والمؤسسات العامة و وحدات القطاع العام والنقابات والاتحادات والمؤسسات والجمعيات الخاصة ذات النفع العام والجمعيات التعاونية
تغطية على الفساد
ويشير الحلو، إلى إن ذلك ليس المحاولة الأولي للتستر على الفساد، بحد وصفه، ففي عهد المجلس العسكري صدر مرسوم قرار بقانون من المشير طنطاوي بخصوص مواد الاستيلاء على المال العام، وكانوا مادتين. نصت المادتين على التصالح مع المستثمرين، وفض المنازعات بين الدولة والمستثمرين، وهو ما أبعد جزء المحاسبة الجنائية عنهم. وتطبيقا للقاعدة القانونية أن "القانون الأصلح للمتهم"، فإن ذلك القانون سيطبق بأثر رجعي، وسيكون المستفيد الأول منه رموز نظام مبارك المتهمين بالاستيلاء على المال العام والتربح، بحد قوله. يؤكد أن المشكلة ان المحاسبة لم تكن موجودة، لغياب الإرادة السياسية، وبدلا من محاربته، الدولة ساعدت على الفساد وقللت العقوبة وقننت ذلك، وكل التشريعات الخاصة بالمال العام صدرت قبل المؤتمر الاقتصادي بهدف ان تكون جاذبة للاستثمار، واصفا القانون ب"تستر على الفساد". وأضاف أن القانون يغل يد القضاء في قضايا الفساد ويقنن تستر الحكومة على الفاسدين، متوقعا استمرار تلك القوانين حتى عقب انعقاد البرلمان، الذى يستهدف في الأساس تواجد رجال الأعمال فيه ويرى مجدي عبد الفتاح، مدير البيت العربي للدراسات والبحوث، إن كافية التعديلات من قانون الاستثمار وتعديلات قانون العقوبات تسير في اتجاه تقنين الفساد. ويضيف أن الدولة فى عهد مبارك كانت قرارتها تتجاوز القوانين، لكن الآن تحاول الدولة الجديدة، ان تكون قراراتها فى إطار قانوني وتشريعى، حتى لو كان مخالفا للدستور، لافتا إلى أن مبارك لم يكن لديه الجرأة لسن قوانين بذلك، لكن الآن المخالفات تتم فى إطار قانوني