لا يوجد شئ في العالم مثل جهاز مباحث امن الدولة في مصر، مع تقديري الشديد لكن من يتحدث رسميا او ممن يتحدثون ويكتبون في الاعلام والصحافة. وكل المقارنات التي سمعتها وقراتها تذكرني بالجدل ذاته حول القانون الذي اصدره الجناح التشريعي لجهاز الحزب الوطني لان وزير المالية، ومعه رئيس الوزراء وعدد من وزراء الفساد والقمع ارادوا معاقبة القطاع الاوسع من الشعب المصري وتطوير زيادة موارد الفساد المالي للنظام. ووقتها ذهلت من ان كثيرا من المصريين الذين يسافرون للخارج او حتى يعيسون في اوروبا وامريكا يخلطون واغلبهم عن حسن نية ربما بين ضريبة الحي والضريبة العقارية، اذ لا يوجد بلد في العالم يفرض ضريبة على العقار. يحدث الان الخلط ذاته بين الجهاز المشين في مصر وبين بقية اجهزة الامن والتحقيقات والمعلومات في بقية دول العالم. فجهاز مباحث امن الدولة في مصر، بالضبط مثله مثل الاعلام الامني في مصر، لديه زبون واحد فقط هو رأس النظام وحاشيته ولا علاقة له بامن الناس او حماية الدولة والوطن. بل على العكس، انه الجهاز الذي يتلخص عمله في حماية امن النظام ضد الشعب الذي يوضع كله في خانة "اعداء الوطن" حتى يثبت العكس. والى ان يثبت العكس يعذب الناس ويختفون دون اثر وتفسد اعمال وتدمر مؤسسات وتخرب ذمم واخلاق وتنتهك كرامات وتقزم مواهب وتنهار البلد كما حدث قبل نحو عشر سنوات. لست ادري ان كان كثير ممن يقارنون بين مباحث امن الدولة واجهزة امن ومعلومات في دول اخرى يقصدون عمدا تصليل الناس ام انهم فعلا لا يعرفون. والواقع ان بقايا النظام الموجودة في السلطة ولاعلام تجعل المرء متشككا كثيرا في النوايا، فازمة الثقة بين الشعب والنظام وصلت الى نهاية الطريق لذا اراد الشعب اسقاط النظام. وكل محاولات الالتفاف على هذا الهدف مترابطة ومتداخلة ويصعب افتراض حسن النية فيها. لكن دعونا من النوايا، ولناخذ بالوقائع والحقائق. عجبت من رئيس وزراء مصر المقال حين ذكر في معرض استهزائه بمطلب الغاء مباحث امن الدولة ان الولاياتالمتحدة لا يمكن ان تلغي مكتب التحقيقات الفيدرالي FBI. صحيح ان مكتب التحقيقات الفيدرالي له سلطة تتجاوز الشرطة المحلية، ولكن ذلك لان هذا هو جهاز المباحث العامة الامريكي للبلاد كلها والذي يتولى مهام القضايا التي لا تستطيع مباحث وامن الولاياتالامريكية القيام بها بمفردها، لانها اما تتجاوز نطاق الولاية او لها ابعاد وطنية تخص البلاد ككل. ويوجد في مصر، ضمن وزارة الداخلية ايضا كما امن الدولة، المباحث العامة او البحث الجنائي وهذه الاجهزة هي التي تقوم بذات المهام التي يقوم بها مكتب التحقيقات الفيدرالي الامريكي. وفي بريطانيا مثلا، يوجد جهاز الاستخبارات الداخلية (MI5) الذي يعمل لصيقا مع الاستخبارات الخارجية (MI6)، وتحكمه ضوابط قضائية ورقابة غير عادية كي لا يتجاوز وينتهك حقوق المواطنين، ولعل البعض تابع في الاعلام التحقيقات العامة ولجان التقصي في ممارساته عندما شهدت بريطانيا تفجيرات ارهابية عام 2005 وما بعد ذلك. وربما توجد اجهزة شرطة سرية في دول اخرى، لكن كلها مرتبطة بعمل الشرطة لحماية امن المواطنين وان بشكل وطني اوسع اي على نطاق البلاد كلها تعزيزا لدور الشرطة المحلية والوطنية. واضافة الى المباحث العامة والبحث الجنائي، تضم زارة الداخلية في مصر اجهزة عديدة مثل مباحث الاموال العامة ومباحث مكافحة تهريب المخدرات وغيرها من اجهزة المعلومات والتحقيقات التي تضاف الى جهاز الامن العام. ورغم اني لا ادعي معرفة تامة بتركيبة اجهزة الامن في مصر وطريقة عملها فقد تضخمت في ظل النظام الحام حتى كادت ان تكون المؤسسة الوحيدة الموجودة في البلاد الا ان الامر واضح وشفاف في بقية دول العالم. الجهاز الوحيد في دول اخرى الذي قد يتقاطع هدفه مع مباحث امن الدولة هو ما يسمى بالخدمة السرية، وهي قوات خاصة لحماية شخصيات النظام الرئيسية وهي اقرب ما يكون لجهاز (بودي جارد) رسمي، والفارق بينه وبين بووديجاردات رجال الاعمال والفنانين انه رسمي وبالتالي يتعاون مع اجهزة الامن والمعلومات الرسمية لحماية الحكومة. لكن مصر بها الحرس الجمهوري والحراسات الخاصة والقوات الخاصة ولست ادري ماذا ايضا ممن يقومون بهذا العمل وربما بكفاءة اكثر من اجهزة الخدمة السرية في اي دولة في العالم. وحتى الاقتراحات التي ربما تصدر عن حسن نية ومحاولة ايجاد حلول توافقية سريعة من قبيل اعادة هيكلة امن الدولة او تحديد هدفه بان يكون جهازا لمكافحة الارهاب او للمعلومات عن المخاطر المحدقة باللاد من داخلها، فكلها مع تقديري ستنتهي الى ترقيع باهت يبقي على هذا الوضع الشاذ الذي لا يوجد مثله الا في مصر. فمكافحة الارهاب لها ادارة في الداخلية، والمعلومات لها اجهزتها من مخابرات وامن قومي. وبالمناسبة تقوم اجهزة الاستخبارات المصرية بدور هام في هذا السياق ولا شك ان لديها خبرة ليس فقط في معلومات عن الارهاب، بل وحتى معلومات عن نشاطات الاعمال والمال في الداخل وعلاقتها بالخارج. وفي النهاية لا يمكن ان يكون تميز مصر عن بقية دول العالم بوجود جهاز مثل مباحث امن النظام المشين والمهين هذا.