تعيش الساحة الغنائية والموسيقية هذه الايام حالة من الانتعاش بسبب ليالي مهرجان الموسيقي العربية العشرين والتي أنارت معظم مسارح دار الاوبرا واقبلت الجماهير لتستمتع بالليالي الفنية وبنجومهم المحببين.. ومهرجان الموسيقي العربية بدأ عام 1992 بدعوة من د. رتيبة الحفني وتحت رعاية د. ناصر الانصاري رحمه الله وكان الهدف منه الاحتفال بمرور 25عاما علي انشاء فرقة الموسيقي العربية التي اسسها الراحل عبدالحليم نويرة والتي تعد الفرقة الام التي ظهر علي غرارها كثير من الفرق في مصر والبلاد العربية أو التي تقدم تراث بلدها ليتعرف عليه الجمهور في مصر- أما المؤتمر المواكب للمهرجان فكان إحياء لفكرة مؤتمر الموسيقي العربية الذي أقيم عام 1932 في معهد فؤاد الاول وشهده كثير من الموسيقيين العالميين أمثال بيلا بارتوك وكان المشرف عليه د. الحفني والد د. رتيبة.. ثم لنجاح ليالي المهرجان والتي لاقي إقبالاً كبيراً في وقتها تقرر أن يقام سنوياً بهدف ان يكون حافزاً لنمو هذه الفرق وأيضا لتطور الموسيقي والغناء.. ولان المهرجان نجح في تقديم بعض النجوم العرب للساحة الفنية امثال لطفي بوشناق وأصالة وصابر الرباعي وصفوان بهلوان وفؤاد زبادي وغيرهم إلا انه اتجه تدريجياً إلي الغناء الفردي واقتصر تمثيل البلدان علي نجم تم التعاقد معه بشكل فردي واختفت الفرق الموسيقية التي كثير منها استمتعنا بفنونه في السنوات الاولي للمهرجان ليتحول إلي ليالي للنجوم وبالعكس الفرق التي يميزها الغناء الجماعي ذات التوزيع الجيد تحولت إلي مجرد فرق مصاحبة للمطرب بديلاً للفرقة الماسية والذهبية التي كانت في الماضي تحول الكورال إلي مجرد كورس سنيد ونما وترعرع غناء المقلدين للرواد واختفي التجديد والابتكار بدلاً من تقديم اعمال جديدة تستلهم روح التراث وتجعله جذورا تنبع منه الفروع الباسقة واصبح هناك دوران في فلك المطربين السابقين. ولأن بعض نجومنا لايشاهدون حفلات فرق الموسيقي العربية نجدهم يقدمون أغاني من الرصيد الفني لهذه الفرق ونجد إنه احياناً بناء هذه الفرق يتفوقون عليهم في أدائها. وعذراً أيها القارئ لهذه المقدمة الطويلة لأن عشرين عاماً زمن طويل وهناك جيل من الشباب لا يعرف شيئاً من أصل هذه الاحتفالية وفي السطور القادمة سوف تقوم بجولة في بعض الحفلات التي أتيح لنا مشاهدتها. بداية ثورية بداية المهرجان جاء وطنية تواكب احداث الربيع العربي التي تعيشه أمتنا وهذا كان تفكيراً صائباً فكان اليوم الاول عبارة عن مجموعة من الاغاني الوطنية من سوريا وتونس واليمن وليبيا ربط بينهم شاعر الثورة جمال بخيت التي يعد أهم اضافات هذه الليلة الافتتاحية. الليلة الثانية كان نجمها مدحت صالح وسبقته النجمة الشابة ريهام عبدالحكيم التي شاركت ايضاً الحلو في إحدي فقرات في حفلته بالليلة الثالثة والحفلة جاءت عادية يؤدون فيها بعض اغانيهم الخاصة مع اغاني للرواد.. مدحت صالح قدم اغنية محمد رشدي وألحان بليغ حمدي "طاير ياهوا" واختتم حفلته بفقرة جديدة قدم فيها مقتطفات من أغاني من بلاد الربيع العربي بلهجتها ونجح فيها وأكد انه من أكثر الفنانين علي الساحة لديه تميز في الاداء وقدرة في تطويع صوته ويحسب له أيضاً في هذا الحفل استغلال الكورال في معظم فقراته كما ان لديه ذكاء في التعامل مع الجمهور ولكن من أهم ميزاته مشاركة عمروسليم علي آلة البيانو التي تعطي ثراءً كبيراً لنغمات الحفل وموسيقاه كما انه يربط بين الفقرات ويقدم أعمالاً موسيقية علي البيانو تعطي الحفل تنوعاً تفتقده الحفلات الاخري.. وبالنسبة لريهام كانت أهم فقرة أدائها للأغنية "فيها حاجة حلوة" التي غنتها في فيلم "عسل أسود" والتي لأول مرة يتم أداؤها علي المسرح. فرقة أم كلثوم أما اليوم التالي فالجديد فيه ان فرقة ام كلثوم عادت للحياة بعد طول غياب علي يد المايسترو د. عماد عاشور ربما لم تعد في شكلها التقليدي من حيث الفرقة الموسيقية التي استغنت عن آلة العود واستبدلتها بآلة البزق بدون مبرر بالاضافة لكثرة الآلات الوترية الغليظة وعدداً محدد من الكمان واثنين قانون عموما التركيبة جاءت مختلفة بدون تفسير علمي.. أما الجميل في هذه الفرقة فكان الكورال الذي جاء علي أحسن حال وقدم لنا بعض أعمال التراث ومن أهمها أغنية "يمامة حلوة" التي وزعها حسين جنيد مؤسس هذه الفرقة والقائد السابق لها كما قدم مجموعة من الأصوات الفردية المتمكنة أما محمد الحلو الذي صاحبته هذه الفرقة لم يقدم جديدا بل كان يبدو وكأنه لم يأخذ حقه في البروفات وكعادته معظم الأغاني لا يحفظها ويقرأ من الورق الذي أمامه ولكن هذا لا يمنع ان الجماهير تعشقه وتطلب منه أعماله الشهيرة مثل أهيم شوقا ومقدمات الأغاني ويحسب له في هذا الحفل تقديمه لأغنية عن خالد سعيد امست أوتار قلوبنا وتعاطف معها الجمهور. قيثارة أما الفرقة التي أري ان نتوقف عندها وتمثل أهم إضافة في هذا المهرجان بل حققت كل أهدافه التي كنا نتمناها له فرقة "قيثارة" التي قدمت حفلها علي مسرح معهد الموسيقي العربية برمسيس ولم تحظ باهتمام من قبل إدارة المهرجان ولا التليفزيون الذي للأسف لم يسجل هذه الحفلة التي تعلي من شأن هذا المهرجان وإذا كان هناك مسابقة للفرق لكانت فازت بلا منازع والأصوات التي غنت فيها أدت أعمالاً اتحدي ان يؤديها نجومنا الكبار والتي تفرد لهم الساحة وتلهث وراءهم كاميرات الفضائيات. الفرقة أسسها د.الفريد جميل عازف الكمان وأستاذ التأليف بالمعهد العالي للموسيقي العربية بأكاديمية الفنون وهي تحافظ تماما علي الشكل الأكاديمي وتقدم لنا أعمالاً من التراث نستمع إليها لأول مرة أي تكتشف الأعمال التي معظمها يمثل صعوبة كبيرة في الأداء ويحتاج أصوات ذات مواصفات خاصة كما انها أيضا تقدم مؤلفات جديدة مستلهمة من التراث وفي إطاره وكل هذا من خلال فلسفة وتبرير علمي يقوم المايسترو الفريد بشرحه للجمهور بشكل مبسط..أيضا أري ان هناك حرصاً كبيراً علي إحياء شكل التخت التقليدي الذي يتكون من عازف واحد لكل آلة فكان العازف كريم سامي لآلة العود ومصطفي عبدالخالق علي القانون وليث سليمان "ناي" ووائل الفشني "إيقاع" وأحمد أمين "كونترباص" بالإضافة الأكورديون والبيانو ومعه خمسة مطربين أما هو يقود ويعزف علي آلة الكمان ورغم قلة عدد الفرقة إلا انهم جميعا علي درجة عالية من المهارة .. البرنامج تكون من 18 فقرة حقق من خلالها موازنة ومعادلة صعبة حيث قدم أعمالا كما سبق ان ذكرت تمثل اكتشاف وقدمها بترتيب وبأسلوب يجذب الجماهير ولا يبعث علي الملل فكانت البداية مع مارش باسم معهد الموسيقي الشرقي بمناسبة إقامة الحفل علي مسرح هذا المعهد والعمل من تأليف عازف الكمان جميل عويس من مقام نهاوند وعزف في هذا المكان في عشرينيات القرن الماضي ثم قدم طقطوقة من أوبريت "رن" بعنوان "ماقلتلكش" وهو عمل من أعمال سيد درويش الذي كان يغنيها بنفسه وكما كانت البداية مع المجموعة فكان الختام أيضا معها حيث شدت بلحن لسيد درويش أبدعه أيام ثورة 1919 بعنوان "يا مصر يحميكي لأهلك" والتي جاءت تتوافق مع الحالة الثورية التي نعيشها هذه الأيام وبين البداية والختام جاءت روائع هذه الفرقة وتجاربها المثيرة فكان هناك أغاني فردية فأدي وليد حيدر أغنية "انت وعزولي" لمحمد عبدالوهاب وفيها تنوع في الإيقاع واعتماد علي آلة البيانو التي عزفت عليها بمهارة سارة موسي وشدت زينب بركات بلحن "دور يا موتور" من ألحان حسين جنيد ثم كان مونولوج "طالت ليالي البعاد" من كلمات أحمد رامي وألحان القصبجي من مقام كرد من الأغاني القديمة لكوكب الشرق ويمثل تحديا في الأداء لصعوبته وأداه محمد علي بصوته القوي المتمكن الذي يتنقل به بين الجواب والقرار برشاقة وقد غني أيضا أغنية عبدالوهاب "قابلته وياريت ما قابلته" والتي جاءت علي صيغة التانجو وكان تنفيذها الموسيقي صعبا حيث ان عبدالوهاب نفذها بأوركسترا كامل ولكن هنا استعانت الفرقة بالبيانو وآلة الاكورديون التي عزف عليها أشرف الأبيض وجاء بشكل بديع ومقنع.. أيضا أدي أحمد محسن أغنية عبدالوهاب "الليل لما خلي" التي كان غناها لأول مرة في هذا المسرح أمام الملك فؤاد.. وغني محسن أيضا أغنية "قلبي بيقولك" والعملان من إبداعات عبدالوهاب التي تتطلب مقدرة صوتية كبيرة وأداء أمينا ودقيقا للحن الذي نجح فيه هذا الشاب والذي يعد حاليا من الأصوات المهمة علي الساحة التي تؤدي التراث بتفوق فهو نجم فرقة "التراث".. من التجارب المهمة أيضا والتي تم تقديمها في إطار الأغنية الفردية غناء ولاء حسين لأغنية محمد عبدالمطلب "بياع الهوي" لحن محمود الشريف بأسلوب أنثوي رقيق ونجحت في التجربة كما غنت زينب بركات "حيران في دنيا الخيال" أما باقي البرنامج فكان مختارات من المسرح الغنائي فقدم أغاني فردية وثنائية وثلاثية وأداها المطربون بروح تمثيلية وفكاهية عالية مثل لحن "ياهزهتي" من أوبريت "ياسمينة" لحن زكريا أحمد ومونولوج التحفجية من مسرحية "ان" وأبطال الغرام من فيلم "الآنسة ماما" لحن محمد فوزي. تجارب موسيقية أما التجارب الموسيقية فقدم لنا الفريد 3 تجارب من تأليفه منها لونجا نهاوند للموسيقار التركي جميل الطنبوري ادخل عليها بعض التعديلات وقدمها بتوزيع ورؤية جديدة.. أيضا قدم لنا رؤية رياض السنباطي بطريقة جديدة ثم عزف علي آلة العود مع العازف كريم سامي بأسلوب 4 أيادي علي آلة واحدة.. المهم ان كل هذه التجارب لاقت قبولا لدي الجماهير التي أصرت في ختام الحفل ان يغنوا مع الفرقة النشيد الوطني "بلادي.. بلادي"