هل يأتي اليوم الذي لا نجد فيه مياه صنبور؟ هذا السؤال قد نجد إجابة له في مقال كتبه سكوت مور ونشره موقع مجلة فورين أفيرز الأمريكية حيث يقول إن العالم يواجه أزمة مياه بالفعل ولكنها ليست بالصورة التي يتخيلها الناس. ومعظم مشكلات المياه يمكن حلها متي توفر المال والإرادة فالتحدي الحقيقي ليس في النواحي التكنولوجية ولا في شح المياه وإنما يكمن في المسائل السياسية والأخلاقية وكما ينصح فأزمة المياه العالمية هي أزمة وجود وتفرض تحديات كثيرة. هناك مثلاً عدم مساواة في توزيع المياه العذبة فالمدن والمزارع الكبري تستثمر موارد كبيرة لجلب المياه لمكان استهلاكها والسبب ان سكان العالم يتركزون في المدن التي تتزايد أعدادها وتتسع مساحاتها وتتفاقم التحديات أكثر أمام توفير المياه لزراعة مزيد من المحاصيل وهذا ينتج عنه استنزاف مياه الأنهار الكبري والمياه الجوفية. هناك أيضاً ما يحدث من تقلبات في الدورة المائية فينتج عنها فيضانات عارمة أو موجات الجفاف وهو ما يشكل خطراً علي البشرية. ومهما كانت المياه وفيرة فعادة ما تكون غير نقية ولا تصلح للاستخدام الآدمي ونقص المياه النظيفة قضية أخري لكن حجم التلوث في المجتمعات الصناعية التي تنتج المبيدات الحشرية والمخصبات والمعادن الثقيلة يجعل المشكلة أكثر سوءاً. ورغم استفحال المشكلات السابقة فالحلول الفنية متوفرة لتفادي حدوث أزمة حقيقية وأول الحلول أن تبذل الأماكن التي تعاني من الندرة جهداً لاستغلال مواردها بكفاءة أكبر ومع أن المدن الكبري والمزارع تهدر كميات هائلة من المياه لكن سنغافورة مثلاً تعيد تدوير المياه المستعملة لتغطي 40% من احتياجاتها. ويمكن استغلال مياه الزراعة بكفاءة أكبر عن طريق وسائل الري الحديثة التي تعطي لكل نبتة ما تحتاجه فقط كما يمكن لتحلية مياه البحر أن تحمي المدن الساحلية من خطر الجفاف مع استخدام خزانات المياه الجوفية لتجميع مياه الأمطار وحتي المياه شديدة التلوث يمكن تنقيتها لكن كل هذه الحلول مكلفة وعلي المستوي العالمي لم يفكر أحد فيمن يتحمل هذه التكاليف وكم يبلغ حجمها. معظم الحلول الفنية لمشكلات المياه تعتمد علي إقناع الناس بدفع مبالغ أكبر مقابل الاستهلاك وأغلب المدن لا يمكن تحمل تكلفة الاستثمارات الضخمة في البنية التحتية اللازمة للتحلية دون رفع أسعار الاستهلاك كما أن إمدادات المياه النقية مكلفة جداً وترشيد الاستهلاك في الزراعة يلزمه تغيير نظم الري ورفع الأسعار لكي يلجأ المزارعون لطرق الري الحديثة. وفي مجتمعات كثيرة يمثل توفير المياه للشرب أو للزراعة مهمة أساسية للدولة يجب تقديمها مجاناً أو بدعم كبير ويشمل الدعم إنشاء القنوات والخزانات ومحطات الضخ وليس بمستغرب أن يمتنع بعض السياسيين عن إلغاء الدعم للمزارعين في دوائر انتخابية رئيسية. وهناك تحرك أخلاقي ضد رفع أسعار المياه يتمثل في حملة للاعتراف بدور المياه في الحفاظ علي صحة الإنسان ورفاهيته من خلال إعلان حق الإنسان في الماء الذي حظي بدعم الأممالمتحدة وتجلي في دستور جمهورية جنوب أفريقيا. القضية لها جوانب أخلاقية وسياسية بالنسبة لصانعي السياسات فكيف يطالبون الناس بتحمل تكاليف حق من حقوق الإنسان كما أن تسعير المياه يثير قضايا أخري مثل تقييم الفوائد البيئية والحضارية والجمالية فمياه الأنهار الكبري مثل نهر النيل لا يمكن قياس قيمتها مادياً ولو رفع السياسيون الأسعار فهناك فئات لا تستطيع تحمل الزيادة التي سيترتب عليها ارتفاع أسعار الحبوب والخضروات وقد تؤدي لزيادة البطالة في الريف وزيادة الهجرة للمدن الأمر الذي يشكل خطراً علي الأمن الغذائي وقد يؤدي أيضاً لاضطرابات سياسية واجتماعية. والحكومات علي مستوي العالم كله مطالبة بإلغاء الدعم الذي تقدمه للمياه منعاً لإهداره والتبذير في استهلاكه لكنها مطالبة أيضاً بتوفيره للفقراء ومعالجة آثار رفع أسعاره عليهم.