اتفق مع كل المتخوفين من ضرر إطلاق الاتهامات ونشر شبهات الفساد مع فارق بسيط وهو أن الضرر من التوسع المرغوب في ذلك يقع على نظام الحكم وليس "البلد" كما يتصور من لا زالوا يفكرون بعقلية الوصاية على 80 مليون مصري باعتبار انهم "لا يعرفون مصلحة البلد" ودون جدل في أن مصلحة البلد وكرامتها ودورها حتى على مستوى حي الوايلي وليس دول الجوار دمرت تماما على مدى أكثر من ثلاثة عقود ونود فقط طمأنة المتخوفين من أن ما جرى في مصر اثبت أن الناس العادية ربما تعي مصلحة البلد من كثير من الأوصياء الذين ما زالوا في الحكم أو محيطه. لا أتصور أن هذا سيغير من طريقة تفكير الكثيرين لسبب غاية في البساطة هو أن من اعتاد على طريقة في التفكير والعمل يصعب عليه أن يغيرها خاصة لو كانت مرتبطة بمناخ قمع وفساد ومع أن المسؤولية عن مناخ القمع والفساد الذي ساد قي العقدين الأخيرين تحديدا بكثافة وعمق مرعبين تقع على نظام الحكم السابق/الحالي إلا أن هناك مفاصلا أساسية يجب التخلص منها إذا كان للتغيير الذي أحدثته الثورة الشعبية أن ينفذ إلى طريقة إدارة الدولة. ومن اخطر تلك المفاصل هو ذلك الجهاز الرهيب الذي يتبع إداريا وزارة الداخلية ويعمل بطريقة شبه مستقلة وهو مباحث امن الدولة وكل التسريبات الحالية عن إعادة هيكلة الجهاز أو تحويله لجهاز معلومات عن "الارهاب" ليس لها أي محل من الإعراب إن كان هناك توجه نحو الإصلاح السياسي والاقتصادي والثقافي عموما في بلدنا. ربما لا يعرف الناس عن مباحث امن الدولة سوى ضباطها باللباس المدني الذين يأخذون المرء إلى حيث لا يعلم أهله وذووه ويمكث لديهم أي مدة من الوقت لولا تجد أي ورقة رسمية تثبت انه معتقل ولا يفيدك امن ولا شرطة ولا مباحث عامة وإذا كان حظه أن يبقى حيا يخرج منكسرا مهزوما ليس بإنسان أو يختفي تماما ولا يعرف احد إن كان ميتا أم حيا ولا أين هو لكن مباحث امن الدولة اخطر من ذلك بكثير انه الجهاز الأهم لحماية نظام الحكم القمعي الفاسد من المجتمع "نعم من الشعب بكل طوائفه وليس من عدو خارجي بالضبط مثل ضابط السجن في فيلم البريء للراحل عاطف الطيب" ولست ادري أن كان هؤلاء العاملين في مباحث امن الدولة ومن كثرة ترديد الكذب والتضليل يصدقون أنفسهم أو من يأمرهم "وهو في الأغلب أعلي من وزير الداخلية" بأنهم يحمون "البلد" أي الوطن بينما هم في الواقع يدمرون الوطن. جهاز مباحث امن النظام مسئول مباشرة عن كثير من أعراض الفساد والتدهور والانهيار التي نخرت في "البلد" أي الوطن أو بلغة المثقفين الكبار الدولة التي تختلف عن النظام فهو في حمايته للنظام "حسب تصور النظام للحماية وربما ببعض مزايدة من الجهاز" افسد الاقتصاد والسياسة والصحافة والإعلام والفكر والفن والتعليم والصحة تقريبا كل شئ وقبل أن ينصرف احد عن الكلام متصورا أنني أبالغ لغرض ما أو أني مضار مباشرة من الجهاز اصرخ مهولا بشبهة اتهام اذكر بسرعة أن أي مسئول في أي دائرة من دوائر بيروقراطية الدولة لا يتم إقرار تعيينه إلا بموافقة مباحث امن الدولة ذلك ما يسمى "موافقة امنية" وهي ليست من المخابرات في المواقع الحساسة حرصا على الدولة والوطن ولا من الأمن العام أو المباحث العامة للتدقيق في أن المعين لا شبهات حول ذمته أو سلوكه وإنما من مباحث امن الدولة على اعتبار أن جهاز الدولة من مستوياته إدارته الوسيطة إلى العليا يتعين أن يكون سند النظام ولا يخشى في ولائه وطاعته على طريقة الخدم والعبيد. ثم أن جهاز مباحث امن النظام هذا افسد عمل مباحث الأموال العامة وحتى المباحث العامة والقضاء نسبيا خصوصا بعدما أصبح له قضاؤه الخاص غير العادي قي ظل قانون الطوارئ وهناك أقوال كثيرة لا أريد ترديدها كي لا تكتسب مصداقية ربما تفتقدها ترى الجهاز مسئولا عن اتفاقات فاسدة تتجاوز حدود الوطن لكن الأهم والأخطر في تقديري هو إفساد جهاز امن النظام للإعلام المصري على مدى عقود حتى أصبح الصحفي المصري الذي كان رائدا حين تستقطبه وسيلة إعلامية خارج مصر مثارا للتندر من صحفيين من بلاد عربية لم يكن بها إعلام مهني حتى وقت قريب ولا يقتصر هذا على الإعلام الرسمي والصحف القومية التي هي بطبيعتها جزء من امن النظام "مع تقديري لاقتناع البعض انه تخدم الدولة وليس نظام الحكم، لكن هذه أيضا قناعة مباحث امن الدولة" ولكن حتى الإعلام الخاص والصحف الخاصة المملوكة لرجال الأعمال فقد بلغ التدهور المهني وأكثر في الإعلام ولصحافة الخاصة حدا لم يعد المرء يستطيع التفرقة بينه وبين جهاز مباحث امن النظام. لا يمكن أن تتغير مصر وتبني حياة ديمقراطية سليمة وتنطلق في طريق التنمية الاقتصادية والبشرية وفيها جهاز مباحث امن النظام والنظام الذي يحتاج جهازا كهذا لن يكون إلا أسوأ من النظام الذي قامت الثورة لتغييره ثم أن النظام الذي يحتاج لأمن خاص وجهاز قمع وفساد خاص ولا يكتفي بالمباحث العامة والأمن العام تحميه كما تحمي بقية الناس ليس إلا نظاما قمعيا فاسدا مهما وضع رتوشا وصبغ وجهه بمساحيق تجميل أما "البلد" أو الوطن أو الدولة فله جيش يدافع عنه ويحمي حدوده وجهاز مخابرات يحصنه بالمعلومات وينذره بالمخاطر "الداخلية والخارجية" قبل وقوعها.