أبرز ما ميز نتائج الانتخابات البرلمانية، كانت النتائج التي حققتها جماعة الإخوان المسلمين، وذلك للعديد من الأسباب، أبرزها عدد نواب الجماعة الذي وصل إلى 88 نائب، رغم كل التدخلات التي مارسها النظام الحاكم. والمتابع للانتخابات في مراحلها الثلاث، يلاحظ أن التدخلات السافرة في المرحلة الثالثة حرمت الجماعة من عشرين مقعدا على الأقل، والتدخلات في المرحلة الأولى والثانية حرمت الجماعة من عشرة مقاعد أو يزيد. معنى هذا إمكانية فوز الجماعة بما يزيد على 110 مقاعد في حالة التدخلات المحدودة، وعلى رقم أكبر من هذا إذا أجريت الانتخابات بنزاهة كاملة. مما يجعلنا نتوقع وصول الجماعة إلى تمثيل كبير ومؤثر، إذا أجريت الانتخابات بنزاهة كاملة وقدمت الجماعة مرشحين لكل المقاعد. ودلالة هذه النتيجة تظهر ميل الناخب المصري للتغيير، كما تظهر بوضوح اختيار الناخبين للتيار الإسلامي ممثلا في جماعة الإخوان المسلمين. وقد كان من اللافت للنظر اختيار الناخبين لمرشحي الجماعة، وليس للمرشح نفسه. فبعض مرشحي الجماعة لم يكن لهم حضور جماهيري قوي في الدوائر التي ترشحوا فيها، وقد اختارهم الناخبون بسبب أنهم مرشحي الجماعة. وهذا الاختيار يمثل في الواقع اختيارا سياسيا، رغم إجراء الانتخابات بالنظام الفردي. وكثيرا ما كان المعلقون يروا أن الانتخابات تجري على أساس فردي وليس أساسا حزبيا سياسيا، ولكن نتائج الانتخابات البرلمانية أوضحت ميل الناخب لاختيار فصيل سياسي محدد، إذا رأى فيه أملا جديدا لإحداث التغيير. والجديد في الأمر، هو غلبة الاختيار على أساس فردي للمرشح عن الحزب الحاكم وعن أحزاب المعارضة، وميل الناخب لاختيار التيار السياسي وليس المرشح الفرد، في حالة مرشحي جماعة الإخوان المسلمين. مما يدل على أن الناخب المصري عندما اختار تيارا سياسيا لم يختار الأحزاب، بل اختار جماعة إسلامية. وكل هذه المؤشرات معا، توضح ما للتيار الإسلامي عموما، وجماعة الإخوان المسلمين خصوصا، من تواجد حقيقي في الشارع المصري، بوصفها تيارا اجتماعيا وسياسيا له رؤية مؤيدة من الجماهير. وتلك الصورة تمثل في الواقع حدثا مهما في تاريخ جماعة الإخوان المسلمين، ولكنها أيضا تمثل حدثا فارقا في تاريخ الحركات الإسلامية عموما، ليس في مصر وحدها، بل في البلاد العربية والإسلامية أيضا. ونظن أن تلك النتيجة لها العديد من السوابق في العديد من البلدان العربية والإسلامية، ومنها الأردن واليمن والكويت وماليزيا، حيث ظهر التيار الإسلامي بوصفه اختيارا سياسيا، وعمل من خلال الأدوات الديمقراطية. وأهمية التجربة المصرية في أنها تحدث في مصر، لما لها من تأثير على مختلف البلدان العربية والإسلامية. وتحدث مع جماعة الإخوان المسلمين في مركزهم الرئيسي في مصر. كما تتميز مصر بما فيها من حركات إسلامية متعددة، غالبا ما تكون اتجاهاتها وموقفها مؤثرة على مختلف الحركات الإسلامية الأخرى. لهذا نتصور أننا بصدد مرحلة جديدة من تاريخ الحركات الإسلامية، تتأسس في مصر، وتتأكد من خلال التجارب الإسلامية في مختلف البلاد العربية والإسلامية. تلك المرحلة تتميز بالتركيز على النضال السياسي، أو الجهاد في المجال السياسي. فقد بات واضحا أن العمل السياسي يمكن أن يكون من أهم أدوات ومناهج التغيير. وهنا يصبح العمل السياسي المباشر، أداة رئيسية تتكامل مع منهج الدعوة، ويتأكد من خلاله منهج الإصلاح، ليصبح المنهج الإصلاحي، منهجا تربويا واجتماعيا ودعويا وسياسيا، في آن واحد. ونتوقع حدوث تغير ملموس في الحركات الإسلامية الفاعلة في مصر، على الأخص الحركة السلفية، والتي باتت متهيئة لدخول مجال العمل السياسي. وقد تمثل ذلك في بعض مشاريع تأسيس الأحزاب السياسية التي قام بها مجموعة محسوبة على التيار السلفي، وعلى الجماعة الإسلامية. والواقع يؤكد أن التيار السلفي بات الأكثر قربا من العمل السياسي الإصلاحي، خاصة بعد تأسيس الحركة السلفية للإصلاح. ولكن تيار الجماعة الإسلامية، بات مهيئا لدخول المجال السياسي أيضا، سواء من خلال تنظيم خاص به، أو من خلال التنظيمات الأخرى، مثل الحركة السلفية أو جماعة الإخوان. والتغير الرئيسي هنا، يظهر في تحول منهج التغيير من ثنائية المنهج الإصلاحي ومنهج استخدام القوة المسلحة، ليصبح منهج التغيير الإصلاحي يمتد لكل المجالات بما فيها المجال السياسي. وهو ما يؤدي بالتالي إلى حصر استخدام القوة في مواجهة العدوان العسكري الخارجي. لهذا نتصور تضاؤل فكرة استخدام القوة في الشأن الداخلي، ليصبح منهج التغيير الداخلي سلميا في الأساس، وتتكامل فيه أدوات الدعوة والتربية مع الأدوات السياسية. وهو ما يؤثر بالضرورة على الحركة السلفية، والتي شهدنا بعدها عن العمل السياسي، في وقت كثر فيه تحول فروع منها للسلفية الجهادية التي تتخذ من استخدام القوة منهجا أساسيا لها. والآن نتوقع أكثر من أي وقت مضى، أن تتحول الحركة السلفية أو أجزاء منها، إلى السلفية الجهادية السياسية. فقد بات العمل السياسي، بأدوات الديمقراطية، وعبر صناديق الاقتراع، نوع من الجهاد السياسي. وإذا كانت جماعة الإخوان المسلمين تتخذ أساسا منهجا سلميا، في التربية والدعوة، فقد أصبحت تركز على العمل السياسي كأداة للتغيير. وبهذا يصبح التحول للعمل السياسي كأداة أساسية لمشروع النهوض والإصلاح الحضاري والديني، السمة الأساسية لتحولات الحركات الإسلامية. وهو ما سيؤدي إلى قدر من التقريب بين هذه الحركات، وسيؤدي أيضا إلى وجود تعدد في التيارات الإسلامية المتنافسة في أي انتخابات برلمانية قادمة. وسيكون أمام الحركات الإسلامية تحدي الجمع بين التعاون في ما بينها، رغم ما سيكون بينها من تنافس.