سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
فصائل التيار السياسي الإسلامي بين التجديد والانتهازية الخروج علي الحاكم أصبح جائزًا.. الديمقراطية والأحزاب والانتخابات مقبولة.. الآخر شريك والحوار ضرورة!!
يشهد العالم العربي والإسلامي حاليا وخاصة في الدول التي شهدت ثورات خلال الفترة الأخيرة أو التي بدأت فيها بوادر ما يسمي بالربيع العربي. تصاعدا ملحوظا لما يعرف بتيار الإسلام السياسي وخاصة تلك الفصائل ذات الميول الأصولية السلفية وهذا شيء طبيعي جدا لأن هذه الفصائل لم تكن تجد الفرص اللازمة للظهور في ظل أنظمة حكم علمانية طاغية وفاسدة في آن واحد. هذه الفصائل تشهد الآن تطورات لم يتوقعها أحد لا من الداخل ولا من الخارج فيما يتعلق بمراجعة الكثير من الثوابت الذاتية أو المتعلقة بالآخر بدءا من المضمون وانتهاء بالشكل مرورا بالآليات اللازمة للتعامل مع هذه المستجدات وربما تكون تجربة التيار الإسلامي السياسي في كل من مصر واليمن بعد الثورة خير مثال علي ذلك وهو ما سنحاول رصده في السطور القادمة. ففي مصر قبل الثورة كان هذا التيار متمثلا في فصيلين كبيرين نسبيا أولهما الإخوان المسلمون وثانيهما السلفيون الذي سيطر عليهم اتجاهان رئيسيان وهما ما يعرف بالسلفية العلمية الاجتماعية والسلفية الجهادية أو الحركية بتفريعاتهما المختلفة. كان العامل المشترك بين الجميع هو رغبتهم في تفعيل الدين كعامل مؤثر وربما متسيد في المجتمع والدولة. كل حسب قراءاته للنصوص الدينية والنماذج العملية التي قدمها عصر النبوة والخلفاء الراشدين وما بعدها. ربما حتي سقوط الخلافة العثمانية عام 1923 انطلاقا من شعارات عامة ولكنها مبدئية لديهم مثل "الإسلام هو الحل" بالنسبة للإخوان المسلمين و"لا يصلح آخر الأمة إلا بما صلح به أولها" بالنسبة للسلفيين بنوعيهم. ومعروف أن النغمة التي كانت سائدة بالنسبة للإخوان والسلفية العلمية فيما يتعلق بنظام الحكم القائم تمثلت فيما يمكن تسميته بالإصلاح التدريجي والسلمي بقدر الإمكان من خلال الدعوة والتربية والنشاطات الاجتماعية المختلفة وخاصة بعد تراجع دور الحكومة في هذا المجال تراجعا شديدا بدءا من بداية التسعينيات تمشيا مع فلسفة الحكم المستندة إلي مبدأ تقليص دور الحكومة إلي الحد الأدني متأثرة بما يحدث في أمريكا وأوروبا بعدما نقل السادات مصر إلي المعسكر الغربي في منتصف السبعينيات وأكمل حسني مبارك هذا الاتجاه بمعدلات أسرع حتي سقوط نظامه في 11 فبراير .2011 ومعروف أن الفصيل الجهادي من السلفية كان يعتمد علي فكرة التغيير بالقوة وأنه استخدم أساليب راديكالية وصلت إلي حد حمل السلاح ضد نظام الحكم القائم في فترة من الفترات كما رأينا في تجارب "الجهاد الإسلامي" و"الجماعات الإسلامية" وغيرها من الجماعات في فترة الثمانينيات وبعض سنوات التسعينيات وإن كان بعض هذه الجماعات قد راجعت نفسها وانضمت إلي تيار الإسلام التدريجي السلمي فيما بعد. ورغم ذلك كان الصدام بين نظام الحكم وهذا التيار خطا عاما طوال هذه السنوات السابقة علي الثورة باستثناء فترات معينة في التهدئة أو الاتفاق أو حتي التعاون حتي أن بعض هذه الفصائل أتهم صراحة من قبل الآخرين بالعمالة لنظام الحكم. قبيل الثورة وفي بداياتها بدا واضحا أن الغالب علي هذه الفصائل أنها لن تشارك فيها حتي أن بعضها -الإخوان- أعلنت ذلك رسميا ولكن فعاليات الثورة وضعتها أمام خيارين. إما أن تتخلف تماما عن مجريات الأمور وإما أن تشارك فيها بدرجات متفاوتة وقد حسمت الأمر مع استمرار الثورة وتقدمها لصالح الخيار الثاني وباتت جزءا لا يتجزأ من موجة الثورة العارمة إلي حد أن التيارات الأخري بما فيها التيارات العلمانية تعاملت معها كجزء أصيل من الثورة وتناست تماما الخلافات والصدامات السابقة عليها. وبات واضحا أن تغييرا ما قد طرأ علي بعض ما كان يعتبر أسسا مرجعية ومباديء حاكمة بالنسبة لبعض فصائل التيار الإسلامي السياسي خاصة السلفيين كالقول بعدم جواز الخروج علي الحاكم وقبول الآخر والموقف من المرأة والعمل السياسي والأحزاب وخلافه كما بات واضحا بالنسبة للإخوان أنهم أصبحوا قابلين لأعمال الديمقراطية بما فيها الأحزاب وغير ذلك علي عكس أدبياتهم المعروفة منذ أيام المؤسس حسن البنا رحمه الله وموتي المسلمين. بعد الثورة وباعتبار هذا التيار هو الأقوي جماهيريا حقق هؤلاء -كما اتضح في انتخابات مجلس الشعب والشوري- نجاحا باهرا ربما فاق توقعاتهم أنفسهم وبدا أن التاريخ يكتب صفحة جديدة ولكن ما حدث صاحبه نوع من العودة لفكرة الإصلاح التدريجي وربما الرغبة في الاستحواذ والسيطرة والتمايز وهو ما دفع بقية التيارات التي دعت وشاركت في صنع الثورة إلي اتهام هذا التيار بالنفعية والانتهازية والديكتاتورية -حتي لو كانت انتخابية- وما شابه ولاتزال التجربة تتراوح بين الإفراط والتفريط أو بين الشرعية والميكيافيلية. وفي اليمن لم يختلف الأمر كثيرا وكأن كل الفصائل اليمنية قد ترسمت خطوات التجربة المصرية فبينما كانت التيارات غير الإسلامية تدفع في اتجاه التغيير الجذري الراديكالي كانت التيارات الإسلامية تلعب دورا إصلاحيا شبيها بما لعبته في مصر إلي حد اتهامها بنفس التهم تقريبا وفي الحقوق من هؤلاء حزب الإصلاح الذي يمثل الإخوان المسلمين. كانت الفصائل الثورية ترفض مبادرة الخليج باعتبارها أداة لإعادة إنتاج النظام بينما قبلها حزب الإصلاح وبقية الأحزاب الديكورية وما أن تم تنفيذه البنود الأولي للمبادرة الخارجية وأجريت الانتخابات الرئاسية وجاءت بنائب الرئيس السابق رئيسا لليمن حتي أعلن السلفيون تشكيلهم لحزب سياسي اسمه "اتحاد الرشاد اليمني" تماما كما فعل السلفيون في مصر بتشكيل عدة أحزاب دخل بعضها الانتخابات البرلمانية الأخيرة. وبعيدا عن الاتهام والاتهام المضاد وإلي أن تسفر التجربة عن بعض نتائجها الحاسمة يمكننا القول دون مبالغة إن التيار السياسي الإسلامي يحقق تقدما والأهم أنه يشهد تطورا في المضمون والشكل والآليات ربما تؤدي إلي تغيير كبير يحسب لها إن لم تتمكن العناصر الجامدة داخلها من كبح جماح القوي التغييرية الوليدة فتعيدها إلي المربع صفر أو تضطر الجناح التغييري للخروج من قفصها التاريخي الذي ثبت أنه غير قابل للحياة. التجربة مستمرة وسنري أثر تجربة الثورات العربية علي التيار السياسي الإسلامي الذي يبدو أنه يستجيب بدرجة أو أخري للمستجدات وهذا شيء جيد علي أية حال رغم كل التحفظات والمخاوف من إحكام سيطرة الحرس الحديدي القديم علي هذه الفصائل مرة أخري مع الأيام.