صدقت تلك الأغنية يوم صدحت بأن " الارض بتتكلم عربي "... توزع الشهداء على أقطار الأمة أثبت ذلك، الشهداء الذين حملوا إلى بيروت من فلسطين أقاموا في العاصمة اللبنانية كي يكتشف أنهم من جنسيات عربية مختلفة رووا أرض فلسطين بدمائهم وذهبوا إليها بمنطق العروبة وبالحس القومي العالي وبكل الحنين الى أمة عزيزة مكتوب لها ان تتعاضد كي تنجو من فخ القطرية. من سوريا إلى لبنان الى اليمن وتونس فالمغرب فليبيا وغيرها من أقطار العرب، الى فلسطين التي ذابت عشقا بهم ، كانت النعوش المحمولة على الاكف وكأنها تهتف بعودتها محملة بتراب من فلسطين وبرائحة من عبقها لتنام هادئة في المكان الذي ولدت فيه. مازالت المجاهدة سناء محيدلي من ذاكرتهم الطيبة حين قامت بعمليتها الاستشهادية ففجرت نفسها عند معبر يحرسه عدد كبير من الاسرائيليين ادى الى سقوطهم جماعات جماعات. وقبلها كانت دلال المغربي زهرة من زهرات فلسطين قد أبت الا ان تدفن في المساحة المضيئة التي هي بلدها. كان مشهدا مقروءا بعين رفاتهم يوم اصطفت التوابيت في مركز" شاهد " على طريق مطار بيروت .. اراد هؤلاء الشهداء في زمن التضحية من اجل فلسطين ان يرثوا المد القومي قبل ان يتألموا من السكون العربي الذي كان هادرا في ايامهم. لعلهم منزعجون من ترك الفلسطينيين وحيدين دون إعانة ودون اقتراب من فضائهم المفتوح. اليوم الفلسطينيون وحدهم في ميدان العلاقة مع فلسطينهم، لم يعد العرب على حرصهم الماضي وموقفهم الماضي وشعورهم الذي مضى بأن القضية الفلسطينية قضيتهم وأن فلسطين " سيف العالم العربي وترسه " ، وان اختيار فلسطين من قبل الاستعمار والصهيونية للاقامة فيها مانع لتحقيق الوعد التاريخي بتوحيد العرب وتغيير مسيرتهم. اقيمت اسرائيل في المكان الذي يجمع الأمة ويحقق مسيرها ومسارها .. يؤمن لها التلاقي مسترشدة بخيارها التاريخي .. واقيمت اسرائيل كي يظل العرب على نهم الصراع الى ان يزداد تفرقهم كما يحصل اليوم .. لاندري ما اذا كان تحرير فلسطين مقدمة لوحدة الامة ام ان وحدة الامة مقدمة لتحرير فلسطين، كل ما نعرفه ان فلسطين في قلب الامة اي ان الاطراف جميعا مجبرة في الدفاع عن هذا القلب وتغذيته. عاد الشهداء على وعد ان لايكونوا آخر الاسماء منذ ان آمنوا بأن " الأرض بتتكلم عربي " ، وعاد معهم الاحساس الاول من اجل التفاتة جديدة لمعركة المصير التي لن تتغير بوصلتها. سوف نكتشف سحر الحدث المدوي في بيروت حين يعود ألق الماضي الى الدفع بحراك جديد يماثله، وسيكتشف كل من لعب على ادارة الصراع وحرفه ان لا أحد يملك القدرة في التأثير على المسيرة الطبيعية. من قال إن الشهداء لا ينهضون بعد ان تعانقوا طويلا في مقبرة الارقام ليعودوا اسماء مدوية ومعنى لقيم التربة التي احتضنتهم فأحالتهم الى نموذج يحتذى الآن وفي المستقبل. لم تفتح تلك المقبرة الا لأن الصراع له معناه في تاريخه ، حيث يخبو قليلا لكنه على حراك دائم.