انخفاض أسعار الدواجن اليوم 27 أبريل    بورصة الذهب تنهي تعاملاتها الأسبوعية بخسائر تتجاوز 50 دولارًا | تقرير    سعر اليورو مقابل الجنيه اليوم السبت 27-4-2024 بالبنوك    30 دقيقة تأخر في حركة القطارات على خط «القاهرة - الإسكندرية».. السبت 27 أبريل    8 شهداء وعشرات الجرحى في قصف إسرائيلي على النصيرات وسط غزة    تايوان ترصد 22 طائرة صينية في محيط الجزيرة    إسبانيا تعلن إرسال صواريخ باتريوت ومركبات مدرعة ودبابات "ليوبارد" إلى كييف    عضو بالكونجرس الأمريكي يشارك طلاب جامعة تكساس المظاهرت ضد الحرب في غزة (فيديو)    وزير الخارجية يتوجه إلى الرياض للمشاركة في المنتدى الاقتصادي العالمي    اليوم، الاجتماع الفني لمباراة الزمالك ودريمز الغاني    حالة الطرق اليوم، تعرف على الحركة المرورية بشوارع القاهرة والجيزة    بعد قليل، بدء محاكمة مرتضى منصور بتهمة سب وقذف عمرو أديب    بعد قليل.. الحكم في اتهام مرتضى منصور بسب عمرو أديب    المتهم خان العهد وغدر، تفاصيل مجزرة جلسة الصلح في القوصية بأسيوط والتي راح ضحيتها 4 من أسرة واحدة    اليوم.. الجنايات تنظر محاكمة متهمي "خليه المرج"    دينا فؤاد: أنا مش تحت أمر المخرج.. ومش هقدر أعمل أكتر مما يخدم الدراما بدون فجاجة    ميار الببلاوي تبكي متأثرة من هجوم أزهري عليها: خاض في عرضي    إشادة دولية بتجربة مصر في مجال التغطية الصحية الشاملة    الرئيس العراقي يدين الهجوم على حقل كورمور للغاز ويدعو إلى اتخاذ إجراءات وقائية    فنانة مصرية تفوز بجائزة أفضل ممثلة بمهرجان بريكس السينمائي في روسيا    محمد جبران رئيسا للمجلس المركزي للاتحاد الدولي لنقابات العمال العرب    حكم الشرع في الإسراع أثناء أداء الصلاة.. دار الإفتاء تجيب    "كنت ببعتله تحياتي".. كولر يكشف سر الورقة التي أعطاها ل رامي ربيعة أثناء مباراة مازيمبي    4 أيام متواصلة.. تعرف على عطلة شم النسيم وعيد العمال والإجازات الرسمية حتى نهاية 2024    للحماية من حرارة الصيف.. 5 نصائح مهمة من وزارة الصحة    تحذير دولي من خطورة الإصابة بالملاريا.. بلغت أعلى مستوياتها    نتيجة انتخابات نادي القضاة بالمنيا.. عبد الجابر رئيسًا    «المركزية الأمريكية»: الحوثيون أطلقوا 3 صواريخ باليستية على سفينتين في البحر الأحمر    «حماس» تتلقى ردا رسميا إسرائيليا حول مقترح الحركة لوقف النار بغزة    د. محمد كمال الجيزاوى يكتب: الطلاب الوافدون وأبناؤنا فى الخارج    د. هشام عبدالحكم يكتب: جامعة وصحة ومحليات    "اتهاجمت أكثر مما أخفى الكرات ضد الزمالك".. خالد بيبو يرد على الانتقادات    لدورة جديدة.. فوز الدكتور أحمد فاضل نقيبًا لأطباء الأسنان بكفر الشيخ    والد ضحية شبرا يروي تفاصيل مرعبة عن الج ريمة البشعة    بعد حادث طفل شبرا الخيمة.. ما الفرق بين الدارك ويب والديب ويب؟    وزير الرياضة يُهنئ الأهلي لصعوده لنهائي دوري أبطال أفريقيا للمرة ال17 في تاريخه    قبل مواجهة دريمز.. إداراة الزمالك تطمئن على اللاعبين في غانا    2.4 مليار دولار.. صندوق النقد الدولي: شرائح قرض مصر في هذه المواعيد    دينا فؤاد: الفنان نور الشريف تابعني كمذيعة على "الحرة" وقال "وشها حلو"    عمل نفتخر به.. حسن الرداد يكشف تفاصيل مسلسل «محارب»    حدث بالفن|شريهان تعتذر لبدرية طلبة وفنان يتخلى عن تشجيع النادي الأهلي لهذا السبب    محمد هلب: السيارات الكهربائية بمثابة مشروع قومى لمصر    شعبة البن تفجر مفاجأة مدوية عن أسعاره المثيرة للجدل    3 وظائف شاغرة.. القومي للمرأة يعلن عن فرص عمل جديدة    الدكتور أحمد نبيل نقيبا لأطباء الأسنان ببني سويف    تنفع غدا أو عشا .. طريقة عمل كفتة البطاطس    تحرير 17 ألف مخالفة مرورية متنوعة على الطرق السريعة خلال 24 ساعة    وسام أبو علي يدخل تاريخ الأهلي الأفريقي في ليلة التأهل للنهائي    أرقام مميزة للأهلي بعد تأهله لنهائي دوري أبطال أفريقيا    الترجي يحجز المقعد الأخير من أفريقيا.. الفرق المتأهلة إلى كأس العالم للأندية 2025    تهاني شم النسيم 2024: إبداع في التعبير عن المحبة والفرح    قلاش عن ورقة الدكتور غنيم: خلاصة فكره وحرية الرأي والتعبير هي درة العقد    حظك اليوم برج العقرب السبت 27-4-2024 على الصعيدين المهني والعاطفي    أعراض وعلامات ارتجاج المخ، ومتى يجب زيارة الطبيب؟    "ذكرها صراحة أكثر من 30 مرة".. المفتي يتحدث عن تشريف مصر في القرآن (فيديو)    «أرض الفيروز» تستقبل قافلة دعوية مشتركة من «الأزهر والأوقاف والإفتاء»    تعرف على فضل أدعية السفر في حياة المسلم    تعرف على فوائد أدعية الرزق في حياة المسلم    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الأرض بتتكلم عربى


«فى الجو بذر استعمارى خايف ينبت على لحدى»
قالها فؤاد حداد فى السبعينيات.. بعد انتصار أكتوبر بسنوات قليلة.. لقد أحس فؤاد حداد أننا لن نجنى ثمار هذا الانتصار.. وأن المشروع الاستعمارى سيعود مرة أخرى إلى الظهور فى المنطقة وأنه يخشى أن «بذور الاستعمار» التى تلوح فى الأفق ستسقط على أرض المنطقة لتنبت على قبر فؤاد حداد.. وقد كان.. لقد عاد الاستعمار بقوة.. احتلوا العراق.. وشنوا أكثر من حرب على لبنان.. ومخطط تقسيم السودان يسير على قدم وساق، قواعدهم العسكرية تملأ منطقة الخليج، لقد نبتت بذور الاستعمار لتتحول إلى احتلال بالقواعد العسكرية أحياناً، واحتلال بمصادرة القرار الوطنى فى أحيان أخرى.. واحتلال شعار العولمة فى أحيان ثالثة.
بصيرة الشعراء تلك التى تتجلى كأعظم ما يكون التجلى فى تجربة فؤاد حداد.. أنتجت لنا أيضاً هذا العمل العبقرى «الأرض بتتكلم عربى» والذى كان يشبه الطلقة الأولى فى «حرب استعادة التوازن» بعد هزيمة 67.
«الأرض بتتكلم عربى».. أغنية داخل برنامج إذاعى شعرى كتبه فؤاد حداد بعد النكسة مباشرة وكانت هذه الأغنية هى أول ما كتب من صفحات هذا البرنامج الذى صدر بعد ذلك فى ديوان يسمى «فى نور الخيال.. ومن صنع الأجيال فى تاريخ القاهرة».. وكان الديوان وأغنية «الأرض بتتكلم عربى» هما النبوءة الأولى بانتصار أكتوبر 73 الذى تنبأ فؤاد حداد - فيما بعد - بأننا لن نجنى ثماره كما ينبغى!!
يقول فؤاد حداد فى هذه الأغنية:
الأرض بتتكلم عربى ولا ترتاح
واصل كالسيل المجتاح
فتحك، ياعبدالفتاح
الأرض بتتكلم عربى..
إنه يتحدث باعتبار أن الهزيمة جولة فى معركة نضال طويل وأن الانتصار فى هذه المعركة سيكون فى صفنا لا محالة.
والآن.. تعالوا نتأمل مرة أخرى هذا المشهد.. فؤاد حداد يرى النصر قادماً من عتمة الهزيمة.. وفى موقع آخر يسمع أقدام الهزيمة وسط صخب الاحتفال بالنصر!
وفى رأيى أن هذه الرؤية الثاقبة لفؤاد حداد تنبع من تقييمه لعصرى عبدالناصر والسادات. يوما ما سألت فؤاد حداد ونحن فى منزله: لماذا تحب عبدالناصر الذى دخلت المعتقل فى عصره حوالى ثمانى سنوات.. بينما لا تحب أنور السادات الذى لم تسجن فى عصره يوماً واحداً. فقال لى: إننى لا أقيم أياً منهما من خلال مكاسبى أو خسائرى الشخصية.
عندما كنت فى معتقلات عبدالناصر كان يحقق لمصر كل ما أرجوه لها.. الإصلاح الزراعى وإعلان الجمهورية ومجانية التعليم وتأميم القناة وبناء السد العالى والقومية العربية وغير ذلك من الإنجازات الكبرى التى تحققت فى وقت قصير.
وعندما كنت أتمتع بحريتى فى عصر السادات - باستثناء حرب أكتوبر - كنت أرى بعينى كل ما لا أتمنى أن يحدث لمصر!!
جمال بخيت
شاعر بيلضم أسامينا .. الفلة جنب الياسمينة
ولد شاميا وعاش مصريا.. من أسرة مسيحية وأصبح مسلما متصوفا.. من عائلة مترفة وينتمى للبسطاء.. هو مؤسس شعر العامية الملحمى فى مصر.. هو والد الشعراء وأشعرهم.. هو من قال عن نفسه:
أنا الأديب وأبو الأدبا.
اسمى بإذن الله خالد.
وشعرى مفرود الرقبة.
زى الألف.
ورقم واحد.
ولد فؤاد حداد فى عام ,1927. والده سليم أمين حداد.. لبنانى من أسرة مسيحية.. كان طيب القلب سريع الثورة.. مخلصا فى عمله، منظما فى حياته.. جادا وكثير الخلاف مع ابنه الأكبر فؤاد حداد المتمرد بطبعه.. كان يعرف الوالد أن ابنه فؤاد عبقرى.. ويعرف معنى أن يولد للمرء شاعر عبقرى.
كتب الشاعر أمين حداد ابن الشاعر فؤاد حداد بقلمه مسجلا: كان جدى يكتب شعرا عموديا رصينا.. وحيث إنه كان أستاذا فى الرياضيات.. كان مثلا يكتب بيتا تحية «لفلان» فإذا حسبنا حروف البيت بحساب الجمل.. كان الناتج مساويا لتاريخ ميلاد هذا الفلان.. وكان جدى يحب «المتنبى» ويستشهد بأبياته فى حديثه.. وكان مفتونا بنجيب الريحانى ويفضل الزيتون الأسود على سائر الطعام.. أما أجمل شراب يشربه فهو الماء.
والدة فؤاد حداد سورية مسيحية استقرت أسرتها فى مصر.. يسجل أمين حداد: إنها من أمهر نساء العالم فى الطبخ وأعمال الإبرة والخياطة.. حادة الطبع شديدة الذكاء.. تعرف من يقف أمامها من نظرة واحدة.. تتكلم الفرنسية بطلاقة.. كريمة وتحب مصر حبا عظيما ولا تخفى عنصريتها واعتزازها وفخرها بعائلتها الارستقراطية، وأخوالها أميل بولاد المحامى الشهير وفريد بولاد ذلك النابغة الذى سافر إلى فرنسا للدراسة وأصبح من أشهر مهندسى الكبارى فى العالم، وهو الذى صمم كوبرى «كفر الزيات».
فى كل حى ولد عترة
ومازالت السطور بقلم أمين حداد: ولد أبى «مفنجل» العينين.. «يزغر» لمن حوله باندهاش.. قامت على تربيته فى طفولته الأولى مربية روسية.. ولم ينطق فؤاد بكلمة حتى صار عمره ثلاث سنوات، ثم فجأة تكلم كل الكلام مثل الكبار.. كان طفلا خفيف الدم، سريع الحركة يحب الناس جميعا خصوصا النساء!!
قال فؤاد حداد لأبنائه: «من وأنا صغير أحب الذوق البلدى.. وأحب الخلخال فى أرجل النساء.. وأحب الورد فى ملابسهن وعلى الكنب فى منادرهن.. المصريات أجمل نساء العالم». فى كل حى ولد عترة.. وصبية حنان
وكلنا جيرة وعشرة.. وأهل وخلان
أميرة عاقلة وفى الجملة العقل يطير
كانت صغيرة بضفيرة وكان هو صغير
كانت لما تلعب مع أخوها تلاقيه بيغير
ولما ترفع قلتهم تلاقيه عطشان
الولد ده قلبه كبير
اشتكت والدة فؤاد حداد لطبيب الأطفال من شهية فؤاد الضعيفة للأكل وكشف عليه الطبيب وقال إن حجم قلب هذا الولد كبير.
وقال فؤاد حداد فى قصيدة «العيار الفالت»
مين اللى زى الشوك
وزى البير.. زى الريحان
فى داخله الدبابير
مين اللى قلبه
اللى شعبه كبير
الأرض بتتكلم عربى
لفؤاد حداد شقيقان أصغر منه.. كان والدهم حريصا على أن يتعلم أبناؤه العربية على أصولها ورغم دراستهم الفرنسية في مدرسة الفرير ثم الليسيه والمدرس الخصوصي الوحيد الذى دخل بيتهم هو مدرس الخط العربى.. وكان فؤاد حداد يفخر بحلاوة «خطه» ويصفه بأنه مثل سلاسل الذهب ويقول: يجب ألا يوجد شاعر لا يملك خطا جميلا.
وفى سيرته الذاتية قال فؤاد حداد إن أباه كان يواظب على سماع القرآن فى المذياع مستمتعا بجمال آيات الذكر الحكيم.. ولكى يتعود الأبناء على سماع اللغة العربية بنطق سليم. وقال أيضا إنه ورث العناد من أجداده.. فجدته ماتت لأنها حملت شوال قمح ثقيلا رغم تحذير الجميع لها من مغبة حمله!! وجده مات لأنه سقط من فوق نخلة عالية رغم رجاء الناس له ألا يطلعها!!
كان فؤاد حداد تلميذا «مصحصح» نير العقل يكفيه شرح المدرس حتى يحفظ الدرس عن ظهر قلب. شهد له الجميع بالنبوغ فى الرياضيات واللغتين العربية والفرنسية.. ورغم إجادته اللغة الفرنسية وكأنها لغته الأم. إلا أنه كان يرفض أن يتكلم بها فى غير فصول الدرس.. مما سبب له مشاكل كثيرة مع رهبان مدرسة الفرير الذين كانوا يمنعون الكلام باللغة العربية داخل جدران المدرسة.
كان فؤاد حداد منذ طفولته يريد أن يصبح شاعرا.. ولما سئل عن السبب.. أجاب: لأساعد الناس حتى تكون حياتهم أفضل.
كيف يجعل الشعر حياة الناس أفضل؟
سؤال يطرح نفسه ويجيب عنه فؤاد حداد من خلال ما كتب لنكتشف أن الشعر عنده ليس موهبة أو هواية فقط.. بل مبدأ والتزام خلقى واجتماعى وتطوير مستمر.
ازرع كل الأرض مقاومة
ما بين عامى 1942 و1943 أثناء الحرب العالمية الثانية وثكنات الإنجليز فى العباسية غير بعيدة عن منزلهم بالظاهر.. اضطر والده إلى الانتقال إلى منطقة وسط البلد.. وانتقل فؤاد حداد إلى مدرسة الليسيه بباب اللوق.. وفيها تعرف على التيارات السياسية التى تموج بها البلد.. وانغمس فى السياسة.. ونادى الشعر على فؤاد حداد.. فذهب إليه واهبا له حياته.. وراح يجوب القاهرة شرقا وغربا.. حواريها وأزقتها ومقاهيها وموالدها ويقرأ كل ما يقع تحت يده من كتب الأدب ويحفظ عن ظهر قلب المعلقات وقصائد دريد بن الصمة ومالك بن الريب.. والبحترى.. والفرزدق وجرير وأبى نواس وابن الرومى وأبى العلاء المعرى.. وأحمد شوقى وخليل مطران وغيرهم كثيرون.. ولكن كان للمتنبى مكان الصدارة فى قلبه.
حفظ فؤاد حداد كل شعر المتنبى بداية من إيصاله بسيف الدولة.. حتى موته.. وظل يردد هذه القصائد بصوته الجميل حتى نهاية حياته وكأنه يتذوق حروفها وكلماتها.
فتن فؤاد حداد بشعراء الفرنسية وخصوصا «أراجون» والذى لعب الدور الرئيسى فى حياة فؤاد حداد.
أراجون واحد من أكبر شعراء المقاومة وكان عضوا قياديا فى الحزب الشيوعى الفرنسى. وعن فؤاد حداد كتب الشاعر هشام السلامونى قائلا: فؤاد حداد اختار كل حاجة فى حياته.. إحنا فى حاجات كتير اتولدنا بيها وما فكرناش فيها ومستمرة.. إنما هو فكر وغير.. يعنى اختار الوطن.. والدين.. والانتماء للطبقات الشعبية، وهو ابن العائلة المترفة والأرستقراطية، ولم يكن من المتصور أن يخرج من هذا البيت.. هذا الشيوعى.
كان فؤاد حداد مؤمنا بالشيوعية وعضوا فى تنظيمها المصرى.. وكان يغصب بشدة لو قال أحد عنه أنه يسارى.. ويقول «أنا شيوعى».
إلا فلسطين
ارتبط شعر فؤاد حداد منذ إصداره لديوانه الأول «أحرار وراء القضبان» عام 1947 بقضايا الأمة الرئيسية وفى مقدمتها قضية الحرية حرية الوطن وحرية المواطن. السجن مبنى من حجر
السجن مبنى من عيون السجانين
قضبان بتمنع النور والشجر زى العبيد مترصصين.
وإذا كان حداد ارتبط اسمه وشعره بالحركة الوطنية، فقد ارتبط أكثر باليسار المصرى ودفع ضريبة هذا الارتباط حين خاض تجربة الاعتقال للمرة الأولى سنوات 1956 - 1959 .. وساعتها لم يكن غريبا أن تحتل القضية الفلسطينية موقع الصدارة فى شعره.
القضية الفلسطينية عند حداد هى قضية العرب جميعا وتحريرها هو الهدف الذى ينبغى أن يجتمعوا لتحقيقه:
ولا فى قلبى.. ولا عينيا.. إلا فلسطين
أنا العشطان ماليش ميه.. إلا فلسطين
المقاومة فى شعر فؤاد حداد ليست مجرد طلقة رصاص أو دانة مدفع بل سلوك عام على جميع المستويات.. هى السبيل الوحيد لتحرير الوطن وإطلاق طاقات المواطن فى كل المجالات.. وعبر عنها فؤاد حداد فى قصيدته التى لحنها وتغنى بها سيد مكاوى:
ازرع كل الأرض مقاومة
ترمى فى كل الأرض جدور
إن كان ضلمة تمد النور
وإن كان سجن تهد السور
كون البادئ.. كل فروع الحق بنادق
غير الدم ما حدش صادق
من أيام الوطن اللاجئ
إلى يوم الوطن المنصور
فى المعتقل الثانى من عام 1956 أو حتى 1964 تحولت كلمات حداد من السياسة الخالصة إلى الإنسانية الممزوجة بالسياسة.. فقال فى إحدى مقالاته «أنا ربنا جاب لى مصر كلها وحطها معايا فى المعتقل.. شفت ناس من النوبة.. ومن الصعيد.. من بحرى ومن الإسكندرية وكل أنحاء الجمهورية.. جاءوا بأغانيهم وحكاياتهم. عن هذه الفترة كتب حداد:
أشكر اللى سجنونى
وبنيل وطمي عجنوني
ولأول مرة تظهر فى شعره معانٍ خارج الخط السياسى فكتب «رقص ومغنى» وفيها وصف الحيوانات بشكلها ونبضاتها.. يعنى يستحضر الدب ويستنطقه.. والفأر.. والكلب والديك وهكذا.. يقول على لسان الدب:
طلعت أدب البط ما بضش
نزلت أدب أخوك ما قبضش
أنا صاحب رقة وصاحب بطش
تزّز بقى ولا ألب
طلعت أدب.. نزلت أدب
وكل شبر وحتة من بلدى
من صراعات الشيوعية إلى أطياف التصوف وبالتحديد فى عام 1964 كتب فؤاد حداد ديوان «المسحراتى» الذى لحنه وغناه سيد مكاوى ليصبح أجمل الأعمال لتلك الشخصية الرمضانية التى توقظ الناس للسحور وقد حولها فؤاد حداد إلى دعوة لإيقاظ الوطن والضمائر والهمهم: مسحراتى
منقراتى.. منجراتى.. دواليب زمان
ما تشتكوش.. دقة شكوش
جت فى الأوان
دأنا فى انتقالى
من أول ساقيه
لسد عالى.. لقيت مكانى
سيرى يا موجة بالتكنولوجيا
لبر الأمان.. المشى طاب لى
والدق على طبلى.. ناس كانوا قبلى
قالوا فى الأمثال: الرجل تدب
مطرح ما تحب
وأنا صنعتي مسحراتى
فى البلد جوال
حبيت ودبيت كما العاشق.. ليالى طوال
وكل شبر وحتة من بلدى
حتة من كبدى حتة من موال.
كتب فؤاد حداد تحت عنوان المسحراتى مائة وإحدى عشرة قصيدة كان أولها عندما طلبت الإذاعة من صلاح جاهين كتابتها ولكن قال فؤاد حداد هيكتبها أحسن منى.
وكتبها حداد ليصبح أشهر مسحراتى فى التاريخ.
بدأت علاقة حداد وجاهين فى الأربعينيات من القرن الماضى وكان صلاح جاهين يكتب الشعر الكلاسيكى قبل أن يبلغ العشرين من عمره.. وقرأ يوما قصيدة بالعامية المصرية لمشاعر لم يكن قد سمع به آنذاك.. فقرر التعرف عليه.. لم يكن ذلك الشاعر سوى فؤاد حداد الذى أثر فيه تأثرا كبيرا مما جعل صلاح جاهين يقول: أنا تلميذ فؤاد حداد.
جمعت بينهما صداقة عميقة استمرت فيما بعد.. عندما تزوج الشاعر أمين حداد ابن الشاعر فؤاد حداد من السيدة أمينة ابنة صلاح جاهين،
وإذا كان فؤاد حداد أشهر مسحراتى.. فلا شك أن بيرم التونسى كان أقدم وأول مسحراتى فى الإذاعة فى بداية الستينيات حينما كان ينادى بكلماته عبر صوت المطرب والموسيقار محمد فوزى على سكان المحروسة.. وعلى حنية نشد فؤاد حداد:
يا عم بيرم أقول
وأنشد على ضيك.. مين اللى زيك
صاحب الكنز الأصيل
القافية بتطاوع.. معاه والنيل تعرف فؤاد حداد على بيرم التونسى وفتن به وكتب عنه كثيرا.. أما بيرم التونسى هذا الشاعر العظيم فقال لا أحد أشعر من فؤاد حداد ويبدو أن قدر مصر أن يكون أكبر شعراء عاميتها شامى وتونسى.
عم فضل الله
من أكثر الشخصيات التى أثرت فى حياة شاعرنا فؤاد حداد وشعره وذكره حداد فى سيرته.. كان عم فضل الله طعمه رجل من أصدقاء والده ثم أصبح صديقا لفؤاد حداد.. دخل مجالات عمل عديدة وطاف حول العالم.. ومعه تعرف حداد على الملاحم الشعبية أبوزيد الهلالى وعنترة بن شداد، وحكى له عم فضل الله حكايات طريفة ومثيرة عن كل شىء.. وفى شتى المجالات.. ما كان يفعله جورج أبيض قبل أن يدخل المسرح.. ويوسف وهبى ومغامراته النسائية.. ونجيب الريحانى وبشارة واكيم، واستيفان روستى وكيف أنه كان يأخذ حمام الشمس فوق سطوح العمارة، وإن الممثل إلياس مؤدب ليس شامياً.. وحكايات عن غرابة أسماء العائلات اللبنانية.. حكايات لاتنتهى ومناقشات عن شعراء العرب القدامى والمعاصرين.
لاشك أن صداقته وهو صبى بشيخ فى عمر أبيه، خفيف الروح واسع المعرفة ذى حديث جميل.. قد أثر فى فؤاد حداد وشعره والذى نجده فى قصيدة «عمليات الربيع تحت البنج الشفتشى» وقصيدة كاملة فى ديوان المسحراتى:
مسحراتى على النبى صلى
منقراتى والقمر بسام
شايلك فى قلبى يابافضل الله
ابن الأوائل من بلاد الشام.
الأرض بتتكلم عربى
بعد نكسة 1967 انطلق فؤاد حداد يكتب بكل طاقاته وكان أكثر الأدباء إنتاجاً.. وأول بيت قاله بعد الحرب.. «الأرض بتتكلم عربى» مستحضراً التاريخ العربى ليكون حافزا للمقاومة وعدم الاستسلام للهزيمة.
وكان ديوانه «من نور الخيال وصنع الأجيال فى تاريخ القاهرة» الذى قال فيه: الأرض بتتكلم عربى.. بتقول الله
إن الفجر لمن صلاه
ماتطولش معاك الآه
وبعد انتصار أكتوبر ،1973. كتب «الليلة يا سمرة» التى تغنى بها محمد منير.. وقال: البنت قالت فستانى
منشور على الشط الثانى
خدنى المراكبى وعدانى
ورجعت فى القمره
الليلة يا سمرة يا سمارة.
تعالى نلضم أسامينا أدرك فؤاد حداد منذ الطفولة المبكرة أن مصر هى الأم.. مصر التى لجأ إليها أجداده وأبوه وذابوا فيها وأصبحوا من أهلها وأبنائها.. نظر حداد من حوله فوجد نيلا عريضاً فياضاً يحمل خيراً وسماراً أفريقياً.. ورأى فلاحاً نحيلاً لفحته الشمس وتشبثت جذوره فى الأرض.. فمنذ آلاف السنين يزرع أرضاً مصرية عربية.. ووجد أن أسماء القرى والكفور والنجوع مزيجاً من الفرعونية والقبطية والعربية.. وكتب: «تعالى نلضم أسامينا»:
تعالى نلضم أسامينا
الفلة جنب الياسمينة
قنا سوهاج الإسماعيلية
بنت الصعايدة يا بحرية
الأقصر غزالة محنية
فى إسكندرية ترسينا
وأنا رشيدى ودمياطى
آخذك يا منصورة فى باطى
وأغنى وأرقص سنباطى
قبل القمر ماينسينا
من السبعينيات إلى منتصف الثمانينيات من القرن الماضى كان شاعرنا يحرر باب «قال الشاعر» فى مجلتنا صباح الخير.. ينشر فيه أسبوعياً قصيدة لأحد الشعراء مع ردود رسائلهم وقصائدهم.. وقدم فيه مقالات مختلفة عن الشعر العربى والكثير من القصائد المترجمة عن الفرنسية لأراجون وأيلوار وينرودا وشعراء أفارقة مثل سيخور وغيره.
رحل فؤاد حداد وهو فى قمة لياقته الإبداعية.. رحل تاركاً وراءه تراثاً هائلاً من الشعر والأدب.. رحل دون جائزة إلا حب الشعر والناس.. رحل وفى عينيه وقلبه الوجه الخالد للمحبوبة مصر يتجلى فى كل وقت وكل لحظة شامخاً عالياً.. رحل فؤاد حداد الأديب أبو الأدبا.. اسمه خالد.. وشعره مفرود الرقبة.. زى ألف ورقم واحد.
من أهم أغنيات فؤاد حداد
الأرض بتتكلم عربى - سيد مكاوى
الليلة يا سمرة - لحن: أحمد منيب - غناء: محمد منير
صلينا الفجر فين - لحن: حسين فوزى - غناء: على الحجار
تعال نلضم أسامينا - لحن: أحمد منيب - غناء: محمد منير
فى كل حى ولد عترة: لحن عبدالعظيم عويضة.. غناء كورال الطليعة - ومحمد منير.
أزرع كل الأرض مقاومة: سيد مكاوى
إلا فلسطين: سيد مكاوى - محمد رشدى
دخلت مرة حى الأزهر: سيد مكاوى
طلعت أدب نزلت أدب: سيد مكاوى - إيمان البحر درويش.
فنان فقير: لحن محمد الشيخ - غناء: محمود الجندى.
من صغر سنى: لحن محمد طه - غناء: محمد الحلو.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.