شهدت البوسنة في السنوات الأخيرة إقبالاً ملحوظًا من الفتيات على ارتداء الحجاب، الذي تزداد وتيرته بين طالبات المدارس الثانوية والجامعات وموظفات الدوائر الحكومية والبنوك والشركات الخاصة، رغم المعارضة الشديدة التي يواجهنها من آبائهن في بعض الحالات. وعلى خلاف الدول الأوروبية المجاورة يجيز الدستور البوسني لبس الحجاب ويعتبره خيارًا شخصيًا، وهو ما ساعد على تنامي الظاهرة وبدأت محلات بيع ملابس المحجبات تغزو السوق بشكل لافت. يقول مراد أوزكايا الذي يمتلك أربعة متاجر في سراييفو: إن الحجاب في البوسنة في ازدياد مطرد وكثير من غير المحجبات يزرن محلاتي كخطوة أولى لارتدائه، ووصف حركة البيع بالجيدة رغم أن الأسعار مرتفعة حيث تتراوح بين 120 و170 ماركا نحو (60 و85 يورو). وقد كانت حرب البوسنة عاملاً مباشرًا في ازدياد تيار التدين بين النساء الذي عجل بعودة الحجاب بعد أن كان محظورًا إبان الحكم الشيوعي للبلاد، وحسب صديقة آيديتش إن بنات جيلها تشبعن من طغيان المادة وبدأن يتطلعن إلى عالم الروحانية الذي وجدنه في رحاب الحجاب. وفي الوقت الذي لاقت فيه حسينة معارضة شديدة من والدها حينما قررت تغطية شعرها، حيث امتنع عن التحدث معها وأوقف دعمه المالي عنها، نجد أن سلمى لم تلق أي معارضة من أسرتها، وأوضحت أنها لا تشعر بالخجل من ارتداء الحجاب الشرعي مؤكدة أن هناك ارتفاعًا ملحوظًا في ارتدائه بين صديقاتها وزميلاتها. واعتبرت سمية الطالبة في كلية الدراسات الإسلامية حجابها الذي لبسته منذ 7 سنوات تنفيذًا لأمر ربها، وقالت حميدة وزميلتا دراستها حريصة وقيمة: إنهن لبسن الحجاب عن اقتناع ذاتي كامل حيث وجدن الراحة النفسية التامة والاحترام من الغير. وانتقدت طالبة العلوم السياسية ألما منع الحجاب في بعض البلاد الأوروبية والإسلامية، إذ تعتقد أن ارتداءه يندرج في إطار احترام مبادئ حقوق الإنسان. وعزت أستاذة علم النفس والتربية بكلية الدراسات الإسلامية بجامعة سراييفو دينا ندارفتش أسباب انتشار الحجاب في المجتمع البوسني إلى بروز الصحوة الإسلامية في مطلع الثمانينيات حينما نالت البلاد استقلالها، إضافة إلى القانون الذي يحمي الحرية الدينية ولا يمنع لبس الحجاب في الأماكن العامة، وهو ما جعل المحجبات يتقلدن وظائف مرموقة في التربية والصحة والإعلام. وقالت دينا ندارفتش: إن "البوسنة عقب الحرب شهدت موجة من التدين والعودة إلى الله وارتفاع الحجاب الذي هو في الأساس ثقافة مجتمعية كانت موجودة أصلاً وتقلصت خلال فترة الحكم الشيوعي ثم عادت من جديد الآن". وتضيف أن المدارس الإسلامية وكلية الدراسات الإسلامية تخرج سنويًا أعدادًا جديدة من الفتيات المحجبات اللائي يلبسنه باقتناع ذاتي، ناهيك عن الكليات الأخرى التي يوجد فيها بعض المحجبات مما يغذي الأعداد المتزايدة لمن يرتدينه.