عندما علمت بخبر وفاة نيل آرمسترونج أول إنسان هبط على سطح القمر عام 1969 تذكرت ذلك الحوار الذى دار بين مستر "كريشتين" وهو أمريكى الجنسية من تكساس .... وكان معلماً للغة الانجليزية للطلبة المصريين فى إحدى معاهد تعليم اللغة الانجليزية بالإسكندرية وبين بعض تلامذته المصريين ....عندما ذكر لهم إنهم( أى المصريين والعرب والشرقيون عموماً) متأخرون ومتخلفون عن الغرب والعالم وإنهم لايجيدوا فن الإقناع والتواصل مع الأخرين الذين يختلفون عنهم فى الدين... واللغة والثقافة ... وإننا العرب والمسلمين نردد شائعات كثيرة غير مؤكدة وغير مقنعة ....وندافع عنها بشراسة رغم خطائها أو عدم التأكد من صدقها أو صحتها..... وضرب لهم مثلاً صادماً... وقال أنتم ترددون أن رائد الفضاء نيل آرمسترونج سمع صوت الأذان على سطح القمر ....وسئل الأمريكى متعجباً من ذلك القول ... كيف يكون ذلك و آرمسترونج أمريكى لا يعرف اللغه العربية ليميز صوت الاذان؟ وأكد "كريشتين" أن هذه شائعة ساذجة لا أساس لها من الصحة.... وكذبها آرمسترونج نفسه .... بل ووصل الامر إلى أن البعض تخطى تلك الشائعة و قرر أن آرمسترونج أعلن إسلامه عندما سمع صوت الأذان و كان في رحلة لإحدى الدول العربية وسمع صوت الأذان فتسأل ما هذا؟ فقيل له أذان الصلاة للمسلمين ..... فقال والله لقد سمعت هذا الصوت على سطح القمر.... فأشهر إسلامه وأكد "كريشتين" على أن الكلام الذى ردده البعض عن سماع صوت الأذان على سطح القمر يخالف ميزان العقل وقواعد المنطق والعلم ايضاً فًسطح القمر لا يحتوي على الهواء أو غلاف جوي فمن أين جاء الصوت الذى يشاع أن آرمسترونج تبادر إلى سمعه إياه؟ ويقودنا ذلك الحوار إلى ظاهرة أصبحت هى سيدة الموقف فى حياتنا وهى (ثقافة البغبغانات) بل و إطلاق الشائعات وتصديقها و ترديدها بغباء وبلا وعى وبجهل شديد . و الشائعات فى مجتمعاتنا الشرقية والعربية تظهر عادةً نتيجة لنقص الوعى الثقافى و لعدم الوضوح في الرؤية ... و تأكيداً لرأى أو وجهة نظر ضعيفة أو ساذجة ....أو تمجيداً لشخص ما كما كان يحدث فى بعض العصور من إطلاق شائعات عن بعض الزعماء بأن صورته تظهر على وجه القمر ليلة الرابع عشر وذلك لتعظيم قدره ووضعه فى مكانة أعلى من مكانة البشر العاديين ومن كثرة اطلاق الشائعة صدقها شعبه وتناقلها بغباء شديد.... عملاً بما قاله (جوبلز) وزير الدعاية السياسيه فى عهد هتلر " إكذب ثم اكذب ثم اكذب ، فسيصدقونك في النهاية " السياسية وكانت نهايته القتل على يد شعبه بعد ذلك لإستبداده وظلمه وغبائه. والأن فى مصر نجد الكثيرين من الناس قد إنتهجوا ذلك النهج بإطلاق الشائعات وتكراها وتصديقها وذلك تمجيداً لمن يناصرونهم من السياسيين ... فمثلاً نجد البعض يدافعوا عن أحمد شفيق وجعلوا منه زعيماً ووطنياً ... وساقوا الحجج والبراهين على نزاهة الرجل وشرفه..... وإنه بطل من أبطال الحرب ...وأنه شديد الحب لمصر.. وأنه لم يكن ضمن منظومة الفساد التى كانت متوطنة فى النظام السابق .... فى حين إنه كان عضو هام فى منظومة نظام مبارك الفاسد ولم تظهر وطنيته وحبه إلا لمبارك وأعوانه بل إنه ساعد على طمس الوثائق التى تدين مبارك ورفاقة وساعد على إخفاء بعض الحقائق.... إلا أن الشائعات التى أطلقها مؤيديه حتى الأن مننتشرة رغم أنه قد تبين مخالفاته وفساده وخاصة بعد إعتراف رئيس «جمعية الطيارين» بالتزوير بأوامر من «شفيق» لمنح أرض الجمعية التعاونية لجمعية الطيارين لنجلي مبارك ويأتى على جانب أخر أنصار أبو إسماعيل الذين أكدوا على أن أمه لاتحمل الجنسية الامريكية ودافعوا بشراسة وهم لايعلموا الحقيقة..... واطلقوا الشائعات بإن أبو إسماعيل يبحارب لإقصائه عن معركة الرئاسة وأن الغرب خائف مرتعداً من وصوله لسدة حكم مصر وأن واقعة جواز سفر والدته الأمريكى ما هى إلا أكذوبة وحيلة دنيئة ووقفوا فى ميدان العباسية و أمام وزارة الدفاع لنصرة الرجل ...وقالوا اننا نصدق هذا الرجل.... وكذبوا الأوراق والمستندات التى تؤكد عدم أحقيته فى الترشح لكون أمه أمريكية الجنسية...وحتى الأن لم نعلم لماذا لم تظهر براءة وصدق الرجل كما أدعى هو ذلك ... والتأكد من انه تم ظلمه وأقصى عن الأنتخابات بفعل فاعل .... أم انه الرجل كان فعلاً يخفى حقيقة كون أمه تحمل الجنسية الامريكية والله تعالى ذكر فى كتابة العزيز ( "ها أنتم هؤلاء حاججتم فيما لكم به علم فلم تحاجون فيما ليس لكم به علم ) والمدافعين بلا وعى أو عقل كثيرون حتى تعتقد انه يحمل وظيفة مدافع فى بطاقته الشخصية من شده دفاعه الأعمى والأهوج عن من يسانده ويناصره.... سواء عن الرئيس مرسى أو عن عكاشة أو البرادعى أو حمدين صباحى.... مدافعين بالحق أو بالباطل.. بالجهل والغباء او بالحبكة والحنكة. وهذا هو حالنا فى المجتمع المصرى بعد الثورة ....نردد حكايات عن من نناصره ونضعه فى مصاف الأنبياء والصالحين ....ونردد على الجانب الأخر حكايات عن خصومنا ونضعهم فى مصاف الشياطين والأبالسة واحيانا بحكايات مختلقة وغير مؤكدة ولم نصل بعد إلى منهج إقناعى منطقى يعتمد على الحجج والبراهين الصادقة المؤكدة ....مدعومة بميزان العقل وبصرف النظر عن إنها تؤيد من نحب أو من لانحب أو نخاصم .. قال المولى عز: "يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِين"