استقرار نسبي في أسعار العملات الأجنبية والعربية أمام الجنيه المصري مع تراجع طفيف للدولار    تسع ل10 آلاف فرد.. الجيش الأمريكي يدرس إنشاء قاعدة عسكرية بالقرب من غزة    موسكو تحذر من عودة النازية في ألمانيا وتؤكد تمسكها بالمبادئ    نيوسوم يهاجم ترامب في قمة المناخ ويؤكد التزام كاليفورنيا بالتكنولوجيا الخضراء    القوات الجوية السعودية و الدفاع الجوي تواصلان مشاركتهما في تمرين مركز الحرب الجوي الصاروخي    سبب استبعاد ناصر ماهر من منتخب حلمي طولان وحقيقة تدخل حسام حسن في إقصاء اللاعب    قلبهم جامد.. 5 أبراج مش بتخاف من المرتفعات    لتجنب زيادة الدهون.. 6 نصائح ضرورية للحفاظ على وزنك في الشتاء    قبل غلق اللجان الانتخابية.. محافظ الأقصر يتفقد غرفة العمليات بالشبكة الوطنية    الحسيني أمينا لصندوق اتحاد المهن الطبية وسالم وحمدي أعضاء بالمجلس    «الجبهة الوطنية» يُشيد بسير العملية الانتخابية: المصريون سطروا ملحمة تاريخية    سلاح ذو حدين، عمدة نيويورك يعتزم اتخاذ خطوة هامة تجاه ترامب قبل تولي المنصب    اتهام رجل أعمال مقرب من زيلينسكي باختلاس 100 مليون دولار في قطاع الطاقة    800 للجنيه دفعة واحدة.. ارتفاع كبير في سعر الذهب اليوم بالصاغة والشعبة تكشف السبب    مواجهة قوية تنتظر منتخب مصر للناشئين ضد سويسرا في دور ال32 بكأس العالم تحت 17 سنة    منتخب مصر المشارك في كأس العرب يواصل استعداداته لمواجهتي الجزائر (صور)    حبس سائق المطرب الراحل إسماعيل الليثي 4 أيام على ذمة التحقيق، اعرف السبب    النيابة تطلب تحريات سقوط شخص من الطابق ال17 بميامي في الإسكندرية    حبس المتهم بالتسبب في وفاة والدته بعيار ناري أثناء لعبه بالسلاح بشبرا الخيمة    تصالح الإعلامي توفيق عكاشة وعمال حفر بعد مشاجرة الكمبوند ب 6 أكتوبر    نائب محافظ الإسماعيلية يتفقد مستوى النظافة العامة والتعامل مع الإشغالات والتعديات    فى عز فرحتها مانسيتش مامتها.. مى عز الدين تمسك صورة والدتها فى حفل زفافها    التعليم تحسم الجدل بشأن تحويل طلاب الابتدائي صغار السن بين المدارس 2025-2026    علشان تنام مرتاح.. 7 أعشاب طبيعية للتخلص من الكحة أثناء النوم    سعر طن الحديد والأسمنت بسوق مواد البناء اليوم الأربعاء 12 نوفمبر 2025    انتخابات مجلس النواب 2025.. محافظ الفيوم يتابع أعمال غلق لجان التصويت في ختام اليوم الثاني    بيان رسمي من خوان بيزيرا بشأن تجاهل مصافحة وزير الرياضة بنهائي السوبر    «ميقدرش يعمل معايا كده».. ميدو يفتح النار على زيزو بعد تصرفه الأخير    «ستأخذ الطريق الخاطئ».. ميدو يحذر حسام عبد المجيد من الانتقال ل الأهلي    منتخب مصر يستعد لأوزبكستان وديا بتدريبات مكثفة في استاد العين    كرة سلة - الأهلي يفوز على سبورتنج في ذهاب نهائي دوري المرتبط للسيدات    انتخابات مجلس النواب 2025.. بدء عمليات الفرز في لجان محافظة الجيزة    موعد إعلان نتائج المرحلة الأولى لانتخابات مجلس النواب 2025 (متى يتم قبول الطعون؟)    سعر التفاح والموز والفاكهة بالأسواق اليوم الأربعاء 12 نوفمبر 2025    السياحة تصدر ضوابط ترخيص نمط جديد لشقق الإجازات Holiday Home    أمطار غزيرة وثلج .. بيان مهم بشأن حالة الطقس: 24 ساعة ونستقبل العاصفة الرعدية    في ظروف غامضة.. سقوط فتاة من الطابق الرابع بمنزلها بالمحلة الكبرى    مصرع شخص غرقًا في دمياط والأهالي تنتشل الجثمان    وفد السياحة يبحث استعدادات موسم الحج وخدمات الضيافة    ارتفاع حصيلة ضحايا إعصار فونج-وونج بالفلبين ل 25 قتيلا    المستشار بنداري يشيد بتغطية إكسترا نيوز وإكسترا لايف ووعي الناخبين بانتخابات النواب    مي سليم تطلق أغنية "تراكمات" على طريقة الفيديو كليب    السفير التركي: العلاقات مع مصر تدخل مرحلة تعاون استراتيجي شامل    قلق وعدم رضا.. علامات أزمة منتصف العمر عند الرجال بعد قصة فيلم «السلم والثعبان 2»    6 أبراج رجال «بيحبوا الأكل السبايسي».. مغامرون يعشقون الإثارة ويتلذّذون بطعم الفلفل الحار والتوابل    لماذا نحب مهرجان القاهرة السينمائي؟    أهم أخبار العالم والعرب حتى منتصف الليل.. روسيا تمنع 30 مواطنا يابانيا من دخول البلاد.. اشتباكات بين قوات الاحتلال وفلسطينيين فى طوباس.. وزير الشؤون الاستراتيجية الإسرائيلة يقدم استقالته لنتنياهو    نقيب الإعلاميين: الإعلام الرقمي شريك أساسي في التطوير.. والذكاء الاصطناعي فرصة لا تهديد.    أخطاء تقع فيها الأمهات تُضعف العلاقة مع الأبناء دون وعي    أمين بدار الإفتاء يعلق على رسالة انفصال كريم محمود عبد العزيز: الكلام المكتوب ليس طلاقا صريحا    رئيس مجلس الشيوخ يستقبل رئيس نادي قضاه الأسكندرية    استجابة من محافظ القليوبية لتمهيد شارع القسم استعدادًا لتطوير مستشفى النيل    هل يجوز تنفيذ وصية أم بمنع أحد أبنائها من حضور جنازتها؟.. أمين الفتوى يجيب    نقل جثمان نجل مرشح مجلس النواب بدائرة حلايب وشلاتين ونجل شقيقته لمحافظة قنا    هل الحج أم تزويج الأبناء أولًا؟.. أمين الفتوى يجيب    كيف نتغلب على الضيق والهم؟.. أمين الفتوى يجيب    إقبال على اختبارات مسابقة الأزهر لحفظ القرآن فى كفر الشيخ    وزير الصحة يؤكد على أهمية نقل تكنولوجيا تصنيع هذه الأدوية إلى مصر    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



سيد حجاب: جوائز الدولة رشوة لم أنلها وإنجازى أكبر من أتباع قافلة الزيت
نشر في الشروق الجديد يوم 01 - 10 - 2010

«كأنه سَحبة قوس فى أوتار كمان»، انفرط من عمر قبانى العامية الشاعر سيد حجاب سبعون عاما، اكتملت حباتها الخميس 23 سبتمبر الفائت، وتزامنت هذه الحقب مع المراحل الأبرز فى تاريخ مصر الحديث، من ثورات وانقلابات، وثورات مضادة، ثم انفتاح، فانحدار..
مشاوير، ووقفات داخل الرحلة، أرخ لها ربيب الصيادين بموسيقى الشعر.
حجاب الذى انخرط فى الحياة الثقافية والسياسية المصرية منذ أن كان طفلا، فى ميليشيات الإخوان، مصر الفتاة، فالحركات الشيوعية التى «تحت السلم» وغيرها، ثم هجر الجميع إلى الناس، ب «فتافيت» همومهم، وبقايا أحلامهم الكبرى، تدين له أجيال عدة، بصياغة وجدانها فى مراحلها المختلفة، سواء عبر أعماله المغناة للأطفال والكبار، أو عبر الأعمال الدرامية التى كان فيها أحد أطراف الثالوث الدرامى: الكاتب أسامة أنور عكاشة، وهو، والموسيقار عمار الشريعى.
دائما لا يحتاج سيد حجاب إلى مناسبة لمحاورته، وبقدر ما تكون جمل حواره، كما هو الحال بالنسبة لأشعاره، منحة للقراء، فإن المستفيد الأكبر هو من يجرى الحوار، هذا الذى لن يخرج من بيت «عم سيد» بنفس «الدماغ» التى صاحبته فى الدخول.
التقيته بمنزله قبل شهور، وتناقشنا فى قضايا أكثرها آنٍ، وعندما هاتفته قبيل النشر، لأسأله عما إذا كانت الفترة الفائتة قد أثرت على تصريحاته، قال لى إن «المثقف الحقيقى لا يجب أن يتراجع عن أفكاره».. وإلى الحوار:
● بين البدايات وحدود الآن تفاصيل كثيرة، هزائم، وحقائق، ومفاجآت.. فى زحمة الذكريات ما هو الموقف أو الواقعة الأشد التى تسترعى انتباهك؟
ربما لا يكون موقفا واحدا، فمثلا كانت الحفاوة التى قوبل بها ديوانى الأول «صياد وجنية» عام 1966، سببا فى أن أدير ظهرى للحياة الثقافية، بعدما أدركت أن المثقفين يعيشون فى «جيتو»، منعزلين عن أبناء أمتهم، و أن كلمتى مادامت تدور فى الدوائر المغلقة للمثقفين فلن تصل إلى أهلها من البسطاء، ساعتها قررت أن أغير الملعب، وأن أتوجه للمجالات المسموعة والمرئية، بإدراكٍ مبكر لأن الإبداع لا تكتمل دائرته إلا بوجود المتلقى.
الموقف الثانى، كان عقب نكسة 1967، لحظة أن فكرت مع مجموعة من أبناء جيلى فى تأسيس مجلة «جاليرى 68»، بعدما أدركنا أن الثقافة باتت حائط الصد الوحيد، فى مواجهة الهجمة الاستعمارية والصهيونية الشرسة، فقمنا بتأسيس المجلة على أمل تجاوز الأيديولوجيا إلى الثقافة بمعناها الإنسانى الرحب، وأظنها أسهمت فى تغيير مناخ الكتابة فى بلدنا، وقدمت العديد من الأسماء اللامعة الآن.
وكان الموقف الثالث حين توليت قسم الأدب والفن بمجلة الشباب التى كان يصدرها الاتحاد الاشتراكى، وأسست ندوة شعرية وأدبية، أدارها المبدعون الناشئون آنذاك، والذين أصبحوا الآن ألمع شعراء السبعينيات كحلمى سالم وحسن طلب وغيرهما.
بعد ذلك كان كل همى هو التوجه لأبناء جيلى من بلدى والإنسانية عبر الأدوات السمعية والبصرية، وأظن أننى فى مسيرتى كسبت الرهان، فبرغم التهجمات الصبيانية فى بدايات تلك المرحلة، من أن سيد حجاب قد هجر الشعر إلى الأغنية، وأنه ينشر أعماله فى تليفزيونات الحكومة المعادية للجماهير الشعبية، فقد أدرك المهاجمون الآن أن تهجماتهم فى غير محلها.
● أنت من جيل الستينيات الذى حصد النصيب الأكبر من النجاح والتحقق والمكاسب أيضا، لكنك لم تطل من هذه المكاسب الكثير، حتى أنك لم تنل للآن أيا من جوائز الدولة، هل تعتبر ذلك موقفا منك؟
منذ منتصف الستينيات قررت أن أدير ظهرى للحياة الثقافية والمثقفين، بعدما رأيت الكثيرين منهم، وقد انحرفوا عن مسارهم الإنسانى، واقتربوا من السلطات من أجل فتات المكاسب، فضلا عن سيادة الكثير من القيم والمفاهيم المغلوطة، فرحت أتباعد عن هذا المناخ فى اتجاه إقامة حوارٍ مع المتلقى، وأظننى قد كسبت الرهان، فعلى مستوى الإنجاز الشعرى أعتقد أن إنجازى أكبر وأغنى ممن غرقوا فى تفاصيل الحياة الثقافية، فباعوا جهودهم للسعودية وقافلة الزيت، أو لمجلات وزارة الثقافة.
أما فيما يتعلق بجوائز الدولة، فأنا أعتبر مثل هذه الجوائز التى تمنح فى إطار دولة معاديةٍ للثقافة، هى نوعٌ من الرشوة التى تقدمها المؤسسة لترويض المثقفين، وربطهم بسياساتها اللا ثقافية، ومن هنا فأنا سعيد جدا بالعديد من الجوائز والتكريمات التى نلتها من جهات أهلية، أو من أنشطة الثقافة الجماهيرية.
● ولكنك عضو بلجنة الشعر بالمجلس الأعلى للثقافة، وتشارك فى تحكيم جائزة الدولة التشجيعية، و منح التفرغ؟
صحيح. وأنا راضٍ عن وجودى بالمجلس، وأتصور أن وجودى باللجان التى ذكرتها يلعب دورا مهما فى حماية الشباب ممن يستحقون منح التفرغ، والجائزة التشجيعية.
● بالعودة إلى جيل الستينيات، ما هى ذكرياتك مع هذا الجيل؟ ومن هو الأقرب إليك منهم؟
أظن أننا فى جيل الستينيات أسهمنا فى تكوين بعضنا البعض ثقافيا وإنسانيا، لقد تعلمت كثيرا من بهاء طاهر وغالب هلسا، وعلمت الكثيرين من أبناء جيلى أيضا، لكن أجمل ما كان فى هذا الجيل أنه كان يرى لنفسه دورا فى حياتنا ويسعى لأداء هذا الدور.
وقد بقى لى الكثير من صداقات هذا الجيل، لعل أبرزهم الناقد الكبير د. إبراهيم فتحى، وصلاح عيسى، وجمال الغيطانى، وبهاء طاهر، و محمد البساطى، وإبراهيم أصلان وغيرهم، أيضا كان من أهم صداقاتى فى هذا الجيل مجموعة من الفنانين التشكيليين على رأسهم: آدم حنين، وبهاجيجو رحمه الله، ومحيى اللباد، وجورج البهجورى وغيرهم.
● فى المراحل التاريخية الأكثر اشتعالا منذ الستينيات لأواخر السبعينيات كان شعراء العامية أنت والأبنودى وقبلكم صلاح جاهين وفؤاد حداد صوت المجموع، لماذا اختفى هذا الصوت وتراجع دور العامية وشعراؤها الآن؟
هذا لأن دور الثقافة بالكامل قد تراجع، فأصبحت الثقافة هامشا لا جزءا من نسيج الحياة اليومية، و لأن الشعر هو أكثر الفنون اقترابا من الجماهير، فقد طاله ما طال الثقافة بكاملها، فتباعد عن الجماهير، ولم يعد له نفس المكانة فى الذائقة الجمالية للمصريين الآن، اللهم إلا ما اتجه إلى الغناء، حيث يظل الناس يرددون للآن أغنيات الأبنودى وصلاح جاهين، وفؤاد حداد، و«العبدلله».
● نعرف أنك من محبى السيد حسن نصر الله، وتراه أهم شخصيَّة قياديَّة طرحها العالم العربى هل ترى فيه المخلّص الذى راح؟ .. وهل ترى أن فكرة المخلص ما زالت صالحة للتداول؟
برأيى فكرة الخلاص عبر رمزٍ فردى تجاوزتها الإنسانية منذ عصور، ولم يعد للفرد دور فى رسالة الخلاص سوى أن يشير للجماهير على هذا الخلاص، فلا خلاص للناس إلا أنفسهم.
وبالنسبة ل«حسن نصر الله» فإن عبقريته تتمثل فى أنه استطاع بمرجعيته الدينية أن ينفتح على العلم والمعرفة وأن يضعهما فى خدمة المقهورين والمظلومين، فمنذ خمسين عاما ونحن نتحدث عن أن الصراع بيننا وبين إسرائيل، هو صراع وجود ومعرفة وعلم، لكننا لم نعتمد آليات المعرفة والعلم فى مواجهتنا له إلا فى عبور أكتوبر 1973، بعدها اندفعنا إلى فكرٍ سلفىٍ تملأه الشعوذات، ونحينا العلم عن حياتنا، فاستسلمنا للسيد الأمريكى، وربيبه الصهيونى، حتى جاء هذا العبقرى، الذى ربط بين أصالتنا وعلوم العصر، فهزم إسرائيل مرتين، وقهر الجيش الذى أشاعوا أنه لا يقهر، وهو الآن يتحرك فى اتجاه وطن لبناني لكل طوائفه وأبنائه، يعتمد المواطنة أساسا للمساواة فى الحقوق والواجبات، كما أنه فهم معركة العصر القادمة فى مواجهة العولمة، فانخرط فى محورٍ شرق أوسطى يربط بين سوريا وإيران وتركيا، لتحرير إقليم الشرق الأوسط بكامله.
● هذا الرأى هل ينسحب على حليفة الرئيس الإيرانى أحمدى نجاد؟ كيف تراه فى ضوء السياسات الإيرانية الحالية؟
من المؤكد أننى لا أوافق على كل سياسات نجاد، لكننى أرى أنه نجح فى كسر الثلاثية الاستعمارية التى تحتكر التكنولوجيا النووية ( أمريكا أوروبا اليابان)، وهو الآن يسهم فى فتح الطريق أمام شعوب الشرق الأوسط للتحرر. لكن مأساة هذه المنطقة الآن أن مصر خارجها، عكس الحال أيام عبدالناصر، الذى كان بطلا قوميا، استطاع تجاوز حدود الوطن فى اتجاه جمع الشعوب العربية تحت رايته فى مواجهة الاستعمار.
● انطلاقا من عبدالناصر كيف ترى حكام مصر الثلاثة؟ وأيهم تحتاجه المرحلة الحالية؟
بالنسبة ل«ناصر» فقد كنت أنتمى فى الستينيات إلى فصيلٍ يسارى تحت الأرض، وكان انتقادنا الرئيسى للنظام الناصرى أنه يبنى رأسمالية الدولة تحت راية الاشتراكية، وأنه يلعب دور الأب والمستبد العادل بالنسبة لشعبه دون أن يطلق طاقات هذا الشعب من خلال الديمقراطية، وأظن أن مقتل المشروع الناصرى كان فى هذه النقطة غياب الديمقراطية.
ثم جاء السادات كرأسٍ للثورة المضادة، وبرغم العبقرية المصرية فى عبور أكتوبر 1973، فإنه بدد ذلك ابتداء من مباحثات (الكيلو 101)، التى سلم بها إسرائيل أكثر مما تقتضيه الوقائع على الأرض، وبدأت ثورته المضادة بإعادة إلحاق السوق المصرية بالسوق الاستعمارية. صحيح أنه تشدق بالديمقراطية، وبالوطنية المصرية لكن عصره كان بداية للفساد والاستسلام.
أما الثالث فقد واصل طريق السادات فى إخراج مصر عن قضايا العرب، وإلحاقها بالسياسات الأمريكية، والصهيونية فى المنطقة، وفى التآمر على أى نفس مقاوم للهيمنة الأمريكية فى المنطقة، قبل أن يتوج ذلك بجدار الفصل العنصرى، الذى يحاول به خنق الفلسطينيين فى غزة.
من هنا فإن ما أعتقد أننا بحاجة إليه منذ زمن طويل هو عقد اجتماعى ما بين شعوبنا وحكامها، نحن بحاجةٍ ماسة إلى تأسيس الدولة الحديثة ذات السلطات الثلاث المستقلة عن بعضها البعض، وفى حاجةٍ إلى دستورٍ جديدٍ ينظم إدارة شئون الحياة، وهذه الدعوة ليست بجديدة، فقد أطلقها الكاتب الراحل «أحمد بهاء الدين فى عهد السادات، وطالبت بها كل حركات الاحتجاج، وربما يكون هذا هو سر الفرح الكبير بما يدعو إليه «البرادعى» الآن.
● وصلنا تلقائيا إلى البرادعى، ما توقعاتك لسيناريو المعركة التى بدأت أخيراً بينه وبين النظام الحالى؟ هل تراها متكافئة؟
دعينا أولا نتحدث عن شكل الحياة السياسية فى مصر، فطوال ال30 أو ال40عاما الأخيرة، كان الصراع الاجتماعى والسياسى فى مصر، يدور بين فصيلين من أبناء البورجوازية، أحدهما يسعى بشراسة وفساد لإلحاق مصر بالهيمنة الأمريكية، بينما لا يزال الفصيل الآخر يحلم بالاستقلال، لكن ظل الشعب المصرى بجملته بعيدا عن هذا الصراع، مما جعله يأخذ شكل الندوة الثقافية، حيث تجرى المناورات بين الجبهتين من أسفل الطاولة، لتقاسم السلطة أو للانضمام للجنة السياسات.
لكن السنوات الأخيرة شهدت دخول فئاتٍ وشرائح أخرى إلى حلبة الصراع، وفى مقدمتها حركة كفاية التى تجاسرت وانتزعت لنفسها حق التعبير دون استئذان السلطات، ثم شباب المدونين، وعمال المحلة، والموظفون الذين نادوا بنقابات مستقلة وغيرهم من الفئات والشرائح التى أرى فى انضمامها للمعركة السياسية كفيلا بتغيير وجهها، بشرط تناميها وتوحدها.
● وماذا عن البرادعى؟
البرادعى رجل وطنى شريف، لكنه كان بعيدا طوال الوقت عن ألاعيب الفساد، والبيروقراطية المصرية، وأرى أنه لا يحمل خبرة سياسية من خلال صراعٍ مارسه فى الواقع، هو يحمل رؤية صحيحة لا تسندها تجربة كافية فى الواقع السياسى العملى.
لكنه صادف تجاوبا واسعا من قبل المثقفين والنخب السياسية المستقلة فى مصر، فتأسست بناء على دعوته جبهتا عمل وطنى تتبنيان دعوته الإصلاحية، ولا تمانعان ترشيحه رئيسا للجمهورية؟
لكن الرجل لم يحسم أمره بشأن خوض معركة الرئاسة، وإنما يركز أكثر على الدعوة للإصلاح السياسى، الذى مدخله الإصلاح الدستورى، وهذا هو العبقرى فيما يطرحه البرادعى، وأرى أنها دعوة مهمة جدا، وينبغى ابتكار آلية جديدة لاحتضانها والتبشير بها، والوصول للطبقات الشعبية، لكننى ألاحظ أن بعض الملتفين حوله الآن، قد هبطوا إلى عالم السياسة بالباراشوتات، وكثيرٌ منهم بلا تاريخٍ سياسى بالمرة، مجرد أساتذة جامعات فى نهاية عمرهم، وبعضهم لو غازلته لجنة السياسات لهرول، وبعض آخر أتى للمعركة من مناطق أخرى مثل أيمن نور، وهذا كله وارد ما لم يبتكر آلية صحيحة لاختيار جبهته العريضة التى لا بد وأن تصل بينه وبين الجماهير.
● وماذا عن سيناريو التوريث؟
لقد قلت كثيرا إن المشكلة ليست فى التوريث، ولا فى شخص الحاكم وإنما فى التنظيم السياسى والاجتماعى، أيا كان من على رأسه، لأن شئون البلد الآن تدار لحساب المشروع الأمريكى، يديرها المنتمون للشركات المتعددة الجنسيات، لا فرق فى أن يكون على رأس النظام مبارك أو ابنه أو حتى عبدالناصر، فالبلد منذ 40 عاما يعيش ظرفا انقلابيا، حيث لم تعد الطبقة الحاكمة قادرة على أن تحكم كما كانت فى السابق، والطبقات المحكومة لم تعد قادرة على أن تُحكم كالسابق، لكنها غير قادرة على تغيير الحكومة، وما يحدث أن الحكومة تقوم بتغيير «الماسكات»، فتبدل مسئولا مكان الآخر والسياسة واحدة.
وعموما فإن التوريث رهن بموافقة الأمريكان والصهاينة عليه، والقوى الشعبية ما زالت غير قادرة على إيقاف هذا المسار.
● لنعد إلى الشعر والموسيقى، بليغ حمدى، وعمار الشريعى، أسامة أنور عكاشة، كانوا بالنسبة إليك قصائد طويلة حلوة، حدثنا عنهم؟
«بليغ كان حلم وراح»، كان هذا نص إهدائى إليه ديوان «الأغانى»، الذى ضم مجمل أعمالى المغناة، وهو كان بوابتى لعشق الموسيقى الكلاسيكية الشرقية، فحتى منتصف السبعينيات، كانت ذائقتى «حليمية»، «فيروزية»، مع عشق خاص لموسيقى «البيتلز» و«البينك فلويد»، والموسيقى الكلاسيكية العالمية، ولم أكن أحب أم كلثوم كثيرا.
أما عمار فحين عرفته أدركت أن هذا هو «المزيكاتى» الذى أتمنى أن أمشى معه مشوارا، وهو أدرك أننى الشاعر الذى تحتاجه موسيقاه كى تصل للناس، فى أول الرحلة كنا نحلم أكثر مما ننفذ، ننجز الأغانى ونرميها فى الأدراج مؤلفة وملحنة، كان عمار محبوبا، لكن كان هناك شكٌ فى قدرته على التعبير بالدراما، إلى أن نجحت فى تقديم عمار للتليفزيون، ثم سحبته للمسرح مع سمير خفاجى، وأكملنا الرحلة، وأظننا معا أسسنا للأغنية الدرامية، ولا يعنى هذا أن ما بيننا زواجا كاثوليكيا، لكن كلمتى عندما تجد لحنه فكأنما وجدت نفسها.
أسامة أيضا كان رفيق رحلة ومشوار، عرفته منذ الجامعة، حيث كنت أذهب لأختى بكلية الآداب، وهناك تعرفت على مجموعة من المبدعين والنقاد كالشاعر عفيفى مطر، وقدرى حفنى، وفاروق عبدالقادر، وقتها كان أسامة فتى يكتب القصة، ومع ظهور التليفزيون تحول إلى الدراما»، ومنذ عمله الثانى «على أبواب المدينة» ونحن نحلق معا.
بقدر ما تكون مشاركتى فى أعمال أسامة مصدر فخرٍ وسعادة، بقدر ما هى مصدر عذاب ومعاناة، لأن كتاباته الدرامية ذات طبيعة شعرية، وعلى الشاعر الذى يكتب أغانى هذه الأعمال أن يعلو فوقها شعريا، وهو تحدٍ جميل ومضنٍ فى الوقت ذاته.
● لكن الكلمة المغناة مثلها مثل كثير من الأشياء فى مصر الآن صارت مسخا؟
هذه مسألة حسمها «ابن خلدون» منذ قرون، عندما قال إن أول ما ينهض مع العمران البشرى هو صناعة الغناء، والعكس صحيح، وبما أننا نعيش أسوأ مراحل التردى الحضارى، فقد خرج الإبداع عموما عن دائرة الحياة، وأصبح الغناء سلعة، وشو بيزنس، يقوم عليها خدم أمير الاحتكار العربى، الذى أتصور أنه يلعب مع بعض المحطات الفضائية دورا مشبوها فى تسطيح وعى الإنسان العربى، وإفقار وجدانه، وعلى يديه تحول فن الغناء إلى تسلية للشيوخ، والأمراء وحريم السلاطين فى منطقتنا، لكن بوادر هذه الأزمة ترجع إلى ما بعد نكسة 67، حيث صارت موجات تحديث الغناء فى الاتجاه الخطأ، من فرق غربية النزعة، إلى غناء العوالم، الذى تصدر الساحة تحت اسم عبثى هو الغناء الشعبى ممثلا فى أحمد عدوية وشركاه، إلى موجات الأغانى الشبابية، وأغنية «الميكروباص»، وصولا إلى أغانى الحمار، والعو، والخرونج وغيرهم!.
● بمناسبة النكسة يبدو أنك مثل أغلب مبدعى ومثقفى جيلك لم تستطع تجاوز آثارها للآن؟.
بالطبع تأثرت بها وحزنت كثيرا، لكننى لم أنكسر كمن انكسروا، لأننى كنت وقتها أنتمى إلى فصيل يسارى ينتقد المشروع الناصرى لإغفاله الديمقراطية ويتنبأ بثورة مضادة عليه، مع تقديرى طبعا لحجم الخسارات التى واجهناها.
● يا ترى اللى بيعيش الزمن احنا ولا الزمن هوا اللى بيعيشنا.. الآن وأنت تفاجئنا ببلوغك هذا العمر دون أماراتٍ ماذا تعنى سبعون عاما بالنسبة لشاعر؟
أتصور أن وجود الإنسان أى يومٍ على ظهر الأرض هو نعمةٌ كبرى، وجزء من المأساة العبقرية للإنسان، أن العالم أليم، وجميل، وملىء بالمباهج والتجارب، والعمر قصير مهما طال، وأتصور أن الفهم الحقيقى للحياة يبدأ مع إدراك الفرد أنه جزء من الجماعة الإنسانية، وأنه مع هذه الجماعة مستخلفون على الأرض لإعمارها وجمالها، وعدالتها.
وأعتقد أن الإنسانية استطاعت هزيمة الموت بالإبداع والنسل، وأنها إذا اهتمت بخير هذا النسل، فستصبح الحياة أكثر إنسانية.
ستقابل عددا من الملحدين.. لا تناقشهم فى إلحادهم ولن يناقشوك فى إيمانك» وقد كان.
«الشارع الآخر من القصيدة»


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.