الفن قلوبنا معكم.. نهفو لزيارة مصر.. ننهل من حضارتها.. نتأمل تاريخها.. متأكدين أن المستقبل يحمل لها ملامح الخير.. التحذيرات لن تمنعنا من الذهاب لمصر.. فشعبها طيب ودود.. لتحيا مصر.. حضارة وشعبا. كانت هذه الكلمات تتردد في ختام المهرجان لتحية شاب مصري لم يتخط عمره الثالثة والعشرين.. لكنه موهوب رفع رأسنا عاليا.. بفيلم قصير لاتتجاوز مدته إحدي عشرة دقيقة عرض في إطار المسابقة الرسمية للأفلام القصيرة وفاز بجائزتي (الجمهور) و(جمهور الشباب) كما عرض في ختام المهرجان قبل فيلم (المتوحشون الجدد) وهو إنتاج أسباني أرجنتيني إخراج «دميان سيزفرون».. وعودة مرة أخري لمخرجنا المصري الشاب «كريستوف محمد صابر» الذي يدرس في السنة النهائية حاليا بجامعة «لوزان» بسويسرا.. وفيلمه «نظام» هو فيلم مشروع تخرجه. جائزة الجمهور لبقالة مصرية.. في لوزان السويسرية «الحمام في الكيلو 375».. فن صناعة الخوف نصف رجل ونصف امرأة «صديقة جديدة» «كريستوف» من مواليد عام 1991 تخرج في المدرسة الأمريكية بالقاهرة عام 2009، ليسافر إلي الولاياتالمتحدةالأمريكية ليحصل علي تدريب في الإخراج «ديجيتال».. لمدة عام.. لينتقل بعد ذلك إلي سويسرا.. ليلتحق بجامعة لوزان للفنون والتصميمات قسم السينما. من خلال كوميديا راقية يقدم كريستوف فيلمه داخل محل للبقالة يديره اثنان من المصريين في مدينة لوزان.. أحدهما يجيد الإنجليزية والآخر لايعرف سوي العربية.. وفي التاسعة والنصف وقبل إغلاق المحل.. يدخل أحد الآباء بصحبة ابنه الذي يود الحصول علي حلوي ولايستمع إلي كلام والده الذي ينفد صبره.. وفي لحظة غضب يقوم بصفع ابنه «بالقلم».. لتثور ثورة سيدة سويسرية كانت متواجدة في المحل.. وتتهمه بأنه يعامل ابنه بعنف وأنها ستطلب له الشرطة.. يحاول عبثا أن يفهمها أنها مجرد صفعة بسيطة لكنها تعطيه درسا في حقوق الطفل.. ورحم الله أيام «الشبشب» الذي كانت تستعمله جداتنا وأمهاتنا.. ومازال البعض يسير علي خطاهن حتي الآن خصوصا عندما «يحرن» الصغار عن تناول الطعام. ويتجمع زبائن المحل كل يدلي بدلوه في الموضوع لتحدث بينهم اشتباكات طريفة جعلت الصالة تضج بالضحكات الهيستيرية الناتجة عن تشابك وتداخل المواقف. إن «كريستوف» نجح في أن يجعل الجماهير تهتف له.. وأن يكون خير دليل علي أن مصر معطاءة وشبابها بخير.
كانت لحظة من أمتع اللحظات عندما وصل القطار إلي محطة مونبلييه ووجدت شابة جميلة ترحب بي بلهجة مصرية صميمة قائلة «حمدا لله علي السلامة».. لتضيف قائلة «أنا مريم» مرافقتك ومرافقة لجنة تحكيم النقاد. وسعادتي «بمريم» كانت كبيرة لأنها كانت شديدة الالتزام ومصدر فخر للفتاة المصرية في الغربة.. وهي في سنتها النهائية بجامعة مونبلييه وتدرس السينما.. لقد حازت مريم بانضباطها وخلقها إعجاب لجنة التحكيم بكاملها وأشادوا بها.. وهو ما أسعدني بأن بنات مصر فعلا يشرفن بالخارج. «مريم» كانت سعيدة بفوز فيلم «كريستوف» بجائزتين وصعدت علي خشبة المسرح لتتسلم الجائزة وتتلو رسالة «كريستوف» للمهرجان.. وتعرب عن سعادتها الشخصية بهذا الفوز.. لأن مخرجنا الشاب كان زميل الدراسة منذ الطفولة.
وجه مصري أصيل لشاب يتمتع بموهبة عالية فتذكروا اسمه جيدا «عمر الزهيري» الذي عرض له في إطار المسابقة الرسمية للأفلام القصيرة فيلمه (بعد الافتتاح الحمام في الكيلو 375) ومدته 18 دقيقة كتب له السيناريو «شريف نجيب» وقام بالبطولة (سامي سيد).. وهو فيلم ساخر للغاية.. يعكس حال الموظف البسيط الذي يعتريه الخوف العارم من المسئول الكبير.. ففي أثناء وضع أحد المسئولين لحجر الأساس لأحد المشاريع.. يقوم الموظف الصغير بالعطس. بعد ذلك يقوم بالاعتذار بشتي الطرق للمسئول الذي يصم أذنيه تماما.. ويزيده قهرا.. عمر من مواليد 1988 التحق بالمعهد العالي للسينما.. ومنذ عام 2007 وهو يعمل مساعد مخرج للأفلام الإعلانية التليفزيونية.. وبعض الأفلام الوثائقية.. كما عمل مساعدا مع المخرج القدير «يسري نصر الله».. وفيلمه «الحمام في الكيلو 375» هو فيلمه الثاني القصير.. بعد فيلم «زفير» الذي عرض بمونبلييه سنة 2012 ولاقي نجاحا كبيرا.
«ألف رحمة ونور» علي كل عزيز فارقنا.. وغادرنا إلي عالم أفضل.. لوعة الفراق وقسوته.. ليلة أن يغادرنا رفيق الدرب.. شريك العمر لحظة يأس.. حزن.. شجن.. بين شقيقتين مسنتين توفي زوج إحداهما.. لفتة إنسانية من خلال صورة سينمائية راقية.. قدمتها بحساسية شديدة المخرجة المصرية الشابة «دينا عبدالسلام» في فيلمها «رحمة ونور».. لم يسعدني الحظ بلقائها.. لكن فيلمها ترك علامة لدي المشاهدين من جمهور المهرجان.. «دينا» ولدت في الإسكندرية سنة 1976.. «وألف رحمة ونور» هو فيلمها الثاني.. كما صدرت لها رواية أدبية.. وهي تعمل أستاذة للأدب والنقد في القسم الإنجليزي بكلية الفنون. هذه الوجوه المصرية الشابة كانت «خير زاد» في هذه الرحلة السينمائية لواحد من أعرق المهرجانات.. في مدينة الشباب مونبلييه.. رفعوا فيها اسم مصر عاليا.. فتحية لهم من القلب. نقطة التحول في رحلة الحياة كثيرا ما تقابلنا نماذج غريبة ومتنوعة من البشر.. نهتم لأمرها نصطدم بها.. لكن أبدا لا نستطيع أن نبدي لامبالاة أو تجاهلا.. لأن الأمر يكون أشد خطورة مما نعتقد.. وفي حياة أي إنسان تكون هناك «لحظة فارقة» تغير تماما من دفة حياته.. تتبدل فيها ذاته.. لكن ياتري هل يكون ذلك نابعا من فراغ أم أن هناك دوافع مدفونة وكامنة في النفس البشرية تحتاج إلي لحظة لكي تنطلق من مكنون صاحبها مهما كانت غرابتها. وهذا هو ما كشف عنه أحدث أفلام المخرج الفرنسي الكبير «فرانسوا أوزون» في فيلمه «صديقة جديدة» بطولة الممثل الشهير «رومان دوريس». الذي أدي دورا شديد الروعة عن رجل فقد زوجته التي كان يحبها بجنون تاركة طفلة صغيرة لم يتجاوز عمرها بضعة أشهر.. الصدمة التي اعترته وجعلته يفقد اتزانه.. كان تأثيرها أكبر علي صديقة زوجته «كلير» فقد نشأتا معا طفولة وصبا وشبابا.. كلتاهما كانت لها حياتها الأسرية الناجحة، لكن صداقتهما كانت أجمل شيء في الحياة. عندما تذهب «كلير» لتتفقد أحوال زوج صديقتها.. تجده يرتدي ثيابها.. ويضع علي رأسه باروكة شعر.. في البداية تكاد تنهار.. لكنه يخبرها أنه يحاول بتلك الطريقة أن يتجاوز أحزانه.. لكنه بعد فترة يعترف لها بأن زوجته الراحلة كانت علي علم بأنه يميل في بعض الأحيان للأنوثة.. رويدا رويدا.. تبدأ صداقة تجمع بين «جولييت» كما أطلق الزوج علي نفسه وبين «كلير».. لتعتبرها «كلير» أفضل صديقة لها. نجح الممثل القدير «رومان دوريس» في أن يقدم شخصية الزوج الحزين الذي يهوي التحول إلي أنثي.. وربما من أجل ذلك حرص «رومان» علي أن يطلق ذقنه وكأن عقله الباطن يحاول أن ينفي عن نفسه تهمة أنه مخنث.. وأيا كانت الأفكار الغريبة علي مجتمعاتنا الشرقية.. والغربية أيضا في بعض الأحيان إلا أن الفيلم كان شديد المتعة ويعتبر إضافة لنجاحات «أوزون» منذ أن بدأ مشواره الفني سنة 1988 من خلال فيلمه الروائي الأول. إن الغوص في النفس البشرية بما فيها من غرائب تفوق أغرب الرحلات.. ولعل ما قالته «سيمون دي بوفوار» ما فيه الكثير من الحقائق المستترة.. «إننا لا نولد نساء.. لكننا نتحول ونتربي علي ذلك».