كانت تصرفاته في هذا اليوم غريبة. لم يخرج إلي المقهي وظل في منزله بدرعا السوريةينتقل من غرفة إلي غرفة يخبط الجدران بقبضة يده في انفعال واضح وعندما حاولت زوجته ان تهديء من انفعاله لتفهم ما سبب غضبه المفاجيء هذا رمقها بنظرةحادة جعلتها تعود إلي المطبخ وتكمل أعمالها فيه بينما اتخذ هو مجلساً له في زاوية الصالة واستمر يدخن بعصبية بالغة ونظراته مسلطة علي طفله "عامر" جيئة وذهاباً. في المساء كان "محمود" قد هدأ قليلاً وبدا وكأنه وجد حلا لمشلكة كانت تؤرقه وتشغل باله ولكن قسمات وجهه الصارمة لم تخف أبداً ان أمراً يقلقه وحاول ان يتصنع وهو يتقرب من زوجته ويحاول استرضاءها. قال لها فجأة ما رأيك لو ذهبنا لزيارة قريبتنا "سعاد" وزوجها. قالت له إذا كان ذلك سيخرجك من حالتك هذه فأنا موافقة. خرج الزوجان من البيت بعد ان تأكد "محمود" من احكام غلقه بالمفتاح وابتعد وزوجته بينما صراخ ابنه "عامر" يرن في اذنيه الذي اعتاد تركه في البيت وحيداً رغم انه لم يتجاوز الرابعة من عمره رغم انه يتيم و"نجاح" لم تكن أمه فلم تكن تستطيع التدخل لصالحه عند ابيه فهو ابن محمود من زوجته الأولي ولم يكن يسمح لأحد بالتدخل في تربيته وكان قاسياً بدرجة ملحوظة عن طفله البريء. بعد ان وصلا إلي محطة الاتوبيس غير "محمود" رأيه وطلب من زوجته ان يتجها إلي دمشق لزيارةقريب له يسكن هناك وإذا كانت ترغب فيمكنها مصاحبته إلي هناك وبالفعل وافقت "نجاح" وقبل ان تتحرك من مكانها طلب منها انتظاره حتي يحضر بطاقة هويته من البيت قبل ان يتحركا وبالفعل عاد "محمود" إلي البيت بينما بقيت الزوجة مندهشة من تصرفات زوجها وأخذت ترتاب في تصرفاته الغريبة. غاب الزوج طويلاً وزاد قلق الزوجة "نجاح" علي زوجها وكادت تعود إلي البيت لمعرفة سر تأخره ولكنه ظهر في اللحظة التي كانت قد قررت ان تتحرك في اتجاه البيت حيث أوقف سيارة أجرة وجلس بجوار السائق والارتباك بان عليه وكلما حاولت "نجاح" ان تسأله كان يشيح بنظره عنها حتي لا تفضحه وتفضح ارتباكه. قضي "محمود" وزوجته في دمشق يوماً كاملاً ثم اقترح عليها زيارة أهلها في منطقة مصياف وهو ما اسعدها بشدة حيث وافقت دون تردد وهناك تركها عند اهلها بعد ان أمضي الليل عندهم وفي الصباح غادر وحيداً عائدا إلي منزله وتركها لتمضي اسبوعاً عند أهلها ولكن الأيام السبع مضت بسرعة من فرحة نجاح باقامتها مع اسرتها وعندما عادت لبيتها وجدت زوجها ممتقعاً اصفر الوجه واشعث الرأي والذقن وكأنه لم ينم منذ ان تركها قبل أسبوع سألته ما به فقال في أسي الولد مات!! كيف.. يبدو ان مرضا ألم به فمات ودفنته ورغم روايته هذه الا ان زوجته لم تكن مقتنعة بكلامه وروايته التي اختلفت باختلاف المستمع لها من جيرانه ولكن امرأة وحيدة في درعا كلها خرجت حافية من بيتها صارخة باسم "عامر" كانت هذه أمه التي لم تصدق أنه مات استطاع شقيق هند اعادتها بصعوبة لبيتها ولكنها كانت تهذي وتتمتم بكلمات غير مفهومة وتنتابها حالات عصبية وتنادي علي اسم ابنها بين وقت وآخر. بعد ان هدأت "هند" توجهت مع شقيقها إلي بيت طليقها وما انها رأته حتي نشبت أظافرها في رقبته الا ان شقيقها تدخل وظل يحاور طليقها بالاسئلة ويضغط عليه حتي اعترف بمكان دفن الطفل. حاولت الأم عندما وصلت إلي مكان مقبرة الطفل في العباسيين ان تنبش قبر ابنها لكي تراه واخذت تقنع أخاها ان ابنها مات نتيجة مؤامرة دبرتها زوجة طليقها نجاح وأن وراء مقتل أو موت ابنها. تقدم راشد وشقيقته هند ببلاغ للمباحث في دمشق اتهما فيه زوجة الأب بقتل الطفل واستدعت الشرطة "محمود" ولكن روايته لم تكن مقنعة للشرطة وقررت تشريح الجثة لمعرفة سبب وفاة الطفل. كانت المفاجأة رهيبة حيث كانت جثة الطفل قد بدأت الاصفرار ولاحظت الام ان ابنها دفن دون كفن وكانت ملابسه ممزقة. كادت "هند" تصاب بالجنون وهي تري جثة طفلها علي هذه الحالة انطلق مفتش المباحث لتفتيش بيت "محمود" للوقوف علي ما حدث وجمع الأدلة وبعد عدة دقائق كان المفتش قد عثر علي حقيبة سفر كبيرة بداخلها بطانية صوف عليها بقع دماء جافة. تقرير المعمل الجنائي اكد ان الطفل مات مختنقاً وان الدم خرج من الطفل فعلا لكن بعد ان انفجرت خلاياه اثناء اختناقه كما تأكد مفتش المباحث من ان الزوجة "نجاح" كانت تقيم لدي اسرتها لمدة أسبوع كامل وخلال التوقيت الذي وقع فيه الحادث. الأمل الوحيد لدي المحقق كان في العثور علي بصمات لأي من الزوجين وهو ما حدث فعلا عندما رفع المحقق الجنائي البصمات عن الحقيبة واللحاف. رغم انكار "محمود" الا انه لم يجد مفراً من الاعتراف في النهاية حيث انه هو الذي دفن ابنه. بدأ "محمود" الاعتراف للمحقق بدءاً من خداعه لزوجته وتركها في موقف السيارات وحتي اقامتها في بيت أهلها لمدة أسبوع وعندما عاد إلي البيت ظل يضرب الطفل حتي تفجرت الدماء من جسده واعتقد انه مات وبعدها لف جثة الطفل باللحاف ووضع الجثة في الحقيبة وعاد لزوجته حيث أمضي الليل في بيت أهلها. توقف "محمود" برهة عن الكلام وبدأ يرتجف خوفاً وكأنه أدرك في تلك الساعة وحشية الجرم الذي ارتكبه في حق طفله ثم عاود الكلام بصوت مرتعش وعصبية واضحة ثم انهي اعترافه بأنه عندما عاد وجد طفله ميتاً فقام بنقله إلي المقبرة ودفنه بملابسه. سأله المحقق ومن بعده القاضي.. لماذا قتلت طفلك وهو لم يزل في الرابعة من عمره الا ان "محمود" لم يجب علي هذا السؤال حتي اللحظة وحتي بعد ان خرج من السجن الذي قضي فيه عشر سنوات سجيناً بتهمة قتل طفله.