مصر تحاصر الحمى القلاعية |تطعيم الحيوانات ب 1.5 مليون جرعة منذ أواخر أكتوبر.. والمستهدف 8 ملايين    «الداخلية» تكشف حقيقة الادعاء بتزوير الانتخابات البرلمانية بالمنيا    أطعمة تزيد حدة نزلات البرد يجب تجنبها    رئيس الوزراء المجرى: على أوروبا أن تقترح نظاما أمنيا جديدا على روسيا    الاتحاد الإفريقى: المؤسسة العسكرية هى الكيان الشرعى المتبقى فى السودان    كولومبيا توقع صفقة تاريخية لشراء مقاتلات سويدية من طراز «Gripen»    تريزيجيه: اتخذت قرار العودة للأهلي في قمة مستواي    سويسرا تكتسح السويد 4-1 في تصفيات كأس العالم 2026    البنك الأهلي يقود تحالف مصرفي لتمويل المرحلة الأولى من مشروع "Zag East" بقيمة مليار جنيه    الطفل عبدالله عبد الموجود يبدع فى تلاوة القرآن الكريم.. فيديو    أخلاق أهل القرآن.. متسابق فائز يواسى الخاسر بدولة التلاوة    أهم الأخبار العالمية والعربية حتى منتصف الليل.. إسرائيل: لا إعادة إعمار لقطاع غزة قبل نزع سلاح حماس.. قتلى وجرحى فى انزلاق أرضى فى جاوة الوسطى بإندونيسيا.. الجيش السودانى يسيطر على منطقتين فى شمال كردفان    وزير الصحة يعلن توصيات النسخة الثالثة للمؤتمر العالمي للسكان والصحة والتنمية البشرية    المتسابق محمد وفيق يحصل على أعلى الدرجات ببرنامج دولة التلاوة    الأمم المتحدة: 30 مليون شخص بالسودان بحاجة إلى مساعدات    وزارة العمل تسلّم 36 عقد عمل لشباب مصريين للسفر إلى الأردن ضمن خطة فتح أسواق جديدة للعمالة    مجموعة مكسيم للاستثمار راعٍ بلاتيني للمؤتمر العالمي للسكان والصحة PHDC'25    البرازيل: الرسوم الأمريكية على البن واللحوم والفواكه الاستوائية تبقى عند 40% رغم خفض ترامب لبعض الضرائب    الأهلي يكرر فوزه على سبورتنج ويتأهل لنهائي دور مرتبط السلة    أسامة ربيع: أكثر من 40 سفينة تعبر قناة السويس يوميًا    هل تشفي سورة الفاتحة من الأمراض؟.. داعية توضح| فيديو    (كن جميلًا ترَ الوجودَ جميلًا) موضوع خطبة الجمعة المقبلة    رامي عيسي يحصد برونزية التايكوندو في دورة ألعاب التضامن الإسلامي 2025    مؤتمر جماهيري حاشد ل"الجبهة الوطنية " غدا بستاد القاهرة لدعم مرشحيه بانتخابات النواب    محافظ الدقهلية خلال احتفالية «المس حلمك»: نور البصيرة لا يُطفأ ومصر وطن يحتضن الجميع| فيديو    أسباب الانزلاق إلى الإدمان ودوافع التعافي.. دراسة تكشف تأثير البيئة والصحة والضغوط المعيشية على مسار المدمنين في مصر    الأرصاد: تحسن في الطقس وارتفاع طفيف بدرجات الحرارة نهاية الأسبوع    استشاري أمراض صدرية تحسم الجدل حول انتشار الفيروس المخلوي بين طلاب المدارس    تعديلات منتظرة في تشكيل شبيبة القبائل أمام الأهلي    عاجل خبير أمريكي: واشنطن مطالَبة بوقف تمويل الأطراف المتورطة في إبادة الفاشر    وزير الصحة يشهد إطلاق الأدلة الإرشادية الوطنية لمنظومة الترصد المبني على الحدث    عملات تذكارية جديدة توثق معالم المتحف المصري الكبير وتشهد إقبالًا كبيرًا    حبس والدى طفلة الإشارة بالإسماعيلية 4 أيام على ذمة التحقيقات    قضية إبستين.. واشنطن بوست: ترامب يُصعد لتوجيه الغضب نحو الديمقراطيين    برلماني: مهرجان الفسطاط نموذج حضاري جديد في قلب القاهرة    الليلة الكبيرة تنطلق في المنيا ضمن المرحلة السادسة لمسرح المواجهة والتجوال    جامعة قناة السويس تنظم ندوة حوارية بعنوان «مائة عام من الحرب إلى السلام»    الداخلية تكشف ملابسات تضرر مواطن من ضابط مرور بسبب «إسكوتر»    سفير الجزائر عن المتحف الكبير: لمست عن قرب إنجازات المصريين رغم التحديات    جنايات بنها تصدر حكم الإعدام شنقًا لعامل وسائق في قضية قتل سيدة بالقليوبية    موعد مباراة تونس ضد النمسا في كأس العالم تحت 17 عام    عاجل| «الفجر» تنشر أبرز النقاط في اجتماع الرئيس السيسي مع وزير البترول ورئيس الوزراء    دعت لضرورة تنوع مصادر التمويل، دراسة تكشف تكاليف تشغيل الجامعات التكنولوجية    أسماء مرشحي القائمة الوطنية لانتخابات النواب عن قطاع القاهرة وجنوب ووسط الدلتا    فرص عمل جديدة بالأردن برواتب تصل إلى 500 دينار عبر وزارة العمل    آخر تطورات أسعار الفضة صباح اليوم السبت    تحاليل اختبار الجلوكوز.. ما هو معدل السكر الطبيعي في الدم؟    عمرو حسام: الشناوي وإمام عاشور الأفضل حاليا.. و"آزارو" كان مرعبا    مواقيت الصلاه اليوم السبت 15نوفمبر 2025 فى المنيا    الحماية المدنية تسيطر على حريق بمحل عطارة في بولاق الدكرور    الإفتاء: لا يجوز العدول عن الوعد بالبيع    إقامة المتاحف ووضع التماثيل فيها جائز شرعًا    نقيب المهن الموسيقية يطمئن جمهور أحمد سعد بعد تعرضه لحادث    دعاء الفجر| اللهم ارزق كل مهموم بالفرج وافتح لي أبواب رزقك    اشتباكات دعاية انتخابية بالبحيرة والفيوم.. الداخلية تكشف حقيقة الهتافات المتداولة وتضبط المحرضين    نانسي عجرم تروي قصة زواجها من فادي الهاشم: أسناني سبب ارتباطنا    مناوشات دعاية انتخابية بالبحيرة والفيوم.. الداخلية تكشف حقيقة الهتافات المتداولة وتضبط المحرضين    حسام حسن: هناك بعض الإيجابيات من الهزيمة أمام أوزبكستان    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الزي الإسلامي.. من ظاهرة إسلامية عربية إلي إشكالية عالمية
نشر في القاهرة يوم 07 - 09 - 2010

لفتت الأنظار في الآونة الأخيرة عدة تطورات ومواقف من جانب أطراف ومؤسسات، تتعلق بالزي الذي ترتديه المرأة المسلمة علي مستوي المنطقة العربية والإسلامية، وأيضا علي المستوي العالمي . من هذه التطورات، إصدار وزير التربية السوري قرارات بنقل نحو 1200 مدرسة منتقبة إلي وزارة الإدارة المحلية، وتحديدا إلي البلديات، في إجراء وصف بأنه يهدف إلي وقف نمو التيار الديني المتشدد في سوريا . من ناحية ثانية، أفتي اثنان من الدعاة السعوديين بأنه يجوز للمسلمات اللاتي يرين وجوب تغطية الوجه أن يكشفن وجوههن إذا كن مقيمات أو في زيارة للدراسة أو العلاج في فرنسا التي قررت حظر النقاب، ولكن لا ينصرف هذا الحكم إلي الزائرات من أجل السياحة، لأنها غير ضرورية . من ناحية ثالثة، وافق الاتحاد الآسيوي للكاراتيه علي السماح للرياضيات المسلمات في هذه اللعبة بارتداء الحجاب أثناء الدورات الآسيوية، وأهمها دورة الألعاب الآسيوية المقررة في نوفمبر المقبل، في مدينة " غوانغ زهو" الصينية .
وعلي الرغم من خصوصية الاهتمام بالزي الإسلامي ( حجاب ونقاب ) في مختلف الأوساط، إلا أننا نلاحظ أن الفترة الحالية تسترعي أيضا اهتمامات بأنماط الملابس بوجه عام، وارتباطاتها بالهوية، علي مستويات تتعدي النطاق العربي والإسلامي . فقد ظهر مؤخرا كتاب " الحقيقة العارية: أصل الملابس " لمؤلفه د. جون ترافيز " وفيه بحث يتعلق بالمؤثرات علي نوعية وشكل الملابس والتي تتوزع بين التأثير الديني، ونوع الجنس، والمستوي المادي (حجم الثروة) وأيضا نوع المناخ .
ويلاحظ أن الدوائر التي تهتم ببحث نوعيات وأنماط الملابس والأزياء التي تنتشر عالميا في المرحلة الراهنة تربط هذه الظاهرة بالعولمة، وظواهرها، وهو ما ذهب إليه كتاب " فهم تاريخ الموضة " لمؤلفه فاليري كامننج، مؤكدا أن انتشار الاتصالات والمواصلات ساعد علي عولمة الأزياء في العالم .
ومع ذلك كله، تبقي الدلالات المرتبطة بالزي، ذي الصلة بالإسلام والمسلمين، هي الأكثر تعقيدا، والأكثر عمقا، من حيث ارتباطها من وجهات نظر متعددة بمنظومة ثقافية أو منظومات ثقافية ، ومواجهات مجتمعية، ورؤي شعبوية تتحدي مبادئ تاريخية راسخة تنتصر لمفاهيم الحرية، بالمعني الشامل .
الأزياء ..توجهات رسمية
بصورة مجردة، هناك إجماع طبيعي علي أن الزي الذي يختار الإنسان أن يرتديه هو في نهاية الأمر اختيار شخصي، حتي وإن كان انعكاسا لدوافع ثقافية أو دينية، غير أن المرحلة الحالية جعلت من مسألة الزي، في بعض الحالات، قضية تتدخل فيها الحكومات، والبرلمانات، وتصدر بشأنها القوانين . ففي فرنسا، أقرت الجمعية الوطنية الفرنسية في شهريوليو الماضي بأغلبية ساحقة مشروع قانون يحظر ارتداء النقاب في الأماكن العامة، وتم اقرار النص بأغلبية 335 صوتا، مقابل صوت واحد، وصوتت الغالبية اليمينية كلها إلي جانب النص ،هذا النص تضمن حظر تغطية الوجه والجسم كله ( النقاب والبرقع ) في جميع الأماكن العامة، ويتعرض المخالف لغرامة بقيمة 150 يورو، أو دورة تدريبية علي المواطنة . لكن هذه العقوبات لن تدخل حيز التنفيذ إلا بعد ستة أشهر من تاريخ إصدار القانون بعد فترة تربوية . كذلك، كل شخص يرغم إمرأة علي التحجب، سيعرض نفسه لعقوبة السجن لمدة عام مع غرامة بقيمة 30 ألف يورو، وتشدد العقوبة إلي الضعف في حال كان الشخص المرغم قاصرا .
وليست هذه المرة الأولي التي يشغل فيها قانون حول ارتداء الحجاب الرأي العام الفرنسي، ففي بداية الألفية الجديدة شهدت فرنسا ارتفاعا في عدد الطالبات المسلمات اللاتي يرتدين الحجاب في المدارس الحكومية، وأدي رفض بعض هؤلاء الطالبات لخلع الحجاب بناء علي اوامر معلميهن إلي إدخال السلطات الفرنسية لتشريعات تحظر إظهار أية رموز تدل علي الانتماء الديني أو السياسي، بما في ذلك الحجاب، وأجيز القانون في مارس 2004، بأغلبية كبيرة في الجمعية الوطنية الفرنسية .
وعلي نفس المنوال، ففي بلجيكا، أقر مجلس النواب في ابريل الماضي مشروع قانون يحظر ارتداء النقاب والبرقع في الأماكن العمومية، تمهيدا لإقراره من مجلس الشيوخ، ومن جانبه أعلن وزير الداخلية الإسباني الفريدو ببريث رويلكابا أن الحكومة الاشتراكية الإسبانية تعتزم ادراج قانون مقبل حول " الحرية الدينية " متضمنا بندا يحد من ارتداء النقاب والبرقع في الأماكن العامة، بل إن برشلونة أصبحت أول مدينة كبيرة في إسبانيا تحظر النقاب في الأماكن العامة والأسواق والمكتبات .
جاء هذا كله بالرغم من أن مجلس الدولة في فرنسا أكد أن فرض حظر ارتداء النقاب يتعارض مع القانون الدولي لحقوق الإنسان، ويتناقض مع دستور الجمهورية الفرنسية . كذلك، أكدت منظمة العفو الدولية أن الحظر الكامل لتغطية الوجه يتناقض مع حرية التعبير والعقيدة . كذلك، أكدت الجمعية البرلمانية لمجلس أوروبا أن فرض حظر شامل علي النقاب يحرم النساء حقوقا متساوية .
ولكن بعكس التيار الذي قرر اتخاذ موقف التحريم القانوني من النقاب، هناك الموقف الآخر الذي اتخذته الولايات المتحدة، حيث ذكر بيان وزارة الخارجية الأمريكية أنها تعارض أي مشروع قانون يهدف إلي منع ارتداء الحجاب كليا في الأماكن العامة كما حدث في فرنسا، لأن مثل هذا الأمر من شأنه أن يؤثر علي حرية المعتقد، وقال المتحدث باسم الخارجية " لانعتقد أنه يجب سن قوانين حول ما يحق أو لايحق للناس أن يرتدوه من ملابس استنادا إلي معتقداتهم الدينية، وأن الولايات المتحدة تأخذ اجراءات أخري من أجل تأمين التوازن بين الأمن من جهة، واحترام الحرية الدينية والرموز المتعلقة بها من جهة أخري . والحقيقة أن هذا الموقف هو نفسه الذي تكرر في بريطانيا، حيث أكد وزير الهجرة البريطاني أنه من غير المحتمل، ومن غير المرغوب فيه أن يحاول البرلمان البريطاني استصدار قانون يفرض علي الناس ما يرتدونه وهم يسيرون في الشارع، فهذا شئ غير بريطاني باعتبار أن المجتمع قائم علي التسامح والاحترام المتبادل، وتحدثت وزيرة بريطانية مؤكدة أن الموقف العام المسيطر علي النخبة السياسية والثقافية في بريطانيا هو رفض فكرة المضي في هذا الطريق، أي التدخل فيما يرتديه الناس باختيارهم .
وعلي نفس منوال (تدخل السلطات ) في تحديد مايجب أو لايجب ارتداؤه لاحظنا في الآونة الأخيرة اتجاه السلطة الدينية اليهودية ( الحاخامية ) لمنع ارتداء المرأة الاسرائيلية لما يطلق عليه " البرقع اليهودي " بين اليهوديات المتطرفات في تدينهن، هذا، علما بأن البرقع أو النقاب، الذي توسعت حالات ارتدائه في اسرائيل منذ عامين، اعتبرته المرأة شكلا من أشكال الحرية، في التعبير عن شخصيتها، بدون تحكم من ولي الأمر أو الحاخام .
الإسلاموفوبيا الشعبوية الأوروبية
بغض النظر عن المواقف التي تأخذها الحكومات والبرلمانات الغربية تأييدا أو معارضة لارتداء الحجاب والنقاب، فإن النظرة العامة لارتداء المرأة للنقاب تعتبره الأوساط الأوروبية والغربية عموما، رمزا لخضوع المرأة المسلمة، وتبعيتها وإذلالها من خلال هذا الزي، وفرض الرجل سيطرته علي المرأة، واحتقاره لها . ويقول الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي " إن المشكلة تكمن في أن البرقع لا يشكل رمزا دينيا، بل هو دلالة علي فقدان المرأة لحريتها وكرامتها، وإذلالها من الجنس الآخر " . وبناء علي هذا المنطق، فإن النقاب غير مرحب به وغير مقبول لدي أغلبية المواطنين الأوروبيين، في مناخ تغلب عليه الليبرالية والعلمانية، ومبدأ المساواة التامة بين الرجل والمرأة . وفي شهر فبراير الماضي، أعلن رئيس وزراء فرنسا فرانسوا فيون أنه حرم رجلا مغربيا من الجنسية الفرنسية لأنه أجبر زوجته الفرنسية علي ارتداء النقاب . وفي استطلاع الرأي الذي أجراه معهد "بيو" الأمريكي في ابريل مايو جاء أن 82 % من الفرنسيين يؤيدون فرض الحظر علي ارتداء النقاب في الأماكن العامة بما فيها المدارس والمستشفيات والمؤسسات الحكومية، في حين عارضه 17 % . وخلص الاستطلاع إلي نفس الرأي تقريبا في دول أخري منها ( المانيا 71 % )، (بريطانيا 62 %)، (إسبانيا 59 % )، كما لوحظ أن دعاة الحظر أقوياء بصورة خاصة بين المواطنين الأوروبيين الذين تتجاوز أعمارهم 55 سنة .ويلاحظ أنه حتي في بريطانيا، حيث لم تشجع النخبة السياسية والثقافية اتخاذ قرارات بشأن حظر النقاب، إلا أن الصحف البريطانية تؤكد أن 67 % من البريطانيين يؤيدون اصدار قانون يحظر ارتداء النقاب في الأماكن العامة، علي الرغم من أن المبدأ السائد هو احترام الحرية الشخصية فيما يرتديه كل شخص .
علي كل، هناك ملاحظة من الصعب تجاهلها في هذا الصدد، ففي فرنسا علي سبيل المثال، يبلغ عدد المسلمين 5 ملايين شخص، وحسب بيانات وزارة الداخلية الفرنسية، فإن هناك 1900 امرأة ترتدي الحجاب، أي أقل من 1 . 0 % من السكان المسلمين في فرنسا، وبناء عليه يقال إن الحظر الذي فرض رسميا علي ارتداء النقاب، جاء بالرغم من أن المتضررين منه فعلا مجرد عدد لايذكر من أصل 65 مليون نسمة هم سكان فرنسا .
من هنا، فإنه بصورة أو بأخري، يرتبط الموقف من النقاب، والحجاب، بظاهرة الإسلاموفوبيا التي تنتشر حاليا في الأجواء الأوروبية، ومن تداعياتها: أزمة الرسوم الدانماركية المسيئة للرسول (صلي الله عليه وسلم) والأفلام الرديئة في هذا الصدد، والحملة علي بناء المساجد، والمآذن، والاعتداء علي المقابر التي تخص المسلمين، ومقتل مروة الشربيني علي يد متطرف ألماني، ومقتل مسن مسلم علي يد بريطانيين امام أحد المساجد، والدعوة التي أثيرت مؤخرا لجعل يوم 11 سبتمبر يوما عالميا لحرق المصاحف .. إلي أخر هذه الممارسات التي تثبت أن " الثقافة " الأوروبية الشعبوية قد تغيرت جذريا بشأن العديد من القضايا التي تخص الإسلام والمسلمين، وندرك نحن هذه الحقائق ونستعيد معها مقولة الكاتب الفرنسي روجيه دوبري منذ سنوات وهو يتساءل : هل تعتقدون إننا سنتنفس براحة تحت الحكم الحديدي للإسلام ؟ داعيا إلي إصدار مرسوم تمنح الولايات المتحدة بموجبه شعوب الاتحاد الأوروبي، ماعدا روسيا، الجنسية الأمريكية، ليتسني حمايتهم من الإسلام .
وليست ظاهرة الإسلاموفوبيا بالشئ الهين، خاصة بعد أحداث 11 سبتمبر، وما يصدر عن تنظيم القاعدة تجاه الغربيين . ومنذ أيام حذرت أجهزة أمنية واستخباراتية ألمانية من أن عددا من العائلات الألمانية قامت بأكملها ، بسحب مدخراتها من البنوك، وقررت السفر إلي باكستان، ومنطقة وزيرستان، متخذين قرارات بترك الحياة العصرية، والتحول إلي الإسلام الراديكالي . وهكذا، تتجمع الأسباب التي تزيد من عداوت الغربيين، وتجعل من قضية النقاب قضية كاشفة ومعقدة في العلاقة مع المسلمين .
تساؤلات الثقافة والهوية
لو أن مئات استطلاعات الرأي التي أجريت في أوروبا والولايات المتحدة شملت المسلمين هناك، أو المسلمين في الدول العربية والإسلامية، لتبين منها أن الغالبية العظمي من الرجال والنساء المسلمين لايؤيدون ارتداء المرأة للنقاب، وهذه الحقيقة تبين بجلاء أن مسألة النقاب تنطوي علي ملابسات وأهداف غير مباشرة، سواء في الأجواء العربية والإسلامية، أو في غمار التطورات التي تشهدها الدول الغربية .
فمثلا، قرر وزير التعليم في سوريا مؤخرا منع الفتيات من وضع النقاب داخل الحرم الجامعي، وأعرب شيخ الأزهر السابق عن عدم موافقته علي ارتداء طفلة في الثالثة عشرة من عمرها للنقاب في مدرسة أزهرية، وتدخل رؤساء جامعات، وصدرت أحكام قضائية في هذا الصدد، وكل ذلك جاء في سياق دعوات لما أطلق عليه "منع التشدد " ، وإثبات درجة متقدمة من "العلمانية "، كما أعلن ذلك صراحة مسؤلون حكوميون .
ولكن، كيف يجري ذلك، منفصلا عن مناخ عام ليس علمانيا أو متحررا أو ديمقراطيا، بحال من الأحوال . وماذا عن " دساتير عربية " ليست علمانية، وحياة سياسية واجتماعية واقتصادية وثقافية مترعة بالظواهر والمظاهر والطابع الديني البحت إلي درجة التشدد ؟ ألا تعتمد الدساتير العربية الشريعة الدينية المصدر الرئيسي للتشريع ؟ هل حقا تضمن الحياة السياسية المساواة بين المواطنين بغض النظر عن الدين والجنس والطائفة ؟ ألا يتم اشتراط دين معين لرئيس الدولة ؟ إذن لاترتبط مسألة منع ارتداء المرأة للنقاب والمواقف التي افتعلتها دول عربية ومسؤلون عرب بعلمنة الدولة والمجتمع، وطبعا لم تكن المواقف مرتبطة بحقوق المرأة، وليس النقاب هو تحديدا منبع التشدد والتطرف في المجتمعات العربية، وإنما هو مظهره ونتيجته المرئية ، أي أن النقاب هو مجرد عرض لأسباب أخري جذرية .
في الوقت نفسه، فإن الذين قرروا اتخاذ مواقف ضد النقاب لم يلتفتوا إلي القضايا الحقيقية للمرأة العربية والإسلامية سياسيا واقتصاديا واجتماعيا وثقافيا، ولم يفرقوا بين المرأة التي ترتدي النقاب باختيارها، وتلك التي ترتديه مجبرة عليه من ذويها.
علي صعيد آخر، انبرت " جماعات إسلامية وإخوانية " للدفاع عن حق المرأة في ارتداء الحجاب والنقاب، واعتبار هذا الحجاب (أغلي من الدم )، ولكن هل جاءت هذه " الدفاعات "من أجل فكر تحرري شامل يحفظ للمرأة حقوقها ؟ هذا مع العلم أن ( إسلاميين أخر ) وقفوا إلي جانب النظم السياسية التي تهاجم النقاب، ربما لأسباب أمنية ( وهو مشهد يجسد التحالف الودي المغرض بين الجانبين لأهداف سياسية، ليس منها علي الإطلاق ما يتعلق بحقوق المرأة).
إن موقف الإسلاميين من قضية الحجاب والنقاب يكشف أكثر مما يخفي . فهناك من يعتبر أن انتشار الحجاب أحد ثمار " الصحوة الإسلامية "، وأن هذه الصحوة لن تحقق نصرها الأكبر، إلا من خلال استعادة قوة " النظام الأبوي " الذي هو أساس نجاح النظام الإسلامي والحضارة الإسلامية، من وجهة نظرهم .
وعموما، هناك افتراض يمكن عرضه بدرجة معقولة من الثقة ، ذلك أنه كلما تشددت " السلطات " علي أنواعها، في مسألة الحجاب والنقاب، كلما جاءت النتائج عكسية، وفي إحدي الدول العربية، منذ سنوات، انطلقت متطوعات لخلع حجاب المرأة بالقوة، وكانت النتيجة ارتفاع نسبة وعدد المحجبات والمنقبات . ولا يخفي في هذا الصدد، عوامل التحدي والاحتجاج والغضب ، وفي الدول الغربية انبثاق عوامل التحدي لإثبات الهوية، التي تتخلق في مثل هذه الظروف، ولعلي استنتج في هذا السياق، افتراضا آخر مؤداه أن المرأة العربية والإسلامية، تلعب دورا مهما في الزمن الحالي فيما يتعلق بتساؤلات الهوية، وأساليب الاحتجاج السياسي والاجتماعي . أما افتراضي الثالث في هذا الصدد فمضمونه أن إشاعة مناخات الحرية والديمقراطية، ومنح التيارات الليبرالية والعلمانية حرية الحركة، وترك التفاعلات الثقافية تجري بطبيعتها في المجتمعات العربية، لهي أفضل الأساليب التي تطمئن المرأة وذويها، وتخفف من احتقانات التحدي الديني من أساسه . لقد تم حصار التيارات الليبرالية واليسارية والديمقراطية، وكان هذا هو المناخ الوحيد، الذي يمكن في حالة انتعاشه، أن يتكفل بمعالجة مجتمعية ثقافية واجتماعية مقبولة لظاهرة النقاب وأشباهها .
سوء الفهم الأوروبي والغربي
ولا يختلف الموقف كثيرا في الأجواء الأوروبية والأمريكية، فهناك مبالغة شديدة في الربط بين نقاب المرأة المسلمة ، وحجابها، واعتبار ذلك تحكميا وتلقائيا، الدليل القاطع علي إذلالها وخضوعها لهيمنة الرجل الشرقي المستبد . وأجازف بالقول إن هناك سوء فهم لمسألة وطبيعة ( ملبس المرأة ) يعود إلي اختلافات ثقافية جذرية، في هذه القضية، بين الرؤية الإسلامية، والرؤية الغربية . وليس أعمق ولا أدل مما جاء في وجهة نظر هانتينجتون في شرح هذه النقطة عندما قال :
إن أحد المعوقات الأساسية أمام تقدم المدنية الإسلامية هو عقدة روميو وجوليت، أي حرية المرأة في التصرف في جسدها، تلبس ما تشاء، وتتزوج بمن تشاء، وتحب من تشاء، وتجهض متي تشاء، إن إنشغال المسلمين بملبس المرأة، ومكان عمل المرأة، ومستوي تعليم المرأة، يدل علي أن جمهور المصلحين المسلمين، لايستطيعون تجاوز حل هذه العقدة، وقد تجاوزها الغرب منذ أمد ليس بالطويل .
ودون الدخول في تفاصيل هذه " المعضلة " الفارقة بحق بين الرؤية الإسلامية لملبس المرأة والرؤية الغربية، فإن الغرب اليوم ينشغل بزي المرأة المسلمة ، ربما لأهداف غير مباشرة .
وفي هذا، تقول الكاتبة الفرنسية بولا ميجا " إن قانون حظر النقاب في فرنسا ليس هدفه حقوق المرأة، ولكن هدفه هو رغبة الدولة في تعريف الهوية الفرنسية، فالحكومة الفرنسية تتجاهل أن اجبار النساء علي ارتداء الحجاب، هو نفسه اجبارهم علي عدم ارتدائه " . وهنا نجد أن الكاتبة الفرنسية تكشف الحقيقة الخفية وراء القانون الفرنسي مؤكدة علي أنه يعني فشل سياسات الاندماج التي تتبعها الحكومات الفرنسية تجاه السكان المسلمين، حيث يعيش أكثرهم في أحياء معزولة، وعرضة للجريمة، ويشير مركز بحثي إلي أنه نتيجة العزلة، فقد تم جذب المسلمين غير المتدينين بشكل خاص باتجاه استعراض هويتهم الإسلامية بقوة، ولقد اختار الجيل الثاني من المهاجرين المسلمين، الممارسات الدينية المحافظة لإظهار هويتهم في المجتمعات الغربية .
أما بالنسبة للهدف المعلن في فرنسا من وراء حظر النقاب، وهو الدفاع عن الهوية الفرنسية، والقيم الجوهرية للدولة الفرنسية أي مبادئ الحرية والإخاء والمساواة، فإن فيها تكمن التناقضات السافرة للسلوك الفرنسي، مما سمح للكاتبة الفرنسية بشن أعنف هجوم من خلال تساؤلاتها: فكيف يمكن عدم احترام الأعراف الاجتماعية المرتبطة بالأديان ؟ وكيف يمكن تجاهل حرية الناس فيما يرتدون ؟ ألا يمثل هذا اعتداء علي مبدأ المساواة ؟ ولماذا تسمح الحكومة الفرنسية لنفسها بالتحكم في الحقوق الدينية للمرأة ؟ وكيف يمكن تحديد عدد النساء ممن أجبرن علي ارتداء الحجاب أو النقاب، وعدد النساء ممن اخترن بمحض إرادتهن ارتداءه؟ ألا يؤدي القانون الفرنسي، بدرجة ما إلي حجز النساء، وحرمانهن من الخدمات في المؤسسات الفرنسية ؟
لقد اختارت الدولة الفرنسية تعريف ماهو فرنسي بالحد من ما تستطيع النساء ارتداءه أو لا تستطعن، وهذا مظهر مهم من سوء الفهم السائد علي المستوي الثقافي بين الغربيين والمسلمين . وهذا القانون الفرنسي لا يمثل بحال من الأحوال مبادرة مناسبة وجيدة لمعالجة أزمة المواطنة في فرنسا، أو ما يطلق عليه " المواطن النموذجي " .


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.