الكاتب: رانيا علي فهميأصدرت لجنة الحريات باتحاد كتاب مصر برئاسة الدكتور محمد سلماوي بيانا حول منع الكتب المصرية من معارض بعض البلدان العربية، حيث طالعتنا وسائل الاعلام خلال الفترة الماضية بأخبار مصادرة عدد من الكتب الصادرة فى مصر لخمس وثلاثين من كبار الكتاب والمفكرين المصريين من المشاركة فى معرض الكويت الدولى للكتاب, وأيضا حرمان دور النشر المصرية من المشاركة فى معرض الجزائر الدولى للكتاب، وهى الأخبار التى ما كنا لنصدقها لولا التأكيد الجازم من هذه الجهات, وعدم صدور أى تكذيب من قبل أى منها .ومبعث الاستغراب وعدم التصديق هو:أولا : أن ذلك يتم فى حق كتاب ومثقفين من حيث المبدأ, وليسوا ارهابيين أو جواسيس أو أعضاء فى عصابات الجريمة المنظمة, فتتم مصادرتهم ومنع أدبهم وفكرهم من التواجد بين أيدى القراء وأمام أعينهم.ثانيا : أن ذلك يتم فى حق كتاب ومفكرين ينتمون الى بلد طالما قدم أبناؤه نور العلم والفكر والحضارة لكل القراء والمتعلمين العرب , ولطالما احتضن المثقفين والسياسيين العرب وقدم لهم العون والرعاية والاحترام, سواء أكانوا طلاب علم أم طلاب ذيوع وانتشار , أم لاجئين باحثين عن الأمن والحرية .ثالثا: أنه فى الوقت الذى يحتال فيه البعض على قرارات المقاطعة العربية الشاملة لثقافة ومؤسسات ونشاطات دولة الكيان الصهيونى ويحاول ايجاد مبررات لاختراقها, اذا بالبعض الآخر يقوم بالاستقواء على مصر ويقاطع الثقافة المصرية والكتاب المصريين .والعجيب فى هذا الأمر أن أيا من البلدين (الجزائر والكويت) لم يقدم أية مبررات لهذه القرارات الغريبة , بل ان الكتب المصادرة والممنوع دخولها الى معرض الكويت, مثلا, تحمل أسماء تحوز الاحترام والتقدير من قبل كل القراء والمتابعين لحركة الثقافة والفكر من الاتجاهات كافة, مثل جمال الغيطانى وجلال أمين وعبدالوهاب المسيرى وحسن حنفى ومحمد حسنين هيكل وجابر عصفور .. الخ.والأغرب هو أن يتواصل الاستقواء على مصر وتتم مصادرة المشاركة المصرية بالكامل من معرض الجزائر, بينما يتم السماح بمشاركة بلدان الجهات الأربع, كافة, بمافيها الدول ذات التاريخ القائم على النزعة التوسعية الاستعمارية, والحاضر المفعم بالعنصرية ومعاداة العرب والمسلمين, بمن فيهم من الجاليات الجزائرية بالتحديد. وهى نفس الدول الداعمة لاسرائيل, والمشاركة فى احتلال بلد عربى شقيق, أوالمؤيدة لهذا الاحتلال. ونحن لانقول ذلك بهدف استنكار مشاركة مطبوعات هذه الدول أوالحث على منعها من المشاركة أو مصادرة أعمال كتابها , على العكس من ذلك, فنحن نرحب بالانفتاح على الآخر, ولانرى فى ثقافة الغرب كتلة واحدة صماء, ولكننا نرى فيها تعبيرا نموذجيا عن التعدد والغنى القائم على الجمع بين كل ألوان الطيف الثقافى والفكرى, ويوجد من بين كتابها ومفكريها من يدافع عن قيم الحرية والعدل وحقوق العرب والفلسطينيين بأقوى مما يدافع بعض العرب من المثقفين أو السياسيين. فضلا عن ايماننا بحق القارىء العربى فى قراءة المشهد الثقافى العالمى كاملا دون وصاية وهيمنة وانتقائية من قبل بعض القيمين عليه.إن مثل هذه القرارات أبعد ما تكون عن طبيعة الثقافة باحتفائها بالاختلاف واحترامها للتعدد وبعدها عن الوقوف أمام العرضى والشكلى وتوافه الأمور وتأكيدها على القيم الانسانية العليا والمعانى الكلية السامية. وهذه القرات, كذلك, أبعد ما تكون عن ما ينبغى أن يتحلى به أصحاب القلم والمثقفون والمتحضرون من نضج فى التفكير ورصانة فى الموقف والتعبير.وهى, أخيرا, أبعد ما تكون عما يموج به عصرنا من أدبيات ومواثيق حقوق الانسان وحرياته, والتى يأتى على رأسها حقه وحريته فى الاعتقاد والتفكير والتعبير والسفر والاطلاع . بل اننا نعتبر ان حرية التفكير والتعبير, وما تقتضيه من حرية وسائطها ووسائل نشرها, مثل الكتاب والصحيفة والقناة التليفزيونية.. الخ انما هى أملنا الوحيد فى تخليق وتطوير قدراتنا على النهوض والابداع والتفاعل الندى مع الثقافات الانسانية فى مواجهة تحديات الهيمنة والتنميط الثقافيين, التى يطرحها واقع العولمة والسماوات المفتوحة.