الصين تدعو لاتخاذ إجراءات ملموسة لدفع حل الدولتين ووقف إطلاق النار بغزة    من هم «بنو معروف» المؤمنون بعودة «الحاكم بأمر الله»؟!    أول رواية كتبها نجيب محفوظ وعمره 16 سنة!    استراتيجية الفوضى المعلوماتية.. مخطط إخواني لضرب استقرار مصر واستهداف مؤسسات الدولة    انتخابات مجلس الشيوخ.. الآليات والضوابط المنظمة لتصويت المصريين فى الخارج    "الزراعة" تنفيذ 286 ندوة إرشادية والتعامل مع 5300 شكوى للمزارعين    وزارة التموين تنتهى من صرف مقررات شهر يوليو 2025 للبقالين    ميناء سفاجا ركيزة أساسية في الممر التجاري الإقليمي الجديد    عبدالغفار التحول الرقمي ركيزة أساسية لتطوير المنظومة الصحية    وزير الإسكان يُصدر قرارًا بإزالة 89 حالة تعد ومخالفة بناء بمدينة الشروق    قبول دفعة جديدة من الأطباء البشريين الحاصلين على الماجستير والدكتوراه للعمل كضباط مكلفين بالقوات المسلحة    تنسيق الجامعات.. تفاصيل الدراسة ببرنامج الهندسة الإنشائية ب"هندسة حلوان"    إدارة الطوارئ في ولاية هاواي الأمريكية: إغلاق جميع المواني التجارية بسبب تسونامي    محمد السادس: مستعدون لحوار صريح ومسؤول مع الجزائر    تحليل جديد: رسوم ترامب الجمركية سترفع نفقات المصانع الأمريكية بنسبة 4.5%    الخارجية الأمريكية: قمنا بتقييم عواقب العقوبات الجديدة ضد روسيا علينا    33 لاعبا فى معسكر منتخب 20 سنة استعدادا لكأس العالم    لم نؤلف اللائحة.. ثروت سويلم يرد على انتقاد عضو الزمالك    إصابة طفل نتيجة هجوم كلب في مدينة الشيخ زايد    انخفاض تدريجي في الحرارة.. والأرصاد تحذر من شبورة ورياح نشطة    جدول امتحانات الشهادة الإعداية 2025 الدور الثاني في محافظة البحيرة    البترول: السيطرة على حريق سفينة حاويات قرب «جنوب شرق الحمد»    التصريح بدفن جثة طفل لقى مصرعه غرقا بإحدى الترع بمركز سوهاج    حفل جماهيري حاشد بالشرقية لدعم مرشح حزب الجبهة بالشرقية    ليلى علوي تعيد ذكريات «حب البنات» بصور نادرة من الكواليس    فقد الوعي بشكل جزئي، آخر تطورات الحالة الصحية للفنان لطفي لبيب    عزاء شقيق المخرج خالد جلال في الحامدية الشاذلية اليوم    وفري في الميزانية، طريقة عمل الآيس كوفي في البيت زي الكافيهات    قافلة طبية توقع الكشف على 1586 مواطنا في "المستعمرة الشرقية" بالدقهلية (صور)    محافظ الدقهلية:1586 مواطن استفادوا من القافلة الطبية المجانية بقرية المستعمرة الشرقية بلقاس    فتح باب التقدم لاختبارات الدبلومات والمعاهد الفنية للقبول بكلية الهندسة    حظك اليوم الأربعاء 30 يوليو وتوقعات الأبراج    فلكيًا.. موعد بداية شهر رمضان 1447-2026    "البترول" تتلقى إخطارًا باندلاع حريق في غرفة ماكينات مركب الحاويات PUMBA    البنك العربى الإفريقى يقود إصدار سندات توريق ب 4.7 مليار جنيه ل«تساهيل»    جدول مباريات بيراميدز في الدوري المصري الممتاز الموسم الجديد 2025-2026    وزير الثقافة: جوائز الدولة هذا العام ضمت نخبة عظيمة.. ونقدم برنامجا متكاملا بمهرجان العلمين    متابعة تطورات حركة جماعة الإخوان الإرهابية مع الإعلامية آلاء شتا.. فيديو    الدقيقة بتفرق في إنقاذ حياة .. أعراض السكتة الدماغية    يسمح ب«تقسيط المصروفات».. حكاية معهد السياحة والفنادق بعد قضية تزوير رمضان صبحي    تنسيق الجامعات 2025 .. تفاصيل برامج كلية التجارة جامعة عين شمس (مصروفات)    منافسة غنائية مثيرة في استاد الإسكندرية بين ريهام عبد الحكيم ونجوم الموسيقى العربية.. صور    الخارجية الباكستانية تعلن عن مساعدات إنسانية طارئة لقطاع غزة    إنجاز غير مسبوق.. إجراء 52 عملية جراحية في يوم واحد بمستشفى نجع حمادي    الجنايني يتحدث عن مفاوضات عبد القادر.. وعرض نيوم "الكوبري" وصدمة الجفالي    مصرع عامل اختل توازنه وسقط من أعلى سطح المنزل في شبين القناطر    عاجل- ترمب: زوجتي ميلانيا شاهدت الصور المروعة من غزة والوضع هناك قاس ويجب إدخال المساعدات    نبيل الكوكي يقيم مأدبة عشاء للاعبى وأفراد بعثة المصرى بمعسكر تونس    عمرو الجناينى: تفاجأت باعتزال شيكابالا.. ولم أتفاوض مع أحمد عبد القادر    عيار 21 الآن يسجل رقمًا جديدًا.. سعر الذهب اليوم الأربعاء 30 يوليو بعد الانخفاض بالصاغة    تنسيق المرحلة الثانية 2025.. موعد الانطلاق والمؤشرات الأولية المتوقعة للقبول    التفاصيل الكاملة لسيدة تدعي أنها "ابنة مبارك" واتهمت مشاهير بجرائم خطيرة    سبب غياب كريم فؤاد عن ودية الأهلي وإنبي وموعد عودته    الجنايني عن شروط عبدالله السعيد للتجديد مع الزمالك: "سيب اللي يفتي يفتي"    هل يُحاسب الطفل على الحسنات والسيئات قبل البلوغ؟.. واعظة تجيب    أمين الفتوى: الشبكة جزء من المهر يرد في هذه الحالة    ما الذي يُفِيدُه حديث النبي: (أفضل الأعمال الصلاة على وقتها)؟.. الإفتاء توضح    أمين الفتوى: مخالفات المرور الجسيمة إثم شرعي وليست مجرد تجاوز قانوني    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



د. گمال حبيب الباحث في شؤون الجماعات الإسلامية : علي رموز العمل الإسلامي تبديد تخوفات الأقباط والليبراليين
رغم ضخامة التجمع خلال الثورة لم يُرفع شعار لأي فصيل إسلامي المادة الثانية في الدستور خط أحمر وتضمن لغير المسلمين التعامل بشرائعهم بعد الثورة
نشر في الأخبار يوم 16 - 04 - 2011

أحدثت ثورة الخامس والعشرين من يناير 1102 تأثيرات عديدة علي المجتمع المصري بكافة فئاته وقطاعاته ومن بينها فصائل الكيان الإسلامي، فما كان محظورا منها بحكم القانون كالإخوان المسلمين أصبح تنظيما مشروعا، وما كان متقوقعا وممنوعا من الممارسة السياسية كجماعتي »الجهاد« و»الجماعة الإسلامية«، خرجت رموزه تعلن عن تأسيس أحزاب سياسية، وما كان مقصوراً نشاطه علي العمل الدعوي والوعظي فقط كالسلفية ترك أئمته خلوة العبادة مفضلين الخروج إلي آفاق السياسة.
مشاعر قلق وتخوفات سادت كثيرا من الدوائر داخل مصر وخارجها علي حد سواء خصوصا بعد بروز ممارسات منسوبة للعديد من فصائل للتيار الإسلامي وتوقعات باحتمال حدوث تحول سياسي في مصر يسوده حكم إسلامي. في ذات الوقت فضل آخرون عدم التعاطي مع تلك التوقعات والتخوفات, منوهين إلي أن مناخ الحرية الذي أوجدته ثورة يناير يبشر ولا ينفر
" الأخبار" .. تطرح التطورات التي باتت عليها الحركة الإسلامية علي بساط النقاش، من كافة الجوانب ومع رموز مختلف الاتجاهات الفكرية، وعلي مرجعية هامة تتيح الفرصة لجميع الآراء والتوجهات دون إقصاء أو تخوين بشرط الالتزام بمرجعيات الدستور والقانون وتقاليد المجتمع وهويته.
" في قراءته للتطورات التي أحدثتها ثورة 25 يناير 2011 في مصر يري الدكتور كمال حبيب الباحث في شؤون الجماعات الإسلامية أن تغييرات إيجابية عدة طرأت علي الحركة الإسلامية بكل فصائلها.. يري إن الثورة خلقت مزاجا عاما دفع بالتيارات الإسلامية إلي إحداث تغييرات جذرية في بنيتها وآليات عملها، فهو يري أن هذا المزاج دفع كل التيارات الإسلامية إلي الخروج من العزلة الاختيارية أو الإجبارية التي عاشت فيها خلال العقود السابقة ، ودفعها أيضا إلي استبدال اللجوء لاستخدام العنف بالنضال السلمي، ويضيف أن هذا المزاج دفع برياح التغيير إلي كافة الكيانات الممثلة للتيار الإسلامي، د. حبيب يؤكد علي الإيجابيات التي استجدت علي كيان الحركة الإسلامية بما رآه خلال تواجده بميدان التحرير طوال أيام الثورة، حيث أثر بعض الشباب المنتسبين للتيار الإسلامي والمشاركين في الثورة مع باقي الشباب من باقي الفصائل، آثروا إلي التراجع بهويتهم الإسلامية إلي خلفية المشهد، ويقول أن أيام التظاهر خلت من أية شعارات لأية جماعة أو كيان إسلامي، بينما الشعار الذي ساد علي ألسنة الجميع كان أرفع رأسك فوق انته مصري ، ويقول أن الثورة أخرجت الإسلاميين من معاييرهم القديمة التي كانت تميزهم، وبات لديهم رؤي جديدة تحترم الآخر حتي لو كان مخالفا للمقاييس التي يعتمدونها تجاه المجتمع.
خلال الحوار طرحنا علي الدكتور حبيب تخوفات كثير من الكيانات السياسية المصرية من ذات المظاهر التي سادت الحركة الإسلامية في أعقاب الثورة، ويراها د.حبيب تمثيل إيجابية، فأبدي تفهما لهذه التخوفات، ولكنه أكد ان الإيجابيات ستتعاظم خلال الفترة المقبلة وستحقق تغييرات كبيرة في مسيرة الحركة الإسلامية سوف يشعر بإيجابياتها المجتمع كله ".
في البداية نشير إلي الدكتور كمال حبيب في كلمات سريعة توضح مدي ارتباطه بالحركة الإسلامية وتبرر مدي إقدامه علي تقديم قراءة للتطورات التي ألمت بها في أعقاب ثورة يناير 2011 فهو صحفي وسياسي أكاديمي متخصص في شؤون الحركات الإسلامية حاصل علي الدكتوراه في العلوم السياسية من كلية الاقتصاد والعلوم السياسية جامعة القاهرة حصل علي درجة الماجستير في العلوم السياسية من كلية الاقتصاد والعلوم السياسية جامعة القاهرة حول "الأقليات والممارسة السياسية في الخبرة الإسلامية - دراسة حالة الدولة العثمانية" ثم الدكتوراه من الكلية ذاتها عن الإسلام والحياة السياسية في تركيا "حزب الرفاه نموذجاً وحاصل علي درجة ليسانس الآداب من كلية الآداب قسم اللغة العربية ، لعب دورا رئيسا في التنسيق بين المجموعات الإسلامية الثلاث التي نفذت عملية اغتيال الرئيس المصري الراحل أنور السادات وحكم عليه بالسجن لمدة 10 سنوات، أفرج عنه عام 1991 فتوجه إلي ممارسة النشاط السياسي عبر الصحافة، واعتقل بعدها عدة مرات أعوام 1993و1994 و1995 وفي عام 1996 أصدرت السلطات الأمنية قراراً بوضعه تحت الإقامة الجبرية لمدة خمس سنوات، يتمتع باحترام بالغ في أوساط الاصوليين والراديكاليين إلا انه يتحفظ علي منهج الإخوان المسلمين، يعد أول من قاد المراجعات داخل الحركة الإسلامية في وقت مبكر من عقد الثمانينات توجها بكتابه الأبرز "الحركة الإسلامية من المواجهة إلي المراجعة" وله اجتهادات عدة بشأن الحركة الإسلامية ودمجها في العمل السياسي..
وفيما يلي نص حوار " الأخبار " مع الدكتور كمال حبيب:
تطور كبير
ثورة الخامس والعشرين أحدثت تطورات عدة في المجتمع المصري، وفي الوقت ذاته أحدثت تأثيرات واسعة في بنيان الكيان الإسلامي بكافة فصائله، فما كان محظورا من هذه الفصائل لم يعد كذلك وما كان كامنا أو متواريا، سواء برغبته أو رغما عنه، خرج معلنا رغبته في الاستحواذ علي مساحة تواجد أكبر.. كل هذه التغييرات قوبلت بمشاعر عدم ارتياح من جانب الكثير من فئات المجتمع.. كيف تقرأ هذا المشهد؟
بعد خبرة ومعايشة للجماعات الإسلامية في مصر لمدة جاوزت 30 عاما ، كمشارك في بعض أنشطتها المجرمة قانونا، وكواحد من الأوائل الذين نقدوا سلوك هذه الجماعات وخصوصا فيما يتعلق باعتمادها مبدأ الخروج علي الحاكم واتخاذ العنف وسيلة للتغيير، وكباحث أستطيع.. بكل هذه الصفات أستطيع أن أرصد ملامح عدة بات الكيان الإسلامي في مصر يتسم بها ضمن المشهد السياسي العام الذي تطور بشكل كبير في أعقاب ثورة الخامس والعشرين من يناير 2011.
ألحظ أن هناك تطورات عدة طرأت علي الحركة الإسلامية من حيث علاقتها بذاتها من ناحية ومن حيث رؤيتها للمجتمع والواقع الجديد الذي باتت تتحرك فيه بالمعني الواسع ( المحلي والإقليمي والدولي) ، بيد ان المزاج العام الآن يتجه بالحركة الإسلامية في مصر من العزلة إلي الاندماج، ومن استخدام القوة إلي النضال السياسي السلمي، ومن التنظيمات السرية إلي الإقدام علي تأسيس أحزاب سياسية علنية لها برامجها المعروفة والمعلنة، وأتت ثورة يناير لتفتح الباب واسعا لاختبار هذا المزاج العام الذي أشرنا إليه من خلال بعض الملامح أراها تتمثل في النقاط التالية :-
شعار واحد
النقطة الأولي.. لا حظنا جميعا خلال الثورة أن " المصرية " كهوية وانتماء كانت هي الوعاء الجامع لكل التيارات الاجتماعية والسياسية المكونة للمجتمع المصري وأقصد بذلك إنه وخلال 18 يوما في ميدان التحرير كان الإسلاميون موجودين بكافة أطيافهم ( إخوان سلفية جهادية )، إضافة إلي بعض دعاة الأزهر الشريف إلي جانب آلاف أخري تمثل باقي فئات المجتمع، ورغم كل هذا التجمع الضخم لم يتم رفع شعار لأي من فصائل الكيان الإسلامي، كما لم يتم رفع شعار إسلامي عام، كان الشعار الذي توحد خلفه المصريون جميعا " أرفع راسك فوق انت مصري " وكان العلم المصري، هو الرمز الذي يربط الجميع تعبيراً عن الانصهار فيما أطلق عليه هوية جديدة لمصر بعد الثورة، وهي الهوية التي تقول إن المصريين جميعا أبناء الجماعة المصرية متساوون في الحقوق والواجبات، ويريدون النهوض بهذا البلد نحو الحرية والعدالة والتقدم.
وأود أن أنوه إلي أنه في هذه الأيام الثمانية عشر يوما لم تتعرض أي كنيسة للخطر أو الاعتداء، والمعلومات تقول وتؤكد أن الإسلاميين والسلفيين، خصوصا في الإسكندرية، قاموا بحماية الكنائس، وكذلك قام المسيحيون بحماية المساجد، ولأول مرة في الميدان نري مسلما ملتحيا وشيخا أزهريا يرتدي العمامة، إلي جوار أشقائهم المسيحيين، غير إن بعض من كانوا معا من الإسلاميين اكتشفوا ذلك الأمر الجامع للجماعة الوطنية لأول مرة في حياتهم.
أما النقطة الثانية التي برزت خلال تفاعلات ثورة 25 يناير كما يراها الدكتور كمال حبيب هي خروج التيارات السلفية للمرة الأولي لرفع مطالب سياسية وتشارك في الثورة ، ويضيف حبيب قائلا : صحيح أن قطاعات من السلفية ذاتها اعتبرت في البداية ذلك الخروج فتنة، بيد أن التيار الرئيسي الأعم داخل السلفية كان يري المشاركة في الثورة ضرورة ، ومن ثم صرنا إزاء خروج قوة كبيرة إلي المسرح السياسي تنتقل من الحالة الرعوية الضيقة إلي الحالة السياسية العامة تناقش قضايا الثورة ومطالبها والخروج علي الحاكم وغيرها من هذه الأشياء.
خلفية المشهد
أما النقطة الثالثة التي رآها كمال حبيب بارزة في أعقاب ثورة 25 يناير فهي أن وجود الإسلاميين في ميدان التحرير كان بمثابة ما أطلق عليه الانسياب اللطيف في الحياة السياسية، بمعني أنهم حرصوا علي أن يكونوا في خلفية المشهد برغبتهم دعما للشباب باعتبارهم كانوا هم صناع الثورة الحقيقيين، وفي ذات الوقت تطمينا للخائفين من الحضور الكثيف للإسلاميين وتأكيدا علي أنهم ليسوا طلاب سلطة، وإنما خدام للمصريين جميعا.
قلت مقاطعا : رأي من هذا.. هل هو رأيك الشخصي كفاعل في الحركة الإسلامية منذ سنوات طويلة.. أم هو الرأي الغالب داخل أوساط الحركة الإسلامية؟
أؤكد أن هذا الرأي هو الغالب داخل كافة أوساط الحركة الإسلامية، بما فيها الإخوان المسلمون، وهذا أمر أؤكده وأقتنع به كشاهد تواجدت بميدان التحرير طوال أيام الثورة الثمانية عشر.
اما النقطة او الملمح الرابع الذي يحدده الدكتور كمال حبيب ضمن أهم الملامح التي ميزت المشهد العام في مصر في أعقاب الثورة فهو كما يقول : إنني كإسلامي كنت بين ملايين البشر من الأطياف المختلفة الموجودة داخل ميدان التحرير.. كان بينهم فتيات متبرجات وسيدات محتشمات ومنقبات، وشباب يرتدي الملابس الغربية أو الأفرنكية وشباب آخر يرتدي الزي الإسلامي، كنت كإسلامي كما أشرت ومعي كثيرون من أبناء الحركة الإسلامية ننظر بكل الاحترام لكل هذا المظاهر ولهذه الفئات المساهمة في صناعة الثورة، ومن هنا أقول أن هذ التطور يؤكد أن هناك معايير جديدة نشأت في كنف الثورة في قلب الميدان، اخرجت الإسلاميين من معاييرهم القديمة التي كانت تميزهم، وبات لديهم رؤي جديدة تحترم الآخر حتي لو كان مخالفا للمقاييس التي يعتمدونها تجاه المجتمع.
نقد داخلي
الملمح الخامس الذي رسخته الثورة كما يري الدكتور كمال حبيب هو إنه أصبحت هناك قناعة تامة لدي كل أجنحة وفصائل التيار الإسلامي، بما فيها الفصائل الجهادية ذاتها، بضرورة لفظ فكرة التنظيمات السرية واللجوء للعنف كأداة للتغيير ودعني أضف إليك بمعلومة ربما تكون جديدة علي الرأي العام، وهي ان الكثير من رموز العمل الإسلامي بدأوا بالفعل في التدارس لإصدار خطاب إسلامي جديد يكون متوافقا مع جميع فئات المصريين باختلاف مشاربهم، ولن يكون خطابا خاصا للكيان الإسلامي فقط.
بمعني أن الباحثين عن فكرة العدل الاجتماعي سيجدون لهذه الفكرة وجودا حاضرا وبوضوح مفصل بين ثنايا الخطاب المنتظر الذي يؤسس لفكرة العدل الاجتماعي والاهتمام بالفقراء والمهمشين، وهي أفكار لم تكن ضمن اهتمام الخطاب الإسلامي في السابق.
كذلك فكرة الحرية بمفهومها الشامل لدي المجتمع، لم تكن موضع اهتمام الحركة الإسلامية في السابق، ولكنها ستكون محل اهتمام كبير في الخطاب المرتقب الذي سيشمل تدعيما لفكرة حرية الإنسان وحقه في الإختيار، والتأكيد علي ضرورة تعدد البدائل المتاحة والمقبولة من جانب الكيان الإسلامي مهما تعددت الخيارات والأفكار والأيديولوجيات.
وعلي سبيل المثال، فإن الحزب الذي أعلنت عن تأسيسه جماعة الإخوان المسلمين اسمه " حزب الحرية والعدالة ".. وهناك أحزاب أخري سيكون أمر الحرية واحترام كرامة الإنسان وحقوقه الاقتصادية والسياسية والثقافية في قلب اهتماماتها.
الجديد أيضا أننا أصبحنا بعد ثورة يناير 2011 أمام مشهد إسلامي جديد يتضمن وللمرة الأولي إقرارا لمبدأ النقد الذاتي للحركة الإسلامية من داخلها، وهو ما حدث ويحدث بالفعل داخل الكثير من الفصائل المكونة للتيار الإسلامي.
استقالة كرم وناجح
ففي الجماعة الإسلامية استقال قبل يومين الشيخان كرم زهدي وناجح إبراهيم مؤسسا الجماعة استجابة لمطلب داخلي بضرورة أن يكون هناك انتخاب حر للقيادات التي تتولي زمام الأمور داخل الجماعة، وكان خطاب استقالتهما معبرا عن وعي عميق بفكرة تداول السلطة، وفتح الباب أمام الأجيال الجديدة لتتولي القيادة، وعلي صعيد جماعة الإخوان المسلمين بات هناك بداخلها رفضا لفكرة التنظيم العام الذي يمسك كل الأمور بيديه.
تقصد مكتب الإرشاد؟
نعم، وهو الذي يسيطر علي كل مقاليد الأمور داخل الجماعة وكان يحدد لاعضاء الجماعة ما يفعلوه وما لا يفعلونه، هذا الرفض يعززه الأن وجود أكثر من مجموعة داخل الإخوان المسلمين، منها ما يرفض فكرة قيام الجماعة بتأسيس حزب سياسي والاقتصار علي بقاء الجماعة كمنظمة دعوية فقط، وهناك من داخل الجماعة من يسعي لتأسيس أحزاب أخري بخلاف الحزب الذي أعلنت الجماعة عن رغبتها في تأسيسه، وهؤلاء يجسدون رفضا قاطعا لما صدر عن قيادة تنظيم الإخوان بعدم جواز الالتحاق بحزب آخر بخلاف حزب الجماعة، كذلك وفي جماعة الإخوان أيضا نجد أن الشباب قاموا بإرادة منفردة بعقد مؤتمر، رغم عدم الحصول علي موافقة من قيادة الجماعة، طالبوا فيه بتوسيع مشاركتهم في الحركة التنظيمية للجماعة وضرورة الخروج بها من ظلمة التنظيمات المعتمة إلي أجواء النور والحرية التي أتت بها ثورة 25 يناير.
غير ملموسة
كل هذه الملامح التي قدمتها انت، كناشط إسلامي، بإعتبارها إيجابيات، لم يشعر بها أحد حتي الآن وما فوجيء به المجتمع كان تصريحات ووصايا صدرت من جانب الإخوان والسلفيين عشية الإستفتاء علي التعديلات الدستورية ولدت قلقا وخوفا كبيرا داخل كيانات متعددة في المجتمع كالأقباط والليبراليين وغيرهم.. بماذا ترد؟
الحادث اننا نعيش مرحلة انتقالية، وهي من أخطر مراحل تحول المجتمعات، فنحن كمصريين ننتقل من نظام شمولي استبدادي إلي نظام جديد يمتلك فيه الناس حرياتهم، ومن ثم قد يساور الناس بعضا من المخاوف، وهو ما حدث بالفعل كما أشرت وأعتقد أن هذا التخوف والقلق مبررا ومفهوما، ولكني أؤكد أن الشعب المصري وصبغته المحافظة تميل بطبعها للاستقرار.
ورغم هذا أقول ان الإسلاميين بحاجة إلي إشاعة خطاب تطميني يولد الثقة فيهم ويقضي علي أية تخوفات منهم، في ذات الوقت أدعو الجميع إلي الانفتاح علي التجربة الجديدة التي نعيشها لأول مرة، تجربة الديمقراطية، وإدراك أننا جميعا في حاجة ماسة إلي تدارس الخط الذي سيسير عليه المجتمع خلال الفترة المقبلة، لا يجب أن يخاف الناس مما يمكن أن يقال باقتراب سيطرة الإسلاميين علي الحكم، مع قناعاتي الذاتية أن الحركات الإسلامية غير مهيأة في هذه المرحلة للحكم، الكيانات الإسلامية لا تعدو الآن أن تكون حركات معارضة لا يزال أمامها شوط كبير وسنوات طويلة كي تكون مهيأة للحكم، وخلال هذه الفترة لابد أن نعطيها الفرصة لكي تبرز قناعاتها الذاتية دون تضخيم أو تخويف، ويتعين علي الإسلاميين والمجتمع في آن واحد بناء خبراتهم، فالتجربة والخطأ هما من سيبلور وجهات النظر في المستقبل لجميع القوي المجتمعية تجاه بعضها البعض، بحيث يمكننا بعد قطع شوط مناسب من الحركة الممارسة الديمقراطية القول لقد تشكلت تيارات سياسية أو دينية وغيرها، وأكرر ثانية مناشدتي للكيان الإسلامي بالحرص علي التمسك بالخطاب التطميني للمجتمع خصوصا في هذه الفترة.
إلي أي جناح في الكيان الإسلامي تناشد.. الإخوان.. أم السلفيين؟
للجميع بمن فيهم الإخوان والسلفيين، لابد عليهم ان يصدروا خطابا جديدا يتواءم مع التغيرات التي احدثتها ثورة يناير.
تطمينات للأقباط
علي ماذا يحتوي هذا الخطاب الذي تقترحه؟
يحتوي تطمينات لشركاء الوطن الأقباط بأن الإسلاميين هم شركاء لهم في الوطن، وأنهم أي الإسلاميين أقرب إليهم من حبل الوريد.. فهم جيرانهم وهم إخوانهم وهم من وصي عليهم الرسول محمد صلي الله عليه وسلم حين قال " واستوصوا بأقباط مصر خيرا "، فمنهم أخوال المسلمين، والتاريخ يثبت أن الحضارة الإسلامية كانت الحاضنة التي نما فيها الوجود القبطي المسيحي، وأحيل هنا فقط إلي كتابات الدكتورة نيللي حنا المتميزة عن صعود واكتمال ملامح الشخصية القبطية في ظل الحضارة الإسلامية في نهايات القرن الثامن عشر وبداية القرن التاسع عشر، وهناك أمثلة كثيرة من كتابات بعض الأقباط تصب في ذات الاتجاه وتؤكد مدي الترابط بين شركاء الوطن في مصر علي مدي مراحل التاريخ.
ولكن.. التصريحات المشار إليها حوت وصايا دينية بضرورة الخروج إلي صناديق الاقتراع للموافقة علي التعديلات للإبقاء علي نص المادة الثانية من الدستور والتي تنص علي أن الشريعة الإسلامية هي المصدر الرئيس للتشريع، رغم أن هذه المادة لم تكن مطروحة علي الاستفتاء أصلا، ورأي كثيرون أن هذا اللبس كان مقصودا من جانب بعض التيارات الإسلامية إستغلالا للدين في تحقيق مكاسب سياسية؟
التطمين وخطاب الثقة الذي أطالب به الإسلاميين لا يعني التفريط في ثوابت الهوية المصرية القائمة علي الهوية العربية والإسلامية، وأحيل هنا إلي ما إنتهي إليه المؤتمر المصري الذي عقد عام 1911 الذي رد علي المؤتمر القبطي الذي عقد وقتها في ذات العام ، كان المشاركون في المؤتمر المصري علمانيين كبارا مثل : احمد لطفي السيد وعبد العزيز فهمي.. وغيرهم.. قالوا أن تعدد الأعراق في أي مجتمع لا يعني تعدد الأديان فيه، ولا تمزيق لهويته، فتعدد الأديان لا يعني سوي الاعتراف بالإسلام كدين للدولة، وقد كان ذلك موجودا في دستور 1923.. رغم أنه دستور علماني، وان المادة الثانية من الدستور خط أحمر لا يجوز المساس به، خصوصا وان هذه المادة تحفظ للمسيحيين حقهم.
كيف؟
تحفظ حقوقهم في التحاكم في الأحوال الشخصية وغيرها من المسائل للقوانين واللوائح المسيحية، وأقول أن فكرة العلمانية او المدنية التي تعني قانونا واحدا يحكم المسلمين والأقباط هذه فكرة يرفضها المسلمون والأقباط علي حد سواء، لأن للمسيحين شريعتهم الخاصة وللمسلمين أيضا شريعتهم الخاصة، وهؤلاء وأولئك لن يقبلوا بقانون مدني بديلا عن شرائعهم، والعرف جار علي أن غير المسلمين لهم محاكمهم الخاصة في الأحوال الشخصية، ولهم نظام خاص في بناء الكنائس والمواريث وغيرها، إلي الحد الذي في بعض الأحيان يلجأون لبعض أحكام الشريعة الإسلامية في بعض الظروف.. حتي البابا شنودة طلب الاحتكام إلي ما تنص عليه الشريعة الإسلامية حينما صدر الحكم في قضية الزواج الثاني للأقباط، البابا طلب الاحتكام للشريعة الإسلامية التي تنص علي ضرورة الاحتكام لما تنص عليه شرائع غير المسلمين في مثل هذه الأمور، ثقة منه أن ذلك الاحتكام للشريعة الإسلامية يمكنه من الامتناع عن إصدار التصريح بالزواج الثاني إلا للمطلق وفق الأسباب التي نصت عليها تعاليم الإنجيل فقط.
وبهذه المناسبة أكرر القول باننا أمام مرحلة جديدة لا نزال نبني فيها خبراتنا السياسية، وبناء هذه الخبرة يقتضي من الجميع القبول بنتائج التصويت التي أسفرت عنها صناديق الاقتراع واحترامها، وعدم وضع شروط مسبقة.
لمن تتوجه بهذه المقولة؟
أوجهها للعلمانيين و للأقباط.. فالديمقراطية معناها ان يتنافس الناس وفق قواعد محددة وبالموافقة علي النتائج أيا كانت، ويجب ألا نخاف من نتائج الديمقراطية أبدا، ولنعلم كذلك أن الديمقراطية كممارسة وأسلوب عمل في المجتمع لا تعني اننا سنمارسها لمرة واحدة فقط، بل هي سلوك دائم ومستمر يتيح للمجتمع تغيير كل ما لا يحقق طموحاته.
تخوفات مشروعة
ولكن لابد أن نضع في الاعتبار أن التخوفات التي تولدت مؤخرا ترجع للممارسات العنفية لبعض هذه الجماعات ( الجهاد والجماعة الإسلامية) في مراحل سابقة، وترجع أيضا لما يتردد حول رغبة جماعة الإخوان في الاستئثار بالجانب الأكبر من مقاعد البرلمان المقبل، وترجع أيضا لإعلان التيار السلفي بعد الثورة خروجه من عباءة السلوك الدعوي إلي ممارسة العمل التنظيمي وهو ما أثار تخوفات من ممارسة بعض فصائل السلفية للعنف كسبيل للتغيير؟
أعتقد أن هذه التخوفات مشروعة وأتفهمها، ولكن أري أن هناك بعض الجهات تضخمها وتسعي إلي تحويلها إلي مشكلة كبري، ولكني أحذر من أن هذا التضخيم يمكن ان يشل قدرة المصريين علي الفعل والحركة، وربما يدخل بنا إلي ما يمكن ان يطلق عليه نفق الثورة المضادة، ولذلك أقول إن كل شيء يجب أن يكون في حدوده، فالإسلاميون يجب أن يتفهموا هذه التخوفات والفريق الآخر يجب أن يتوقف عن التصعيد أو المبالغة في تقدير قدر وقيمة هذه التخوفات.
أما فيما يتعلق بالسلفية، فإني أري أنه يجب أن تظل كما كانت حركة للتربية والوعظ فقط، تسعي إلي إشاعة الأخلاق الإسلامية العامة، والمشاركة في الجدل الثقافي حول المسائل المتعلقة بالقضايا الإسلامية، بمعني آخر أري أنه من المناسب أن تتحول السلفية إلي إحدي جماعات الضغط أو الرقابة المجتمعية علي أداء نظام الحكم تجاه الإسلام، ولا أري أهمية لتحول السلفية إلي ممارسة العمل السياسي أوالمبادرة بتكوين أحزاب سياسية، واختياري لهذا النهج للسلفية كي تسير عليه في هذه المرحلة راجع لإنها تكتسبت خبرة كبيرة في المجال الدعوي الوعظي خلال الفترة الماضية، وتستطيع أن تؤدي دورا مهما في هذا المجال.
أما الجماعات الجهادية ( الجماعة الإسلامية والجهاد )، فالأوفق لهم الإقدام علي تأسيس أحزاب سياسية ، وذلك لإن هذا السلوك قريب من تجربتهم وإن كانوا سيواجهون بمشكلة في التحول من العمل التنظيمي إلي العمل السياسي، ولكني في ذات الوقت أعتقد إنهم قادرون علي تجاوز هذه الإشكالية، وأعتقد أن الفترة الحالية تشهد حوارات داخل كيانات هذه الجماعات لتدارس الأمر.
المدني والديني
تأسيس أحزاب علي مرجعية دينية معضلة أخري ربما تسبب مزيدا من القلق والخوف بداخل الكثير من الكيانات السياسية، خصوصا مع التوجه الجديد هذه المرحلة بتيسير تشكيل الأحزاب السياسية؟
أول شيء يمكن قوله في هذا الأمر أن القانون الذي صدر عن المجلس العسكري يمنع تأسيس أحزاب سياسية علي مرجعية دينية، والأحزاب المفترضة سياسية ولكن علي مرجعية إسلامية، وهناك فرق بين هذه وتلك.
هذه هي القضية والجدل الدائر حول تفسيرها هو ما يسبب القلق؟
دعنا نتفق علي ان الثقافات الموجودة الآن تطرح ثنائية بين المدني والديني، رغم أن العالم الآن يرفض الثنائيات، بمعني أن المدني يمكن أن يتضمن ما هو ديني وأن الديني يمكن ان يتضمن ما هو مدني، وبالتالي هذه هي الثنائية التي يجري حولها النقاش تكون خاطئة، ونسوق في هذا السبيل اجتهادات لمفكرين غربيين يؤكدون فيها علي أن جذور الحريات في الغرب أساسها ديني ، حتي وجود الإنسان نفسه به جزء مدني وآخر ديني، فمعتقده ديني وفعله مدني في القضاء أو السياسة وغيرهما، وهناك مدرستان في هذا الصدد، واحدة منها تفترض تأسيس الأحزاب علي أسس مدنية لا دينية، ومدرسة أخري تتطلب وجود المرجعية الدينية.
ما المانع أن نطرح أطروحة سياسية لها مرجعية إسلامية حضارية، بمعني أن أؤسس حزبا سياسيا موافقا للدستور ويكون له برنامج سياسي.
ولكن في هذه المرحلة هناك من الكيانات الدينية جماعة الإخوان المسلمين أعلنت عن تأسيس حزب سياسي، مع إستمرارها كجماعة دعوية، من يضمن عدم الخلط بين السياسة العلنية والعمل التنظيمي السري الذي احترفت الجماعة ممارسته لسنوات طويلة.. إنني أنقل لك ما يدور في أوساط السياسة؟
هذه إشكالية فعلا، ويجب علي جماعة الإخوان المسلمين ألا تخلط بين ما هو وعظي أو دعوي وما هو سياسي، يجب علي الجماعة أيضا إذا ما رغبت في تبديد المخاوف المثارة حولها أن تبتعد بقيادتها عن الحزب المزمع تأسيسه وألا يحدد برنامجه وأسلوب عمله مكتب الإرشاد بالجماعة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.