سعر الفراخ البيضاء.. أسعار الدواجن والبيض في الشرقية الجمعة 17 مايو 2024    النمسا تتوعد بمكافحة الفساد ومنع إساءة استخدام تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي    شهداء وجرحى في غارات إسرائيلية على مناطق متفرقة من غزة    شقيقة زعيم كوريا الشمالية: نظرية صفقة الأسلحة مع روسيا هي الأكثر سخافة    كندا تفرض عقوبات على مستوطنين إسرائيليين بسبب انتهاكات    الاستخبارات العسكرية الروسية: الناتو قدم لأوكرانيا 800 دبابة وأكثر من 30 ألف مسيرة    فاروق جعفر: مباراة الزمالك أمام نهضة بركان لن تكون سهلة    عاجل - "احترسوا من الجو".. حالة الطقس اليوم ودرجات الحرارة في محافظة جنوب سيناء    شريف الشوباشي: أرفض الدولة الدينية والخلافة الإسلامية    لبلبة: عادل إمام أحلى إنسان في حياتي (فيديو)    كيفية معالجة الشجار بين الاطفال بحكمة    أضرار السكريات،على الأطفال    نجم الأهلي السابق يتوقع طريقة لعب كولر أمام الترجي    ملف يلا كورة.. موقف شيكابالا من النهائي.. رسائل الأهلي.. وشكاوى ضد الحكام    شبانة يهاجم اتحاد الكرة: «بيستغفلنا وعايز يدي الدوري ل بيراميدز»    هل يشارك لاعب الزمالك في نهائي الكونفدرالية بعد وفاة والده؟    بعد قفزة مفاجئة.. سعر الذهب والسبائك بالمصنعية اليوم الجمعة 17 مايو 2024 بالصاغة    36 ثانية مُرعبة على الطريق".. ضبط ميكانيكي يستعرض بدراجة نارية بدون إطار أمامي بالدقهلية-(فيديو)    مواقيت الصلاة اليوم الجمعة 17 مايو 2024    الاحتلال يواصل إغلاق معبري رفح وكرم أبو سالم (فيديو)    الذكاء الاصطناعى.. ثورة تكنولوجية في أيدى المجرمين الجدد    «مش هيقدر يعمل أكتر من كدة».. كيف علّقت إلهام شاهين على اعتزال عادل إمام ؟    يوسف زيدان يفجر مفاجأة بشأن "تكوين": هناك خلافات بين الأعضاء    من أجل بطاقة السوبر.. ماذا يحتاج برشلونة لضمان وصافة الدوري الإسباني؟    فاروق جعفر: واثق في قدرة لاعبي الزمالك على التتويج بالكونفدرالية.. والمباراة لن تكون سهلة    يوسف زيدان يهاجم داعية يروج لزواج القاصرات باسم الدين: «عايزنها ظلمة»    تحرك جديد.. سعر الحديد والأسمنت اليوم الجمعة 17 مايو 2024 بالمصانع والأسواق    فصائل عراقية تعلن استهدف موقع إسرائيلي حيوي في إيلات بواسطة الطيران المسير    محافظ جنوب سيناء ووزيرة البيئة يوقعان بروتوكول أعمال تطوير مدخل منطقة أبو جالوم بنويبع    بعد اختفائه 12 يومًا.. العثور على جثة الطفل أدهم في بالوعة صرف بالإسكندرية    برج الجدى.. حظك اليوم الجمعة 17 مايو: "جوائز بانتظارك"    أحمد السقا يكشف عن مفاجأة لأول مرة: "عندي أخت بالتبني اسمها ندى"    " بكري ": كل ما يتردد حول إبراهيم العرجاني شائعات ليس لها أساس من الصحة    «واجبنا تجاه المنافع المشتركة والأماكن والمرافق العامة» .. موضوع خطبة اليوم الجمعة    محافظ الغربية: تقديم الخدمات الطبية اللائقة للمرضى في مستشفيات المحافظة    ترقب المسلمين لإجازة عيد الأضحى وموسم الحج لعام 2024    ماذا قالت نهاد أبو القمصان عن واقعة فتاة التجمع وسائق أوبر ؟    قوات الإنقاذ تنتشل جثة مواطن سقط في مياه البحر بالإسكندرية    كارثة تهدد السودان بسبب سد النهضة.. تفاصيل    تركيب المستوى الأول من وعاء الاحتواء الداخلي بمفاعل محطة الضبعة النووية    الدراسة بجامعة القاهرة والشهادة من هامبورج.. تفاصيل ماجستير القانون والاقتصاد بالمنطقة العربية    براتب 1140 يورو.. رابط وخطوات التقديم على وظائف اليونان لراغبي العمل بالخارج    شروط الحصول على المعاش المبكر للمتقاعدين 2024    المظهر العصري والأناقة.. هل جرَّبت سيارة hyundai elantra 2024 1.6L Smart Plus؟    طارق مصطفى: استغللنا المساحات للاستفادة من غيابات المصري في الدفاع    عاجل - واشنطن: مقترح القمة العربية قد يضر بجهود هزيمة حماس    لا عملتها ولا بحبها.. يوسف زيدان يعلق على "مناظرة بحيري ورشدي"    كلمت طليقى من وراء زوجي.. هل علي ذنب؟ أمين الفتوى يجيب    براميل متفجرة.. صحفية فلسطينية تكشف جرائم إسرائيل في غزة    60 دقيقة متوسط تأخيرات القطارات بمحافظات الصعيد.. الجمعة 17 مايو 2024    الوادى الجديد: استمرار رفع درجة الاستعداد جراء عواصف ترابية شديدة    بعد عرضه في «كان» السينمائي.. ردود فعل متباينة لفيلم «Megalopolis»    كاميرا ممتازة وتصميم جذاب.. Oppo Find X7 Ultra    طريقة عمل بيكاتا بالشامبينيون: وصفة شهية لوجبة لذيذة    للحفاظ على مينا الأسنان.. تجنب تناول هذه الفواكه والعصائر    تنظم مستويات السكر وتدعم صحة العظام.. أبرز فوائد بذور البطيخ وطريقة تحميصها    لا عملتها ولا بحبها ولن نقترب من الفكر الديني.. يوسف زيدان يكشف سر رفضه «مناظرة بحيري ورشدي»    أعطيت أمي هدية ثمينة هل تحق لي بعد وفاتها؟.. أمين الفتوى يوضح    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



سيد حجاب: اعتقلونى فى الستينيات بتهمة إنشاء تنظيم لاختراق الاتحاد الاشتراكى" الحلقة الرابعة"
نشر في المصري اليوم يوم 17 - 08 - 2010


وينفلت من بين إيدينا الزمان..
كأنه سحبة قوس فى أوتار كمان
وتنفرط الايام عود كهرمان
يتفرفط النور والحنان والأمان
وينفلت من بين إيدينا الزمان
الشر شرق وغرب داخل لحوشنا
حوشوه لا ريح شاردة تقشقش عشوشنا
حوشوا شرارة تطيش تشقق عروشنا
وتغشنا المرايات تشوش وشوشنا
وتهيل تراب ع الهالة والهيلمان
وقبل أن ينفلت من بين إيدينا الزمان نتوقف مع «سيد العامية المصرية» عند الثورة ليحدثنا عن «عشوشها المقشوشة بالنكسة»، ولحظات الألم والأسى، وخطاب التنحى، وقبل هذا وذاك يحدثنا عن «علقة المعتقل»، ويطير بنا إلى بلاد أوروبا لنشهد سطورا لم تقرأ من قبل عن سيد حجاب.
لحظات من الذهاب والعودة، الألم والسعادة والانضباط والانفلات.. لحظات ثقيلة على القلب، وأخرى مرت مرور الكرام لحظات نكشف عنها نقاب الماضى فى حياة سيد حجاب عبر سطورنا المقبلة.
■ المعتقل.. دعنا نبدأ من هنا، متى كانت زيارتك الأولى للمعتقل؟
- فى عام 1966 وبالتحديد فى شهر أكتوبر تم اعتقال مجموعة كبيرة من المثقفين المصريين من بينهم أنا وسيد خميس وجلال السيد ومحمد العزبى وعلى الشوباشى وصلاح عيسى وإبراهيم فتحى وجمال الغيطانى والأبنودى وغريب هلسة، ومجموعة كبيرة من الأصدقاء والمثقفين، اعتقلنا جميعاً بتهمة لم نواجه بها أبداً، لكن علمنا توصيفها من صديقتنا إيرين بيصو التى كانت تعمل مراسلة ل«الأوبزيرفير» فى مصر وأخبرتنا بهذا التوصيف وهو أننا مجموعة من المثقفين المصريين الذين يؤسسون تنظيماً شيوعياً صينياً وأننا على علاقة بمجموعة القوميين العرب وجناح محسن إبرهيم الذى أسس مجلة الحرية، وأننا نحاول اختراق الاتحاد الاشتراكى فيها لأن بعضنا تلقى دورات فى منظمة الشباب التى كان يشرف عليها حسين كامل بهاء الدين.
وخلال التحقيق فى هذه التهمة لم يحقق معنا جنائياً على الإطلاق. كانت جميع التحقيقات تتم عن طريق المباحث بطرقهم فى البحث عن الحقيقة التى تتنوع بين عصب العينين، والضرب بالعصيان، وغير ذلك من الطرق.
■ الخروج من المعتقل.. كيف ومتى ولماذا؟
- فى هذه الفترة كنت متزوجاً من فتاة سويسرية والدها قس الجالية السويسرية فى مصر وكان صديقاً لسارتر ودورينماك وحاول عدة محاولات مع لجنة العفو الدولية وحقوق الإنسان واتصل بسارتر قبيل مجيئه إلى مصر ليحاول حل الأزمة مع السلطات المصرية، ووعد «سارتر» بأن يناقش مسألتنا مع السلطات وبالفعل فوجئنا ونحن فى المعتقل باستدعاء ثلاثة منا للقاء شعراوى جمعة أمين التنظيم ووزير الداخلية على ما أعتقد حينها، وكنت أنا بينهم والأبنودى وكمال عطية، وخضنا حواراً معه حول فكرنا واتجاهاتنا وسألنا عن تحفظاتنا واعتراضاتنا على ثورة يوليو.
■ فى هذه التحقيقات بماذا كنت تجيب عن أسئلة «شعراوى».. بعد «علقة التأخير»؟
- أنا تحدثت عن كوننا نعترض على الثورة من الداخل وليس من الخارج وتحدثت عن نمو القطاع الخاص من داخل القطاع العام بما يهدد بثورة مضادة مستقبلاً وتحدثت أيضاً عن الديمقراطية التى كانت شعارنا كتنظيم سياسى حينها.
وقال لنا شعراوى جمعة: «أنا معكم فيما تقولون والسيد الرئيس كذلك ولكن طبيعة المرحلة تقتضى ذلك». وبعدها بأربعة أيام خرجنا من المعتقل بعد قضاء ستة أشهر تقريباً بالداخل.
■ النكسة.. الخروج من محطة السجن لمحطة سماع خبر النكسة، كيف علمت بما حدث حينها؟
- خرجنا من المعتقل وكل استكمل عمله مرة أخرى، أنا فى «سمير وميكى» حتى أغلق خليج العقبة، وقد كلفت نفسى، بجانب بعض المهام الإذاعية، بأن أتنحى جانبا فى مطرية الزيتون بمنزل راهبات لكتابة شعارات للإذاعة ليقولها بعض الممثلين، وكان الأبنودى حينها هو شاعر النكسة الغنائى المعبر عن مصر بكلماته.
وفى هذا المنعزل الذى عزلت نفسى فيه.. أتتنى راهبة اسمها «روزلين» وهى حزينة جداً لتقول لى «سيد.. فيه خبر وحش.. الجيش المصرى هرب وانهزم».
■ وردك على هذا الخبر؟
انتابتنى ثورة حماسية ضدها، وبدأت أقول لها إن هذا كلام «استعمارى» و«تدليسى» وأشياء من هذا القبيل، ورفضت تصديق الخبر، وتركت بيت الراهبات لأذهب إلى بيتى القديم فى نجيب الريحانى وسمعت الناس يتحدثون عن خط الدفاع الثانى فأدركت الكارثة التى وقعنا فيها.
■ أين كنت يوم التنحى.. دعنا نعد لتفاصيل هذا اليوم؟
- فى يوم التنحى جاءنى الشاعر الجميل «أمل دنقل» و«سيد موسى» وكنت أسكن حينها فى وسط البلد.. جاءا ليسألانى: ما العمل؟ وكان هذا حالنا جميعا نبحث عن بعضنا البعض «علشان نتدفى ببعض ونسأل إيه العمل»، صدما صدمة كبيرة بى عندما دخلا علىّ ليجدانى أسمع موسيقى «باخ» الكلاسيكية.. وأعتقد أنهما اعتقدانى خائناً.
وفى الليل اجتمعنا لنسمع خطاب عبدالناصر، وكان الحضور: الأبنودى وعطيات الأبنودى وغالب هلسة وبهاء طاهر على ما أعتقد، وبدأ مشهد التنحى الذى لا يمكن أن أنساه، جميعنا مع حديث عبدالناصر ننهمر بالبكاء وسط إحساس باليتم والعجز.
وكان الوحيد الصامد هو «هلسة» الذى بدأ يقول لنا: «انتو بتعيطوا ليه؟ بكره العالم العربى كله سيخرج فى مظاهرات ليطالبه بالعدول عن قراره، وقد كان وقبل نهاية الخطاب وجدنا شرفة أمامنا تفتح ويخرج منها رجل كبير السن ليصرخ صرخة لا نهائية «لاااا»، وبعدها بلحظات خرجت القاهرة فى مظاهرات تطالب عبدالناصر بالعدول عن قراره.
■ وماذا بعد النكسة؟
- بعد النكسة بقليل جاء إلى رحمه الله «إبراهيم منصور» القصاص ومعه الكاتب الصحفى الكبير «مصطفى الحسينى» ليناقشانى فى أمر مهم وهو أن علينا أن نأسس لثقافة جديدة بعد هزيمة الجيش وسقوطه عسكرياً وأنهما يريان أن حائط الصد الأخير والأساسى فى مواجهة الهجمة العسكرية القادمة ينبغى أن يكون الثقافة، ولكنها ثقافة تتجاوز الأيديولوجى لما هو وطنى وما هو إنسانى، وكان هذا هو التأصيل النظرى الذى أسسنا بناء عليه مجلة «جاليرى 1968» والتى كان يرأس تحريرها الفنان والشاعر والرسام «أحمد مرسى»، وكان مجلس تحريرها كلاً من «حسن سليمان» و«غالب هلسة» و«إبراهيم منصور» و«إبراهيم فتح»، وكانت هذه المجلة ناجحة فى خلق مناخ جديد للكتابة التى نرى اليوم نجومها فى ساحة القصة وساحة الشعر.
■ الإذاعة.. لماذا اخترت اختراق الإذاعة بعد موقفك منها ومن كتاب أغانى الإذاعة؟
- فى نفس هذا الوقت بعد صدور ديوانى الأول «صياد وجنية» كنت سعيداً بكتابات النقد عنه وتشبيههم إياىب«لوركا»، ولكنى كنت حزيناً جداً لعدم قراءة الصيادين الذين استلهمت منهم هذا الديوان، بل إنهم «ماخدوش خبر بيه» لأنهم لا يقرأون ولأن الأمية تغمر البلد، وحينها أخذت قراراً بأن أكتب للناس وليس للمثقفين، أن أتحدث إليهم شفهياً لأن لهم واقعاً أمياً ناهيك عن أمية المثقفين.
وهنا بدأنا مشوار الديوان الإذاعى فكتبت مع الأبنودى «بعد التحية وبعد السلام» ثم كتبت «أوركسترا» و«عمار يا مصر» فكتب هو «حروف الكلام» وأشياء من هذا القبيل فأصبح هذا اتجاها فى الإنتاج، وبجانب هذا الاتجاه بدأت أتجه للكتابة المسرحية والسينمائية والتليفزيونية.
فكتبت أول عمل تليفزيونى درامى وكان باسم «الفنان والهندسة» إخراج «محمد فاضل»، وكان أول بطولة مطلقة لعادل إمام، واستمررت فى كتابة عدد من المسلسلات التليفزيونية، والحقيقة أننى لم أكن قد وضعت قدمى بعد على طريق الأغنية التليفزيونية بل كنت مازلت أرتدى عباءة الإذاعة ومنطقها لا منطق التليفزيون.
■ وماذا عن التليفزيون.. كيف كانت النقلة والخروج من عباءة الإذاعة؟
- بعد الديوان بدأت أهتم بالتليفزيون ومع النكسة أسسنا أنا والأبنودى ومحمد حمام وعدد من الفنانين «قوافل فنية ثقافية شعبية» فكنا نذهب لجماعة غزالى فى السويس لنشاركهم جلساتهم فى البلد المهجرة ونشد من أزرهم ومن هذه القوافل تأسست فرقة «أولاد الأرض». وكنا نجوب مصر كلها لنبشر بفكرة الحرب الشعبية وليس الاستسلام والهزيمة، وكتبت فى هذه الفترة قصائد انتشرت انتشار النار فى الهشيم منها قصيدة «الشعب» والتى كانت تقول على ما أذكر «الشعب الشعب الشعب الشعب.. الحزب الحزب الحرب الحرب.. والله ما هيداوى جرح النكسة المر الصعب غير حزب الشعب وحرب الشعب» وكذلك قصيدة «21 طلقة فى العيد» والتى كتبتها قبيل عيد الأضحى الذى جاء متزامنا مع رأس السنة بعد النكسة مباشرة، وكانت تتضمن البيت الشهير «خايف لو قمت فى ليلة النصر.. ألاقينا كسبنا سينا. بس خسرنا مصر»، وكانت هذه القوافل تجوب مصر كما قلت من أقصاها لأقصاها فى الكفور والنجوع والقرى للدعوة للصمود والتماسك.
■ ماذا عن تجربة السفر للخارج.. كيف بدأت الفكرة وما الذى تغير بعد هذه الرحلة فى حياة «سيد حجاب»؟
- بعدها بقليل أتيحت لى فرصة السفر للخارج مع زوجتى التى لم أر أهلها. وكانت هواجس الكتابة المسرحية تنتابنى، خاصة مع وجود مسرح شعبى مثل مسرح محمود دياب ويوسف إدريس «الفرافير» وما شابه، وكانت لدى ملاحظاتى على المسرح المصرى عموماً بأنه مسرح «طبقة متوسطة» ولذلك هو حديث فى النص الأدبى لأن الطبقة المتوسطة مرتبطة بالكلمة لا المشاهدة، وكانت هذه هى نظريتى حول المسرح فى هذه الفترة ومع قراءتى لكتاب «أنطونا أرتوه» المفكر المسرحى الفرنسى بعنوان «المسرح وقرينه» والذى كان يتحدث فيه عن أشياء قريبة مما نفكر فيه فى هذه الفترة، حيث قال إن الثقافة كلها ليست فى نسيج الحياة الحية فى المجتمعات الغربية لأن الناس تعيش حياتها بمنطق براجماتى ولكن الثقافة على الهامش، ورغم أننى ذاهب لسويسرا لكن أقمت معظم الوقت فى فرنسا، وكان هناك حديث عن ثورة الشباب مع حركات الهيبز والبينك فلوريد وبدأت ثورة «مسرح الشمس».
وفى هذه الأثناء التصقت بفرقة «تى بى آر» وفرق تنشيط مسرحة المدارس وقمت بعمل مسرحيات مع الأطفال وكانت بالنسبة لى فترة شديدة الثراء، كما أتذكر أنه فى هذه الفترة كانت القضية الفلسطينية تنتشر فى العالم من خلال لجان الدعم والمساندة، فأسسنا مجموعة من اللجان لدعم القضية الفلسطينية فى سويسرا، وارتبطنا قليلاً باليسار الجديد وكان وقتها مسؤول منظمة التحرير الطلابى فى أوروبا هو «فؤاد الشمالى» فقمنا بتنظيم معرض بالتعاون معه عن القضية الفلسطينية، وكانت فرصة الاحتكاك بكل من اليسار الجديد فى أوروبا والمسرح الجديد أيضاً فرصة ذهبية للتعلم والدخول فى صلب فهم الحضارة الغربية بجناحيها الاشتراكى والرأسمالى.
وقبيل أن أنهى رحلتى الممتدة لثلاث سنوات فى أوروبا حدث شيئان مهمان، أولهما هو صديقى «الأب عيروت اليسوعى» والذى كان جيزويتياً وأحد وزراء الكنيسة وأحد أفراد جماعة النهضة، وقام فى عام 1937 فى السوربون بعمل رسالة دكتوراه فى علم الاجتماع بعنوان «الفلاحون» وكانت الأولى فى رسائل علم الاجتماع من حيث اعتمادها على الفولكلور المصرى للفلاحين كوثيقة دالة فى كتاب ترجمه الدكتور «محمد غلاب» فى أوائل الخمسينيات، وتناقشت معه قائلا: لماذا رغم أنك تعلم أننى شيوعى.. وبين الشيوعيين والجوزويت معارك دامية، كلما جاءك مستشرق أجنبى تجعلنى أنا أول من يتناقش معه؟ فكان رده: «يا سيد.. الشيوعى المصرى لا يفكر بطريقة بروليتارية، خطأ الشيوعى المصرى لو استطاع أن يتخلص من جذوره الإقطاعية سيصبح متقدما جداً».
وكان هذا النقاش إضاءة لى بأن السلوك هو الذى يحدد الإنسان وليس الأيديولوجيا.. وكان قد ضرب لى مثلاً بمعاملة المصرى للسيدات بطريقة البيتيبرجوا وليس بطريقة «سى السيد البروليتارية».
والشىء الثانى هو أن «عيروت» رشحنى لنشر كتب فى دور نشر أمريكية تنشر للمراهقين الأمريكان كيف هى الحياة فى مجتمعات مختلفة عنهم، فقضيت آخر عامين فى أوروبا فى تأليف كتاب «فيكى يا مصر» والذى كتبته بالمصرية وترجمته لى «مارى الطويل» التى كانت تدرس بكلية الترجمة بجنيف.
■ اليسار ونهايته من حياة سيد حجاب.. كيف كانت هذه النهاية؟
- المعتقل مع النكسة وما بعد النكسة أكد لى أن انضمامى لتنظيم اليسار يحول نظرى عن القضايا لأن الانضمام لفصل يسارى يجعل العدو هو أعضاء الفصائل الأخرى، وليس العدو الحقيقى، وعلمت أن هناك تنظيمات مهولة تعمل من تحت الأرض وأن مصر يجب أن تكتشف طريقها لقانون استراتيجى خاص للاشتراكية والتحرر والتنمية والذى لن يحدث إلا إذا تم توحد بين كل هذه الفصائل، فأخذت على عاتقى القيام بهذه المهمة، خاصة مع كون قيادات هذه الفصائل عامة ومرموقة وواضحة، وهذه التجربة جعلتنى أكف عن الانتماء العضوى لتنظيم بعينه، وتأكدت من أن الدور التثقيفى والتنويرى أهم من دورى التنظيمى، ومن هنا لم أعد منتمياً لأى فصيل يسارى بذاته، بل صرت أنتمى لعموم اليسار المصرى بقدر ما أستطيع، ومن عام 1969 وأنا خارج التنظيمات.. ولكنى مع أى تيار من أقصى اليمين لأقصى اليسار يضع الحرية والتنمية والعدالة الاجتماعية على رأس أولويات برنامجه.
■ هل كسرت النكسة نفوس المثقفين ومن بينهم أنت ورفاقك؟
- النكسة لم تكسر نفوس أبناء جيلى مطلقاً بل كنا نرى فى عبدالناصر بطلاً وطنياً يرفع شعار الاشتراكية ليؤسس رأسمالية الدولة، وكنا نقول إن الديمقراطية مطلب أساسى للخروج من هذا التصور وحينما حدثت النكسة فإنها لم تكن نكسة شعب، ومع انهيار الاتحاد السوفيتى كفر الكثير من الشيوعيين بالاشتراكية بل تحول بعضهم إلى رجال أعمال فاسدين وحاول بعضهم الاستفادة من هذا الانهيار، ولكننا كنا نرى أن الاتحاد السوفيتى ما هو إلا رأسمالية دولة غلبت مبدأ المركزية على الديمقراطية المركزية وطليعة العمال هى التى تحكم بمبدأ السيادة المحدودة بلا حرية لتحديد مصير الشعوب، وكنا ندرك أن الاتحاد السوفيتى يشتعل بالمشاكل.
كنا ننتقد الاتحاد السوفيتى ولم يكن لنا إله ولهذا لم ننكسر ولكن من كانوا يعتقدون أنهم آلهة هم من انكسروا.
غداً.. الحلقة الخامسة


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.