العنوان يشير إلي أشياء الحياة الرئيسية التي تتداخل وتؤثر في حياة المرء.. ومن الممكن أن تكون موضوعاً لعشرات الأفلام. وهي بالفعل أشياء مجردة ولكنها حاضرة علي نحو أو آخر في حياة معظم البشر.. وكتاب السيناريو بمقدورهم أن يغزلوها لصناعة أعمال جذابة تستوعب المتفرج وتشغله بزوايا مختلفة للنظر إلي حياتهم.. ومن الأفلام المميزة في عام 2016 الفيلم الأمريكي الذي شاهدته في القاهرة بعنوان "جمال جانبي" collateral beauty الذي تشارك فيه مجموعة من الممثلين الكبار المرموقين والجماهيريين مثل ويل سميث وكيت وينسلت وكيرا فانتيلي وادوارد نورثون وهيلين ميرين وناعومي هاريس.. وقصة الفيلم تتناول المحنة التي يمر بها "هوارد" المدير التنفيذي لشركة إعلانات ناجحة. ترحل ابنته الوحيدة البالغة من العمر ست سنوات بسبب مرض السرطان الأمر الذي يصيبه بالحزن إلي درجة الزهد في الحياة واعتزال الشركة وزملائه في إدارتها وهو الذي شاهدناه في بداية الفيلم متفائلاً. ومُقبلاً علي الحياة. ومدركاً لجوهرها ولقيمة النجاح وللأشياء التي تترابط وتتداخل معاً في حياة كل إنسان ألا وهي: الحب. الزمن. والموت.. ولكن كارثة الرحيل وفقدان إنسان عزيز والوجع الملح الذي يصطاد الروح ويحرم المرء من ممارسة حياته الطبيعية تجعله يكتب رسائل ويبعث بها إلي "الزمن" و"الحب" و"الموت" من خلالها ينفث غضبه ويكشف عن جراحه وحجم الألم الذي يعانيه أي انه يحول الأشياء المجردة عبر خياله إلي "شخوص" يتواصل معها عبر هذه الرسائل.. لكن عالم المال والإعلان والبزنس لا يعرف الزهد ولا اعتزال الحياة. وزملاء "هوارد" وقد أزعجهم ما يهدد مشروعهم وشركتهم يخططون لاستعادة "هوارد" ويلجأون إلي مُخبر سري ثم إلي ممثلين يعاركون من أجل انتاج عمل فني لكي يقوموا بأدوار "الزمن" و"الموت" و"الحب". ويظهروا في حياة زميلهم "هوارد" الغارق في حزنه. وكأنهم جاءوا اليه استجابة لرسائله.. فإذا لم "يطفو" ويعود إلي الشركة بعقله. فسوف يجأون إلي الكمبيوتر ويمحون صور الممثلين من المشاهد التي تم تصويرها سراً بحيث يبدو وكأنه يخاطب نفسه ويعبر عن ثورته وغضبه بينما يقف وحيداً في الشارع ومن ثم يمكن الإدعاء بأنه أصيب بلوثة عقلية ويجوز التحرر من شراكته وإدارته وبيع أسهم المؤسسة حسب ما يتراءي لهم.. وتتضمن القصة التي كتبها آلان لوب وأخرجها دافيد فرانكل خطين يتم الجمع بينهما رغم تضادهما.. الخط الذي يرتبط بالبزنس وعالم الإعلانات الذي يجعل العاملين فيه أثرياء وبمقدورهم التصرف لإنقاذ مشروعهم بمنطق الغاية تبرر الوسيلة. والوسيلة التي لجأ زملاء المهنة تعتبر في الحقيقة وسيلة ليست أخلاقية تقدم المصلحة المادية علي الجانب الإنساني وعلي صلة الصداقة. وهو الخط الذي يجسده "ويت" "ادوارد نورثون" وكلير "كيت ونسلت" و"سيمون" "مايكل بينا" والثلاثة زملاء هوارد وأصدقاؤه في نفس الشركة.. ثم الخيط الثاني فلسفي يتأمل الكدمة العميقة التي تضع الأب المكلوم في هوة سحيقة من الحزن لم يخرج منها إلا بعد أن يلتقي بأم تعاني من نفس حالة الحزن "ناعومي هاريس" وهذه تشده إلي حضور جلسات علاجية لفريق من الناس لديهم كدمات مشابهة.. أي انه يلوح في النهاية بإمكانية الشفاء.. ولكن عنوان الفيلم "جمال جانبي" يشير إلي التأثير الإيجابي الذي يصاحب تجربة الخروج الصعب من هوة الحزن وتجاوز مشاعر العزلة بسبب فقدان إنسان عزيز فما بالك لو كان هذا الإنسان "ابن" أو ابنة.. يقول آخر: النساء والرجال المجروحون الذين يعيشون الجهاد الصعب من أجل تجاوز جراحهم يمنحوننا فرصة للتعليم كيف نداوي الجراح ونوقف نزيف الألم والمعاناة ومن ثم إعادة النظر إلي العالم بمنظار أقل عتامة وهذا ما يتحقق لبطل الفيلم.. ولكن التجربة هنا لا تطول الشخصية الرئيسية فقط. وانما هناك زميله "ويث" الذي يعاني من قصور في الحب الذي يميز العلاقة مع ابنته الصبية الصغيرة بعد طلاقه لأمها.. و"سيمون" نفسه الذي يعاني من اقتراب الموت بسبب المرض العُضال الذي يؤكد نهايته وبالتالي عليه أن يتصالح مع "الكدمة" المؤلمة ويعلن لأسرته الحقيقة ويحاول أن يكيف ظروفه معها.. و"كلير" لديها مشكلة مع الزمن بعد أن فاتها القطار "الزواج" لانها أولت كل اهتمامها لعملها الناجح في شركة الإعلانات. ورغم استمتاعي شخصياً بأداء فريق الممثلين الرائع. والمخلص للشخصيات التي لعبوها وأيضاً بالفكرة التي يشير اليها العنوان. وبالجمال اللافت لعنصر التصوير الذي ينقل وقائع الفيلم في مدينة نيويورك. المدينة التي كانت وسوف تظل خلفية لعشرات أو ربما مئات الأفلام إلا أن الفيلم يستحضرها من زوايا مختلفة تبرز ملامحها بصورة مثيرة للفضول.. رغم ذلك كله لم يعجب الفيلم النقاد الأمريكيين الذين كتبوا عنه وبعضهم اعتبره من أسوأ الأفلام في 2016 ولا يصلح بأن يكون الفيلم الذي يشاهده الناس في أعياد الكريسماس.