فرق الموسيقي العربية من أكثر الفرق التي استطاعت أن تعبر عن روح الثورة وتجاوبت مع مشاعر الجماهير وساعدها علي ذلك الموروث الغنائي الكبير الذي لدينا من أغان وطنية وأناشيد حماسية وكان هذا بدون شك وراء افتتاحها لنشاط دار الأوبرا حيث كانت أول الفرق التي استأنفت عروضها بعد أن أغلقت الدار أبوابها حوالي ستة أسابيع وهذا ينطبق علي الفرق الرسمية والخاصة التي تقدم هذا النوع من الغناء العربي التقليدي. من أوائل هذه الفرق كانت فرقة عبدالحليم نويرة بقيادة المايسترو صلاح غباشي والذي قدم حتي الآن حفلين علي المسرح الكبير شهدا إقبالا جماهيريا كبيرا رغم الاعلان عن أن البرنامج أغان وطنية مما يؤكد أن حالة التطبع الثورية مازالت تتغلغل في النفوس وتسيطر علي المشاعر خاصة أننا مازلنا لم نفرغ من تحقيق كل مطالب الثورة. المايسترو غباشي كان موفقا في أن يقدم لنا مجموعة من الأغاني الوطنية المحببة إلي النفوس بالإضافة إلي نجاحه في استثمار رصيده الفني الكبير من الغناء الوطني وتوظيفه بشكل جيد للعناصر الفنية التي لديه من كورال رجالي ونسائي ومن فرقة موسيقية تضم خيرة العازفين في مصر بالإضافة إلي الأصوات الفردية المدوية فمثلا لحن سيد درويش "انا المصري" الذي يؤديه نجم الفرقة سعيد عثمان بأداء متميز جعل الصالة تلتهب بالحماس وتصفق له بحرارة كما أدت سماح عباس اغنية "ياحبيبتي يامصر" ألحان بليغ حمدي ومن الأغاني الجماعية قدم اغنية "تعيشي يا بلدي" من ألحان إبراهيم رجب كما قدم أيضًا نشيد "اسلمي يامصر" وعاد في هذه الحفلات للأغاني الثنائية فأدي وليد حيدر وهاني عامر لحن جمال سلامة الشهير بلدي يابلدي كما ادي خمسة من نجوم الفرقة لحن عبدالوهاب "صوت الجماهير". جرأة المايسترو غباشي جاء جريئا في أن أول فرقة أخذت زمام المبادرة في استئناف ولكن الحفلات شابها بعد السلبيات منها الاعتماد الكبير علي الغناء والفردي رغم ان هناك علي الساحة الآن الكثير من الفرق الخاصة التي لا تسمح امكانياتها بالغناء الجماعي كما ان في الحفل الأول حدث تغيير في الفقرات وتبادل في المؤديين دون اي تنويه للمتفرج علي الإطلاق وأيضًا دار الأوبرا لم تسع لإخراج الحفل من الناحية المسرحية بشكل يضفي عليه جو الثورة رغم وجود المخرجة المتميزة جيهان مرسي والتي تخصصت هذا النوع من الحفلات وكان هذا عكس الفرقة الخاصة التي سوف نتناولها في السطور القادمة وهي فرقة "الاحلام" التي وضعت العلم المصري علي المسرح المكشوف الذي أدت عليه فقراتها ولم تكتف بذلك بل ارتدت نجمة الفرقة "أحلام أحمد" فستانا علي هيئة علم مصر بألوانه الثلاثة "الأحمر والأبيض والأسود" فاستطاعت أن تجعل العين تتحد مع الأذن في المشاعر الثورية. برنامج متميز عرض الفرقة من أهم العروض التي قدمت في هذه الفترة حيث انه رغم الامكانيات المحدودة للفرق الخاصة إلا أن نجمة الفرقة ومؤسستها استطاعت ان تقدم برنامجًا متميزًا وحفلاً هادفًا بكل ما تحمل هذه الكلمة من معني وتفوقت علي القادة المتخصصين.. بالرغم من أن البرنامج تنوع بين الوطني والعاطفي.. خصصت احلام مجموعة من أميز الأصوات. واسندت إليها ما يناسبها تماما فكان احمد محسن مفاجأة في أدائه لأغنية وديع الصافي الشهيرة "عظيمة يامصر" وأغنية عبدالوهاب "طول ماانت معايا".. هذا الشاب الذي لم نشاهده من قبل إلا في إداء قالب "الدور" الصعب ولأول مرة نشاهده يؤدي هذه الأغاني كما قدم أحمد جمال أغنية "امتي الزمان" وهي من رصيده الفني وسبق أن شاهدناه يؤديها ولكن الجديد انه قدم لنا اغنية محمد قنديل "ياحلو صبح ياحلو طل" والتي تفوق فيها رغم اننا نستمع إليها لأول مرة- المفاجأة الثانية كان المطرب محمد بدر الذي أدي لحن محمود الشريف "عيني بترف ياحبه عيني" وأعاد لنا حلاوة صوت كارم محمود المؤدي الأصلي لهذه الأغنية ولكن بدون تقليد وبحضور جميل علي المسرح أما ياسر سليمان أحد النجوم المميزين في فرقة "التراث" وعلي الساحة الموسيقية عامة حيث يشارك بالغناء في عدد كبير من الفرق الخاصة.. وقد اشتهر بأغاني محمد عبدالمطلب فهو شاب يمتلك صوتا ذا مساحة واسعة وعنده قدرة كبيرة علي الحفظ وعلي الأداء المتقن الذي يحافظ علي تفاصيل اللحن ويؤديها بأمانة ووثيقة واستمعنا منه إلي أغنية طلب ألحان كمال الطويل "الناس المغرمين" ثم فوجئنا لأول مرة يؤدي أغنية محمد رشدي "ميتا اشوفك" لنجده خرج من ثوب طلب لرشدي بجمال وبساطة وبدون تكلف ثم يختتم فقرته بموالي "ياللي نويت الغرام خليك عنه" وياسر ويعد من العملة النادرة علي الساحة حاليًا التي تؤدي "الموال المصري" باتقان وبقدرة فائقة علي التنقل السلسي بين المقامات الموسيقية مع جمال الصوت وحلاوته. العلم المصري أما نجمة الفرقة "أحلام أحمد" فهي من أقطاب فرق الموسيقي العربية بشكل عام وأول من ابتدعت تكوين الفرق الخاصة حيث اسست فرقتها منذ أوائل التسعينيات لتقدم من خلالها فكرها في اختيارات جيدة للتراث واتاحة الفرقة لأصوات متميزة بالإضافة لتقديم نفسها في أغان متنوعة في الألحان واسلوب الأداء من خلال حفظ جيد وواع للكلمات والألحان واعتقد ان هذه الموهبة ساعدت علي اصقالها ونضجها احتكاكها بالموسيقار عبدالحليم نويرة حيث تتلمذت علي يده عقب تخرجها مباشر في المعهد العالي للموسيقي العربية واصبحت من نجوم فرقته ثم انتقلت بعد ذلك إلي فرقة "التراث" في حركة التمرد التي قامت بها مع عدد من اعضاء الفرقة ضد ابتعاد الفرقة الأصيلة عن هدفها الرئيسي في أحياء التراث والحفاظ عليه. أحلام تعد مايسترو هذا الحفل حيث قامت باختيار الاغاني والاصوات ولكن في هذه الحفلات تتحمل هي عبء البرنامج. أدت أحلام في الحفل 9 اغاني تنوعت بين النشيد والقصيدة والأغنية الخفيفة والأغاني الطويلة والصعبة لم تكتف بذلك بل نقبت عن التراث لتقدم لنا نشيد الحرية ألحان محمد عبدالوهاب والذي يعد من الألحان النادرة تماما رغم ان مقدمته الموسيقية هي اللحن المميز لنشرة اخبار البرنامج العام. هذا النشيد كان الختام بين اما البداية فكانت مع قصيدة رياض السنباطي "مصر تتحدث عن نفسها" وبين البداية والختام امتحتنا أحلام باغاني "ياحبيبتي يامصر" لبليغ حمدي و"لعبة الأيام" للسنباطي و"ياساعة بالوقت اجري" لفريد الأطرش وذاكراك ومش هاانساك لأحمد صدقي ثم انتقلت الي اغاني فيروز ألحان الأخوين رحباني والتي اشتهرت وتعد من أهم الأصوات التي تؤدي هذه الألحان منها "حبيتك بالصيف" و"نسم علينا الهوي" و"سألتك حبيبي" و"اعطني الناي و"سهر الليالي" صوت جميل في كل الطبقات ينتقل بين النغمة العالية "الجواب" وبين النغمة المنخفضة "القرار" ببساطة ومقدرة جمعت بين الموهبة والتدريب الجيد. ولا يفوتنا أن نذكر أن المصاحبة الموسيقية ساعدت علي الاستمتاع بأداء متميز هذا رغم ان الفرقة الموسيقية ليس بها الآلات الشرقية القانون والعود ولم تكن هناك إلا آلتان للكمان وآلة ناي وأخري كونترباص ورق وطبلة.. أما قائد الحفل الذي قام بالتعويض عن الفرقة الموسيقية المتكاملة كان عازف الأورج "مصطفي سند" الذي هو أيضًا نجم وقائد معظم الفرق الخاص وهنا تجلي ذكاءه في اختياره لنجوم العزف علي الساحة صلاح كامل "ناي" وأمين الفرماوي وجمال فودة "إيقاع" وأيمن محيي الدين "كونترباص" وعبدالرحمن العربي وسامي حسن "كمان". ومصطفي سند كان موفقا في تقديم فرقته قليلة العدد ثرية النغمات في بداية الحفل بمقطوعة موسيقية ابرزت امكانية كل العازفين علي حدة بالإضافة لأدائه المتميز علي آلة الأورج الذي ادي به نغمات بقية الآلات التي لم تتوفر علي المسرح.