كنت أود التعليق علي تصريحات المهندس سيد سالم رئيس هيئة السكة الحديد التي نشرها أحد المواقع الشهيرة أول أمس وأعلن فيها متفاخرا ان الهيئة سددت الدفعة المقدمة لشراء أكبر صفقة جرارات في تاريخها من خلال التعاقد المبرم مع شركة جنرال اليكتريك الأمريكية لافتا إلي أن الهيئة سددت 5.55 مليون دولار للشركة الأمريكية لتفعيل التعاقد وادخاله حيز التنفيذ. الدفعة المقدمة تعادل 10% من قيمة الصفقة البالغ ثمنها 575 مليون دولار لتصنيع وتوريد 100 جرار وإعادة تأهيل 80 جرارا أخري كانت الهيئة قد استوردتها من الشركة الأمريكية نفسها ثم ظهرت بها عيوب فنية كثيرة أثارت لغطا كبيرا وقت ظهورها! وكنت أود القول انه بحسبة بسيطة نجد ان قيمة الصفقة تبلغ حوالي 10 مليارات جنيه مصري ومع ان الجنيه لم يعد له قيمة فإن هذا المبلغ ليس بالهين وكان من الممكن ألا يخرج من البلاد لو ان لدينا القدرة علي انتاج الجرارات بأنفسنا وفي مصانعنا وبذلك نوفر العملة الصعبة كما نوفر المزيد من فرص العمل لابنائنا من الباحثين عن وظائف. ولا شك في ان هناك تعاقدات كثيرة علي سلع صناعية وغير صناعية مختلفة تستنزف منا الملياهرات من العملة الصعبة "أو بالغة الصعوبة" لاستيرادها وكان يمكن توفير هذه المليارات لو كان لدينا بدائل محلية لهذه السلع وربما كانت لدينا البدائل ولكنها لا تنافس نظيراتها المستوردة في الجودة ولا في السعر! مع ذلك حزنت أشد الحزن وحمدت الله علي اننا نستطيع توفير هذه العملات لاستيراد ما نحتاجه بعد ان شاهدت مقطع فيديو علي الفيس بوك تظهر فيه احدي المذيعات الشابات وهي توجه سؤالا للبعض من الشباب والشابات حول ما إذا كانت أسعار الأرز ستنخفض لو قمنا بزراعة المكرونة! ولا شك في ان السؤال لم يكن جهلا من المذيعة وإنما كان نوعا من اختبار ثقافة الشباب والغريب ان البعض منهم كان له تحفظات علي زراعة المكرونة "لأنها بتاخد ميه كتير" والبعض الآخر أكد انه يفضل زراعة أنواع معينة من المكرونة مثل القلم أو الاسباجتي أو المقصوصة وتحدث آخرون عن زراعة نوعيات من المكرونة بحسب الماركات "أي والله". أي الأسماء التجارية لأنواع معينة من المكرونة! تكلم البعض أيضا عن المحافظات التي يمكن زراعة المكرونة فيها ومن بينها الشرقية أو الغربية أو القاهرة ومن الشباب من كان يقول ان زراعة المكرونة أفضل في الصعيد وغيرهم قال ان الوجه البحري أفضل! هناك ايضا من طالبوا الفلاحين بالتوسع في زراعة المكرونة وآخرون طالبوا الحكومة بتبني هذه القضية للمساهمة في تخفيض أسعار الأرز! بالطبع ليس كل شباب مصر بمثل هذا المستوي من ضحالة الثقافة والفقر في المعلومات العامة فلدينا نسب عالية من الشباب المستنير والمتفتح الذي يفرح القلب. لكن وجود مثل تلك النوعيات من الشباب والشابات الذين يتحدثون عن زراعة المكرونة وكأنها أمر واقع هو مؤشر خطير علي ما يعتور مجتمعنا من عيوب وجوانب ضعف. يجب اصلاحها أولا قبل ان نتحدث عن تحقيق قفزات في مجالات الاقتصاد والصناعة والزراعة والتقدم العلمي. أما السؤال الذي يفرض نفسه علي الجميع: من هو المسئول عن تعليم الشباب وتزويدهم بالمعلومات العامة البسيطة مثل صناعة المكرونة؟ اعتقد بأن الاعلام عليه الدور الأكبر في نشر مثل هذه المعلومات البسيطة التي تعد من البديهيات لكن لولا الاسفاف الاعلامي والتركيز علي الأمور الهامشية والسفاسف "الهايفة" و"فلانة راحت وعلانة جات" لما وصل الأمر ببعض شبابنا إلي هذه الحالة المزرية التي لا يرجي من ورائها خير ولا تقدم! أتمني ألا يأتي اليوم الذي يطالب فيه بعض الشباب بزراعة جرارات القطارات!