يبدو أن العرب لم يتعظوا من الفشل المتكرر الذي أصابهم ثلاث مرات في معركة انتخاب مدير عام لمنظمة اليونسكو - منظمة الأممالمتحدة للتربية والعلوم والثقافة - بسبب كثرة مرشحيهم لهذا المنصب.. وعدم اتفاقهم علي مرشح واحد يمثلهم.. وبالتالي تتشتت أصواتهم وأصوات الدول التي يمكن أن تساندهم وتكون النتيجة الطبيعية أن يذهب المنصب لغيرهم. منذ إنشاء اليونسكو عام 1945 حظيت هذه المنظمة بعشرة مديرين.. كان لأوروبا وأمريكا الشمالية النصيب الأكبر ب 6 مديرين.. ومدير واحد من كل من أمريكا الجنوبية وأفريقيا وآسيا وأوروبا الشرقية.. بينما بقيت المجموعة العربية بعيدة عن المنصب.. لم يصل إليه مرشح عربي أبدا بسبب التشرذم العربي المشهود. في معركة اليونسكو لهذا العام هناك 9 مرشحين يتنافسون.. منهم 4 مرشحين عرب هم: المرشحة المصرية السفيرة مشيرة خطاب وزيرة الدولة للأسرة والسكان سابقا.. والمرشح القطري حمد بن عبد العزيز الكواري وزير الاعلام والثقافة.. والمرشح العراقي د. صالح الحسناوي وزير الصحة السابق.. والمرشحة اللبنانية فيرا خوري المندوبة الدائمة لبلادها في اليونسكو. وقد بحت أصوات المخلصين من المثقفين العرب في مناشدة جامعة الدول العربية كي تتدخل وتقوم بدور تنسيقي للاتفاق علي مرشح عربي واحد تقف وراءه المجموعة العربية والدول المساندة في آسيا وأفريقيا.. لكن للأسف هذه الأصوات لم تجد أية استجابة. ومن سوء الحظ أن تقدمت فرنسا في اللحظات الأخيرة قبل غلق باب الترشيح بتقديم الأوراق لترشيح وزيرة الثقافة ذات الأصول المغربية "أودري أزولاي" التي بدأت نشاطها الثقافي في أوروبا عام 2002 ويدعمها اللوبي الصهيوني بقوة لجذورها اليهودية.. وفي ظل الحركة المتعمدة لبعثرة الأوراق يمكن أن تحسب هذه المرشحة أيضا علي المجموعة العربية.. وتحصل علي أصوات مؤثرة من أفريقيا وآسيا. ومع عدم اغفال أهمية المنافسة مع المرشحين الآخرين "الخطرين" فإن العرب - كما هو واضح - ينافسون أنفسهم.. رغم أنهم يعرفون مصير هذا التشتت ونتائجه علي النحو الذي حدث من قبل 3 مرات.. ويصرون علي الفشل الرابع الذي تشير إليه كل الشواهد والمقدمات. في معركة اليونسكو عام 1999 رشحت مصر الدكتور اسماعيل سراج الدين ورشحت السعودية الدكتور غازي القصيبي ففاز المرشح الياباني كوشيروا ماتسوا.. وفي 2009 رشحت مصر فاروق حسني وزير الثقافة ورشحت الجزائر محمد بيجاوي ففازت المرشحة البلغارية إيرينا بوكوفا التي استمرت لفترة أخري بعدما تفتتت الأصوات العربية عام 2013 بين الجيبوتي رشاد فارح واللبناني جوزيف مايلا. والغريب أن العرب بعد كل تجربة فاشلة يتحدثون عن أن هناك مؤامرة أمريكية صهيونية تترصدهم.. وأن الغرب لن يسمح بأن يترأس اليونسكو عربي.. ولذلك يقوم بالضغط علي بعض الدول لتغيير تصويتها.. بينما يتهم البعض العرب أنهم هم الذين يضرون أنفسهم بانقسامهم في كل مرة.. وتفتيت الأصوات لصالح الآخرين. وليس سرا أن هناك أصواتا عربية ومصرية مخلصة دعت منذ فترة مبكرة أن تتقدم مصر بمرشح آخر غير السفيرة مشيرة خطاب.. يكون أكثر التصاقا بالعمل الثقافي وأكثر اهتماما بالآثار والتاريخ.. ليكون منافسا قويا لا يعتمد فقط علي العمل الدبلوماسي الرسمي.. ومازالت هذه الأصوات تطالب السفيرة خطاب بتغيير برنامجها الإعلامي للخروج من الطبيعة الرسمية التقليدية والوظيفية.. والخروج من أروقة السفارات ومكاتب الخارجية إلي الحوار الثقافي الحي وتبادل اللقاءات والمناقشات.. والمشاركة في الفعاليات الثقافية والتربوية بما يمنح برنامجها الحيوية والعلاقة بالواقع.. ويعطينا أملا أكبر في الفوز بالمنصب رغم كل التحديات والسلبيات.